“نيويورك تايمز”: بوتين قد يُدفع إلى غزو أوكرانيا بسبب 3 مسؤولين أمنيين يحيطون به

ثمة 3 مسؤولين أمنيين يتبنّون “قيماً تقليدية” ويسعون إلى استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي، في الدائرة المقرّبة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد يؤدون دوراً بارزاً في قرار محتمل أن يتخذه بغزو أوكرانيا، بحسب ما أوردته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.

وذكرت الصحيفة في تقرير، أن هذه الدائرة تشيع أن الغرب يشرّع الزواج بين البشر والحيوانات، وأن قادة أوكرانيا سيئون مثل الزعيم النازي أدولف هتلر، وأن قوميّيها “ليسوا بشراً”.

وأضافت أن وسائل إعلام روسية نشرت العام الماضي، أن هؤلاء الرجال الذين وُلدوا غالباً خلال حقبة الاتحاد السوفياتي، في خمسينات القرن العشرين، مثل بوتين، اتخذوا “مواقف رجعية” أكثر من رئيسهم، وهو ما اعتبرته مؤشراً إلى تشدد ينتهجه الكرملين، فيما يصعّد صراعه مع “أعداء متصوّرين”، في الداخل والخارج.

وأدرجت الصحيفة بروز هؤلاء المسؤولين الأمنيين في دائرة بوتين، في إطار تحوّله من قائد شاب أظهر وجهاً ودوداً إزاء الغرب في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حين أحاط نفسه بمستشارين، بعضهم ليبراليون بارزون، إلى رجل يهدّد ضمناً الآن بشنّ حرب كبرى في أوروبا.

وتابعت أن ذلك يأتي أيضاً ضمن سعي الكرملين طيلة سنوات، إلى صوغ أيديولوجيا لدعم حكم بوتين، وتعتمد بشكل متزايد على صورة الغرب بوصفه عدواً، وأوكرانيا باعتبارها تهديداً، وروسيا بكونها حصناً لـ”القيم التقليدية”.

وقال كونستانتين ريمشوكوف، رئيس تحرير صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الصادرة في موسكو، والمقرّب من الكرملين: “إنها محاولة جماعية لتشكيل أيديولوجيا مضادة، لأن بوتين يفتقر إلى أيديولوجيا”.

وتحدث عمّا سمّاه النظرة “المحافظة-الرجعية” للنخبة الأمنية الروسية إزاء العالم، مضيفاً: “الافتراض الأساسي هو أن الجميع ضد روسيا”.

وذكرت “نيويورك تايمز”، أن أحداً لا يُدرك كيف يتخذ بوتين قراراته، أو لمَن يستمع إليه أكثر فيما يدرس خطواته التالية.

وأعلن الكرملين أن ردوداً مكتوبة سلّمتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) الأسبوع الماضي، إلى موسكو بشأن مطالبها الأمنية، بما في ذلك ضمانات بالامتناع عن ضمّ أوكرانيا إلى الحلف، لم تستجب لأبرز المخاوف الأمنية لروسيا. لكن بوتين التزم الصمت، متجنّباً التعليق بشكل عام على ملف أوكرانيا منذ ديسمبر الماضي.

واعتبرت الصحيفة أن ذلك يجعل “الصقور” المحيطين بالرئيس، يعكسون تفكيره. وأضافت أن بعضهم التقى بوتين للمرة الأولى خلال عمله في أجهزة الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي)، واتهمهم مسؤولون غربيون بالإشراف على اغتيالات وعمليات تأثير وتجسس إلكتروني وحروب، ساهمت في عزل الكرملين عن أوروبا والولايات المتحدة.

ولفتت الصحيفة إلى أن بوتين يتبنّى “استعارات مضللة مناهضة للغرب”، مستدركة أن مستشاره للأمن القومي، نيكولاي باتروشيف، يؤيّدها بحماسة أكبر.

وأضافت أن الرئيس يشكو أعداء عازمين على تزوير الماضي المجيد لروسيا، فيما أن رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، سيرجي ناريشكين، يعتبر المعركة بشأن التاريخ أولوية خاصة بالنسبة إليه.

كما أن بوتين يرى ضرورة لتعزيز انخراط الدولة في الاقتصاد، لكن وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، بالغ في تبنّي هذا الاتجاه، من خلال الدفع باتجاه تشييد مدن جديدة في سيبيريا.

وقال ناريشكين هذا الشهر في إشارة إلى أوكرانيا: “إن نوعاً من آلة الزمن يعيدنا إلى أسوأ سنوات احتلال هتلر”.

ووصف الحكومة الموالية للغرب في كييف بأنها “دكتاتورية حقيقية”، خلال افتتاحه معرضاً في موسكو بعنوان “انتهاكات حقوق الإنسان في أوكرانيا”.

ووصف شويغو الشهر الماضي القوميين الأوكرانيين بأنهم “ليسوا بشراً”، فيما أدرج باتروشيف “رهاب روسيا” في أوكرانيا ضمن حملة دعاية غربية تعود إلى حقبة نسّاخ أوروبيين حسودين لطّخوا سمعة إيفان الرهيب، وهو أمير لموسكو بين عامَي 1533 و1547، وأول حاكم للمدينة أعلن نفسه قيصراً لكل روسيا، بين عامَي 1547 و1584. وزاد باتروشيف: “لم يعجبهم أن القيصر الروسي لم يعترف بقيادتهم السياسية والأخلاقية”.

وتساءلت “نيويورك تايمز” إلى أي مدى يتبنّى بوتين “عقلية التآمر” التي يروّج لها صقوره، مشيرة إلى أن محللين في موسكو لا يزالون يرون نزعة براغماتية لديه، إذ يوازن بين المظالم و”البارانويا” التي يروّج لها مقرّبون، مثل باتروشيف، والتوجّه الأكثر رصانة لأفراد مثل رئيس الوزراء التكنوقراطي ميخائيل ميشوستين.

وقال ريمشوكوف: “هؤلاء الناس راديكاليون محافظون. قد يكون هناك مركز محافظ، لكن بوتين في المركز”.

لكن الصحيفة ترى مؤشرات إلى سيطرة “الراديكاليين”، لافتة إلى “تسميم” الزعيم المعارض ألكسي نافالني في عام 2020، قبل شنّ حملة واسعة العام الماضي، استهدفت ناشطين ووسائل إعلام وأكاديميين.

وحمّل مسؤولون غربيون الحكومة الروسية مسؤولية تسميم نافالني، لكن ناريشكين اتهم عملاء غربيين اعتبر أنهم يبحثون عن “ضحية قربان” للمساهمة في إسقاط بوتين.

كذلك يتبنّى هؤلاء المسؤولون الأمنيون المتشددون “قيماً تقليدية”، باعتبارها البديل الأفضل بالنسبة لروسيا، عن الغرب المنحلّ أخلاقياً.

وفُرضت غرامة على شبكة تلفزة أخيراً، نتيجة بثها صورة لرجل طويل الشعر وأظافره مطلية، في ما اعتبرت السلطات أنه “لا يتوافق مع صورة رجل ذي ميول جنسية تقليدية”.

كذلك صدر حكم بسجن مدوّنَين 10 أشهر، بسبب صورة ذات إيحاءات جنسية أمام كاتدرائية القديس باسيل في موسكو.

وقال باتروشيف خلال سبتمبر الماضي، في إشارة إلى القيم الغربية “الأجنبية”: “يتم تغيير اسم الأب والأم إلى الوالد الأول والثاني. يريدون منح الأطفال الحق في تحديد جنسهم، وفي بعض الأماكن بلغوا درجة تشريع الزواج من حيوانات”.

وكرر بوتين بعد شهر عبارة باتروشيف بشأن “الوالد الأول والثاني”، متجاهلاً الحديث عن تشريع الزواج من حيوانات.

ويلوح عنصر آخر من أيديولوجيا مسؤولي الأمن في روسيا، متمثلاً في تمجيد الماضي السوفياتي. فباتروشيف اعتبر أن انهيار الاتحاد السوفياتي “فكّ تماماً غلال أيدي النخبة النيوليبرالية الغربية”، ممّا مكّنها من فرض قيمها غير التقليدية على العالم.

ووصف الثلاثي المحافظ في روسيا، بلادهم بأنها أمّة مُقدّر لها أن تستعيد تلك المكانة، بوصفها حصناً ضد الغرب، معتبرين أن أوكرانيا ودولاً أخرى في الفضاء السوفياتي تنتمي إلى دائرة النفوذ الشرعي لموسكو، بحسب “نيويورك تايمز”.

وقال أندريه كوليسنيكوف، وهو باحث في “معهد كارنيجي” بموسكو: “هذه واحدة من أحلك التيارات القومية الروسية، ضاعفتها الإمبريالية”. واعتبر أن النخبة الأمنية في موسكو تستهدف “استعادة الإمبراطورية” الروسية.

وذكّرت الصحيفة بأن بوتين وصف انهيار الاتحاد السوفياتي بأنه “كارثة جيوسياسية”، مستدركة أنه اعتاد أيضاً طلب المشورة من مسؤولين، بعضهم ليبراليون.

لكن هؤلاء أُبعدوا الآن إلى حد كبير من الحكومة، فيما أن التكنوقراط مثل ميشوستين، لا يتحدثون غالباً عن مسائل تتجاوز مسؤوليتهم المباشرة.

ويترك ذلك المجال مفتوحاً أمام نخبة مسؤولي الأمن، المعروفين باسم “سيلوفيكي”، والذين عمل كثيرون منهم مع بوتين في “كي جي بي”، مثل باتروشيف وناريشكين، ورئيس جهاز الاستخبارات الداخلية الروسي ألكسندر بورتنيكوف.

نفوذ هؤلاء يتجاوز المسائل الأمنية، إذ أن باتروشيف يرأس الاتحاد الروسي للكرة الطائرة، وابنه هو وزير الزراعة، فيما يشرف ناريشكين على “الجمعية التاريخية الروسية”، كما أن شويغو يرأس “الجمعية الجغرافية الروسية” ويرافق بوتين في إجازات منتظمة بغابات سيبيريا.

واعتبرت تاتيانا ستانوفايا، مؤسسة شركة التحليل السياسي “آر بوليتيك”، أن “المواجهة المتصاعدة والعقوبات لا تخيف سيلوفيكي، بل على العكس تتيح له مزيداً من الفرص”.

وأشارت “نيويورك تايمز” إلى عواقب واسعة محتملة للعقوبات التي قد يفرضها الغرب على موسكو، إذا غزت أوكرانيا، كما أن الخسائر العسكرية قد تلطّخ إرث بوتين.

وقال ريمشوكوف، في إشارة إلى الرئيس: “إذا خضنا حرباً مع أوكرانيا وشهدنا موت أشقاء، فهذا ما سيتذكره (الروس). لا يمكنه ألا يدرك الخطيئة التي سيرتكبها”.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version