المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

خلة مكحول.. حرب “صامتة”

يواجه المزارعون الفلسطينيون في عدة مناطق بالأغوار الشمالية، حربا “صامتة” مع قطعان المستوطنين الذين يستبيحون، في كل موسم، الحقول والمحاصيل الشتوية (قمح، شعير، عدس..) ويحولونها الى مراعٍ لمواشيهم.

وكان عشرات المزارعين قد استبشروا خيرا بالموسم المطري الذي انعكس إيجابا على حقولهم الزراعية، قبل أن يتم تحويلها الى ميادين تدريب عسكرية تارةً، أو الى مراعِ تارة أخرى، في خطوات مدروسة لتهجير المزارعين والرعاة عن أراضيهم لصالح المشاريع الاستيطانية التوسعية.

في المنطقة المحيطة بمضارب برهان بشارات، أحد سكان خلة “مكحول” بالأغوار الشمالية، تبدو الصورة معاكسة لتلك الحالة الإيجابية التي تسري بين المزارعين في الأغوار، الذين يستبشرون بحصاد جيد.

هناك، على امتداد مساحات شاسعة من الأراضي، ومنذ أكثر من عشرين يوما، وأبقار المستوطنين لا تفارق الحقول التي يزرعها الفلسطينيون بالمحاصيل الشتوية البعلية في المنطقة.

ويمكن مشاهدة صور ومقاطع فيديو بثها الناشط الحقوقي عارف دراغمة على صفحته في الفضاء الإلكتروني، تظهر رؤوس أبقار لأحد للمستوطنين ترعى في المحاصيل الزراعية شرق مكحول بالأغوار الشمالية.

يقول بشارات: إنه “موسم بعلي على حافة الانهيار.. تأتي الأبقار ليلا، وتظل طيلة الليل قبل أن نطردها نهارا”.

يكرر دراغمة كلاما مشابها له، عندما أخبر مراسل “وفا” أن المستوطنين حولوا الأراضي المزروعة بالمحاصيل البعلية الى مراعٍ لأبقارهم”.

“إنه الاستيطان الرعوي”. قال دراغمة.

والاستيطان الرعوي، كما عرفته الباحثة في مجال العلوم السياسية والدراسات، هدى مباركة، في مقال لها حمل عنوان “الاستيطان الرعوي شكل جديد من أشكال الاستيطان الاستعماري في منطقة الأغوار”، هو نموذج مستحدث يقوم به المستوطنون أنفسهم في محاولة منهم لفرض حقائق جديدة على الأرض.

فعليا، يمكن التماس تغيير واقعي في تلك المناطق التي يتواجد فيها المستوطنون، من خلال أحاديث يسردها المزارعون عن سياسة الاستيطان الرعوي في الأغوار الشمالية.

بالنسبة لبشارات، الذي فلح هذا العام قرابة 100 دونم من المحاصيل البعلية، فإن أبقار المستوطنين ترعى محاصيله منذ قرابة شهر من اليوم.

وقال: “لقد قصرّوا عمر المحصول للنصف.. إن أبقارهم لا تفارق محاصيلنا البعلية أغلب الأيام”.

وفي ردة فعل طبيعية، يقوم بشارات بطرد قطعان الأبقار التي تجوب محاصيله البعلية، لكنه لا ينجح دائما. فقبل يومين، حاول بشارات، وهو رب عائلة تنقل خلال عقدين من الزمن كثيرا في الأغوار بسبب ملاحقة الاحتلال له، طرد بضع رؤوس بقر من أرض زرعها هذا الموسم بالقمح، لكن جاء المستوطنون بحماية الاحتلال إليه ودارت بينهم مشادات كلامية ومواجهات بالأيدي.

“منذ شهر تقريبا ونحن على هذا الحال”. قال الرجل، مشيرا الى أن السكان في المنطقة يتعرضون لاعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال خلال دفاعهم عن اراضيهم.

ويمكن مشاهدة مساحات خضراء ممتدة بالأغوار الشمالية تأسر الألباب من بعيد، لكن حين الاقتراب قليلا منها يمكن معاينة الأضرار التي خلفتها قطعان الأبقار.

بالأرقام، تتراوح مساحة الأراضي المزروعة بالمحاصيل الحقلية في الأغوار الشمالية، حسبما أفاد به مدير دائرة زراعة الأغوار الشمالية هاشم صوافطة، ما بين 20-25 ألف دونم زراعي.

خلال السنوات الماضية أقامت مجموعات من المستوطنين تجمعات استيطانية مثابة “بؤر استيطانية” على قمم الجبال المترامية في الشريط الشرقي للضفة الغربية، وهي واحدة من سلاسل الجبال الرعوية.

وتظهر للأعيان معالم واضحة عن ماهية تلك البؤر، إذ يمكن مشاهدة “كرفانات”، وبركسات واسعة لوضع الماشية فيها، يقودها مستوطنون غالبيتهم من الشباب، وتغلب عليهم صورة التقشف في الملابس.

قال دراغمة: “هؤلاء يجلبون الماشية لطرد الفلسطينيين من مراعيهم، إنهم يغلقون ما يقارب 50 ألف دونم من المناطق الرعوية”.

يقول صوافطة: “هناك ما يزيد على 100 ألف دونم من المناطق الرعوية بالأغوار الشمالية”.

ويعرف رواد ذلك الشكل الاستيطاني بـ”شبيبة التلال” الذين يعيشون نمط حياة البداوة، وينهبون الأرض.

“يوميا هناك مواجهة دائمة بيننا وبين المستوطنين نتيجة لترك أبقارهم في مراعينا” يقول بشارات، فيما يضيف مواطنون من المناطق الشرقية أنهم يعيشون صراعا مستمرا مع المستوطنين و”شبيبة التلال”.

وفا- الحارث الحصني

Exit mobile version