المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

حول الانتخابات العامة والانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال

بقلم : اللواء بلال النتشة

الأمين العام للمؤتمر الوطني الشعبي للقدس

القدس هي العنوان الأول والأخير لإجراء الانتخابات العامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ” تشريعية ورئاسية ” ولا يمكن الاقدام على هذا الاستحقاق دون ان تكون المدينة المقدسة مشمولة فيه فهي درة التاج والعاصمة الأبدية لدولتنا الفلسطينية المستقلة . ومن نافل القول ان نسلم في القيادة الفلسطينية برغبة إسرائيل في اجراء انتخابات منقوصة فهذا لا يجوز قانونيا او وطنيا . فالانصياع للإرادة الإسرائيلية يعني التسليم بان القدس عاصمة لدولة الاحتلال التي أعطاها من لا يملك لمن لا يستحق .

وعلى الصعيد الدولي فان موضوع القدس غير محسوم سياسيا فهذا الأخير يقرر مصيره فقط عبر مفاوضات جدية وبرعاية نزيهة من المجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة الأميركية لكسر احتكارها لهذا الملف منذ 25 عاما وصلت فيها عملية السلام الى ثلاجة الموتى وتجمد الحلم الفلسطيني بتحقيق العودة والحرية والاستقلال .

ان العملية الديمقراطية الفلسطينية يجب ان تكون متكاملة الأركان وهذا يعني ان تشمل الانتخابات كل الضفة الغربية وعلى رأسها القدس وقطاع غزة . وما محاولات الاحتلال عزل المدينة المقدسة سياسيا كما هي معزولة جغرافيا بفعل الحواجز العسكرية وجدار الفصل العنصري الا ضرب من الخيال فشعبنا الفلسطيني لن يسلم بالأمر الواقع بل لديه من الجلد والنفس الطويل ما يجعله يحقق انتصارات كبيرة بإمكانيات متواضعة .

واذا اعتقدت إسرائيل انه من الممكن ان تفرض شروطها على القيادة الفلسطيني بشأن اجراء الانتخابات في مناطق ولاية السلطة الوطنية فإننا نقول لها ” لا ” كبيرة فهذا شأننا الداخلي ونحن الذين نقرره وليس دولة الاحتلال او من يدعمها . واذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تتوقع من القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس “أبو مازن” ان تقول ” ولا الضالين ” فإننا نرد عليها بما يلي : ” الرئيس الذي قال لكم – لا – في الأمم المتحدة ومجلس الامن ، يبرقها اليكم مرة أخرى من رام الله ومعه كل المقدسيين وجميع أبناء شعبنا التواقين للحرية والاستقلال .”

ولعل تجربة الانتخابات الأولى في العام 1996 والتجربة الثانية في العام 2006 تشكل نموذجا واضحا لإسرائيل على صلابة وإصرار الموقف الفلسطيني الذي رفض اجرائها بدون القدس ووفقا للمعايير والشروط الاحتلالية . وبالفعل فقد مارس المقدسيون حقهم الانتخابي وقالوا كلمتهم عبر صناديق الاقتراع برعاية دولية نزيهة . الامر الذي يجب ان تتعظ منه إسرائيل وان لا تعيد التجربة مرة ثانية لأنها حتما ستكون خاسرة امام العناد الفلسطيني المجرب .

من هنا فإنني أؤكد على وضوح موقفنا من هذه القضية التي تعتبر خطا احمر لا يمكن تجاوزه من قبل دولة الاحتلال . اما دوليا فرسالتنا الى العالم يجب ان تكون واضحة أيضا ومفادها : لا انتخابات فلسطينية دون القدس ولن نعترف بالسيادة الإسرائيلية عليها وان أي تساوق مع موقف الاحتلال يعتبر تواطئا مرفوضا وسنقاومه سياسيا ودبلوماسيا وشعبيا . فالقدس عين العاصفة ومنها ينبعث نور السلام ومنها تندلع شرارة الحرب فلا تجرونا والمنطقة بأسرها الى ما لا تحمد عقباه .

نحو انفكاك اقتصادي شامل عن إسرائيل …

القرار الذي اتخذه رئيس حكومة الشعب الفلسطيني د. محمد اشتية بالانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل يدب الامل في القلوب الفلسطينية نحو خلاص شامل من الاحتلال على جميع المستويات وليس فقط الشق الاقتصادي منه . فالشعار الواقعي والوطني الذي ترفعه حركة “فتح” ومعها كل القوى الفلسطينية المنضوية في اطار منظمة التحرير البيت المعنوي للكل الفلسطيني هو ” لا تعايش مع الاحتلال” .

وفي هذا الخضم فإن الاتفاقات الاقتصادية التي عقدها رئيس الوزراء مع كل من العراق ومصر والأردن تشير بما لا يدع مجالا للشك الى بداية الخطوات العملية من قبل الحكومة نحو التخلص من التبعية الاقتصادية لدولة الاحتلال التي فرضها علينا اتفاق باريس الاقتصادي سيء الذكر .

ولعلنا في هذه العجالة نعيد الى الذاكرة الفلسطينية تجربة محاربة المنتوجات الإسرائيلية في في الانتفاضة الكبرى عام 1987 عندما قررت القيادة الوطنية الموحدة وقف التبعية لاقتصاد الاحتلال فتضافر الجهد الوطني مع التقبل الشعبي العارم للقرار الذي استجاب له أيضا أصحاب الشركات والمصانع الفلسطينية وكافة القطاعات الإنتاجية . وتم في هذا السياق سحب كل البضائع الإسرائيلية التي لها بديل وطني من الأسواق المحلية وفي المقابل اغرقت الأسواق بالمنتوجات الفلسطينية مما كبد اقتصاد الاحتلال خسائر فادحة . وهذا انسحب على الايدي العاملة فبدلا من الذهاب الى السوق الإسرائيلي للعمل فيه عاد العمال والحرفيون الى الورش والمصانع الفلسطينية على الرغم من تدني الأجور . كما عاد الفلاحون الى ارضهم وانتعشت الزراعة والاقتصادات المنزلية فحققنا الهدف الوطني الكبير الذي اعترفت به دولة الاحتلال ذاتها عبر وسائل اعلامها المختلفة . وطبقنا شعار ” امة تلبس مما تصنع وتأكل مما تزرع .”

ان خطوات عملية بسيطة يبدأ بها الكل الفلسطيني بما يدعم قرار الحكومة والقيادة بالانفكاك عن الاقتصاد الاحتلالي حتما سيقودنا الى تغير كمي ونوعي في منظومة الحياة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة . واذا خضعنا للمعادلة الفيزيائية حول الانتقال من الكمي الى النوعي وهو قانون عام في تطور العالم المادي ، فإن التغيرات البسيطة قادرة على التحول والتوسع نوعيا بشكل تدريجي بمعنى ” الانتقال من التلويح الى التنفيذ الفعلي المؤثر” . وبتقديري فإن الوصول الى الخلاص التام من مذلة التبعية لاقتصاد الاحتلال امر شاق وسهل التحقيق في آن معا وذلك اذا تكاتفت الجهود الوطنية والشعبية المخلصة مع جهود حكومة د. اشتية وابتعدنا عن المصالح الفردية الخاصة التي تحقق الغنى الفاحش على حساب الكرامة الوطنية التي اهرقت في سبيلها دماء غزيرة . فطوبى لمن جعل من الوطن قبلته الأولى ولمن لبى نداء الحرية والاستقلال .

Exit mobile version