بكاء الرُضع أصبح مفهوما

لغاية عمر أربعة أعوام، ظلت نوبات البكاء والغضب تصيب شقيقة ليالي الخطيب التوأم، وتستمر لساعات، ولا تجدي معها محاولات والدتهما نفعا لفهم السبب أو تهدئتها.

كبرت ليالي، لكن ظل سبب غضب شقيقتها الغامض يلح عليها، حاولت الاستعلام من والدتها عن ذلك، غير أنها لم تجد إجابة واضحة، ما دفعها بعد سنوات إلى البحث عبر الإنترنت عن طريقة لكشف أسباب البكاء لدى الأطفال، وتحديدا الرضع “غير القادرين على التعبير عما يريدون”، وقادها البحث إلى دراسة تقنية الذكاء الاصطناعي التي تتعلق بالأصوات ومصادرها وتحللها.

كان هدف ليالي البالغة من العمر (16 عاما)، من قرية الخلجان في جنين، هو إيجاد وسيلة تمكّن والدتها وغيرها من الأمهات، من الحصول على طريقة لفهم معنى بكاء الطفل وسببه، وهو ما يساعدهن كأمهات في تهدئة الأطفال وإسكاتهن.

تقول ليالي، “لم يكن لدي أي خبرة في هذا المجال، وأنا ما زلت طالبة في المرحلة المتوسطة، لذا حاولت أولاً دراسة طرق البرمجة عبر اليوتيوب، لكني اصطدمت بحاجز اللغة، فالقنوات التي تهتم بالبرمجة ناطقة باللغة الإنجليزية، لذا كان علي تطوير لغتي، فدرست الإنجليزية عبر الإنترنت أيضا”.

وتضيف، “كنت طفلة في الحادية عشرة من عمري حين شدني موضوع فهم أصوات الرضع، حاولت دراسة كل شيء عبر اليوتيوب والموضوع ليس سهلا أبداً، خاصة لمن لا يملك أي خلفية عن هذه التطبيقات”.

بعد 4 سنوات من التفكير والدراسة والمتابعة، وجدت ليالي أملاً فيما تعلمته، وأصبح بإمكانها إطلاع معلماتها عليه، في محاولة لنقله إلى مرحلة التطبيق الفعلي.

“بدأت التطبيق في المدرسة، وأخبرت معلماتي بذلك، وبمساعدتهن بدأت برسم خطواته، ومحاولة نقله إلى التجربة العملية في مختبرات المدرسة” تقول.

ولحاجتها إلى حاضنة عملية، توجهت ليالي إلى الجامعة العربية الأميركية في جنين، وهناك وجدت مساعدة من الأساتذة والمعلمين، وتمكنت من المشاركة في مسابقة علمية، والحصول على الجائزة العالمية الثانية في الإبداع العلمي عن الفئة العمرية 14-17 عاما، التي أقيمت عام 2021 في البحرين.

بعدها، تمكنت ليالي من مشاركة بحثها العملي الخاص بالتطبيق الذي يفهم صوت الأطفال في مسابقة “إنتل إيسف”، وتأهلت إلى الدور النهائي.

وعلى الرغم من وجود التطبيق الذي سمته ليالي “مرشد الأمومة” ضمن فترة التجريب، إلا أنها تمكنت من تجربته على نحو 60 صوتا، وأصبح قادرا بنسبة 90% على فهم الأصوات التي خضعت للتجربة، ومعرفة سبب البكاء.

وعن طريقة عمل “مرشد الأمومة”، تقول ليالي إنه بمجرد فتح التطبيق يمكن رؤية صورة ميكروفون، وظيفته تسجيل صوت بكاء الرضيع، وتلقائيا سيقوم هو بتخزين الصوت وتحليله وإعطاء نتيجة حول سبب بكاء الطفل، إضافة لكيفية التعامل الصحيحة معه في هذه الحالة، وكل ذلك يتم بطريقة الذكاء الاصطناعي.

تؤكد أنه “قد نجد تطبيقات مشابهة لكن مرشد الأمومة يختلف عنها، كونه يحلل صوت الطفل المسجل فيه مباشرة، ولا يعطي الأم أصواتا مشابهة، كما أنه يقدم للأم إرشادات لطرق التعامل مع طفلها خلال نوبة البكاء وليس فقط السبب”.

يسعى “مرشد الأمومة” لتحليل أصوات الأطفال كل على حدى، وتزويد الأم بكل أسباب البكاء على عكس تطبيقات أخرى تعطي الأمهات أصواتا مسجلة لنمط معين ولأسباب مختلفة، فمثلا نجد صوتا مسجلا لبكاء طفل في مرحلة الجوع، أو الشعور بألم البطن، لكن “مرشد الأمومة” يحلل صوت بشكل منفرد.

وبحسب رأي ليالي، فإن “مرشد الأمومة” يساعد في إرشاد الأمهات إلى حاجة الأطفال التي تدفعهم إلى البكاء. ويخضع اليوم للتطوير في الحاضنة الفلسطينية “بكتي”، ومن المتوقع نزوله إلى الأسواق، وإمكانية الاستفادة منه في سقف زمني قد يصل إلى عام.

واليوم، تقول ليالي، إنها أصبحت قادرة على فهم سبب بكاء الأطفال المحيطين بها، والتعرف إلى حاجاتهم، بسبب دراستها وعملها على تطبيق “مرشد الأمومة”، وتسعى إلى الانتقال إلى تجربة علمية جديدة، وتقول إن حلمها الجديد والخاص هو تشخيص اضطراب التوحد.

تشير ليالي إلى أنها تسعى إلى تطبيق تقنية جديدة تسهم في تشخيص اضطراب التوحد لدى الرضع، خاصة أن هذه المهمة لا تزال صعبة، إذ عُرضت الفكرة على بعض الجهات المختصة في مجال التوحد، وطرق التعامل مع أطفال التوحد، لكنه في طور البحث والدراسة حتى الآن.

تشعر ليالي بالفخر لأنها حققت هدفها في هذا العمر الصغير، وتعبر في الوقت ذاته عن اعتزاز عائلتها وأقاربها بإنجازها ودعم معلماتها في مدرسة بلدتها، وفرحة صديقاتها عند ذكر اسمها في وسائل الإعلام أو في أي مكان يُشعرها بالسعادة ويعطيها دعماً للاستمرار في تحقيق أحلامها التي وصفتها بـ”الكبيرة والطويلة”.

تحلم ليالي في دراسة هندسة الذكاء الاصطناعي في أميركا، والانتقال إلى مرحلة الدراسات العليا، تقول: “أحلم في أن أكون مهندسة في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو مجال جديد ويحمل آفاقا واسعة للجيل الجديد، وبعدها سأسعى إلى دراسة الفضاء من خلال رحلة الماجستير”.

وفا – فاطمة إبراهيم

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version