المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

إسرائيل وقصيدة اوردوغان

بقلم: محمد مشارقة

يعتقد البعض العربي ان إعادة تركيا لسفيرها في إسرائيل يعود الى عامل واحد، يرتبط بالتغيير في الإدارة الامريكية وانتخاب بايدن رئيسا، أو ان الديمقراطيون لا يكنون الود لأنقرة ولا سجلها في مجالات حقوق الانسان، وان قرار الكونغرس بتأييد نواب الحزبين الرئيسيين، لمشروع قانون يقضي بمعاقبة تركيا لشرائها منظومة الدفاع الصاروخي الروسية “أس- 400″. وبالتالي فان المدخل الطبيعي هو تل ابيب لتلافي تحويل مشروع القرار الى قانون.
اقترح مقاربة أخرى لفهم الاستفاقة المفاجئة في العاصمتين لترميم العلاقة التي لم تنقطع يوما في المجالات العسكرية والاقتصادية. المدخل يبدا من بيت الشعر الذي ضمنه اوردوغان خطابه في احتفالات النصر الآذرية، يشير مضمونها الى الاحتلال الإيراني لأذربيجان، والى ضفتي نهر ” آراس ” الذي ينبع من تركيا ويمر بأرمينيا وأذربيجان وإيران.
تلك إشارات أدبية لكنها حملت رسائل خطرة لكل المعنيين بالملف الإيراني، أولها ان اوردوغان يقول مواربة ان تفكيك الدولة الإيرانية بيده لا بيد غيره، فالقومية الآذرية – التركية، يصل عددها لنحو عشرين مليون نسمة ومع ذلك تتحكم في ايران وفي مفاصل الدولة الرئيسية منذ الخميني ذو الأصول الآذرية الى اليوم. وان الأغلبية الفارسية – 40 مليون من أصل 75 مليون – تعتبر ذاتها صاحبة الدولة وعنوان لغتها وثقافتها عبر السنين. ويدعي الفرس ان أذربيجان وتعني ارض النار، وصلتها قبائل الأغوز التركية بالغزو كانت وستظل إيرانية، لكن الحروب الروسية مع الدولة القاجارية في القرن الثامن عشر، أدت لانتزاع شمال نهر اراس من الوطن الام، وتأسيس دولة باتت جزءا من الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الأولى. تركيا التي تمتد لغتها وشعوبها في خمس دول في القوقاز، تقول انا اللاعب الرئيس في الأوراسيا، وأول من يلتقط الرسالة الاردوغانية كان الإسرائيلي، الذي يقف مع التركي في دعمه لأذربيجان في حربها لاستعادة إقليم ناغرنوكراباغ من النفوذ الأرميني ، المدعم عسكريا واقتصاديا من الجارة إيران .
هل يمكن اعتبار عودة الحرارة للعلاقات الإسرائيلية التركية مؤشرا على استدارة إيرانية شرقا وترتيب للأولويات في ظل المتغيرات الدولية ومسلسل العقوبات الذي بدا من واشنطن ولن يتوقف عند قاطرته الأوروبية. ام ان ذلك لا يعدو تجميعا لأوراق القوة التركية خدمة لمشروعها الامبراطوري الطموح الذي لا حدود له، وان منافسه الأكبر في المنطقة العربية والقوقاز وصولا الى شمال أفغانستان هو إيران طال الزمن ام قصر، ومن غير اسرائيل التي تعيد تموضع علاقاتها في ظل المتغيرات الجارية يلتقط الرسالة الاوردوغانية.
اذا كان البعض الرسمي العربي يعتقد اليوم ان مصالحة وامنه واستقراره يضمنها الإسرائيلي، بعد مؤشرات على انسحاب امريكي من أزمات المنطقة التي لا تنتهي، فلماذا نندهش ونفتح افواهنا ونفنجر عيوننا من سياسات التركي. من يدري لعل التركي يأمل في تطبيع علاقاته مع بعض العواصم العربية من بوابة تل ابيب.

Exit mobile version