ذكرى إحراق الأقصى

بقلم: صادق ناشر

قبل خمسين عاماً تعرض المسجد الأقصى لحريق هائل أتى على أجزاء واسعة من المصلى القِبلي المسقوف في المسجد، لكن الحرائق في كل فلسطين لم تتوقف منذ ذلك الوقت حتى اليوم، والحرائق ليست بالضرورة أن تكون ألسنة لهب، بل ربما كانت سياسات وتخاذلاً أضاعت على الفلسطينيين أرضهم وأرواح شهدائهم التي دفعوها ثمن تمسكهم بهويتهم.
في ال 21 من آب 1969، أقدم مايكل دنيس روهان، الأسترالي الجنسية، على إحراق المسجد الأقصى، ملحقاً به خسائر مادية كبيرة. وعلى الرغم من أن دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، نجحت خلال سنوات لاحقة، في ترميم ما تسبب به الحريق ببناء منبر جديد بذات مواصفات منبر نور الدين بن زنكي، الذي جلبه القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي إلى المسجد الأقصى، بعد تحريره لبيت المقدس، إلا أن الاعتداءات على المسجد لم تتوقف، وأبرزها تواصل الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد من جماعات وأحزاب يهودية متطرفة، والتي بدأت بشكل واضح عام 2003، إضافة إلى اتباع إجراءات قمعية كبيرة من خلال ملاحقة المصلين وحراس الأقصى وموظفي دائرة الأوقاف الإسلامية بالاعتقال والإبعاد.
الأسوأ هو ما تخطط له السلطات الإسرائيلية منذ سنوات لبناء الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى، وتغيير الوضع التاريخي في المسجد، والذي ساد منذ الفترة العثمانية حتى انتهكته إسرائيل منذ احتلالها للقدس عام 1967.
بعد 50 عاماً من إحراق المسجد الأقصى، لا يزال العرب على مواقفهم «قول بلا فعل»، فالتنديدات والإدانات مستمرة، لكن من دون قدرة على تغيير الواقع أو وقف هذا الاندفاع الجنوني للأحزاب والجماعات اليهودية المتطرفة التي تزيد مع مرور كل يوم من ضغوطها على حكومة دولة الاحتلال لإطلاق يدها بشكل أكبر لهدم الأقصى، وليس الاكتفاء بإحراقه فقط.
وتتجلى هذه المخاطر في ما تقدم عليه إسرائيل من حفريات وأنفاق في محيط المسجد الأقصى المبارك، وهو ما يعني تهديداً جدياً للمسجد والمناطق الأثرية المحيطة به، ولا سيما أن دولة الاحتلال تعرقل أعمال الترميم الضرورية في المسجد، وتفرض القوانين الإسرائيلية عليه، وتسلب الأوقاف الإسلامية صاحبة الحق الشرعي في صيانته وترميمه وإدارته، صلاحياتها بالبقاء بعيداً عبر الإجراءات القمعية التي تتخذها.
صمت العالم وقبله صمت العرب والمسلمين عما يحدث في «الأقصى»، دليل على عجز فاضح، فمنذ 50 عاماً ونحن نلوك عبارات التنديد نفسها، ولم نتخذ أي خطوة تؤكد رغبتنا في تغيير المعادلة على الأرض، وعلى الرغم من انتفاضات أبناء الشعب الفلسطيني، إلا أن الموقف العربي ظل هو نفسه، لهذا تجد إسرائيل في الوضع القائم فرصة لارتكاب المزيد من الانتهاكات لفرض أمر واقع.
انقضت 50 عاماً على إحراق «الأقصى»، لكن الحرائق لا تزال مشتعلة في كل أرض فلسطين، التي وحدها من تدفع ثمن انكساراتنا وذلنا.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version