كلمة الحياة الجديدة: قرارات المراجعات النقدية

القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة، بالدمج، والإلغاء، لبعض هيئاتها ومؤسساتها، طبقا لتوصية لجنة حوكمة المؤسسات والهيئات الحكومية، قد تبدو غير مفهومة لدى البعض، أو لربما سيراها تسوية لحسابات ضيقة…!!! والواقع أن بعض هذه المؤسسات والهيئات، خاصة بعض الملغاة منها، لم تتعد اسمها الذي حملته، ومن الواضح والحالة هذه أن الحوكمة استهدفت من وراء هذا الإلغاء، وهذا الدمج، لا تحسين الخدمات الحكومية، ورفع مستوى التنسيق، ومنع الازدواجية، وترشيد النفقات، في العمل الحكومي فحسب، وإنما تكريس متطلبات الحكم الرشيد أساسا.

أكثر ما يدعو إلى الاطمئنان في هذه السياسة الحكومية، أن هناك مراجعات نقدية لعمل الحكومة وهيئاتها ومؤسساتها، بدلالة هذه القرارات الأخيرة، والحقيقة أنها مراجعات شجاعة، وغايتها أن تكون على قدر المسؤوليات التي تتحملها، وأن تقدم الأفضل من الخدمات التنموية، والنهضوية، لأبناء شعبها، بما يؤكد طبيعتها، وحقيقتها التعاقدية، مع مجتمعها، وفق الدستور والقانون، وبالمنهج الديمقراطي، الضامن لا للتطور والتقدم فقط، وإنما للإبداع في مختلف حقول عملها أيضا.

في الطبيعة والتاريخ، ونعني طبعا طبيعة وتاريخ المجتمعات البشرية، ما من تطور وتقدم، دون نقد ومراجعات، شجاعة ومسؤولة، وعليه فإن النقد الموضوعي، والمسؤول، يظل هو أكثر ما نحتاج إليه دائما، بحكم أننا في مسيرة ينبغي توصيفها بأنها شاملة، من حيث إنها تسعى للتحرر الوطني أولا، بالخلاص من الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطين المستقلة، ودائما بعاصمتها القدس الشريف، ومن حيث إنها في هذا السياق، تعمل على بناء مجتمع التقدم، والتطور الديمقراطي، وبما يحقق الحياة المنتجة، لا الاستهلاكية في حقولها المختلفة.

على هذه القاعدة، وطبقا لهذه الرؤية، ينبغي أن ندرك صواب القرارات الحكومية الأخيرة، بشأن الدمج والإلغاء، ثمة ما كان يجب تحقيقه من أجل التصويب، والترشيد، وقد تحقق بعد المراجعات النقدية، ولا شك في ذلك، فهل نقابل ذلك بعدم الاهتمام، أو بأن ننصت للأقاويل الشعبوية، والتأويلات، والشائعات المغرضة، التي لا تستهدف غير إشاعة الإحباط بين صفوفنا، وألا نرى تاليا غير النصف الفارغ من الكأس …!!

ومن أجل التفهم والموضوعية، يجب أن نعرف على نحو بالغ الضرورة، أن النصف الفارغ من الكأس لا يكون في أسفله، بل إنه يتكئ على ما في الكأس من امتلاء، وهذا يعني أن الفراغ يظل إلى حين، لأن الطبيعة لا تقبل الفراغ، ونقول ذلك لكي نوضح أننا نعرف أن هناك في كأسنا الوطني، والاجتماعي، نصفا فارغا، وحين نؤكد أننا نعرف ذلك، ونحن نرى بوضوح حقيقة مراجعاتنا النقدية وواقعيتها، فإننا نثق تماما أن ما تحققه السلطة الوطنية، رئاسة، وحكومة، اليوم، إنما هو سعي لتحقيق الامتلاء الكامل لكأس فلسطين الوطني، والاجتماعي، التحرري والحضاري، والإنساني، وبقدر ما هو هذا السعي، سعي السياسات الرسمية، ومؤسساتها، بقدر ما هو سعي مختلف فصائل العمل الوطني، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، وبهذه القيم والمفاهيم، وبهذه الرؤية، يتشكل وعي الدولة بأفضل وأحسن ما يكون، ما يجعل من قيامها المادي، والواقعي في حدودها الجغرافية، والسيادية مسألة وقت لا أكثر.

كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version