نيويورك تايمز: فضيحة رشاوى الاتحاد الأوروبي تدق ناقوس الخطر في أوروبا

يُحقق الادعاء البلجيكي، في اتهامات بالكسب غير المشروع بالبرلمان، متصلة بقطر، بعد مداهمات صودرت خلالها قرابة 1.5 مليون يورو.

مازالت فضيحة رشوة عدد من النواب في البرلمان الأوروبي، تلقي بظلالها على الشارع الأوروبي، فرغم الإجراءات التي اتخذتها السلطات البلجيكية لمعالجة تبعات فضيحة الفساد المدوية، فإن عديد الخبراء والنواب الأوروبيين، رأوا أنها غير كافية لإعادة الثقة بالمؤسسة البرلمانية القارية.

ويُحقق الادعاء البلجيكي، في اتهامات بالكسب غير المشروع بالبرلمان، متصلة بقطر، بعد مداهمات صودرت خلالها قرابة 1.5 مليون يورو.

وفي حين نفت الدوحة أي ضلوع لها في القضية، أكدت الرباط أنها ضحية “هجمات إعلامية” غير مبررة على خلفية مزاعم الفساد.

وفي إطار القضية، أوقفت الشرطة النائبة اليونانية إيفا كايلي، وهي من النواب الأربعة عشر لرئيسة البرلمان الأوروبي.

وأقيلت كايلي من منصبها في أعقاب الفضيحة، مع أنها نفت -عبر محاميها- عِلمها بوجود المبالغ في منزلها.

رواية الجريمة

الكاتب اليوناني ألكسندر كلاب، وصف القضية بأنها أشبه بإحدى روايات الجريمة العالمية الأكثر شهرة، مشيرًا في تحليل نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إلى أنه في أحد أيام ديسمبر من العام الماضي، وبعد أشهر من البحث عن المساكن والتنصت على الهواتف، داهم ضباط الشرطة البلجيكيون عشرات الأماكن في العاصمة.

وبيّن أنهم خلال الأيام الثلاثة التالية، صادروا -في الشقق وغرف الفنادق والمكاتب- أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف المحمولة ونحو 1.5 مليون يورو، أو 1.6 مليون دولار.

وأشار إلى أنه بحلول الأسبوع التالي، قُبض على أربعة أشخاص بتهمة الفساد، بينهم ممثلان للبرلمان الأوروبي، أحدهما سابق والآخر حالي.

الأول أنطونيو بانزيري، وهو برلماني متقاعد من إيطاليا، اعترف في النهاية بأنه وراء المخطط.

والثانية إيفا كايلي، نائبة رئيس البرلمان اليوناني، التي مازالت تصر على براءتها، رغم حبسها منذ شهر، على ذمة القضية.

بينما ألقي القبض على عضوين في البرلمان على صلة بالفضيحة.

ولا تزال كايلي رهن التوقيف مع ثلاثة مشتبه بهم إيطاليين: صديقها فرانشسكو جورغي الذي كان معاونًا برلمانيًا، والنائب الأوروبي السابق بيير أنطونيو بانزيري، ونيكولو فيغا-تالامانكا، وهو مسؤول في منظمة نو بيس ويذاوت غاستس غير الحكومية، المتهمة بدفع مبالغ لنواب أوروبيين.

أما الدولة التي تقف وراء التمويل، فأكد ألكسندر كلاب أن كل العلامات تشير إلى قطر.

وأوضح أنه، على مدى السنوات الثلاث الماضية، تحدث كل من بانزيري وكايلي -خلال مقاطع صوتية- عن سجل حقوق الإنسان في الدولة الخليجية، إلا أنهما لم يتطرقا للحقائق على الأرض.

ورغم أن الصحفي اليوناني وصف أوضاع حقوق الإنسان في قطر بالمريبة، فإنه عام 2019، وصف بانزيري البلاد بأنها “مرجع” لحقوق الإنسان.

وفي نوفمبر 2022، بعد يوم واحد من حفل افتتاح كأس العالم في قطر، أشادت كايلي بالدوحة كـ “الأوفر حظًا في مجال حقوق العمال”.

قطر غيت

وبين الكاتب اليوناني ألكسندر كلاب، أنه رغم نفي قطر لهذه المزاعم -اتهامها بدفع مبالغ لعدد من نواب البرلمان الأوروبي مقابل تحسين صورتها الحقوقية- فإن الفضيحة سرعان ما وُسمت باسم “قطر غيت”.

ورأى أنه رغم أن ما كشف عنه كارثي، فإن الأكثر إثارة للفضول هو ما تكشفه الفضيحة عن البرلمان الأوروبي نفسه، المؤسسة الأعلى أوروبيًا بعد الاتحاد الأوروبي .

وأرجع الكاتب اختيار قطر لتوجيه أموالها إلى أعضاء هيئة تمثيلية، لا يمكنها اقتراح أي تشريع نيابةً عنه، ولا تفرض أي سياسة خارجية خاصة بها، وتحظى باهتمام ضئيل حتى من أولئك الذين يصوتون عليها لتولي المنصب، إلى أنها قد تكون “هيئة أقل ديمقراطية” من مثيلاتها في الغرب كالكونغرس الأمريكي.

وأضاف: “قد يكون البرلمان الأوروبي الهيئة الوحيدة المنتخبة لثاني أكبر ناخبين ديمقراطيين في العالم، لكن سلطاته لم تكن كبيرة جدًا”، مشيرًا إلى أنه منذ عام 1958، باشر البرلمان الأوروبي مهامه فقط على هامش المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية -المؤسستان اللتان تشكلان الهيئة التنفيذية للكتلة- القائمة إلى حد كبير لتعديل قوانينهما، والموافقة على ميزانياتهما، وفي بعض الأحيان نقض مقترحاتهما، مضيفًا: “بعبارة مُلطفة، لم يكن البرلمان الأوروبي ساحة كبرى للمداولات الديمقراطية”.

ولكن أوائل العقد الأول من القرن الحالي، عندما قدمت الكتلة عملة مشتركة وبدأت استيعاب الدول الشيوعية السابقة إلى الشرق، بدا من الممكن أن يتطور البرلمان ليعمل على غرار “الكونغرس الأمريكي”، كـ”مؤسسة قوية من شأنها أن تحل محل البرلمانات المحلية وتجتذب أعدادًا كبيرة الأوروبيين في صناديق الاقتراع”.

لكن هذا التصور لم يحدث، ولا يزال البرلمان أقل أهمية أوروبيًا، وغير قادر على صياغة التشريعات أو تنظيم الضرائب أو إدارة السياسة الخارجية، وإنما اهتماماته تتعلق بدرجة أقل “بالسياسة” وكيف يجب أن يعيش الأوروبيون ويعملون.

ورأى الكاتب أن طبيعة عمل البرلمان الأوروبي غالبًا ما تكون “تكنوقراطية ضيقة”، لافتًا إلى أن جدول الأعمال البرلماني النموذجي يتكون من لجان متخصصة تناقش قضايا مثل رسوم تجوال الهواتف المحمولة والطيران النظيف، لكنها لا تتطرق للقضايا السياسية الكبرى، المعني بها الاتحاد الأوروبي.

ورغم ذلك، فإن الأموال تتدفق عبر بروكسل إلى البرلمان الأوروبي، كما هو الحال في أي مؤسسة حكومية.

وحسب الكاتب، فإن تاريخ البرلمان يُظهر أنه مُعرض للفساد، لافتًا إلى الحادث الأكثر شهرة الذي وقع عام 2006، عندما كشفت مراجعة حسابات أكثر من 160 برلمانيًا عن تجاوزات مذهلة للسلطة، مثل تضخم الرواتب وتعيين لموظفين غير موجودين، مشيرًا إلى أن البرلمان ظل يحاول دفن هذه الفضيحة، إلا أن قصصًا مماثلة استمرت في الظهور.

النقد مقابل النفوذ

وأشار الكاتب اليوناني ألكسندر كلاب، إلى أنه رغم التعهد بمزيد من الشفافية، فإن “صناعة النقد مقابل النفوذ” لا تزال في بروكسل حتى يومنا هذا غامضة، وربما عن عمد، حسب وصفه.

وأضاف: “قد يكون العديد من أعضاء جماعات الضغط البالغ عددهم 12000 أسماءً مألوفة، لكن لا توجد قواعد تملي من الذي يمكن أن يلتقيه عديد من البرلمانيين، أو ما إذا كانوا بحاجة إلى إعلان تلك الاجتماعات”، منوهًا إلى أن “هناك مجرد توصيات فقط”.

ولفت إلى أنه عام 2018، رفض البرلمانيون الإجراءات التي تتطلب كشف كيفية إنجاز عملهم، بما في ذلك -على سبيل المثال- كيف وأين يستخدمون نفقاتهم الشهرية.

يعود ذلك جزئيًا -حسب الكاتب- إلى أنه كونه عضوًا في البرلمان فإن التعامل معه يكون “مرحلة انتقالية”، مشيرًا إلى أن حضور النواب غالبًا ما يكون ضعيفًا، فضلًا عن تضارب المصالح، إذ إن نحو ربع أعضاء البرلمان يعملون في وظائف أخرى.

وأشار إلى أنه بعد التقاعد ينتقل ثلث هؤلاء الأعضاء إلى العمل بشركات ضغط ذات رواتب أعلى.

واستشهد الكاتب بعدد من الإجراءات الداخلية للبرلمان، التي تكشف لأي مدى تسير الأمور داخل هذه الهيئة الأوروبية بمنتهى التساهل، من دون قوانين ولا لوائح، ومن ذلك طريقة انتخاب بانزيري لعضوية البرلمان عام 2004 .

وأشار إلى أنه عام 2018، عندما كان بانزيري “رئيسًا للجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان” ، فإنه وقَّع مذكرة “تفاهم تعاون” مع اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر.

إثر تقاعده بعد عام، انتقل بانزيري إلى القطاع الخاص وأسس منظمة غير حكومية تسمى مكافحة الإفلات من العقاب.

وفي غضون أشهر، بدأت منظمة مكافحة الإفلات من العقاب تنظيم المؤتمرات ونشر تقارير جادة عن حالة حقوق المرأة في أفغانستان والإبادة الجماعية للروهينغا.

لم يتحقق من التفاصيل، ولا تزال القضية معلقة على اعتراف بانزيري للسلطات البلجيكية، لكن وفقًا لشهادة شريك كايلي -مساعد برلماني سابق لبانزيري وأحد مؤسسي منظمة مكافحة الإفلات من العقاب- فقد أسس بانزيري المنظمة لغرض واضح، معالجة حزم النقد الموجهة لقطر داخل البرلمان الأوروبي.

ويرى الكاتب اليوناني، أن اللافت في قضية “قطر غيت” ليس عدم نزاهة المخطط المزعوم، وإنما عدم اهتمام بانزيري وكايلي بإخفاء الأدلة التي تدينهم، خصوصًا الأموال التي حصلوا عليها من قطر.

والأغرب أن بانزيري احتفظ ببعض هذه الأموال في حقيبة أسفل سريره، بينما خبأت كايلي -التي تعد نفسها من أقوى مؤيدي العملات المشفرة في أوروبا- الأموال التي حصلت عليها بين حفاضات ابنتها الرضيع.

بالنسبة لقطر -حسب الكاتب- فقد كانت الصفقة بلا شك جيدة للغاية، بحيث لا يمكن رفضها، إذ إنها مقابل مبلغ زهيد، استطاعت شراء ممثلين داخل البرلمان الأوروبي لتحسين صورتها، بل وتصنيفها ذات “مكانة إنسانية بارزة”.

ولسنوات، وسعت الدولة الخليجية نفوذها، ليس فقط بشراء أصوات داخل البرلمان الأوروبي، وإنما أيضًا بشراء أكبر العقارات في العاصمة البريطانية، لندن، وشراء أكثر الأندية شعبية في فرنسا (باريس سان جيرمان)، فضلا عن إنفاقها مئات الآلاف من الدولارات على الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، وتبرعها بمئات الملايين للجامعات، وتعهدها بضخ المليارات في البنية التحتية الأمريكية، حسب الكاتب اليوناني.

لكن -يضيف الكاتب- “الفضيحة درس وتحذير خطير لبروكسل”، مشيرًا إلى أنه حتى في العناصر الأكثر بدائية في فن الحكم -تنظيم النفوذ الأجنبي وتقييد المصالح الخارجية- لا يزال أمام أوروبا طريق طويل.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version