المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

فهم المثلث الروسي – الإيراني – الإسرائيلي

كتب “دانيال راكوف” خبير السياسة الروسية في الشرق الأوسط مقالاً نشره “معهد القدس للاستراتيجية والأمن” الخميس 10 شباط/ فبراير 2022، جاء فيه:

في الوقت الذي تستثمر فيه طهران جهودها للتقارب مع روسيا، يجب على إسرائيل مواصلة الحوار مع موسكو لحماية حريتها العسكرية والدبلوماسية للعمل في سوريا، على الرغم من المواجهة المتزايدة بين روسيا والغرب.

كانت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو في الفترة من 19 إلى 20 كانون الثاني/ يناير هي أول زيارة دبلوماسية مهمة له منذ توليه منصبه في أغسطس الماضي. وخلال الاجتماع في الكرملين مع الرئيس فلاديمير بوتين، أعلن رئيسي أنه لا توجد قيود على تطوير العلاقات مع روسيا، التي وصفها بأنها “دائمة واستراتيجية”. وأعرب عن رغبته في “زيادة مستوى التعاون التجاري والاقتصادي عدة مرات”. كما ذكر أنه تم تقديم مسودة وثيقة حول التعاون الاستراتيجي الثنائي للسنوات العشرين القادمة إلى مضيفيه الروس. كان هذا ليحل محل اتفاقية الشراكة لعام 2001، والتي انتهت في عام 2021.

كان نهج بوتين في التعاون مع إيران والرغبة في توسيعه أكثر تحفظا. كما ناقش الاثنان المحادثات الجارية في فيينا حول خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) بشأن البرنامج النووي الإيراني والأوضاع الجارية في سوريا وأفغانستان.

في خطاب ألقاه أمام الجلسة العامة لمجلس الدوما (الغرفة السفلى بالبرلمان)، والتي قوبلت بحفاوة بالغة، توقع رئيسي حل الناتو وتحدث عن تجربة روسيا وإيران المشتركة في الاضطرار إلى التعامل مع السياسة الأمريكية العدائية التي صاحبها عقوبات اقتصادية.

كما كان هناك بُعد ديني واضح للزيارة، حيث استقبل رئيس مجلس المفتين الروسي رئيسي نيابة عن 20 مليون مسلم روسي وأقام معهم الصلاة في المسجد الكبير بموسكو. وعلى إثر ذلك، كان رئيسي أول زعيم مسلم يقطع لقاءه مع بوتين لمدة 10 دقائق لصلاة العشاء في الكرملين.

سعى رئيسي للوصول إلى انفراجة في العلاقات الثنائية التي كان يُنظر إليها دائمًا في العقود الأخيرة على خلفية الذاكرة التاريخية الإيرانية لروسيا والاتحاد السوفيتي كقوة احتلال إمبريالية. لكن خصوم رئيسي السياسيين زعموا أنه يعرض إيران للخطر من خلال تسليم مصيرها للروس.

يظل الهدف المشترك لروسيا وإيران معارضة الهيمنة الأمريكية على الشؤون الدولية، في الوقت الذي تعاني فيه الدولتان من عقوبات اقتصادية وعزلة دبلوماسية وتهديدات أمنية تفرضها واشنطن.

لذلك، كان الانسحاب المتسرع للأمريكيين من أفغانستان يُنظر إليه على أنه مكسب إستراتيجي في كل من طهران وموسكو. علاوة على أنه قوض الصورة العالمية لإدارة بايدن وأزال التواجد الأمريكي بالقرب من حدودهم.

خلال المحادثات النووية في فيينا، تلعب روسيا دورًا نشطًا كوسيط. وألقت روسيا، أقرب دولة لإيران من بين مجموعة 5 + 1، باللوم في انهيار الاتفاقية النووية الأصلية على الولايات المتحدة وتفضل رفع العقوبات. وهذا من شأنه أن يمهد الطريق أمام الشركات الروسية للعمل في إيران ويسمح لطهران بشراء أسلحة روسية الصنع.

ومع ذلك، فإن روسيا لا تريد لإيران أن تتحول إلى قوة نووية. وبدلاً من ذلك، تحاول تقديم التنسيق مع الولايات المتحدة والأوروبيين كمثال للتعاون العملي مع الغرب، وتحديداً في ظل الأزمة الأوكرانية الحالية.

خلال العقد الماضي، ضاعفت روسيا وإيران تعاونهما العسكري للدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا. وعشية زيارة رئيسي لموسكو، رست ثلاث سفن حربية روسية في ميناء “تشابهار” في إيران وشاركت في مناورة مشتركة مع البحرية الإيرانية والصينية في بحر العرب.

وخلال السنوات الأخيرة، أجرى الأسطولان الروسي والإيراني تدريبات منتظمة مماثلة، حيث تشارك الصين في هذه التدريبات من وقت لآخر. في أكتوبر 2021، زار رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري موسكو وأعلن أن طهران ستشتري طائرات مقاتلة وطائرات عمودية مقاتلة من روسيا، على الرغم من أن كلتا الدولتين كانتا في السابق تفضلان السرية في العلاقات.

وكان رئيسي يتوقع أن تروج الزيارة لصفقات أسلحة ممولة مع روسيا. وبدلاً من ذلك، أعلن رئيسي عند عودته إلى طهران أنه تم التوصل إلى اتفاقيات مهمة بشأن الطاقة والزراعة.

تستفيد روسيا من العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيرانية وتتعاون بشكل وثيق بشأن أسعار النفط مع دول الخليج التي يعتبرها الإيرانيون التهديد الخارجي الأساسي لهم. أعرب المعلقون الروس عن شكوكهم في أن تنجح روسيا وإيران في رفع مستوى العلاقات الثنائية، ويرجع ذلك أساسًا إلى مخاوف الشركات الروسية من العقوبات الأمريكية. كما كان هناك تقديرات أن موسكو لن تدعم المشتريات العسكرية الإيرانية، خاصة وأن طهران لا تقوم بتسديد ديونها المستحقة.

كما تساءل الخبراء الروس عن كيفية انسجام هجوم رئيسي الساحر مع محاولات موسكو الحفاظ على علاقات جيدة مع إسرائيل وغض الطرف عن غاراتها الجوية على أهداف إيرانية في سوريا.

على إثر ذلك، من المحتمل أن تستمر روسيا في التمسك بنهجها في الحفاظ على التوازن في علاقاتها مع البلدين بينما تحاول ضمان ألا يتحول تبادل الضربات بين طهران والقدس على الأراضي السورية إلى تصعيد أوسع نطاقاً قد يكون ضارًا بالمصالح الروسية.

في كانون الثاني/ يناير، أظهر لقاء بوتين الأول مع رئيسي، وأول لقاء له مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت في تشرين الأول/ أكتوبر، معاملة متناقضة. بينما احتوت الصورة الرسمية لزيارة رئيسي على طاولة طويلة فارغة حيث جلس القادة بعيدًا عن بعضهم البعض (حيث أن التفسير الرسمي لذك هو قيود COVID-19 المفروضة)، بينما تم تصوير بينت في محادثة حميمة مع بوتين في منتجعه الصيفي في سوتشي على ضفاف البحر الأسود.

استنتاج
أظهرت زيارة رئيسي أن طهران حريصة على توثيق العلاقات الثنائية أكثر من موسكو، لكن بطبيعة الحال، سوف يعمل بوتين بكل وسعه على تعزيز المصالح الاقتصادية لبلاده. ومع ذلك، فهو يدرك أن طهران تفتقر إلى أي بديل حقيقي بخلاف اعتمادها على الصين.

من ناحية أخرى، يمتلك بوتين أسباب جدية لعدم التأكيد على دعم روسيا لإيران. وبناءً على ذلك، فإن أي توسع كبير في التجارة الروسية الإيرانية، بما في ذلك أي صفقات أسلحة، سيتم تعليقها حتى يتم التوصل إلى انفراج في فيينا.

بالنسبة لإسرائيل، كانت نتيجة هذه الزيارة حقيبة مختلطة، حيث لم يكن هناك ضغط علني روسي على إيران لتبني قدر أكبر من المرونة بشأن القضية النووية. كما أنه لم يتم توجيه أي انتقادات للهجمات الإسرائيلية في سوريا.

بينما تستثمر طهران الجهود لتحسين العلاقات مع روسيا، سيتعين على إسرائيل مواصلة الحوار مع موسكو لحماية حريتها العسكرية والدبلوماسية للعمل في سوريا، على الرغم من التوترات المتزايدة حاليًا بين روسيا والغرب.

من الجدير ذكره أن “دانيال راكوف” هو خبير في السياسة الروسية في الشرق الأوسط ومنافسة القوى العظمى في المنطقة. خدم في الجيش الإسرائيلي لأكثر من 20 عامًا، وخاصة في المخابرات العسكرية الإسرائيلية (أمان). كان زميلًا باحثًا في برنامج الدراسات الروسية في معهد دراسات الأمن القومي من عام 2019 إلى 2021.

المصدر: عكـــــا

Exit mobile version