المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

عصابات المستوطنين.. الذراع التي تبطش بالإنابة

كاريكاتير لمحمد سباعنة

يعمل القائمون على وسائل الإعلام الفلسطينية منذ مدة، على كسر عرف درج على مدار عقود الاحتلال التي تجاوزت السبعين، باستخدام كلمة “قطعان” لوصف المستوطنين في هجماتهم على الفلسطينيين.

والدواعي، لا ترتبط بالمطلق بأن القطيع كلمة تطلق لوصف مجموعة من الحيوانات الثدية أو حيوانات المراعي، بل لأن هذا المصطلح لا يحمل الوصف الكافي والشافي لما يقوم به المستوطنون في اعتداءاتهم، وربما ذلك مرتبط بتطور نمط تلك الاعتداءات وتناميها حجماً ونوعاً وعدداً.

وفي حوارة وزعترة، وما جاورهما من بلدات جنوب نابلس، دليل على ذلك، فتلك المناطق ظلت أمس، وعلى مدار أكثر من اثنتي عشرة ساعة مسرحاً لجرائم المستوطنين، الذين حملوا حقدهم وبغضهم وعنصريتهم وصبوها على رؤوس السكان والممتلكات، فأزهقوا روحاً وأهلكوا الحرث والنسل.

ويعود أول الاعتداءات المنظمة من عصابات المستوطنين في فلسطين إلى نيسان/أبريل 1968، حين أقدمت مجموعة بقيادة الحاخام المتطرف موشيه ليفنغر على احتلال فندق “النهر الخالد” وسط مدينة الخليل، الذي كان ملكا لعائلة القواسمة.

وشكل الدعم المالي والأمني والسياسي للمستوطنين، الحافز لنشأة العديد من العصابات الاستيطانية العلنية منها والسرية، التي راحت مليشياتها توسع نطاق هجماتها الإرهابية على الفلسطينيين، اعتداءً وسرقة وسلبا وتضييقا.

وكُشف مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، عن تنظيم “سري” يهودي، أسسه مناحيم ليفني ويهوشع بن شوشان ويهودا عتصيون، وضم 27 مسلحا، وكان على رأس جدول أعماله، تنفيذ تفجيرات في المسجد الأقصى المبارك بالقدس المحتلة، ودفع المواطنين إلى الهجرة من خلال استهدافهم بهجمات واسعة في أماكن سكناهم، التي تقع على خريطة التوسع الاستيطاني المنشود، خاصة على أراضي الضفة الغربية والأغوار.

ويُنسب إلى هذا التنظيم استهداف رؤساء بلديات نابلس ورام الله والبيرة، بسام الشكعة، وكريم خلف، وإبراهيم الطويل، بمحاولة اغتيال في حزيران/ يونيو 1980، والمسؤولية عن هجوم مسلح على جامعة الخليل، أسفر عن ارتقاء 3 شهداء.

وتعد مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل، التي وقعت في 25 شباط/ فبراير 1994 واستُشهد إثرها 29 مواطنا أثناء تأديتهم صلاة الفجر الذي صادف الخامس عشر من رمضان، واحدة من أخطر الجرائم التي اقترفتها عصابات المستوطنين، إذ تسلل الإرهابي باروخ غولدشتاين داخل الحرم بزي عسكري، وباشر بإطلاق الرصاص على المصلين.

وخلال العقدين الأخيرين، برزت على الساحة عصابتان إجراميتان استيطانيتان، الأولى “شبيبة التلال”، التي رعى وزير جيش الاحتلال آنذاك أرئيل شارون تأسيسها في تشرين الثاني/ نوفمبر 1998، وسمح بتسليح عناصرها لتمكينهم من سرقة الأراضي المطلة وإنشاء “البؤر الاستيطانية” ومشاريع “الاستيطان الرعوي”.

والعصابة الثانية المعروفة باسم “تدفيع الثمن”، وأطلقت في 2008 من مستوطنة “يتسهار” المقامة على أراضي نابلس، ونفذ المنضوون تحت لوائها عمليات إرهابية وهجمات ارتقى إثرها شهداء، وقُطّعت وأُحرقت أشجار، وخُطت شعارات عنصرية معادية للعرب، ودُمرت منازل وأُحرقت دور العبادة.

وتُتهم تلك العصابات بخطف وإحراق الطفل المقدسي الشهيد محمد أبو خضير، عام 2014، وإحراق منزل عائلة دوابشة في قرية دوما بنابلس في 2015، ما أدى إلى استشهاد رب العائلة سعد وزوجته رهام، وطفلهما علي، فيما نجا طفلهما الآخر أحمد بعد إصابته بجروح خطيرة، واستشهاد المواطنة عائشة الرابي عام 2018، إثر اعتداء قطعان المستوطنين على مركبة كانت تستقلها إلى جانب زوجها قرب حاجز زعترة جنوب نابلس.

وتشير إحصائيات غير رسمية، إلى أن 44 مواطنا على الأقل، استُشهدوا منذ العام 2015 في جرائم المستوطنين، التي تنوعت بين إطلاق النار والحرق والدهس.

فيما تشير إحصائية صادرة عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، إلى أن اعتداءات المستوطنين في عام 2022، وصلت إلى 1187 اعتداءً، أسفرت عن استشهاد 6 مواطنين.

ومنذ مطلع هذا العام، سُجلت العشرات من انتهاكات المستوطنين، التي خلّفت استشهاد ثلاثة مواطنين، هم: طارق معالي الذي أعدمه مستوطن على جبل الريسان غرب رام الله، ومثقال ريان الذي أصيب برصاصة مستوطن في الرأس خلال الدفاع عن قرية قراوة بني حسان غرب سلفيت، وسامح حمد الله الأقطش، الذي استُشهد في قرية زعترة، بعد إصابته بالرصاص في اعتداءات المستوطنين غير المسبوقة في بلدة حوارة وقرى جنوب نابلس.

وقبيل ساعات من جريمة إحراق البيوت والمنشآت والمركبات جنوب نابلس، أطلق رئيس ما يعرف بمجلس “شومرون” الاستيطاني الإقليمي، دعوة لمحو حوارة عن الوجود، في تغريدة نالت إعجاب وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش.

ثم تبع ذلك تصريحات محرضة من أعضاء “كنيست”، قالوا فيها إنهم سيسعدون برؤية حوارة محترقة ومغلقة، وعبروا من خلالها عن دعمهم المطلق لخروج المستوطنين إلى الشوارع، من أجل الاحتجاج “الشرعي” بحرق البيوت والاعتداء على من فيها “لاستعادة الأمن وقوة الردع”.

وآثر “وزير الأمن القومي” في حكومة الاحتلال إيتمار بن غفير الصمت، وعدم إصدار تصريحات لا تندد بهجمات المستوطنين ولا تطالبهم بالكف عنها حتى، في مؤشر يفهم على أن السكوت إحدى علامات الرضى، عن دور مارسه هو في السابق قبل أن يعتلي رأس الهرم السياسي في إسرائيل.

ولما استشعر وزير الجيش يوآف غالانت، أن ما تشهده حوارة سيشكل خطرا على المستوطنين أنفسهم، وسينعكس على أمنهم، كان ذلك مرتكز دعوته لمغادرة البلدة والعودة إلى المستوطنات.

أما رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فخرج في رسالة مصورة نشرها مكتبه عند 10:13 ليلا، دعا فيها المستوطنين بلهجة مخففة إلى “الكف عن انتزاع القانون بالأيدي”.

والفترة التي تقدر بنحو 10 ساعات، الواقعة بين دعوة نتنياهو هذه وبين بدء المستوطنين باعتداءاتهم، قيل إنها مثلت ضوءا أخضر لهم للقيام بما يحلو لهم، وذلك في إطار تكامل الأدوار بين حكومة الاحتلال والمستوطنين.

الكاتب والمحلل السياسي نهاد أبو غوش، قال إن نتنياهو لم يحرك ساكنا إزاء الدعوات التي وجهتها شخصيات عامة ومُتابعة، من أجل إحراق حوارة ومحوها عن الخريطة، وتغافل عن الاتصالات والدعوات التي ملأت وسائل التواصل الاجتماعي بالانقضاض على عدة قرى في جنوب نابلس، التي استجاب لها المستوطنون بالمئات.

وأضاف أن كل ما حدث كان تحت أنظار الحكومة والجيش، اللذين امتلكا المعلومات الكاملة حول نية الاعتداء، واكتفيا بتوفير غطاء الحماية، وبعد كل عمليات الحرق والتدمير، أطل نتنياهو بفيديو خجول يدعو فيه المستوطنين إلى ترك الجيش يقوم بعمله.

وتابع: “كان بمقدور الجيش أن يضع بقرار سياسي حواجز لمنع تقدم المستوطنين إلى بلدات جنوب نابلس، أو يدعو قيادات المستوطنين إلى ضبط عناصرهم، ولكن من الواضح أن نتنياهو معني باسترضاء هذه الأوساط، بدفعها إلى القيام بما تريد”.

ويعتقد أبو غوش أن ما جرى في حوارة وغيرها من قرى جنوب نابلس، أمر مدبر من الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي، خاصة حزب “الصهيونية الدينية” الذي أيد مسؤولوه هذه الأعمال على وسائل التواصل الاجتماعي، وهم من شكلوا نواة العصابات المسلحة من المستوطنين على غرار “شبيبة التلال”، وجماعات “تدفيع الثمن”.

وأكد أن خطورة الأمر تخطت الفكر العنصري المتطرف المتجذر في عقول المستوطنين وثقافتهم، حيث شكلوا لتطبيق فكرهم وتعزيزه تشكيلات عسكرية منظمة، ستكون نواة لذراع عسكري رسمي سيرى النور قريباً في الدولة العبرية.

وقال: “ما جرى لا يشكل اندفاعا لمجموعات غاضبة فقط، وإنما هذه مليشيات عسكرية لها هيكليتها وموازنتها، والتي يسعى بن غفير إلى الاعتماد عليها في تشكيل ما يسمى بالحرس الوطني الساعي إلى تكوينه”.

الباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية رازي نابلسي، تحدث من جانبه عن مخطط إسرائيلي لإظهار أن ما جرى في حوارة لا يمثل سوى ردة فعل غير مدبرة قام بها المستوطنون، لا يسعه أن يقوم بها جنوده بموجب محددات مرتبطة بصورة إسرائيل والقوانين الدولية.

وقال إن السماح للمستوطنين باقتحام حوارة وإطلاق النار على سكانها وحرق منازلهم ومركباتهم، يشير إلى أن الجيش أراد من خلال ذلك أن تظهر الأمور على أنها ردة فعل عفوية لا يمكنه القيام بها، نظراً لمحددات القانون الدولي.

وشدد على أن ذلك لا يعفي جيش الاحتلال من كونه شريكاً في تلك الجريمة، كيف لا وجنوده هم من حاصروا حوارة ومهدوا دخول المستوطنين إليها ورافقوهم في جرائمهم، ومنعوا وصول الفلسطينيين إليها للذود عنها.

وتابع: “ما حصل في حوارة نموذج مصغر لواقع المواجهة في المستقبل المنظور مع الفلسطينيين والدولة المفلسة سياسيا”.

ولم يستبعد نابلسي أن يلجأ المستويان السياسي والعسكري في الدولة العبرية إلى تبني عنف المستوطنين وجرائمهم بشكل رسمي، تحت غطاء “العمليات الانتقامية”، لتحقيق ما يسمى بردع الفلسطينيين.

وكان ذلك دافعا للتحذير من واقع خطير على الصعيد الأمني للفلسطينيين في الضفة الغربية بشكل عام، وفي أرياف نابلس ورام الله، حيث البلدات التي لا تتوفر فيها أي نوع من الحماية من بطش المستوطنين.

وقال: “ما حصل أمس يجب النظر إليه كنموذج يمكن أن ينتشر بشكل واسع مستقبلا، في إطار تكامل الأدوار بين الجيش الذي سيقوم بالحصار والقمع بشكل ممنهج، وبين فلتان المستوطنين على المحاور المركزية والرئيسة، وعلى القرى الفلسطينية غير المحمية”.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قالت اليوم الثلاثاء، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي، كان على عِلم، باستعداد المستوطنين لاقتحام بلدة حوارة والقرى المجاورة لها يوم الأحد الماضي، إلا أنه لم يحرك ساكنا لمنعهم.

وقالت صحيفة “يسرائيل هيوم” إن جهاز “الأمن” فشل في الوقت الذي كان واضحا فيه أن المستوطنين يُعدّون لاعتداءات واسعة في حوارة، فقد كانت شبكات التواصل الاجتماعي تعج بالتحريض والتهديدات ضد الفلسطينيين، التي تدعو إلى تنفيذ اعتداءات إثر مقتل مستوطنين اثنين في عملية إطلاق نار، وكتب ما يسمى نائب رئيس المجلس الاستيطاني “السامرة” دافيد بن تسيون، في تويتر إنه “يجب محو قرية حوارة اليوم”، وأبدى الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير إعجابهما بهذه التغريدة.

وبحسب صحيفة “هآرتس”، جرى تبادل للاتهامات داخل جهاز “الأمن” الإسرائيلي، تم خلالها توجيه انتقادات إلى مسؤولين عسكريين، لأنهم لم يغلقوا الشوارع والطرقات التي وصل منها المستوطنون إلى حوارة.

وأضافت الصحيفة أن قوات الجيش بدأت بالعمل “فقط بعد أن بدأ المستوطنون بإحراق مبان ومركبات في حوارة، ولم تنجح في السيطرة على الوضع”.

وفا- رامي سمارة

Exit mobile version