النفاق السياسي.. جوهر عقيدة الإخوان المسلمين

لطالما كانت الأديان حاجة إنسانية للارتقاء بالقيم والأخلاق الاجتماعية، وتعزيز قيم الحق والخير والمحبة والسلام، وتمتين الروابط بين بني الإنسان لما حملته وجاءت به من تعاليم سماوية سمحة تحض وتدعو لكل ما فيه خير الإنسانية ورقيها وازدهارها، ولكن نوازع الشر والأطماع المكبوتة في النفوس جعلت بعض المرضى ممن ينتمون إلى الأديان السماوية ومنها الدين الإسلامي يفسرون تعاليمه وآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي محمد (ص) حسب أهوائهم ومصالحهم الخاصة الضيقة.
ولا يجادل أي باحث موضوعي بأن حركة الأخوان المسلمين التي كانت منتجاً بريطانياً في أوج التمدد الاستعماري في منطقتنا هي أكثر من ساهم بتشويه تعاليم الدين الإسلامي وحرفها عن مضامينها الحقيقية وعن مسارها الإنساني وإضفاء طابع العنف والتطرف عليها ليتحول المنتمون إلى هذه الحركة إلى عبء على المجتمعات والدول الإسلامية.
فمنذ تأسيسها في عشرينيات القرن الماضي برعاية المستعمر البريطاني لتكون إحدى أدواته لتخريب مصر وضمان استمرارية هيمنته على مقدرات الشعب المصري لأطول فترة ممكنة، شكلت حركة الإخوان المسلمين الأنموذج الأكثر وضوحا لما يسمى حاليا بالإسلام السياسي الذي يفرغ الدين الإسلامي من مضامينه الأخلاقية والقيمية ويضعه في خدمة السياسة وألاعيبها وصفقاتها، بحيث شرعن هذا التنظيم المشبوه والعميل كل أساليب العنف والتطرف والإرهاب التي تخدم أجنداته في الوصول إلى السلطة والحكم بعناوين دينية عقائدية، إذ تحول الدين إلى مطية لقادة التنظيم وأعضائه للوصول إلى أغراضهم الدنيئة.
ولم تكن تعاليم الإسلام ومبادئه وقيمه السامية بالنسبة لهم سوى شعارات براقة لغسيل العقول والسيطرة على المجتمع وتجنيده لخدمتهم وخدمة القوى التي تقف خلفهم، ولا أدل على ذلك من استخدامهم في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لعرقلة مساعي الزعيم الراحل جمال عبد الناصر للنهوض بواقع الأمة وإنجاز الوحدة العربية والتحرر من الهيمنة الأجنبية، ومناهضة المشاريع الاستعمارية الطامعة وعلى رأسها المشروع الصهيوني، إذ حاولوا اغتياله أكثر من مرة، كما استخدموا في سورية منذ سبعينيات القرن الماضي لضرب الوحدة الوطنية وإجهاض منجزات الحركة التصحيحية التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد، في حين استخدمتهم الولايات المتحدة في الثمانينيات كنواة لتنظيم القاعدة الإرهابي في أفغانستان بذريعة مواجهة النفوذ السوفييتي أو المد الشيوعي على الرغم من أن الاتحاد السوفييتي كان من أبرز الداعمين للقضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية.
ولا خلاف هنا في أن القضية الفلسطينية ومظلومية الشعب الفلسطيني والصراع العربي الصهيوني هي من أكثر القضايا التي تضع الحركات الدينية وكذلك الأحزاب السياسية العربية أو الإسلامية على المحك، فالموقف الحقيقي من هذه القضايا المصيرية هو الميزان الذي يحكم سلبا أو إيجابا على توجهات هذه الحركة أو هذا الحزب ويكشف مدى مصداقيته في التعامل مع مصالح الشعب العربي، وتعبيره عن تطلعاتها وأمانيها، لأن القضية الفلسطينية بوجه خاص تعيش في ضمير كل إنسان عربي مؤمن بأمته فلا يمكنه التفريط بها.
وعلى هذا الأساس يمكن الحكم على المشروع الإخواني في المنطقة من المحيط إلى الخليج، ومعرفة كم النفاق الهائل الذي يمارسه هذا التيار الإسلامي العميل، حيث تطفو على السطح هذه الأيام مهزلة التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني وموقف الحركات الإسلامية التي تدعي نصرة الفلسطينيين منها، بحيث لم يكن مفاجئاً موقف الإخوان المسلمين سواء في مصر أو المغرب أو تركيا أو سورية أو اليمن من مسألة التطبيع، وهم الذين يعلنون العداء لكل عربي يقاوم المشروع الصهيوني في المنطقة، ويلتحقون جهارا نهارا بنظام أردوغان ويعلنون دعمهم له ووقوفهم إلى جانبه بالرغم من أنه أكثر من يمارس النفاق تجاه القضية الفلسطينية، فالتعاون والتحالف بين النظام التركي والكيان الصهيوني لا تخطئه الأعين، وقد تجلى بأبشع صوره أثناء الحرب الإرهابية على سورية، ومع ذلك مازال نظام أردوغان يتاجر بقضية فلسطين والحصار المفروض على غزة والشعب الفلسطيني وينافق الأمة العربية والمسلمين تحت عنوان القضية الفلسطينية.
والأنكى من ذلك أن حركات إسلامية إخوانية كحركة حماس تعتبر أردوغان مرشدا روحياً لها، ما يؤكد مرة جديدة أن الانتماء إلى الإخوان وتيارها الرجعي العميل لدى هؤلاء أقوى بكثير من الانتماء لقضية شعب أو قضية أمة، وليس سراً أن الرئيس المصري السابق حسني مبارك قد وجه اللوم لرئيس وزراء العدو إسحاق رابين بسبب دوره في إنشاء حركة حماس مبيناً أنها أنشئت لشق الصف الفلسطيني ومواجهة حركة فتح التي كان يقودها الراحل ياسر عرفات.
من بين المواقف التي تفضح نفاق الإخوان في مصر هو دعم الولايات المتحدة الأميركية لحراكهم عام 2011 وقيام هيلاري كلينتون وزيرة خارجية أميركا بالتواصل مع متزعميهم لتأمين وصولهم إلى الحكم وبالفعل أوصلوا الإخواني محمد مرسي لرأس السلطة، وقد كانت الرسالة الودية التي وجهها الأخير عام 2012 لرئيس كيان العدو شمعون بيريز أكثر من رسالة تطبيع وصداقة بين حركة الإخوان المسلمين وإسرائيل حيث بدأ رسالته ” بعزيزي وصديقي العظيم” وأنهاها “بتمنياته بالسعادة له ولبلاده”، وهي رسالة تفضح التوجهات الحقيقية لحركة الإخوان المسلمين في مصر ولا مبالاتها بقضية فلسطين.
واليوم ومع انضمام المغرب إلى جوقة المطبعين العرب كان لافتاً موافقة حكومة العدالة والتنمية المغربية – التي يرأسها الإخواني سعد الدين العثماني – على صفقة التطبيع الجديدة، بينما العلاقات المغربية الإسرائيلية قديمة ولم يسبق أن اعترض عليها التيار الاخواني هناك مرة واحدة، وليس بخافٍ على أحد العلاقة المشبوهة التي تربط دويلة قطر – أبرز الداعمين للحركات الإخوانية الإرهابية في المنطقة – مع الكيان الصهيوني، وهي التي اضطلعت بدور هدام خلال ما سمي بالربيع العربي ووضعت نفسها بشكل سافر في خدمة المشروعين الأميركي والصهيوني.

الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version