المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

حسين منذر… جيش في حنجرة

كتب: خالد جمعة

يقول الشاعر أحمد دحبور في شهادة له عن فرقة العاشقين: “وذات يوم كنت أصعد درج الدائرة، فسمعت جبلاً يغني.. هذا هو الصوت الذي كان ينقصنا.. إنه حسين منذر “أبو علي”، الذي تحار في معرفة جنسيته. فهو فلسطيني بحساب القرى السبع، لبناني حسب الجنسية، سوري أعتق من ميزر في لهجته ونشأته…”.

لا يوجد وصف أدق وأعمق من هذا، الجبل الذي يغني، فلم يكن حسين منذر مجرد مطرب يؤدي الكلمات والألحان، بل كان جيشاً بعتاده يرقد في حنجرته، فيغني بجسده وروحه معا، فتشعر بفلسطين أمامك، بطيورها قبل مقاتليها، بأمهاتها قبل أوديتها، بزيتونها قبل حكاياتها.

أن تولد في بعلبك، بلد التاريخ والحضارة واختراع الكتابة، يعني أن تكون “أبو علي”، وأن تكون لبنانياً وتتبنى قضية مثل القضية الفلسطينية حتى يختلط على الناس الأمر فيراهنوا على أنك فلسطيني، فهذا يعني أنك حسين منذر، وأن يكون لك صوت يشبه الرعود في الشتاءات العنيفة، فهذا يعني أنك حسين منذر.

قاد حسين منذر فرقة العاشقين الفلسطينية، فقدم من خلالها أكثر من 300 أغنية وطنية، فاشتُهر بصوته وهو يصدح: من سجن عكا وطلعت جنازة، اشهد يا عالم علينا وع بيروت، دوس ما انت دايس، هبت النار والبارود غنى… إلى آخر مشهورات العاشقين التي كان معظمها من كلمات الشاعر الراحل أحمد دحبور وألحان حسين نازك.

انتمى إلى حركة “فتح” والمقاومة الفلسطينية، وهو من مؤسسي فرقة العاشقين التي انطلقت عام 1978 بإشراف دائرة الثقافة في منظمة التحرير برئاسة عبد الله الحوراني في ذلك الوقت.

منحه الرئيس محمود عباس وسام الثقافة والعلوم عام 2018، “مستوى الابتكار”.

يقول “أبو علي” في أحد حواراته مع صحيفة لبنانية إنه ورث الصوت الجبلي عن والده، الصوت الذي يحمل بين طبقاته كل مشاعر الثائر الفلسطيني من حب وغضب وأسى وحنين، ووظّف هذا الصوت في خدمة الفن الملتزم الذي يناصر القضية الفلسطينية، ووثّق بأغانيه أهم المراحل التي مرّت بها الثورة الفلسطينية.

ويضيف: لي تجارب فنية كثيرة في البدايات قبل العاشقين، لكنّ عشقي للأغنية الملتزمة وتحديداً لفلسطين منذ نعومة أظفاري تغلب عليّ ودفعني إلى تبني هذا اللون الغنائي الذي تُوج بانضمامي إلى الفرقة.

ويروي حادثة لقائه بالرحابنة في دمشق فيقول: “خلال إحدى بروفات الفرقة في معرض دمشق الدولي، كنت أغني وصادف وجود الفنان عاصي الرحباني والسيدة فيروز، فجذب صوتي اهتمام عاصي الذي تحدث إليّ بعد انتهاء البروفة وأبدى إعجابه بصوتي الجبلي وقوته، وعرض عليَّ العمل مع السيدة فيروز، وهي فرصة يحلم بها أي فنان بالعمل مع هؤلاء العمالقة، إلا أنّي اعتذرت منه ومن السيدة فيروز لأن “العاشقين” تجسد كياني ولن أتركها ما دام الدم يجري في عروقي.

يرى منذر أن أي فرقة ملتزمة تحقق النجاح عندما تمتلك ثلاثة عناصر هي: الكلمة الصادقة، واللحن الرائع، والصوت الجميل، إذا كانت هذه كلّها مجتمعة هنا تبدأ النجاحات، وهو ما حقّقته الفرقة عندما كتب كلمات أغانيها أحمد دحبور وتوفيق زياد ونوح إبراهيم ولحّنها حسين نازك وأدّيناها بأصواتنا، بالإضافة إلى العطاء من القلب النابع من إيمان أعضاء العاشقين الراسخ بفلسطين وقضيتها، وأن التحرير قادم وسيأتي اليوم الذي نحيي فيه حفلاتنا على أرض الوطن ونغني للنصر.

يقول أبو علي: الأحداث السياسية التي جرت في لبنان وخروج منظمة التحرير وما تلاها من مخاضات، أثّرت في مسيرة الفرقة وأدّت بالمحصّلة إلى توقفها عن العمل في بداية التسعينيات إلى أن جاء رجل الأعمال الفلسطيني مالك ملحم عام 2009 ومدّ يد المساعدة بالمال والعطاء بكل ما يستطيع، فعادت الدماء تجري في عروق الفرقة مع مجموعة من الأعضاء القدامى إضافة إلى أعضاء جدد من الجيل الشاب من الفنانين والموسيقيين الملتزمين، وعادت إلى إشعال المسارح العربية من جديد بأغانيها الثورية المتمردة على الاحتلال، ولكن تبقى الحفلة التي نُظمت على جزء من أرض الوطن عام 2010 بمثابة الحلم الذي بدأ يتحقق…

Exit mobile version