ثوري فتح … الخطوط الحمراء

بقلم: موفق مطر

قد لا نبالغ إذا قلنا إن كل مناضل عضو في المجلس الثوري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح كان يعتقد أن جلسات الدورة العادية الثامنة للمجلس ستنعقد في حي الشيخ جراح في القدس، وفي بيتا جنوب نابلس، حتى وإن كانت الاجتماعات واقعيا في قاعة أحمد الشقيري في مقر الرئاسة الفلسطينية، رغم أن القدس ما غابت للحظة عن عقل وبصر وبصيرة الرئيسين: الشقيري المؤسس لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية محمود عباس أبو مازن.. فالقدس لمن يريد أن يعرف قيمتها عند الشعب الفلسطيني عليه التمعن جيدا والتفكير بأبعاد وهدف حركة فتح من حرصها على صون وحماية مبدأ عضوية كل فلسطيني – أينما كان – في منظمة التحرير الفلسطينية، فالمنظمة ما كانت لتمثل فصائل وقوى وأحزابا وطنية وحسب، بل لتمثيل الشعب الفلسطيني دون استثناء بما فيه القوى الوطنية الحية المؤطرة في هياكل تنظيمية سياسية ونقابية واتحادات شعبية.. فالقدس روح الشعب الفلسطيني، ومنظمة التحرير هي مجموع إرادات وأهداف الشعب الفلسطيني، وبتلازمهما كتلازم الروح والجسد نضمن قدرة شعبنا على انتزاع الحرية وتحقيق الاستقلال.

ما كان الرئيس أبو مازن إلا فلسطينيا وطنيا وحدويا، لأن منظمة التحرير وما تعنيه وما تمثله (الشعب) الطاقة الروحانية والعقلانية والمادية المحركة لمراكز الإحساس والاستشعار والتفكير والمواقف والفعل والسلوك والعواطف والانفعالات في دماغه، فالمنظمة كما القدس لا يجوز السماح بمس مكانتها السياسية كرمز سيادي (عاصمة فلسطين) ومكانتها المقدسة كونها الرمز الروحي للشعب الفلسطيني ولكل المؤمنين في العالم، وليس مسموحا لأحد التفكير بحصرها في زاوية منظاره السياسي تماما كما المنظمة، فالقدس لكل الشعب الفلسطيني، وكذلك منظمة التحرير، ومن يسعى للمساس بمبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية في المنظمة، بالسيطرة عليها لمآرب لا علاقة لها بمبادئ وأهداف وإنجازات المنظمة وسجلها الكفاحي النضالي منذ تأسيسها قبل 57 عاما، سيمس القدس، ويهبط بمكانتها السامية كهدف ورمزية وعنوان إلى أدنى درجات سلم المصلحة المادية، ليتعامل معها بمنظار الربح والخسارة العائدين على جماعته الفئوية فقط، فيدمر مبدأ الشراكة الوطنية، ويدمر المنظمة، ويطيح بأعمدة المقدسات وبيوت القدس التاريخية وكل ما تعنيه في كتاب ثقافتنا الوطنية العربية الإنسانية، ويقطع سبل وطرقات وجسور التواصل بين أبناء الشعب الواحد والوطن الواحد، ويلتقي شاء أو أبى مع المشروع الصهيوني الذي تستميت رؤوسه لمنع تقدم وارتقاء الشخصية الوطنية السياسية الفلسطينية نحو تكريس نظام سياسي عاكس لإرادة الشعب، ما يعني أنه لغم جاهز لتفجير قواعد ومرتكزات أي حكومة وحدة وطنية أو أي حكومة من أي مسمى، وهذا التقاء مقصود مع هدف سلطة الاحتلال الاستعمارية بإبقاء الشعب الفلسطيني خاضعا لحكمها وقوانينها العنصرية. فللشراكة الوطنية قوانين وقواعد أخلاقية أولا ونظامية سياسية ليس مسموحا لأحد إعادة تفصيلها بما يخدم مصالحه الذاتية .

لا يحتاج الرئيس أبو مازن لتقديم الإثباتات والبراهين على إيمانه بالقدس والمنظمة والوحدة والشراكة الوطنية وكلمته في ثوري فتح يوم الإثنين أحدثت نداء باستكمال الحوار الفلسطيني، نداء نابع من ضميره كمناضل قائد ورئيس تسيره القيم الإنسانية والعقلانية، بعد أن أكد المعنى الحقيقي للشراكة وهو أن تكون التهدئة شاملة لكل الوطن والأولوية للقدس، وأن إعادة الإعمار في غزة مسؤولية وطنية تتحملها دولة فلسطين، وليست مسؤولية فصيل أو حزب أو جماعة، ذلك أن القضايا المتعلقة بالشعب كله مسلمات لا تخضع للمساومة ولميزان المكاسب والمحاصصة، ونعتقد أن ثوري فتح قد منح هذه القضايا ( القدس، المنظمة، الوحدة والشراكة الوطنية، إعادة الإعمار) قرارات استثنائية نستطيع بكل ثقة وصفها بالثورية بالنسبة لأهدافها ومقاصدها، فالشراكة الوطنية بالنسبة لفتح استراتيجية معيارها انسجامها مع المصالح العليا للشعب الفلسطيني، أما الذي يتحدث عن شراكة وطنية مع إصرار على خطف قطاع غزة، والمضي بإجراءات انفصالية تكرس الانقسام السياسي والجغرافي فعليه دفع استحقاقات الشراكة والالتزام بمتطلباتها، وإلا فإنه ليس معنيا بآلام ومعاناة مليوني مواطن في غزة وما لحق بهم وبالشعب الفلسطيني ومنظمته وعدالة قضيته وأم القضايا القدس من دمار يجعل الغزاة المحتلين العنصريين يشمتون بنا ويستعجلون لنا نكبة أو نكسة ثالثة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version