إنها الطاقة أيها الغبي!

لو كان قيل قبل أقل من سنة ان رئيس وزراء ليس نتنياهو سيدخل ويخرج من الكرملين بعد حديث لثلاث ساعات ونصف مع رئيس روسيا، ومن هناك سيطير للقاء مع مستشار المانيا – ما كان لأحد أن يصدق. من، بينيت؟ بينيت خاصتنا؟ لا يمكن. ولو قيل انه بعد اسبوع من ذلك سيستقبل رئيس دولة اسرائيل، والذي هو ليس نتنياهو، بشرف الملوك في قصر اردوغان – لما كان هذا ليعقل. لقد اعتدنا على أن نفكر بان نتنياهو وحده هو القادر. وان كل السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لدينا مع زعماء العالم متعلقة فقط بشخص واحد. واذا لم يكن في الحكم، راحت علينا. وها هو يخيل أنه منذ ان تشكلت الحكومة الجديدة يدير رئيس الوزراء ووزير الخارجية سياسة متوازنة ومكبوحة دون ضجيج ورنين، وان الدولة ليس فقط تواصل الوجود بل ان علاقاتها في العالم آخذة في التحسن والارتفاع في المستوى.
ان رحلة هرتسوغ الى تركيا مباركة ومثير للانفعال ان نرى أردوغان يقف منتصباً امام عزف نشيدنا القومي، ولكن ليس مجدياً أن نطور توقعات كبرى. فهذه ليست بداية صداقة رائعة. البحر هو البحر ذاته واردوغان هو اردوغان ذاته. وهذا ليس اردوغان حين لم يكن الا رئيس وزراء سياسته كانت صفر اعداء. الرجل الذي آمن بأن تركيا هي الدولة الوحيدة التي يمكنها ان تربط بين الشرق والغرب، بين روسيا وأميركا، اسرائيل والدول العربية. الرجل الذي حين حاول رئيس الوزراء الاسبق اهود اولمرت اقامة اتصالات بين اسرائيل وسورية كان الاول في قائمة وسطائه.
مثير للشغب هو كان دوماً، ولكنه يعتبر كمن يعرف كيف يحل المشاكل. غير أن رجل «صفر أعداء» تحول في غضون بضع سنوات الى من اصبح الجميع اعداؤه؛ روسيا، الولايات المتحدة، الاوروبيين، دولاً عربية سُنية مثل مصر – واسرائيل، بالطبع. حصل لاردوغان ما يحصل للزعماء بعد سنوات طويلة جدا في الحكم: بعد أن ينجحوا في الشؤون الداخلية يتحولون من منتخبين الى سلاطين، من رؤساء الى قياصرة. وعندها يكفون عن ان يروا قيود قوتهم.
الدبلوماسية، كما هو معروف، هي ليست مسألة نوايا، بل مصالح. والتقرب من اسرائيل هو سياسة ولدت انطلاقاً من مصلحة حاكم يشعر بانه ضعيف. ضعيف امام الاميركيين، ضعيف امام العالم، ضعيف حتى في داخل تركيا. لقد فهم أن عليه أن يعيد تقويم الوضع. بتعابير اخرى: كل شيء يتحرك حول شؤونه الداخلية وشخصيته. والامر الذي يقلقه حتى اكثر من علاقات اسرائيل والفلسطينيين هو علاقات اسرائيل مع قبرص واليونان حول موضوع الغاز.
كيف يقال؟ كل هذا هو الطاقة، يا غبي. من تكون يده على صنبور الغاز، يكون له النفوذ. وهو يرى أن اسرائيل تعمل على انبوب غاز عبر قبرص واليونان، ومن هناك الى اوروبا متجاوزاً تركيا. وهو يخشى من حلف بين اسرائيل واليونان وقبرص، وهو في علاقات صعبة مع واشنطن ويؤمن بأن لاسرائيل تأثيراً سحرياً على البيت الابيض – ومن هنا الاستقبال الملوكي للرئيس الاسرائيلي. ومن سيكون مريحاً اكثر من بوجي هرتسوغ، اللطيف، الاديب، الرسمي، المحب للخانة التي أخلاها شمعون بيريس، كوزير خارجية أعلى.
ان اهمية لقاء المصالحة هذا هي في مجرد انعقاده. فالى اين سيسير بعد ذلك لا يعرف الا الله. ثمة من يعتقد أن اردوغان اجرى التفافة حدوة حصان وسيخفض مستوى انتقاده على اسرائيل. وثمة من يقول انه سيفعل هذا حتى المواجهة التالية في غزة، الانتفاضة في المناطق أو كل حدث امني آخر لنا مع الفلسطينيين. سيكون من الصعب على من وصف ذات مرة اسرائيل «بقاتلة الأطفال» ان يبقى معتدلاً.
اسرائيل يمكنها ايضا ان تربح من هذه النهضة. ربما العودة الى ايام التصدير الامني المنتعش الى تركيا، ربما الى طمس استضافة رجالات «حماس» الرسميين لدى اردوغان وتقليص تواجد المنظمة في تركيا. ومع ذلك ليس مجدياً التعويل على تحسن استراتيجي حقيقي مع تركيا. ففضلاً عن حقيقة ان الحديث يدور عن محب لإشعال النيران، فإن اردوغان هو اسلامي متزمت مع ايديولوجيا كراهية لاسرائيل. وحتى لو اراد ان يتصرف بمنطق، فليس مؤكداً ان هذا ما تقوله له بطنه.
في قضية اعمال وساطة إسرائيل بين روسيا واوكرانيا ايضا من المجدي تخفيض التوقعات. فمع كل ما في الامر من أسى، لا بينيت ولا نتنياهو هما مستوى آخر. فبينيت لم يُدعَ الى موسكو بسبب قدراته على التوسط. لقد دُعي لأن اسرائيل هي الجهة الغربية الوحيدة القادرة اليوم على الاتصال ببوتين، ويمكن القول دون اي تحفظ ان اكثر من بينيت، الكين (زئيف الكين وزير البناء) هو العامل الغربي الذي توجد له اطول ساعات قضاها مع بوتين. مئة ساعة جلوس معه كمترجم في حكومات سابقة، وثلاث ساعات ونصف من الحديث المكثف الآن. ومن المجدي الا نقلل من قيمة المعركة، التجربة، العقلية والقدرات لدى الكين. فهو الوحيد الذي يفهم بوتين باللغة الاصلية، ومثلما تعلم الشطرنج يعرف ايضا كيف يقرأ لغة الجسد والمزاج لدى الحاكم الروسي. ان يعرف متى هو جدي ومتى هو يلعب. ونعم – فان على ما يكفي من الحدة والتركيز كي يفهم بان علينا أن نتواضع. فاسرائيل ليست في موضع الوساطة. ليس لديها الروافع اللازمة على الطرفين. يمكن لبينيت ان يرفع الهاتف وان ينقل رسالة وان يدخل الى غرفة مع بوتين إو زلنسكي ولكنه لا يمكنه أن يوقف الحرب. الكين يعرف بان القناة الحقيقية الوحيدة اليوم بين روسيا واوكرانيا هي قناة المفاوضات المباشرة بينهم.
ومع ذلك لا يجدر بنا أن نستخف بمكانتنا كدولة، وبمكانة بينيت كرئيس وزراء شاب وغير معروف في اوساط زعماء الغرب. مع كل التحفظات، فان بوتين يرى في بينيت شخصا غير معادٍ، ربما الوحيد اليوم من ناحيته. وبالتالي فان بينيت قام بالفعل الصحيح.
وحتى لو كان كل ما سيجلبه لنا هذا هو مساعدة من روسيا لليهود الذين يوجدون في المناطق تحت حكمها، نكون قد ربحنا.

عن «يديعوت أحرونوت»

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version