القضية بين الشعبوية والحكمة السياسية

بقلم: باسم برهوم

هناك فارق كبير بين المبادئ وأصحاب المبادئ وبين الشعارات الشعبوية المزايدة، وأصحابها، كثيرون منا يخلطون بين الاثنتين دون وعي بخطورة الشعبوية على القضية الفلسطينية. ما جعل اصحاب الشعارات الشعبوية يتسللون بسهولة الى الوعي الوطني الفلسطيني هو حجم التعقيد في طبيعة الصراع والمواجهة الفلسطينية، المستمرة منذ اكثر من مائة عام مع المشروع الصهيوني الاستعماري، ومن كثرة المتدخلين في الشأن الفلسطيني والمحاولين لاستخدام القضية لمصالحهم الخاصة، ويجدون في الشعبوبة طريقا للتدخل.
قبل ايام شاركت في ندوة تطرح سؤال دور الفلسطينيين داخل الخط الاخضر في قلب المعادلات السياسية في اسرائيل عبر المشاركة في انتخابات الكنيست، وما هو المطلوب منهم في الانتخابات التي ستجري في 17 ايلول/ سبتمبر القادم، احد المتحدثين خطف الندوة وحرفها عن هدفها بشعارات شعبوية ومزايدة، هذا المتحدث خون الجميع دون استثناء ونزه نفسه. عمليا اضاع الفرصة على المشاركين والحاضرين بان يناقشوا بهدوء كيف يمكن ان يثق الفلسطيني داخل الخط الاخضر بنفسه، ويدرك ان بمشاركته في الانتخابات يمكن ان تؤثر وتسهم مرة تلو اخرى بتغيير اللعبة السياسية في اسرائيل، فهؤلاء الفلسطينيون يمثلون ما نسبته 20% من السكان في اسرائيل ولو عكسنا وزنهم، مقاعد في الكنيست لحصلوا على 17 او 18 مقعدا الامر الذي يجعلهم يتحكمون بقدر كبير بالتوازنات ويؤثرون بما يخدم قضاياهم والقضية الفلسطينية.
كثيرا ما يقول كل واحد منا عندما يخلو مع نفسه ” العواطف والشعارات الطنانة قد اضرت بنا ضررا كبيرا ” ولكن الغريب بالأمر اننا ننساق مرة تلو الأخرى وراء هؤلاء الشعبويين المزايدين، الذين يعتقدون انهم الانقى والاصح.
في حالة الانتخابات الاسرائيلية لا بد ان يكون للمشاركة من هدف، هدف مباشر ومجموعة اهداف اخرى استراتيجية.. فما هو الهدف المباشر للمشاركة العربية؟ الجواب يتطلب هدوءا وحكمة وتحليلا موضوعيا للواقع الراهن ولا يتطلب شعارات شعبوية ومزايدات على بعضنا البعض. من وجهة نظري اسقاط صفقة القرن ووقف زحفها المتوحش علينا وعلى قضيتنا ووجودنا السياسي هو هدف ملح، التصدي لصفقة القرن في جانب مهم منه هو انهاء ثنائية نتنياهو- ترامب اللذين يمثلان اعمدة هذه الصفقة. والهدف الاخر هو التصدي للقوانين العنصرية وخاصة قانون يهودية الدولة، الذي يحصر الحق بهذه الارض باليهود فقط.
ان اي تصفية حسابات داخلية ليس هو وقتها الان، كما اعادة بناء الحركة الوطنية بكل اركانها قد يكون في غاية الاهمية ولكن الاولوية في الاسابيع الثلاث القادمة هو حشد المواطنين للمشاركة في الاقتراع.
جميعنا نذكر مزايدات انظمة عربية على منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها الشرعية وعندما كنا ندقق بالأمر نكتشف ان هذه الانظمة لا تفكر حتى بالقضية الفلسطينية وإنما ارادت ان تخطف القرار الوطني الفلسطيني لتقايض به واشنطن وحتى تل ابيب، المشكلة ان هذه الانظمة كانت باستمرار تجد امتدادا لها في الساحة الفلسطينية وقسم من الجمهور ينخدع بهذه الشعبوية، وما ان نكتشف الحقيقة حتى نكون خسرنا ضحايا وخسرنا الوقت والجهد
في صراع مثل صراعنا مع مشروع هو الاخطر والاذكى من بين مشاريع الاستعمار العالمي الحكمة والتروي والذكاء هي السلاح الأمضى والاكثر تأثيرا ولكن ان يتم ذلك وفق رؤية واستراتيجية واضحة للجمهور، فالهدف المباشر للجهد النضالي الفلسطيني هو افشال واضعاف صفقة القرن، لقد منعنا بحدود معقولة، من خلال موقفنا الصلب، المحاولة لإنهاء القضية الفلسطينية، المهم ان نستمر بهدوء دون أن نرتكب اخطاء قاتلة في هذه المرحلة، وهذا هو الفرق بين الشعبوية والسياسة الوطنية الخلاقة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version