من سجون حماس إلى المهجر.. تامر السلطان يعود شهيدا لأرض الوطن

عانى الطبيب الصيدلي، تامر السلطان، من اضطهاد وملاحقة حركة “حماس” لسنوات فقرر الهجرة من قطاع غزة والبحث عن إقامة في مكان هادئ.

سافر السلطان إلى تركيا فلم يلق ترحيبا فتركها إلى اليونان، حيث أقام بمخيم لجوء في جزيرة ليروس، قبل أن يغادر إلى البوسنة والهرسك، حيث توفي السبت الماضي بعد مداهمة مرض السرطان له.

ولد الطبيب الصيدلي في السادس من مايو/أيار 1981، وكغيره من الفلسطينيين فقد عانى من ظلم الاحتلال الإسرائيلي قبل أن يلاقي ظلم وانتهاكات حركة “حماس” التي سيطرت على قطاع غزة أواسط العام 2007.

كان للسلطان صفحة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تعد متنفسا للتعبير عن مواقفه السياسية حتى مماته، شملت غالبيتها انتقادات حادة إلى الاحتلال الإسرائيلي وحركة “حماس” وقطر وجماعة الإخوان الإرهابية.

كما أظهرته صفحته “عرفاتيا” حتى النخاع، إذ تزخر بالكثير من المدونات عن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع إشادات بمواقف سياسية للرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وفي 17 إبريل/نيسان، نشر السلطان صورة له في أحد المطارات التركية وكتب “بحمد الله بعد معاناة 3 أيام من السفر والمعاناة وصلت لتركيا، وتحياتي إلى جميع أهلي وأحبتي في غزة”.

كان السلطان قرر الهجرة من قطاع غزة بعد اضطهاد متواصل من حركة “حماس”؛ لدوره في حراك “بدنا نعيش” الذي ثار على ظلم حركة “حماس” للفلسطينيين في غزة ورفضها جهود المصالحة الفلسطينية.

وهاجر الطبيب الصيدلي تاركا من خلفه في القطاع زوجته وأطفاله الثلاثة، وبرغم بعد المسافات فإن غزة بشكل عام وأطفاله بشكل خاص لم يفارقوه.

ففي 2 يونيو/حزيران كتب في تدوينة على حسابه مرفقها بصورة لأطفاله الثلاثة: “أبارك لأبنائي وسام وفتحي نجاحهم الباهر، وإن شاء الله نلتقي عن قريب يا أحبابي”.

ولكن بات من الواضح أن اللقاء سيكون من نوع آخر، إذ أعلنت وزارة الخارجية الفلسطينية أنها تتابع من خلال سفارتها في البوسنة قضية استشهاد الطبيب الصيدلي تامر السلطان من قطاع غزة شهيد لقمة العيش وأحد نشطاء حراك “بدنا نعيش” الذي وافته المنية في البوسنة.

ويشكو سكان قطاع غزة الذين يقارب عددهم مليوني نسمة، من سوء الأوضاع الاقتصادية والخدمات الاجتماعية الضرورية، ويقولون إن حركة حماس منشغلة بأجندتها البعيدة عن هموم المواطنين والقطاع المحاصر منذ ٢٠٠7.

ولم يأت قرار السلطان بالهجرة من قطاع غزة من فراغ، إذ عانى الكثير من الملاحقة والاعتقال.

وكتب صديقه خالد الغزالي على صفحته بفيسبوك: “عارفين ليش تامر هاجر ومات غريب بلاد؟؟ لأنه اعتقل في آخر شهر 12 (كانون أول/ديسمبر) وكانوا يشلحوه الجزء الأعلى من ملابسه ويديروا عليه ميه ويرموه في زنزانة حقيرة وأكثر واحد كان ينضرب”.

وأضاف: “لأنه اعتقل في شهر 2 مرة أخرى لمدة 5 أيام في حافلة كبير فيه ما فيه من الألم والظلم، فجأة بكى تامر شوقا لأولاده فأبكى الجميع إلا السجان الذي سخر من كل من بكى يومها ووبخ المشتاق أبووسام بأقذع العبارات”.

وأشار إلى أنه “في نفس الشهر اعتقل تامر مرة أخرى على خلفية نشره صورا لجسده المعذب وكذلك اعتقل أخاه”.

وتابع الغزالي “في حراك بدنا نعيش اعتقل تامر مرة أخرى 10 أيام، خرج حينها كارها لكل شيء؛ فقرر الرحيل، رغم تعلقه الشديد العجيب بأولاده، لكنه لم يحتمل شدة الظلم الذي وقع عليه، هاجر تامر فهاتفني ونصحني بالرحيل وبكينا من الألم.. مات تامر غريبا طريدا وأحرق قلبي الذي لم يعد يحتمل المزيد”.

نجح السلطان في الوصول إلى تركيا في 17 إبريل/نيسان 2019 ولكنه لم يقم هناك كثيرا إذ هاجر بعدها إلى اليونان.

وجه السلطان خلال وجوده في تركيا انتقادات حادة إلى حركة “حماس” وقطر وتدخلاتهما في الشأن الفلسطيني وحاول التعريف بتركيا التي يسود لدى البعض الاعتقاد بأنها دولة إسلامية.

وكتب السلطان في نهاية الشهر ذاته: “بيقولوا تركيا إسلامية والله ما فيها إسلامية غير المرتديلا (نوع من أنواع النقانق الإيطالية)”.

لم يجد الترحاب في تركيا وكان قراره بالانتقال إلى مخيم للاجئين في اليونان.

وفي 20 يونيو/حزيران كتب السلطان: “اليوم يصادف اليوم العالمي للاجئين للأسف كنت مواطنا وأصبحت لاجئا”.

عاش الشهرين الأخيرين في مخيم اللجوء في جزيرة ليروس اليونانية، قبل أن ينتقل إلى البوسنة، حيث تم اكتشاف إصابته بمرض السرطان وتوفي هناك.

أبكى رحيل السلطان الكثير من الفلسطينيين كما بدا واضحا من مئات التعليقات على صفحته في “فيسبوك”.

واعتبرت حركة “فتح” التي انتمى إليها الطبيب الصيدلي أنه “ضحيّةُ الهجرةِ هرباً من ظُلم حماس”.

وقالت الحركة، في بيان: “فاجعةُ وفاة الشاب تامر السّلطان في إحدى مستشفيات العاصمة البوسنيّة يجبُ أنّ تدُقّ ناقوسَ الخطرِ وتفضحَ ما يتمُّ التخطيطُ له وتنفيذُهُ من حملةٍ منظّمةٍ لإفراغِ غزّةَ من أهلها، وهي مهمّةُ تتواطؤ في تشجيعها وتنفيذها حكومةُ الاحتلالِ ومليشيات حماس الانقلابية، التي تمارسُ ضدّ أبناءِ القطاعِ الصابرِ كلّ أنواعِ القهرِ والملاحقةِ والترهيبِ والاعتقال التعسّفي، وهي الممارساتُ التي عانى منها المرحوم تامر، الذي فضّل الهجرةَ إلى المجهولِ هرباً من بطشِ أجهزةِ القمعِ في إمارةِ الظلامِ”.

وأضافت: “لم تتوقّف حماسُ وأبواقُها الإعلاميةُ عن الكذبِ والتضليلِ والتهليلِ لما تسمّيه (مسيراتِ العودة) التي دفع شعبُنا خيرةَ أبنائهِ في أتونها، ليكتشفَ أنّ الهدفَ منها لم يكن سوى محاولةِ تحسينِ شروطِ قيادةِ حماس للتهدئة مع الاحتلالِ وترسيخِ دعائمِ انقلابِها في غزّة على حسابِ وحدةِ الوطنِ وأهدافِ شعبِنا، وإنه لمِن سخريةِ القدرِ أن تكون نتيجةُ مسيرات العودة هجرةَ أكثر من ٣٥ ألفا من الغزّيينَ بحثاً عن مكانٍ يقيهم شرّ حماس ويحفظُ كرامتَهم وحياتَهم”.

وتابعت: “آنَ الأوانُ لكي نرفعَ صوتنا في وجهِ الانقلابيينَ ونكشفَ عن حقيقةَ ما ينفّذونهُ من مخطّطٍ مدروسٍ لتهجيرِ أهلِ غزّة، وإن لم يتمّ وضعُ حدٍّ للانقلابِ فإنّنا سنكون شهوداً على مزيدٍ من المآسي الشبيهةِ بمأساةِ تامر السلطان رحمه الله”.

وبحسب تقديرات متعددة، وصل عدد المهاجرين من غزة إلى أكثر من 30 ألفا منذ العام الماضي.

وكشف النقاب في إسرائيل خلال اليومين الماضيين عن أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية “الكابينت” بحث في الأشهر الأخيرة تسهيل هجرة الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الخارج.

وانفجر حراك “بدنا نعيش” في قطاع غزة في مارس/آذار الماضي بمشاركة آلاف الشبان الذين طالبوا بوقف الفساد ووقف السياسات الضريبية الظالمة لحركة حماس، وتوفير عمل للخريجين، وإنهاء الانقسام.

وحينها قمعت حركة حماس الحراك بشدة واعتقلت أكثر من 1000 من المشاركين به واعتدت عليهم في الشوارع والساحات.

المصدر: العين الاخبارية

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version