المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الفايننشال تايمز: بايدن وبوتين وأخطار تكرار تجربة فرساي

رأى الكاتب في صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إدوارد لوس، أن الغرب مضطر عند التعامل مع روسيا، أن يأخذ في الاعتبار معاهدة فرساي التي فرضها الحلفاء على ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى وما تلاها من ترسيخ لذهنية الانتقام لدى الألمان.

وقال إنه بعيد هدنة عام 1918 التي أنهت الحرب العالمية الأولى، أعيد انتخاب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد جورج تحت شعار “اشنقوا القيصر”. وتنازل القيصر الألماني المنفي ويلهلم عن السلطة بسهولة. لكن روح الانتقام التي تلت ما عرف “بالحرب لإنهاء كل الحروب”، صمدت بثبات. وفرض الحلفاء من خلال معاهدة فرساي التي تلت ذلك، سلاماً كان من شأنه تسميم كل سلام من بعده.
ويلفت لوس إلى أنه من المبكر التكهن بإتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول أوكرانيا، على رغم أن المحادثات جارية وتبادل الجانبان مسودات للسلام. إن لدى بوتين تاريخاً من قول الشيء وفعل عكسه، مما قد ينعكس خداعاً مميتاً بالنسبة إلى أوكرانيا. قلة هم من يعتقدون أن بوتين قد يتنازل عن طموحاته القصوى بابتلاع أوكرانيا. وأي إتفاق، ناهيك عن وقف للنار، يجب أن يتم التعامل معه على أنه مجرد وقفة تكتيكية.

البديل الذي لا يمكن المراهنة عليه
ومع ذلك، فإنه عند مرحلة معينة، يتوجب التحدث إلى العدو بخلاف ما يحب المرء. وهذا يعني إبرام نوع من الاتفاق مع بوتين. إن البديل الرامي إلى استسلام روسيا بلا شروط وعزل بوتين، هو رهان لا يمكن القادة الغربيين المراهنة عليه.
ودروس فرساي حاضرة. ومن الممكن تفهم المزاج المائل إلى العقوبات في واشنطن والعواصم الغربية. وعدا عن الارتكابات في حق المدنيين والقصف المدمر في أوكرانيا، فإن الثمن قد يصل إلى مئات ملايين الدولارات. ويعمل الرئيس الأمريكي جو بايدن على مصادرة الودائع الروسية بالدولار في الإحتياط الفيديرالي الأمريكي في مقابل تعويض الأضرار التي لحقت بأوكرانيا. كما أن بايدن سيجد صعوبة في رفع العقوبات عن روسيا طالما بوتين في السلطة.
وفي عام 1919، فرضت القوى الحليفة تعويضات مشلة على ألمانيا المهزومة، على رغم أن قادتها قد عزلوا من مناصبهم. وسيكون من الصعب على حلفاء اليوم مقاومة فرض سلام “قرطاجي” على روسيا طالما بقيت تحت إدارة بوتين.

أسلحة نووية
إن التحدي الذي يواجه بايدن أكبر من ذاك الذي واجهه سلفه وودرو ويلسون. وبخلاف ألمانيا عام 1919، فإن روسيا تمتلك أسلحة نووية ولا يمكن حملها على الاستسلام. إن التعريف الأفضل لهزيمة روسيا هو جعلها تنسحب من الأراضي الأوكرانية التي احتلتها. ولا شك في أن طرد روسيا بالكامل مهمة لا يمكن أن تقوم بها أوكرانيا وحدها. ومع ذلك، فإن التدخل الغربي المباشر لا يمكن تخيله. وهذا يعني مأزقاً دامياً بالنسبة لأوكرانيا، قد يستمر أشهراً وربما سنوات.
وعلى عكس ألمانيا المهزومة عام 1919 من دون أصدقاء، يمكن بوتين الإعتماد على شراكة “بلا حدود” مع شي جين بيغ رئيس ثاني أقوى دولة في العالم. ومع دولة من الممكن أن تتعرض للإذلال مثل روسيا، فإن التاريخ سيكافح من أجل إيجاد شبكة أمان لها. وهذا ما يتعين أن يجعل الغرب يلقي نظرة فاحصة على الموقف.

الفجوة واسعة جداً
وحتى لو أراد الغرب أن يملي على روسيا شروطاً على شاكلة فرساي، فإن تطبيق مثل هذه الشروط سيواجه عراقيل. إذن، ما هي الخيارات المتبقية لدى بايدن؟ إن الرئيس الأمريكي يقول إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يجب أن يكون القاضي النهائي. لكن عند نقطة معينة، يتعين على بايدن تسويق قرار غير مرغوب به عاطفياً لدى الرأي العام الأمريكي.
والأسبوع الماضي، رفض بايدن التنصل من كلام مرتجل عن ضرورة تنحي بوتين. ومعظم الغربيين وجميع الأوكرانيين من دون شك يتشاركون هذه الرغبة. لكن الفجوة بين ما تتوقعه أمريكا وما يمكن أن يحدث، واسعة جداً، لسوء الحظ.

المصدر: موقع 24 الاماراتي

Exit mobile version