المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

هكذا وظّف حزب الله وحماس مفهوم “المقاومة” حفاظًا على سلطتيهما السياسية

تغيير التفسيرات الدينية خدمةً لأغراض سياسية

“اضطر حزب الله وحماس إلى تغيير مفهوم المقاومة مرات عدة حسب التغيرات السياسية على الأرض، وذلك من أجل إضفاء الشرعية على ممارساتهما، وإعطاء تبرير للاحتفاظ بأسلحتهما”، هذا ما ذكرته الباحثة في حركات الإسلام السياسي، المؤلفة الألمانية مارين كوس، صاحبة كتاب “المقاومة، والسلطة، ومفاهيم النظام السياسي لدى المنظمات الإسلامية: حماس وحزب الله (2018)”.

برغم اختلاف وجهات نظر حزب الله وحماس الدينية، إلا أنهما يتشاركان معتقدات محددة، على وجه الخصوص قبول “الاجتهاد”، أي التفسير العقلاني للمصادر الإسلامية الرئيسة، الأمر الذي يساعدهما في القدرة على تغيير تفسيراتهما [الدينية] وفقًا للتغييرات السياسية على الأرض. ولهذا، فإن حزب الله وحماس لا يطبقان المصادر الإسلامية الرئيسة بالمعنى الحرفي أو الثابت، لكنهما يعيدان تفسيرها حسب الأجندة السياسية المتقلبة. ومن أجل فهم آليات التفسير الموجه عند كل طرف، لا بدّ من النظر إلى تغير مفهوم “المقاومة” حسب تغير المعطيات السياسية على الأرض.

حزب الله: إعادة تفسير المقاومة للحفاظ على السلطة

منذ اللحظة الأولى لتأسيسه، قام حزب الله بإعادة تعريف مفهوم المقاومة مرات عدة؛ ففي البداية، وصف هدف المقاومة بـ”تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي”، الذي استمر منذ عام 1982 حتى عام 2000. وعندما انسحبت إسرائيل بشكل أحادي الجانب في مايو/أيار 2000، صور حزب الله التطور بـ”انتصار” للمقاومة، وللبنان ككل.

في ذلك الحين، كان حزب الله يتذرع بكلمة “احتلال” من أجل الحفاظ على أسلحته، إلا أن الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 هدّد هذا المبرر، مما اضطر المنظمة الشيعية إلى توسيع مفهوم المقاومة، ليشمل “ردع” إسرائيل، مدّعيًا أن أسلحته ستساعد في حماية لبنان من التهديد الإسرائيلي الدائم. وقد تمكن حزب الله من دمج هذا المفهوم المزدوج للمقاومة –التحرير والردع– في البيان الوزاري الافتتاحي عام 2005 للحكومة اللبنانية، وهي أول حكومة يشارك بها حزب الله.

وفي عام 2013، وسّع حزب الله مفهوم المقاومة من جديد، وسط المزيد من التغيرات السياسية. في ذلك الوقت، كان الحزب متورطًا رسميًا في الصراع السوري دعمًا لنظام بشار الأسد، وهو قرار لم يتناسب تمامًا مع ادعاءات حزب الله طويلة الأمد حول “القتال نيابة عن المظلومين”. وحينها، أعلن الأمين العام حسن نصر الله أن المقاومة تشمل “القتال ضد تهديدات الجهاديين السلفيين أينما وجدوا”، وبهذا، أوجد نصر الله مبررًا لتواجد قواته على الأراضي السورية، باعتبار ذلك أداة “لتعزيز استقرار لبنان”.

من خلال إعادة تفسير المقاومة وفقًا للظروف المتغيرة، تمكن حزب الله من الاحتفاظ ببعض المساحة للمناورة. لقد تكيّف التنظيم مع التهديدات الجديدة لإضفاء الشرعية على أجندته العسكرية غير المشروعة، حتى من منظور قاعدته الخاصة، والمجموعات الأخرى في لبنان، وهي خطوة هامة في مجتمع منقسم بطبيعته. إضافة إلى ذلك، فإن إعادة تفسير مفهوم المقاومة بشكل ديناميكي سمح للحزب بالحفاظ على جناحه العسكري، وبالتالي الحفاظ على السلطة والنفوذ الكليّ في لبنان.

حماس: المقاومة – إستراتيجية لإدارة نزاع سياسي

على غرار حزب الله، استخدمت حماس مفهوم المقاومة بمرونة، وغيرت من معالمه وفقًا لتغير الظروف. على سبيل المثال، شددت المنظمة على ضرورة “ممارسة المقاومة” في أحيان، وقللت من أهميتها في أحيان أخرى، وذلك تبعًا للحالة الراهنة والمراحل الحرجة. ينطبق هذا على الفترة التي حصلت فيها الانتخابات الفلسطينية، عندما تولت حماس مسؤوليات الحكم آنذاك.

ومن الأمثلة البارزة، تغييب مفهوم المقاومة وعدم الإشارة إليها في منابر حماس السياسية، في الفترة التي سبقت الانتخابات التشريعية عام 2006. ففي حملتها الانتخابية آنذاك، سعت حماس إلى مناشدة مجموعة واسعة من الناخبين من مختلف المعسكرات السياسية في الأراضي الفلسطينية، التي تشمل ناخبين لا يدعمون “المقاومة العسكرية” ضد إسرائيل.

وعلى النقيض من ذلك، استخدمت حماس مفهوم المقاومة بشكل مختلف للغاية بعد أن استولت عسكريًا على قطاع غزة عام 2007. حينها، قامت حماس بمأسسة المقاومة في الهياكل السياسية في القطاع، حيث جعلت جناحها المسلح –كتائب عز الدين القسام– مسؤولًا عن ضمان الاستقرار الخارجي للنظام السياسي في غزة ضد فتح، بالإضافة إلى الاستقرار الداخلي في مواجهة الجماعات السلفية. أدركت حماس صعوبة أن تكون حكومة وحركة مقاومة في الوقت ذاته، ولهذا، قسّمت مفهوم المقاومة إلى قسمين: “المقاومة التكتيكية”، و”المقاومة الإستراتيجية”. وبناء على هذين المصطلحين المستجدّين، قبلت حماس من “الناحية التكتيكية” فرضية قيام دولة فلسطينية على أساس حدود 1967، إلا أنها ادّعت تحرير كل فلسطين “من الناحية الإستراتيجية”، وهنا يكمن التناقض والازدواجية.

بالإضافة إلى ذلك، وسّعت حماس مفهوم المقاومة ليشمل “المقاومة الشعبية”، التي عارضتها بشدة منذ تأسيسها، التي دعت إليها حركة فتح مرارًا وتكرارًا منذ زمن بعيد. حصل ذلك للمرة الأولى في عام 2011، بالتحديد خلال محادثات المصالحة مع فتح، عندما كان خالد مشعل رئيسًا للمكتب السياسي. وفي أوائل عام 2018، أحيت حماس فكرة المقاومة الشعبية السلمية تزامنًا مع مسيرات العودة، وحثت عليها بشكل كبير، بما يتناقض مع مفاهيمها السابقة المحرّمة بشكل صارخ، وبالتحديد مع “وثيقة المبادئ والسياسات العامة” لعام 2017، التي تؤكد فيها أن “المقاومة المسلحة هي المحور الوحيد والرئيس”، وأن “المقاومة المزيفة” لا مكان لها في صفوف حماس.

المصالحة مع “محور المقاومة” والمنافع المتبادلة

ظهرت العلامات الأولية للانشقاق بين حماس ومحور “إيران – حزب الله – سوريا” في النصف الأول من عام 2012، عندما شرعت حماس باستبدال تحالفها مع إيران بتحالف مع الإخوان المسلمين، والرئيس المخلوع محمد مرسي، على أمل الحصول على شرعية دولية. ولكن بعد أن فقدت حماس آمالها بمحمد مرسي نتيجة لثورة الشعب المصري عليه، أدركت حماس خطأها، وبدأت بتقارب جديد مع طهران بدءًا من عام 2013. وفي عام 2017، ذهب القيادي الحمساوي صالح العاروري إلى حسن نصر الله، على أمل استعادة الدعم المالي الإيراني. وبالفعل، جرى “تتويج” المصالحة بزيارة وفد حمساوي رفيع المستوى إلى طهران في العشرين من أكتوبر/تشرين أول عام 2017.

من جانبها، كان لدى طهران دافعان رئيسان لإعادة العلاقات مع حماس؛ أولًا: يمكن لإيران من خلال دعمها لحماس زيادة قوتها ونفوذها في الأراضي الفلسطينية. ثانيًا: العلاقة البناءة مع حماس تساعد طهران في تحسين نفوذها الجيوسياسي ضد المملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط بشكل أوسع.

في الحقيقة، توفر المصالحة بين هذه الأطراف فوائد متبادلة كثيرة، فقد أدت بطريقة ما إلى التقليل من عزلة حماس، وتداعيات قرارها المصيري بالوقوف إلى جانب الإخوان بدلًا من “محور المقاومة”. كما استفاد حزب الله من المصالحة كذلك؛ ففي السنوات الأخيرة، فقد الحزب شعبيته وشرعيته في العالم العربي. وحسب استطلاع مركز بيو عام 2014، أبدى غالبية المشاركين في المنطقة العربية وجهات نظر سلبية تجاه حزب الله بسبب مشاركته العسكرية في سوريا. ولهذا، يأمل حزب الله أن تمنحه المصالحة مع “حماس السنية” شرعية أكبر بين العرب خارج المجتمع الشيعي. كما يعتقد الحزب أن التقارب مع حماس السنية سيساعد التنظيم في التخلص من الصورة النمطية الطائفية التي رافقته منذ انخراطه العسكري في سوريا. وأخيرًا، لا يمكن تفسير هذا التقارب إلا أنه سعي للحفاظ على مواقع التنظيمين السلطوية في لبنان وفلسطين.

المصدر: مركز كارينجي للسلام الدولي

Exit mobile version