المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

ريا نوفوستي: أمريكا تصطدم بحائط مسدود في العقوبات على روسيا

علق الكاتب السياسي في وكالة “ريا نوفوستي” الروسية سيرغي سافشوك على قرار إدارة الرئيس جو بايدن إعطاء رخص للشركات الأمريكية كي تنقب عن النفط والغاز وتستخرجهما من أراض فيديرالية تصل مساحتها إلى 58 ألف هكتار. ربط سافشوك هذا القرار بتداعيات سياسة واشنطن المعادية لروسيا على حد توصيفه.

وأوضح أن بايدن خاض حملته الانتخابية تحت الراية الخضراء في النضال من أجل البيئة وعارض بشكل جذري دونالد ترامب الذي دعم الصناعة الوطنية للنفط والغاز بكل ما أوتي من قوة. ووعد المرشح الديموقراطي ببذل كل جهد ممكن لمكافحة الاحترار العالمي كما تعهد فريقه بالتوقف تماماً عن إصدار التراخيص لاستخدام باطن الأراضي الفيديرالية من أجل زيادة إنتاج النفط محلياً. كيفية تعايش هذين المفهومين في مقترح واحد هو سؤال مفتوح لا للروس لكن لاستراتيجيي النخبة السياسية الذين رسموا صورة وأجندة المرشح الديموقراطي.

صناعة ضخمة تتأثر بخطة بايدن
تتحول جميع الشركات الضخمة لتوليد الطاقة إلى استخدام الغاز الطبيعي كوقود أساسي بشكل كبير. وتمت تهيئة أصحاب الشاحنات في وقت سابق للتعامل مع الزيادة الحادة في الضرائب على الانبعاثات. في 2017، تم نقل أكثر من 70% من جميع البضائع البالغة قيمتها 10.4 تريليون دولار بواسطة جرارات الشاحنات في الولايات المتحدة، وفقاً لأحدث الأرقام المنشورة رسمياً. ويضاف إلى ذلك أن أسطول الشاحنات في الولايات المتحدة يضم أكثر من مليوني شاحنة جرار و 5.5 مليون نصف مقطورة. يرى الكاتب أنه بالنظر إلى أهمية الصناعة ومردودها المالي وحجم حركة النقل وعدد الأشخاص المشاركين فيها، تبقى هوية من صوتوا لمرشحٍ، إذا لم يعِد بتدمير هذه الصناعة فعلى الأقل بجعل الحياة فيها صعبة جداً، لغزاً.
ثمة نقطة مهمة أخرى في الحملة الانتخابية وهي التخفيض الجذري في انبعاثات الزئبق وهو سم عصبي ينتشر في البيئة حين يتم إحراق الفحم. أشار الكاتب إلى أن بايدن كاد يحقق هذه المهمة: لولا التدخلات المالية الهائلة للبنوك الصينية، لاقتربت صناعة الفحم الأمريكية بشكل منهجي من نقطة اللاعودة. وتسببت التراخيص الأخيرة بموجة استياء لدى معسكري البيئة والنفط معاً.

أرقام تاريخية
في الأسابيع التي تلت العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، حققت كلفة الوقود في الولايات المتحدة عدداً من الأرقام التاريخية فترسخت عند ما يزيد على خمسة وستة دولارات للغالون الواحد، بالنسبة إلى البنزين والديزل على التوالي. في بعض الأوقات والولايات، تم طلب سبعة دولارات بشكل محير مقابل وحدة وقود مما تسبب برد فعل متوقع بين السكان. امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور تظهر أمريكيين يضعون ملصقات في محطات وقود وقد رسموا عليها صورة لرئيسهم مع عبارة “لقد فعلتُ ذلك”.

حل تقليدي قديم
سارعت الإدارة إلى حل المشاكل من دون تخفيف حدة الخطابات المناهضة لروسيا. لكن خططها المعتادة أصبحت قديمة ولم تعد قادرة على المساعدة. على سبيل المثال، خرجت السعودية من المدار الأمريكي ورفضت زيادة إنتاج النفط الخام من أجل إرضاء واشنطن. علاوة على ذلك، كثفت الرياض المفاوضات مع بكين وأعلنت أنها كانت مستعدة للتحول إلى اليوان.

خيانة
حاولت الولايات المتحدة تهدئة الأسواق ومواطنيها عبر الوعد بضخ النفط من الاحتياطات الاستراتيجية، وبالإفراج عن 60 مليون برميل بالتعاون مع حلفائها. لم تساعد هذه الخطوة كثيراً لأنه بالنسبة إلى التجار، لم يكن سراً أن أمريكا نفسها تنتج 14 مليون برميل يومياً، والتدخل المعلن لم يكن أكثر من حيلة علاقات عامة.
مع تزايد استياء الناخبين وارتفاع أسعار الوقود، أقدم البيت الأبيض على الأمر الوحيد الممكن: السماح بالتنقيب في الأراضي الفيديرالية وقد نظر إليه “الجمهور الأخضر” على أنه خيانة للمصالح البيئية وتودد لمعسكر عمالقة الطاقة. مع ذلك، استقبل معسكر النفط هذه الخطوة ببرودة شديدة مما أحزن الإدارة.

أين المشكلة؟
وفقاً للكاتب، تكمن المشكلة في أن إصدار تراخيص التنقيب في عدد من الولايات ليس كافياً لوحده. من الضروري جعل عملية إنتاج النفط والتكرير جذابة مالياً، لكن الأمر صعب. لقد قامت إدارة بايدن نفسها خلال السنة الماضية بزيادة نسبة الرسوم البيئية بـ50% على الشركات المنتجة والناقلة محلياً للهيدروكربونات. وخلال السنوات العشر الماضية، دفعت شركات الطاقة الأساسية (شل، بي پي، شيفرون، إكسون موبيل) قرابة 83 مليار دولار على تراخيص التنقيب والضرائب المرتبطة.
بعبارات بسيطة، وصل الأفرقاء الثلاثة – البيت الأبيض وشركات النفط والبيئيون – إلى طريق مسدود، حيث ستكون كل خطوة أسوأ من سابقتها. من الضروري خفض أسعار الوقود لكن ذلك يؤذي البيئة ويؤثر على ربحية الشركات بشكل سيئ، بل الأسوأ على شعبية الرئيس الحالي.

أمريكا تواصل شراء النفط الروسي
بالرغم من الحظر المفروض على شراء النفط الروسي، تنمو إمداداته بشكل مطرد إلى الولايات المتحدة حسب سافشوك. صحيح أن الأمر لا يحصل بشكل مباشر، لكن من خلال عقدة فنية. يتم تسليم النفط الروسي “الخاطئ” إلى ميناء فنتسبيلز في لاتفيا حيث يخضع للتخفيف بالنفط “الصحيح” الآتي من مصادر أخرى بنسبة 49.9% كما لو أنه بفعل عملية سحرية يتحول إلى مزيج لاتفي فريد من نوعه. ويتم تسليمه من قبل ناقلات النفط إلى أي نقطة حول العالم من دون أي قيود، بما في ذلك الدول التي تعهدت بتجويع روسيا حتى الموت عبر الامتناع عن شراء الهيدروكربونات الخاصة بها.
وفقاً لسافشوك، هذا هو التوازن السياسي والمالي والبيئي الذي تنخرط فيه واشنطن والذي تجبر جميع حلفائها على المشاركة فيه.

24-جورج عيسى

Exit mobile version