سياسة هدم البيوت وبؤس ويأس المستعمر

بقلم: باسم برهوم

عندما يصاب المستعمر باليأس من إخضاع الشعوب وكسر إرادتها يلجأ إلى سياسة العقاب الجماعي البائسة. وسياسة العقاب هذه تشمل أشكالا كثيرة كحرق الأشجار المثمرة واقتلاعها وحرق المحاصيل والاعتقالات العشوائية والإكثار من نصب الحواجز العسكرية ومحاصرة قرى ومدن ومنع التنقل ووصول الغذاء والدواء إليها، ولكن أكثر أنواع العقاب الجماعي إيلاما وبشاعة هو هدم المنازل، وترك الأسر في العراء وتشريدهم.
دولة الاحتلال الإسرائيلي ورثت سياسة هدم منازل الفلسطينيين عن الانتداب البريطاني، فقد لجأ المستعمر الإنجليزي لهدم المنازل وحرق محاصيل الفلسطينيين منذ ثورة العشرين، وبلغت ذروتها خلال ثورة 1936- 1939، فقد هدم جيش الاحتلال البريطاني في سنوات الثورة الثلاث أكثر من 2000 منزل لعائلات فلسطينية. بن غوريون قبل وخلال وبعد حرب عام 1948 لم يكتف بهدم المنازل بل هدم ودمر نحو 500 قرية ومدينة ضمن خطة “دالت” للتطهير العرقي، والتي أدت إلى تهجير حوالي 800 ألف إنسان فلسطيني، أصبح يطلق عليهم منذ ذلك التاريخ اسم اللاجئين الفلسطينيين، والذي يتجاوز عددهم اليوم أكثر من 6 ملايين لاجئ.
وبغض النظر عن أنواع الهدم وتصنيفاته، فإنه يمثل عقابا جماعيا وهدفه الحقيقي هو التطهير العرقي، خاصة عندما تقوم سلطة الاحتلال بهدم منازل في القدس الشرقية المحتلة، أو في مناطق “ج” في الضفة الغربية. وضمن هذه السياسة هدمت إسرائيل منذ احتلالها الضفة والقدس وقطاع غزة عام 1967 أكثر من 50 ألف منزل وهو ما يعادل تدمير مدينة بأكملها لا يقل عدد سكانها عن ربع مليون نسمة.
في السنة الماضية 2020، هدمت إسرائيل 400 منزل في القدس وحدها، عمليات الهدم أصبحت ممارسة شبه يومية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، تتم تحت ذرائع مختلفة، ولكن وبغض النظر عن الأسباب فإن هذه السياسة تمثل انتهاكا سافرا للقانون الدولي، وبالتحديد اتفاقيات جنيف الرابعة التي تنص على عدم إجراء أي تغير في الإقليم الواقع تحت الاحتلال بالقوة العسكرية. ويعود أسباب تمادي إسرائيل في الهدم والتنكيل إلى تواطئ المجتمع الدولي مع إسرائيل، فهذه الدول الاستعمارية هي من قررت إنشاء دولة يهودية في فلسطين على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وهي لا تزال ترعى وتدعم هذه الدولة وتمنع عمليا أي ملاحقة قانونية لها.
إن ما نسمعه ونقرأه من بيانات شجب وتنديد وحتى تحذير لقيام إسرائيل بهدم منازل الفلسطينيين، هو مجرد ضجيج لم يرتق إلى مواقف جدية لإجبار دولة الاحتلال على وقف انتهاك القانون الدولي. الدليل على ذلك هو أن المجتمع الدولي يقول ولا يفعل أي شيء وبالمقابل إسرائيل لا تكتفي بمثل هذا الهدم وتقوم بتطبيق تصفية وتطهير منظم وبوتيرة متسارعة للوجود الفلسطيني في القدس تحديدا وهو ما نشهده بشكل واضح في بلدة سلوان حيث يجري تغير معالم المنطقة العربية المقدسية انسجاما مع الرواية الصهيونية.
هدم المنازل وعندما يصبح سياسة للعقاب الجماعي، فهو دليل على يأس الاحتلال وفشله في تركيع الشعب الفلسطيني عبر أكثر من مائة عام من الصراع. فإسرائيل تعيش في هذه المرحلة نوعا من الإحباط المعنوي خاصة أنها عندما وقف الشعب الفلسطيني موحدا في الربيع الماضي وهب نصرة للمواطنين الفلسطينيين في حي الشيخ جراح. فقد سقطت مقولات مؤسسي إسرائيل الصهيونية” بأن الآباء يموتون والأبناء ينسون”، لتكشف دولة الاحتلال أن الأبناء والأحفاد هم أكثر تمسكا بأرض وطنهم وحقوقهم من الآباء والأجداد وبحلم العودة. ليس هناك قوة تستطيع كسر إرادة شعب قرر أن يموت ولا يركع ويموت ولا يتخلى عن أرضه وحقوقه الوطنية المشروعة.
وبرغم عمر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الطويل، الذي استخدمت إسرائيل خلاله كل أشكال البطش والتنكيل إلا أن المعادلة بقيت ذاتها شعب فلسطيني صلب متشبث بأرض وطنه مقابل قوة احتلال غاشمة، شعب لم يستسلم أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية. هذه المعادلة في ميزان الربح والخسارة هي لمصلحة الشعب الفلسطيني، لأن هناك اليوم 7 ملايين فلسطيني صامدون على أرض وطنهم، وهم رغم كل سياسات القمع والتمييز العنصري والتطهير العرقي يساوون ويزيد عن عدد اليهود في المساحة من البحر إلى النهر. إن هذا الصمود المادي الملموس على الأرض هو ذروة المقاومة وهو عنوان فشل المشروع الصهيوتي وروايته…هم يهدمون ونحن نبني وسنواصل البناء والتكاثر على أرض وطننا فلسطين.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version