أرملة و4 أيتام

“شعرت بقشعريرة شديدة، لم أتمكن من النوم طيلة تلك الليلة، كنت انتظر الساعة السابعة صباحاً حتى أحمل هاتفي لأتصل واطمئن عليه، لكن القلق يزداد والتوتر يرتفع كلما اقترب موعد النهار”.

هكذا وصفت أسماء خضر، ليلتها في الرابع والعشرين من كانون ثاني/ يناير الماضي، عندما ارتقى فيها زوجها الشهيد فؤاد جودة من قرية عراق التايه شرق نابلس اختناقاً بالغاز المسيل للدموع الذي أطلقه جيش الاحتلال الاسرائيلي صوب العمال عند فتحة جدار الضم والتوسع المقام على أراضي قرية فرعون جنوب طولكرم.

اضطر فؤاد (52 عاما) قبل استشهاده بأشهر كحال بقية العمال للمبيت في مكان عمله داخل أراضي الـ48 لمدة شهرين بسبب جائحة “كورونا”، ومنع الاحتلال عودتهم مجددا في حال مغادرتهم قبل انقضاء المدة التي أعلن عنها حينها.

“تحملنا أنا وزوجي هذا البعد، فلدينا أربعة أطفال ريان 10 سنوات، وغنى 8 سنوات، وصبا 6 سنوات، ويمان 5 سنوات، وأنا ربة بيت، وبالتالي نحن بحاجة ماسة لدخل مستمر، فكان لا بد من الصبر على هذا البعد المضطرين إليه”، تضيف خضر.

طيلة تلك المدة، تحملت أسماء (44 عاما) بعد زوجها، وكانت تتواصل معه عبر الهاتف وتطمئن عليه، وكان غالبا ما يكرر لها شوقه لأبنائه ولها، لكنها دائما ما كانت تصبره وتشد من عزيمته.

عاد فؤاد بعد شهرين من غيابه عن البيت، وتعهد لزوجته ولأبنائه أن يعوضهم هذا الغياب بالبقاء في المنزل أطول فترة ممكنة.

“أسعدتنا كثيرا عودته إلى البيت، فالأطفال لم يغادروا حضنه وظلوا قريبين منه، وبقي معنا 26 يوما ولم يغادر البيت إلا للضرورة، كم كانت تلك الأيام جميلة، وكنا مشتاقين إليها” تقول أسماء.

اتصل صديقه قبل يوم من استشهاده ليخبره بأن يجهز نفسه للعودة مجددا إلى العمل في اليوم التالي، من خلال الثغرة الموجود في الجدار قرب قرية فرعون بعد إغلاق الاحتلال كافة الحواجز.

استيقظ فؤاد عند الثانية صباحا، وتوجه إلى المنطقة المذكورة برفقة عدد من العمال، واستقل سيارة أجرة لتوصله إلى المنطقة المذكورة.

“اتفقنا ألا اتصل به حتى السابعة صباحا، حيث يكون وقتها قد وصل إلى مكان عمله، خشية أن يكون في منطقة تشكل خطرا عليه”، تضيف زوجته أسماء.

تفاجأ فؤاد وزملاءه العمال بعشرات جنود الاحتلال الإسرائيلي، يمطرونهم بوابل من قنابل الغاز المسيل للدموع.

“شعر زوج شقيقتي بأن الوضع صعب والدخول أصعب للعمل، فاتفق مع فؤاد على العودة إلى البيت، لكن زوجي أخبره أنه سيذهب إلى فتحة ثانية قريبة، وصعد في مركبة برفقة عدد من العمال الآخرين وعندما وصل أصابه إعياء وغثيان شديدين”، تقول زوجته.

لم يتمالك فؤاد نفسه ووقع على الأرض مغشيا عليه، ليواجه صعوبة حادة بالتنفس، إلى أن ارتقى شهيدا، بعد تأخر وصول سيارة الإسعاف.

تضيف أسماء “استشهد فؤاد داخل أراضي الـ48، طلب أصدقاؤه سيارة الإسعاف الإسرائيلي لكن تأخرت كثيرا، وعندما وصلت كان قد فارق الحياة نتيجة استنشاقه للغاز المسيل للدموع، الذي قيل لي إنه بألوان مختلفة يطلقه الاحتلال لأول مرة”.

أحست أسماء بحركة غير طبيعية في الخارج عندما حل فجر ذلك اليوم، وقاربت الساعة على الخامسة صباحاً، وما هي إلا دقائق حتى يقرع باب المنزل، وتدخل عليها زوجة شقيق زوجها وتخبرها بأن فؤاد أصيب ونقل إلى المستشفى.

“عندما أخبرتني بذلك، عرفت أن فؤاد قد مات، كنت أريد أن يكون ذلك حلما، وبدأت بالصراخ والبكاء، فبعد فؤاد كل شيء تحطم، فهو عامود وأساس البيت الذي كنت أتكئ عليه، لقد ترك أطفالا ما زالوا يخطون خطواتهم الأولى في هذه الحياة”، تقول أسماء.

وحسب إحصائية وزارة العمل فإن 23 عاملا توفوا ونحو 208 أصيبوا نتيجة ظروف مختلفة داخل أراضي الـ48 خلال العام 2020.

ووفق وكيل وزارة العمل سامر سلامة فإن موضوع العمل داخل أراضي الـ48 معقدة لعدة أسباب، فيما يتعلق بحقوق العاملين، حيث أن العمال الذي يملكون تصاريح عمل يخضعون لقانون العمل الإسرائيلي، لكن من يعملون دون تصاريح فإن سلطات الاحتلال الاسرائيلي ترفض التعاطي مع قضاياهم.

ويرى بأن الفتحات الموجودة عند مناطق بالجدار الفاصل، تشكل إفادة كبيرة للاقتصاد الاسرائيلي وبالتالي مصلحة إسرائيلية كون العامل الذي يلجأ إليها يصبح خارج أي تعويض في حال تعرضه إلى حادث، إضافة إلى أنه من الممكن أن يوضع في أمكان عمل صعبة وخطرة.

وفا- إيهاب الريماوي

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version