المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

على الرغم من إعادة اعتقال أربعة أفراد من مجموعة جلبوع، ستؤسس العملية لمرحلة جديدة في ‏الضفة الغربية

بقلم اللواء: أحمد عيسى

نفذت مجموعة من ستة أسرى فلسطينيين (خمسة منهم من قادة سرايا القدس، الذراع العسكري لحركة ‏الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، والسادس من أبرز قادة كتائب شهاء الأقصي في الضفة ‏الغربية، الذراع العسكري لحركة فتح)، فجر يوم الإثنين الموافق 6/9/2021، عملية هروب كبرى ‏من السجن الأكثر تحصيناً في إسرائيل، من خلال نفق أرضي يمتد من داخل الزنزانة رقم (5) من ‏قسم رقم (2) لخارج أسوار السجن، كان الأسرى قد أعدوه خصيصاً لهذا الغرض خلال فترة طويلة ‏سبقت التنفيذ بعيداً عن أعين إدارة السجن ومنظومتها الأمنية البشرية والإلكترونية.‏

وفيما ملأت مشاعر الفرح والسرور الشعب الفلسطيني والعربي إبتهاجاً بإنتزاع مجموعة من الأسرى ‏حريتها عنوة رغم أنف الجلاد، إستنفرت منظومة الأمن الإسرائيلية كل أجهزتها لتعقب وملاحقة ‏المجموعة في كل من مناطق العام 1948، والضفة الغربية، لا سيما محافظة جنين للعثور على ‏أعضاء المجموعة أحياءً أو شهداءً.‏

وعلى الرغم من إعادة إعتقال أربعة من أفراد المجموعة فجر يوم السبت الموافق 11/9/2021، إلا ‏أن جهات التقدير الإستخبارية الإسرائيلية قد وظفت ولا زالت، كثير من جهدها ووقتها إستناداً على ‏ما بحوزتها من معلومات إستخبارية مصنفة، لدراسة ما جرى، وفحص دلالاته، وإستيعاب ما كشفه ‏من حقائق، لجهة الوقوف على مآلات وتداعيات العملية على العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية ‏عامة، وأمن الإسرائيليين خاصة، سواء في الضفة الغربية أو داخل إسرائيل إنطلاقاً من الضفة ‏الغربية، وذلك في ظل كل الإحتمالات المتوقعة لتطورات العملية.‏

في الخلفية

كانت مجموعة من ستة أفراد تنتمي لحركة الجهاد الإسلامي قد نفذت عملية هروب معقدة من سجن ‏غزة المركزي العام 1987، وقد تمركز خمسة من أفراد هذه المجموعة بعد نجاحهم في إنتزاع حريتهم ‏في قطاع غزة، فيما السادس إختار مغادرة البلاد لأحدى الدول العربية في شمال إفريقيا، وفور تحررها، ‏باشرت المجموعة في تنفيذ عمليات مسلحة إستنادا للبنية التحتية البسيطة للتنظيم حديث التكوين ‏في حينه.‏
وعلى الرغم من الفترة القصيرة لعمل المجموعة، إلا أنها نفذت العديد من العمليات النوعية التي أدت ‏إلى مقتل العديد من أفرد وضباط جيش الإحتلال والمخابرات، الأمر الذي جعل من أفراد المجموعة ‏خاصة قائدها (مصباح الصوري) النموذج القدوة للكثيرين من أهالي القطاع الذين لا زالوا يتغنون ‏حتى الآن بالعمليات التي نفذتها المجموعة، خاصة إشتباك الشجاعية الذي جرى بتارريخ ‏‏6/10/1987، والذي إستشهد خلاله عدد من أفراد المجموعة كان الصوري أحدهم، حيث اصيب ‏بجروح بالغة إستشهد على أثرها لاحقاً.‏

وفيما هناك إختلاف في أوساط الفلسطينيين على إعتبار السادس من تشرين الاول كتاريخ بداية إندلاع ‏الإنتفاضة الأولى وفقاً لتقويم حركة الجهاد الإسلامي، إلا أنه لا إختلاف في أوساط المراقبين ‏الفلسطينيين على إعتبار عملية الهروب وما أعقبها من عمليات في قطاع غزة هي المحرك الرئيس ‏لمسارعة حماس بتشكيل كتائب عز الدين القسام، لتفادي نزوح الشباب المتحمسين للإنخراط في ‏المواجهة العسكرية مع الإحتلال من صفوف حركة الإخوان المسلمين نحو حركة الجهاد الإسلامي، ‏الأمر الذي كان له بالغ الأثر على جيل الشباب الفلسطيني المتحمس، وكنتيجة على وتيرة المواجهة ‏والإشتباك مع جيش الإحتلال.‏

أهمية التوقيت والجغرافيا

في الواقع هناك عدة أبعاد لأهمية عملية جلبوع، إذ علاوة على البعد الذي يكمن في تعدد الإنتماء ‏التنظيمي لأعضاء المجموعة، هناك البعد الجغرافي، حيث يسكن جميعهم في محافظة جنين التي ‏تروج أجهزة الإعلام الإسرائيلية أن فيها بنية تنظيمية مسلحة قد بلغ نموها حد الإشتباك مع قوات ‏الجيش كلما إجتاح المدينة ومخيمها، فضلاً عن أن جنين تعتبر من أبرز محافظات الضفة الغربية ‏التي تعيش بدورها حالة من الغليان نتيجة لتغول الإحتلال على مدنها ومقدساتها وأحيائها، لا سيما ‏في مدينة القدس وضواحيها.‏

ويتجلى البعد الثالث للأهمية في التوقيت، إذ يتزامن حدوث العملية مع إزدياد نسبة غير المؤمنين ‏في أوساط الشعب الفلسطيني بالتسوية السياسية وحل الدولتين، وكذلك إزدياد نسبة المؤيدين للكفاح ‏المسلح كوسيلة لنيل الحقوق الفلسطينية وذلك وفقاً لنتائج إستطلاعات الرأي التي نفذت مؤخراً في ‏المناطق الفلسطينية من قبل مؤسسات فلسطينية متخصصة، ويأتي هذا التحول في الرأي العام ‏الفلسطيني نحو الكفر بالتسوية السياسية والإنزياح نحو المقاومة المسلحة بالتزامن مع تراجع شعبية ‏السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وتزايد إحتمالات حدوث فراغ في هرم القيادة الفلسطنية وفقاً ‏للتقديرات الإسرائيلية المنشورة. ‏

محاور الجدل في الأوساط الإسرائيلية في أعقاب العملية

فجرت العملية موجة من الجدل والسجال داخل الأوساط العسكرية والإعلامية في إسرائيل، وقد ‏تركزت أحد محاور هذا الجدل على كيفية معالجة الضرر الإستراتيجي الذي سببته العملية وألحقته ‏بصورة إسرائيل، لا سيما في المرحلة الحالية التي تتآكل فيها صورة إسرائيل النمطية كجدار حديدي ‏لا يمكن إختراقه.‏
المحور الثاني لهذا السجال يدور حول من يتحمل مسؤولية التراجع الملموس في منظومة الأمن ‏الإسرائيلية؟ هل هي حكومة بينت الحالية؟ أم حكومة نتنياهو السابقة؟ ويرى معظم المشاركين في ‏هذا الجدل أن الأخيرة هي من تتحمل مسؤولية هذا التراجع، لأن أولويتها كانت إنقاذ نتنياهو من ‏تهم الفساد وليس تعزيز منظومة الأمن!!! ‏

الجديد الذي كشفته العملية

كشفت العملية عن جملة من الحقائق التي أشعلت يقيناً الضوء الأحمر لدى مكونات منظومة الأمن ‏الإسرائيلية، الأمر الذي وضع الحكومة الحالية تحت ضغط المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية ‏بما جرى، ويبدو أن مسألة تشكيل اللجنة هي مسألة وقت.‏

وتدور الحقيقة الأولى والأبرز التي كشقتها هذه العملية حول سلاح الأنفاق ومفادها أن هذا السلاح ‏أمر ممكن في الضفة الغربية، لا سيما وأن الطبيعة الطوبغرافية لمنطقة جلبوع تعتبر إمتداداً لشمال ‏الضفة الغربية، الأمر الذي يعني أن إنتشار هذا السلاح في الضفة الغربية هي مسألة وقت.‏

وتدور الحقيقة الثانية حول التضامن القوي للشعوب العربية مع الشعب الفلسطيني وأسراه ومقاومته، ‏الأمر الذي يكشف عن الجوهر الحقيقي لمكانة إسرائيل في المخيال العربي، ويؤكد في نقس الوقت ‏أن التطبيع العربي مع إسرائيل أمر زائف لا يمكن أن يعمر طويلاً.‏

النهايات المحتملة

‏1-‏ إعادة إعتقال المجموعة أو بعض من أفرادها، إذ جرى إعتقال أربعة من أفرادها أحياء حتى ‏لحظة كتابة هذا التقدير.‏

‏2-‏ إعادة إعتقال من تبقي من المجموعة أو إستشهادهم.‏

‏3-‏ نجاح من تبقى من المجموعة بالوصول لمناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، ‏ومن ثم إحتضانهم من قبل البنية التحتية المسلحة المتواجدة في الضفة الغربية والتي كثر ‏الحديث عنها مؤخراً في التقارير الإعلامية الإسرائيلية، أو التسلل لقطاع غزة.‏

‏4-‏ نجاح من تبقى من المجموعة بالتسلل لأحد الدول العربية المجاورة.‏

الخاتمة

أي كانت النهايات المحتملة لمن تبقى من أفراد المجموعة، فالعملية قد ألحقت ضررا إستراتيجيا ‏بصورة إسرائيل لدى الراي العام الإسرائيلي والدولي والفلسطيني، وذلك على الرغم من نجاح أجهزة ‏الأمن الإسرائيلية في إلقاء القبض على أربعة من أفراد المجموعة خاصة على القائد البارز في ‏كتائب شهداء الأقصى زكريا الزبيدي الذي تعمدت أجهزة الأمن نشر صورته وقد تم الإعتداء عليه ‏من قبل وحدة الإعتقال، لتسويقها كصورة إنتصار لمنظومة الأمن الإسرائيلية التي جرحتها العملية ‏عميقاً.‏
كما أن العملية قد كشفت أن الشعب الفلسطيني لم يعد بإمكانه تحمل التغول الإسرائيلي على حقوقه ‏وممتلكاته ومقدساته، الأمر الذي يجعل من الضفة الغربية برميل بارود ينتظر شرارة التفجير، وليس ‏كغابة جافة تنتظر عود ثقاب، فضلاً عن كشفها عدم رضا الشعوب العربية عن موجة التطبيع ‏الأخيرة، الأمر الذي يعكس أصالة الوجدان العربي نحو فلسطين وشعبها.‏

وفوق ذلك كله فقد كشفت العملية أن سلاح الأنفاق الذي يسجل للمقاومة الفلسطينية في غزة تطويره ‏في العقدين الأخيرين، هو سلاح ممكن توظيفه في الضفة الغربية ومناطق العام 1948، الأمر ‏الذي يضع إسرائيل في مواجهة معضلة أمنية غير قابلة للحل.‏

Exit mobile version