فوبيا الـ”BDS”

ضحى سعيد

يشكل نشطاء وداعمو حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل الـ”BDS” حالة قلق وازعاج لإسرائيل وقيادتها العسكرية لمجرد تواجدهم فيها، متخذة قرارات وتدابير قاسية ضد النشطاء الأجانب اللذين ينتمون لهذه الحركة، بمتابعتهم وملاحقتهم ومنعهم من دخول فلسطين عبر كافة المنافذ.

ومع تزايد هلع دولة الاحتلال من حركة الـBDS، يزداد الاهتمام الشعبي والعالمي بالحركة وانضمام العديد من الأجانب لها، خاصة أنهن يشاركون بأهم أشكال المقاومة الشعبية المؤثرة التي تدعم وتساند نضال شعبنا وحقه في تقرير مصيره.

وقبل عدة أيام، نشرت الناشطة الأميركية اليهودية اربيل غولد على صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي لها وهي تلاحق جنود إسرائيليين في الخليل وتتهمهم بانهم جنود ابارتهايد، لتقرر دولة الاحتلال منعها بعدها من دخول إسرائيل وفلسطين وقامت بالتحقيق معها، وهو ما تكرر مرارا مع عدد من نشطاء الحركة، بعد نجاحها في تحقيق الكثير من الانجازات ولفت النظر للقضية الفلسطينية سواء فيما يتعلق بالمقاطعة الاقتصادية كذلك المقاطعة الثقافية والفنية والاكاديمية في دول العالم.

الناشط في حقوق الإنسان والعضو المؤسس في حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها عمر البرغوثي، قال في مقابلة مع “وفا”: إن النمو المطرد لتأثير حركة المقاطعة سبب هلعا لنظام الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري، وهو سبب الحرب المجنونة التي يشنها هذا النظام ضد الحركة، وتأتي سياسة منع دخول ناشطي الحركة إلى فلسطين وأراضي الـ48 ككل ضمن هذه الحرب اليائسة التي فشلت على أرض الواقع في إبطاء انتشار حركة المقاطعه أو التخفيف من عزلة إسرائيل المتصاعدة حول العالم.

وأضاف البرغوثي إن منع الناشطة آرئيل غولد ونشطاء يهود أميركيين آخرين مؤيدين لحركة المقاطعة BDS يعكس أمراً في غاية الأهمية بالنسبة لاستراتيجية الحركة، وهو النمو الكبير في السنوات الأخيرة في تأييد الشباب اليهود-الأميركيين لنضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرر الوطني وعودة اللاجئين إلى ديارهم وإنهاء نظام الأبارتهايد الإسرائيلي.

وتابع: “كانعكاس لهذه الظاهرة التي باتت تقض مضاجع إسرائيل زاد تأييد الشباب اليهود-الأميركيين لحركة المقاطعة BDS، ما سحب البساط من تحت أقدام النظام الإسرائيلي وآلته الإعلامية الضخمة التي تحاول باستمرار دمغ الحركة بـ”معاداة السامية”، مبينا أنه في استطلاع لآراء اليهود-الأميركيين عام 2014 الذي أجراه اللوبي الإسرائيلي الأحدث “جاي ستريت” (J Street)، أيد 46% من اليهود الذكور تحت سن 40 المقاطعة الشاملة لإسرائيل.

وأكد أن حركة المقاطعة الفلسطينية ذات الامتداد العالمي BDS تقف بصرامة ضد كل اضطهاد وكل عنصرية وتمييز عنصري، وتصر على ربط نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقنا غير القابلة للتصرف مع كافة النضالات التقدمية حول العالم من أجل العدالة والحريات والمساواة بين البشر، لذا استطاعت الحركة أن تكسب التقدميين حول العالم، بمن فيهم اليهود الرافضون للصهيونية ولنظام إسرائيل الاستعماري وجرائمه بحق شعبنا في الوطن والشتات.

وأشار البرغوثي إلى أنه منذ انتخاب حكومة أقصى اليمين الإسرائيلي في 2015، أسقطت إسرائيل قناع “الديمقراطية” الزائف والمهترئ الذي كانت تخفي خلفه وجهها الحقيقي كنظام استعمار وأبارتهايد، لذا تخشى من تزايد الأدلة على جرائمها وبالتالي رفد الحركات الاجتماعية وأطر المجتمع الدولي العالمي التي باتت ترى إسرائيل على حقيقتها بعتاد جديد يغذي مناصرتها لنضال شعبنا.

وشدد على أن القمع والترهيب الإسرائيليين ضد ناشطي المقاطعة لم يؤثر سلباً على الإطلاق على حركة BDS، بل زادها أنصارا، فالحركة تقدر بعمق دور المتضامنين الدوليين لكنها لا تعتمد على قدومهم إلى فلسطين لمعاينة الواقع ودعم نضالنا هنا، بل تعتمد على قيامهم بحملات مقاطعة مؤثرة ومدروسة بعناية في بلدانهم لإنهاء تواطؤ شركاتهم ومؤسساتهم ومن ثم حكوماتهم في إدامة نظام الاضطهاد الإسرائيلي المركّب ضد شعبنا في الوطن والشتات.

وقال البرغوثي لـ”وفا”: “عندما تمنع إسرائيل بعض الناشطين من الدخول، يعودون إلى بلادهم ليكشفوا زيف الدعاية الصهيونية ويعززوا نمو حركة المقاطعة لعزل النظام الإسرائيلي ومؤسساته وشركاته المتواطئة في جرائمه”.

وأضاف أنه رغم الإنجازات الهامة لحركة المقاطعة منذ انطلاقها في 2004/2005 على الصعيدين الأكاديمي والثقافي، إلا أن إسرائيل لم تتعامل مع الحركة كـ”خطر استراتيجي” إلا في 2014 أي بعد أن بدأت الحركة تؤثر بشكل ملموس ومتصاعد على الاقتصاد الإسرائيلي في الوقت الذي لا توجد دراسات دقيقة لحجم خسائر الاقتصاد الإسرائيلي جرّاء المقاطعة حتى الآن، لكن بعض المسؤولين الإسرائيليين بات يتحدث عن خسائر تصل إلى مليارات الدولارات، فوزير المالية الإسرائيلي الأسبق يائير لابيد، صرح منذ أعوام قليلة أن “اقتصاد إسرائيل أكثر هشاشة من أمنها القومي”، وأصدرت الوزارة في حينه تقريراً ينص على “أن المقاطعة هي أكبر خطر على الاقتصاد الاسرائيلي”.

وأوضح أن تمحور الاقتصاد الإسرائيلي حول التجارة العالمية يعد مصدر قوة ومصدر ضعف في آن واحد، وهو من أهم المؤشرات غير المباشرة على التأثير الاقتصادي لحركة المقاطعة بحسب ما كشفه “معهد التصدير الإسرائيلي” من أن صادرات إسرائيل عام 2015 انخفضت بنسبة 7% بالمقارنة مع العام 2014، وانخفضت مرة ثانية في النصف الأول من العام 2016 بنسبة تفوق 6%، وفي العام 2015، حذّرت وكالة موديز، الجهة الرائدة في مجال التصنيف الائتماني، من أن “الاقتصاد الإسرائيلي قد يعاني إذا تطورت حركة BDS أكثر. وتوقعت في 2014 مؤسسة راند الأميركية أن يؤدي استمرار صعود حركة المقاطعة إلى خسارة في الناتج القومي الإسرائيلي خلال السنوات العشر التالية بنسبة 1% إلى 2%، أي بين 28 و56 مليار دولار”.

وتابع البرغوثي: “يعتمد جزء من التأثير الاقتصادي لحركة المقاطعة على الجانب النفسي، فقد صرّح رجل الأعمال الإسرائيلي إدوار سوكيرمان لوسائل الإعلام الإسرائيلية أن تنامي قوة حركة BDS يؤدي إلى تَجَنّب معظم الشركات الأوروبية الكبرى الاستثمار في الاقتصاد الإسرائيلي”.

وطرح البرغوثي مثالا وانطلاقاً من حقيقة أن 35% من الصادرات الإسرائيلية في 2014 ذهبت إلى أوروبا، حيث قال الرئيس التنفيذي لشركة “Clarity Capital” الاستثمارية، “إذا نجحت حركة المقاطعة BDS في إقناع فقط 25% من المستهلكين الأوروبيين بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، فإن ذلك من شأنه أن يمثل انخفاضاً بنسبة 2.8% في الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي، وبما أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي الحالي هو 2.5%، فإن هذا الانخفاض في أوروبا وحده من شأنه أن يدفع إسرائيل إلى الركود الاقتصادي”.

وأضاف: بسبب النموّ لحركة المقاطعة وإسقاط إسرائيل للقناع مع صعود أقصى اليمين واليمين الفاشي إلى سدة الحكم، تدنّت شعبية إسرائيل بين شعوب العالم إلى أدنى المستويات، فالحركة أصبحت ظاهرة عالمية وخلقت مساحة للعمل الفردي والجماعي المبدع المؤثر والقادر على المساهمة في إحداث تغيير حقيقي في موازين القوى كما أن أحد أهم انجازاتها توحيد الكل الفلسطيني على أجندة وطنية بامتياز تصرّ على الحقوق غير المنقوصة في الوطن والشتات.

وأشار إلى أن إلغاء المباراة الودية لمنتخب كرة القدم الأرجنتيني مع نظيره الإسرائيلي وإلغاء المغنية الشهيرة شاكيرا لحفلها في تل أبيب، وانضمام عشرات الفرق الموسيقية البريطانية للمقاطعة الثقافية لإسرائيل انجازات مهمة.

وفي محاولة لتجريم الحركة ونزع الشرعية عنها، أوضح البرغوثي أن إسرائيل لا تكتفي بسلاح التطبيع، بل تشن منذ 2014 حرباً هائلة استخباراتية وقانونية ودعائية والكترونية وقانونية ضد حركة المقاطعة في فلسطين وحول العالم بعد فشلها في محاربتها شعبيا في الوقت الذي نجحت الحركة خلال 2016 و2017 في كسب الدعم للحق في المقاطعة من الاتحاد الأوروبي وحكومات السويد وإيرلندا وهولندا وبرلمانات سويسرا وإسبانيا، وكذلك من منظمة العفو الدولية والاشتراكية الدولية ومئات الأحزاب والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني في أوروبا.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version