جدل المبدأ والواقع في مقابلة أيمن عودة

بقلم: صادق الشافعي

لا تزال المقابلة التي أجراها النائب أيمن عودة مع صحيفة “يديعوت أحرونوت الإسرائيلية” تثير، لدقة وحساسية الموضوعات التي تناولتها واتساع الخلاف حولها، جدلاً هاماً وحامياً.
بداية القول، إن النائب عودة يمتلك درجة عالية من الخبرة والتجربة والحضور، ومن القدرة على تقدير المواقف بدقة، تقوم على قاعدة وطنية لها تاريخها المتصل من الصدق والالتزام. وكل ذلك يشكل سداً مانعاً امام أي سوء فهم لأقواله ولدوافعه من ورائها، ناهيك عن التشكيك.
يبدو واضحاً ان المقابلة وما جاء فيها تبقى في دائرة الاجتهاد الشخصي للنائب عودة، ولم يتم طرحها ونقاشها والاتفاق حولها في أطر وهيئات القائمة المشتركة التي يقودها.
يؤكد ذلك، ان اختلاف المواقف وردود الفعل حولها وصلت بالنائب د. امطانس شحادة، من التجمع الوطني الديموقراطي الى وصف المقابلة بـ “البائسة”، واعتبرها النائب السابق جمال زحالقة “مناورة خطيرة في العلاقات العامة”.
اما البيان الرسمي للتجمع الوطني الديموقراطي فقد اكد “ان ما ورد على لسان ايمن عودة من إمكانية انضمام “المشتركة” الى ما يسمى بـ “المركز اليسار” لا يمثل موقف “المشتركة” ويتناقض مع برنامجها السياسي، وهي لا يمكن ان تكون شريكة في حكومة جنرالات ارتكبوا جرائم حرب، ويفاخرون بها”.
وحتى من داخل حزب النائب عودة نفسه “الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة” صدر موقف لا يوافق على اقواله، فقد صرحت النائبة من التجمع عايدة توما “ان اقوال ايمن عودة تعبر عن رأيه الشخصي” وانه “يوجد نقاش حول رأيه هذا”.
في المقابل، لم يعلن أي طرف في القائمة المشتركة بشكل رسمي تأييده وتبنيه للأقوال التي وردت بالمقابلة بشكل مباشر وصريح.
وإذا كان هذا هو الحال في المكونات السياسية للقائمة المشتركة، فكيف سيكون موقف المواطنين/ الناخبين في مناطق 1948.
حتى لو تم الأخذ، بتجاوز، بالأقوال التي تشير ان الاغلبية منهم (المواطنين /الناخبين) توافق لجهة المبدأ على الدخول في ائتلاف حكومي مقابل مكاسب، فان المبدأ يصبح شيئا آخر في حضور حقائق ومعطيات الواقع المحدد.
فالواقع المحدد يفرض التعامل مع مطالب وشروط المشاركة بالائتلاف، ومع المناخ العام السائد في الدولة والمجتمع وقواه النافذة، ومع الظروف العامة السائدة حينها.
ويفرض أيضا، تقييم مواقف وبرامج القوى التي يجري التوجه للائتلاف معها.
الشروط والمطالب التي وضعها النائب عودة هامة ومحقة. وجاءت كلها من الحاجات الحقيقية للمواطنين ومن مطالبهم المحقة إنسانياً وخدماتياً، وحقوقياً، ووطنياً طبعاً. أهم الشروط :
– التعهد بتحقيق المساواة للمواطنين العرب، إضافة الى التخطيط والبناء ومقاومة انتشار العنف في المناطق العربية، وغيرها من الضرورات الحياتية.
– الالتزام والعمل الجاد لإلغاء قانون القومية اليهودية العنصري.
– استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.
– الامتناع عن شن حروب على العرب عموما والفلسطينيين بشكل خاص…..
وهي مطالب تبدو على طلاق بائن مع المناخ العام والمسار الغالب والتوجهات الرئيسية لدولة الاحتلال ومجتمعها أولاً واساساً، ثم مع توجهات ومسارات قواه السياسية والمجتمعية والدينية الوازنة.
كما تبدو في وضع الاستحالة لجهة إمكانية تبنيها والالتزام الصادق بها، وإمكانية تطبيقها.وفي وضع الاستحالة أيضا، لجهة إعلان أي حزب سياسي اسرائيلي وازن او قائمة انتخابية منافسة قبولها والالتزام بها، او التجاوب المبدئي معها او حتى النقاش الجدي والمسؤول لها، خصوصاً وأنها تأتي في توقيت معركة انتخابية حامية الوطيس.
لأن النائب عودة يعي بعمق واقع دولة الاحتلال ويعرف المسار العام للقوى السياسية والمجتمعية فيها، فلا بد ان وراء ما اقترحه هدفاً غير تقليدي وغير مباشر. والاغلب، ان الهدف وراء ما طرحه هو إحداث هزة غير تقليدية في أوساط دولة الاحتلال والقوى السياسية والمجتمعية فيها، وفي الاجواء الانتخابية التي تعيشها.
وان يضع الموضوعات التي صاغها كمطالب وشروط للائتلاف على نار حامية، ويفرضها كموضوعات نقاش أكثر جدية على جداول اعمال الكتل الانتخابية والقوى والأحزاب التي تشكلها او تدعمها.
لكن، وفي كل الأحوال، فإن الأولوية المطلقة تبقى لصالح الحرص على بقاء واستمرار القائمة المشتركة منسجمة ومتماسكة وموحدة البرنامج والمواقف. تبقى كذلك، في مرحلة الانتخابات لتحقيق أعلى نسبة مشاركة عربية في عملية التصويت، وللوصول الى الكنيست بأكبر عدد من الاعضاء.
وتبقى كذلك، في مرحلة العمل البرلماني بعد الوصول الى عضوية الكنيست سواء في العمل على استصدار تشريعات لصالح المواطنين الفلسطينيين ولصالح القضية الوطنية الفلسطينية عموما، او في التصدي الفاعل لاي تشريع او قرار عكس ذلك.
ولذلك فان من المفيد، بل والضروري أيضا، المسارعة الى عقد لقاء لكل قوى القائمة المشتركة، وربما بمشاركة لجان العمل الوطني القائمة وبعض الشخصيات العامة، من اجل تعزيز وحدة الرؤية والهدف، ووحدة وطرائق العمل المشترك وتكتيكاته، وإزالة اي التباس او سوء فهم ظهر خلال مسيرة العمل. وذلك أساساً، للحفاظ على ثقة المواطنين ودعمهم لتجربة ودور القائمة المشتركة ومشروعها، ومن اجل تحقيق اعلى نسبة تصويت من الناخبين لصالح القائمة المشتركة.
تجربة القائمة المشتركة شكلت في الواقع الوطني الفلسطيني اختراقاً حميداً، واعداً ومرحباً به لحال الانقسام السائد، يفرض ضرورة التمسك بالتجربة وانجاحها بكل الطرق.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version