حذار من الانزلاق نحو الحرب

بقلم: باسم برهوم

لم يعد الحديث عن الحرب العالمية الثالثة مجرد تكهنات، أو أنه حديث تلويح أكثر منه إمكانية باتت أقرب للحدوث مما نتوقع، والغريب بالأمر أن ذاكرة البشرية قصيرة، وكأن شعوب العالم، وتحديدا شعوب أوروبا قد نسيت هول حربين عالميتين، فهم اليوم شرقا وغربا يتدحرجون بسرعة نحو حرب كونية. ومن الواضح أنه لم يتم العمل بما يكفي لتعزيز وعي عام ضد الحرب، والتثقيف كم ستكون الحرب القادمة بشعة، وأنها ستعيد البشرية الى ما قبل عصر الكهرباء وأن البيئة سيتم تدميرها ربما لقرن أو قرنين قادمين.

علينا أن نتخيل أن كل ما انجزته البشرية من حضارة وتطور سيتم الاجهاز عليه خلال ساعات إذا تحولت الحرب القادمة الى حرب نووية، والمشكلة أن إعادة بناء الحضارة من جديد قد يستغرق وقتا طويلا، وربما لن نعود الى ما نحن عليه اليوم. وعلينا أن نتخيل ان الحضارة المادية لن تكون وحدها ما سيدمر وانما كل منظومة القيم، منظومة سيادة القانون.

على البشرية ان تتوحد. لمنع الانزلاق نحو حرب عالمية ثالثة، وألا يصفق البعض للحرب مهما كانت مبرراتها، لا شيء يبرر الانجرار الى حرب تدمر الكرة الارضية. وفي الدول التي تدعي أنها ديمقراطية على الشعوب أن تدرك إن ذهب صوتها للقوى الشعبوية فإنها ستكون شريكة في دفع البشرية نحو الحرب، فالعودة للتعصب القومي والديني، هو بذرة شيطانية ستأخذ البشرية لتدمير نفسها بنفسها.

الدعوة الى الوحدة في وجه الحرب، ستكون دعوة رومانسية إذا لم تقترن بارادة قوية وشاملة تعيد الاعتبار للقانون الدولي، تعيد بناء النظام الدولي بعيدا عن منطق الهيمنة، نظام يستند الى العدل، والتوزيع العادل للثروة، فالكرة الارضية فيها ويمكن ان تنتج خيرات تكفي الجميع. ولعل فكرة إعادة بناء هيئة الأمم المتحدة هي امر ضروري ولكن ليس بمنطق استقواء طرف على آخر، بل إصلاحها لتكون اكثر تمثيلا للشعوب العالم، وان تكون اكثر حزما فيما يتعلق باحترام ميثاقها والقانون الدولي، والاهم من كل ذلك إصلاح يطوي الى الابد سياسة ازدواجية المعايير.

إن الخطأ الذي وقعت فيه البشرية بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية، ان المنتصرين صاغوا نظاما دوليا على مقاسهم، نظاما يعزز هيمنتهم ولا يعزز احترام القانون الدولي، لذلك فشلت تجربة عصبة الامم، التي تأسست بعد الحرب العالمية الأولى، فشلا ذريعا، ففي اقل من عقدين اندلعت حرب عالمية ثانية. واليوم تكاد هيئة الأمم المتحدة تصل الى المصير نفسه.

ولعل القضية الفلسطينية اكبر مثال على بؤس النظام الدولي الذي انتجته الحربان العالميتان، لقد دفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا، فالمنتصرون بالحرب الاولى جاءوا بوعد بلفور عام 1917, وعصبة الامم المنبثقة عن هذا النظام جاءت بصك الانتداب الذي جعل الهدف من الانتداب البريطاني لفلسطين هو تنفيذ وعد بلفور.

وبعد الحرب العالمية الثانية مثل قرار تقسيم فلسطين عام 1947 اول مؤشر على غياب العدالة في عمل الامم المتحدة، وليس هذا وحسب بل سمحت هذه المنظمة بعد عامين من تأسيسها بحصول اكبر عملية تطهير عرقي قامت بها دولة نشأت بموجب قرار التقسيم الذي اصدرته هي. لقد تخلى المجتمع الدولي مباشرة وعلى الفور عن ميثاق الأمم المتحدة عندما لم يتم تنفيذ القرار رقم 194، الذي يدعو الى عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم.

ذاكرة الشعب الفلسطيني، وشعوب كثيرة اخرى بخصوص النظام الدولي الذي نشأ بعد حربين عالميتين هي ذاكرة مأساوية. وبالرغم مما لحق بالشعب الفلسطيني من ظلم فانه يقف ضد انزلاق البشرية نحو حرب عالمية ثالثة تدمر كل شيء، قد يقول البعض ليس لدينا ما نخسره فلتندلع الحرب وتخلط الاوراق من جديد، هذا التفكير هو تعبير عن يأس، تعبير عن شعور عميق بالظلم لكن حتى أولئك الذين يرددون مثل هذا الرأي لا يريدون ولا يرغبون بحروب تدمر الحضارة.

إن شعبا مثل الشعب الفلسطيني لا يمكن إلا ان تكون له نظرة ايجابية لأنه يبحث عن العدالة التي تقود الى سلام اكثر رسوخا، ومن يطالب بالعدالة هو بالضرورة منحاز للحياة وللسلام وليس للحروب. غالبية الشعوب الساحقة هي مثل الشعب الفلسطيني، قلة هي من تأخذ البشرية للحرب، لكنها قلة متنفذة شرهة في الدول الكبرى تبحث عن الهيمنة،..فهل ستسمح لهم البشرية بأن يأخذوها لحرب؟

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version