قالها رجال الفتح منذ الانطلاقة ثورة حتى النصر

بقلم: د. رمزي النجار – استاذ القانون الدستوري والنظم السياسية

تطل علينا ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية السادسة والخمسين التي انطلقت في العام 1965، ذكرى وطنية عزيزة على قلوب جميع كل من هو فلسطيني في الوطن والشتات، أجواء مفعمة بالوطنية وحب الوطن والانتماء والولاء له والتكاتف من أجل تحريره، يسطرها فدائي فلسطين بدمائهم الذكية أينما كانوا وتواجدوا في مواقع المقاومة مواقع العز والفخر، ذكرى الثورة الفلسطينية التي جسدت لغة الوحدة والتلاحم الوطني والنضالي من أجل التحرر والاستقلال، فمنذ أن وجدت الثورة الفلسطينية أعظم ثورة في العالم وانطلاقة حركة فتح اعتبر جميع القادة والفدائيين انفسهم مشاريعَ مقاومة وشهادة في سبيل الوطن واعلاء القضية، وقالها القادة الأوائل المؤسسين أبو عمار وأبو جهاد وأبو إياد والكمالين وأبو يوسف النجار منذ البداية والانطلاقة ثورة حتى النصر، قالها رجال الفتح وهم يدركون معناها قولاً وعملاً، وهنا يثبت الفدائي الفلسطيني انه لم يراهن على احد بل خاض معركته بالرصاص والقنابل والعمليات الفدائية في مسيرة الكفاح المسلح وبالحجر والسكين في مسيرة الانتفاضة الشعبية الأولى وانتفاضة القدس والأقصى الثانية والثالثة، يدافعون عن فلسطين والمسجد الاقصى ثائرين في وجه الاحتلال الاسرائيلي، في مشهد لا يمكن قراءته الا في اطار ازمة الرجولة في العالم العربي.

إنهم رجال الفتح يا سادة رواد المقاومة بكل أشكالها، قمة الرجولة في مواقف المقاومة والعز والشرف والانتماء والولاء للوطن عندما انعدمت الرجولة والنخوة داخل الكثيرين، وجمود الروح والوجدان والشهامة، وتغيب صوت الحق الفلسطيني عن الساحة العربية والدولية واختلاط المفاهيم والمصطلحات والحسابات الضيقة في زمن التبعية والوصايا، وصارت الأمة ترى أشباه الرجال لا الرجال، فظهرت الرجولة الحقيقية لدى فدائي فتح والثورة الفلسطينية تدفعهم لتلبية النداء دون تردد مع شعار ثورة حتى النصر ما دام الحق والعدل والصدق والإخلاص وقيم الشعب الفلسطيني والأمة العربية ونبلها وازاحة الخطر الداهم على القضية الفلسطينية في حينها هو العنوان لتلك المرحلة، لم يعرف اليأس والتشاؤم طريقا إليهم، بل اشتدت عليهم المعركة في ظل أحلك الظروف وقساوتها، وان جاء ذلك على حساب راحه وهناء ونوم الفدائي الفتحاوي والتعرض للمخاطر التي قد تواجهه لانضمامه للثورة الفلسطينية، فحياتهم كلها سلسلة من مظاهر الرجولة الحقة، والبطولة الفذة؛ إيمان لا تزعزعه الشدائد، وصبر على المكاره، وعمل دائب في نصرة الحق الفلسطيني، وهُيام بمعالي الأمور، وترفّع عن سفاسفها؛ حتى إذا قبضه الله إليه لم يترك ثروة كما يفعل ذو السلطان، ولم يخلف أعراضا زائلة كما يخلف الملوك والأمراء، إنما خلف مبادئ خالدة على الدهر، كما خلف رجالا يرعونها وينشرونها، ويجاهدون بأموالهم وأنفسهم من أجلها.

والرجولة في مدرسة الفتح أفعال وليست أقوال، تحمل مدى واسع يشمل الحياة كلها من أضيق أبوابها إلى أوسعها، فالرجولة تبدأ من الإيثار على النفس وتحمل المسؤولية على أكمل وجه من اجل الأمة والوطن والشعب ولو كان على حساب الشخص ومصالحه، وقالها الشهيد ياسر عرفات منذ الانطلاقة “أن حياتي ليست هي القضية، بل حياة الوطن والقدس مسرى الرسول ومهد المسيح، هذه هي القضية الكبرى التي قدم الشعب الفلسطيني من أجلها التضحيات من أجل عودة الارض والمقدسات” وقالها أيضا الشهيد صلاح خلف للذين كانوا يدعون الفلسطينيين للاستشهاد “صحيح أن هناك من دعانا للانتحار والاستشهاد ولكن كنا نتمنى من كل الذين دعونا للانتحار والاستشهاد ان يأتوا معنا ان يأتوا معنا وينتحروا معنا ويستشهدوا معنا” وقالها أيضا الشهيد خليل الوزير “لنستمر في الهجوم حتى النصر أو الشهادة” وقالها الشهيد أبو علي إياد “نموت واقفين ولن نركع”، وقالها الشهيد ممدوح صيدم “من المهم أن نبدأ بالثورة ولكن من الأهم أن نستمر في الثورة حتى النصر”.

وتكمن عظمة الرجولة في حركة فتح في حجم التضحية ومقدارها التي قد تبلغ من الذروة بمكان تهون معها أعظم روابط الإنسانية في سبيل الله والشعب وعزته والوطن، إنهم فدائيو فتح الذين عرفهم شعبنا وعاهدهم في مواقع الرجولة والعزة والتضحية والفداء والشرف، لقنوا الاحتلال دروساً موجعة في ساحات المواجهة في الداخل والخارج شهد عليها القاصي والداني، فكتبوا بدمائهم وتضحياتهم تاريخ القضية الفلسطينية واعلاء صوت فلسطين والاحرار بأنها ثورة حتى النصر، فمن تسكن الرجولة داخله تهون عليه الحسابات وتسمو معه النفس مجدا وشموخا ينتشي بها عزا وهو يشدوا لا تسقني كأس الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل، والأمثلة كثيرة بلا شك ولن يقف التاريخ.

ومشاهد الرجولة لدى قادة وأبناء حركة فتح لا تقف عند ذكرا أو أنثى منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية وبناء مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الوطنية، وتحمل قيمة ومعنى عظيم يكسب الفتحاوي الحضور والثقة والحكمة في تطابق فعله مع قوله بعيدا عن الشعارات الرنانة، وخلق حالة من التكامل والتكافل والتضامن في المجتمع والوقوف بجانب أبناءه بعيدا عن التعصب الحزبي والفئوية الضيقة والتكتلات والطائفية والعائلية، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع، والمساهمة في حل قضايا وهموم الشعب ومؤسساته، وتهون معها صغائر الأمور التي قد تعظم في عين الآخرين، ما دامت النخوة والشهامة هما المنهج، والصدق والثبات هما العنوان والجوهر وصدق الله العظيم حين قال “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”.

وظهرت رجولة أبناء وقادة فتح في المواقف الثابتة والوضوح والمصداقية، في شجاعة قول وكلمة ورأي واتخاذ القرار في الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وقراراته المصيرية في المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي لمنظمة التحرير والسلطة الوطنية ومؤسساتها والمجلس التشريعي، رجولة الثبات على المبدأ والمبادئ التي لا تتغير مع الضغوطات والاغراءات ولا تتبدل مع ضغوطات دول المصالح والأفراد والجماعات، حتى مع انطلاق عملية المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية في مراحلها المتعددة، قالها الرئيس محمود عباس “نفاوض للتوصل إلى حل يقود وعلى الفور إلى قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف على كامل الأراضي التي احتلت عام 1967، وإلى حل عادل لقضية اللاجئين وفق القرار 194، كما نصت عليه مبادرة السلام العربية” وسنقول “نعم” لمن يلبي حقوقنا، ولن نهاب ولن نتردد لحظة في أن نقول “لا” ومهما كانت الضغوط لأي مقترح ينتقص أو يلتف على المصالح الوطنية العليا لشعبنا”، وفعلا قالها الرئيس محمود عباس “لا” للرئيس الأمريكي ترامب عندما طرحت صفقة القرن التي تنتقص من حقوق شعبنا، قالها القائد العام أبو مازن دون تردد أو خوف، وفرضت العقوبات على السلطة لثباتها على المواقف وحقوق شعبنا وفي مقدمتها حقوق الشهداء والأسرى وصرف رواتبهم، وكان رد الرئيس محمود عباس “حتى لو تركت موقعي لن أساوم على راتب شهيد أو أسير”، انه موقف رجولي من القائد العام يعبر عن الوفاء والاخلاص والحرص على حقوق الشهداء والأسرى والجرحى، وغاب عن الاحتلال والامريكان ومن لف لفيفهم أن هؤلاء هم الذين كتبوا بتضحياتهم ودمائهم تاريخنا المشرف للأمة بكاملها، ولكل أحرار العالم، فشهداؤنا واسرانا وجرحانا ليسوا إرهابيين، وانما هم مقاتلون ضد الاحتلال، وبكل الوسائل والاساليب، ولن نتراجع عن مسيرة الثورة حتى النصر.

ولعل الرجولة في مدرسة الفتح لا ترتبط عند قائد بعينة أو تاريخ أو عمر زمني، الرجولة لدى قادة فتح كلمة حق تقال بغض النظر عن الرأي الشخصي في الخطابات الثورية والجلسات الفكرية على الاستمرار بالثورة، رجولة تترفع عن المصالح الشخصية من أجل الثورة واعلاء كلمة الوطن في كل زمان ومكان، كيف لا وقالها القائد العام الرئيس محمود عباس في أكثر من مناسبة وطنية “أن الثورة نجحت وستنتصر، لأنها انتقلت بفكرتها من جيل إلى آخر في الطريق إلى تحقيق أهدافنا الوطنية، فها هم شبان فلسطين وشاباتها أصحاب وصناع مستقبلها يواصلون مسيرة الثورة بإصرارهم على التمسك بحقوق شعبنا، ويبنون مؤسسات الدولة، ويحملون الشعلة، ويرفعون الراية، وسيغرسونها خفاقة فوق أسوار القدس عاصمة دولة فلسطين” وقالها القائد مروان البرغوثي الأسير في داخل سجون الاحتلال القائد الصلب المتمسك بحقوق شعبه “إن الطريق الذي اخترناه منذ نعومة أظافرنا هو طريق الكفاح والنضال والمقاومة في سبيل فلسطين ومن أجل الحرية والعودة والاستقلال والكرامة”.

فالرجولة لدى قادة الفتح يا سادة تُشعر وتُلمس وتُرى في السلوك والتصرفات، والقدرة على تحمل واستيعاب جوانب المسؤولية، ومواجهة مصاعب الحياة بكل ثبات، والبطولة في الميدان وفداء الوطن، والاستعداد لقول وتطبيق كلمة الحق والعدل والصدق والاخلاص وهي العنوان لتلك المواقف والظروف دون انتظار رضا أحد من أصحاب القوى الإقليمية والدولية سوى رضا أبناء الشعب، عاشت ملاصقة لهم كظلهم يراها الجميع إلا هم، تحضر معهم إن حضروا فتضيف لحضورهم هيبة وسحرا، ولا تغيب إن غابوا فتطبع في عقول الثوريين والشعب تماما كما تطبع ملامح صاحبها، الرجولة أجمل ما يمكن أن يوجد في المرء على الإطلاق، أجمل من أجمل ملامح، وأفخم من أفخم لباس، وأكبر من أكبر شركة، هي عمل بطولي وثمرة حكمة العقل وقوة الإيمان وطهارة القلب، ليست لأي أحد ولا تليق بأي أحد ولا تشترى لا بالمال ولا بالكلام ولا بغيره، وإن تاريخ الأمم جميعاً إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما تقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة، وتبقى الرجولة أساس القيادة الحكيمة المبصرة لآلام وآمال الشعب، وسر مسيرة الثورة ومصدر ديمومتها على العهد والقسم ثورة حتى النصر.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version