المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

حزب الله يخذل حماس ويورط السنة في تحمل الهزيمة

سقوط منهج توحيد الساحات وتشبيك الجبهات داخل محور المقاومة.

كتب: هشام النجار

لم يرق مستوى ردّ حزب الله على الهجمات الإسرائيلية على غزة إلى مستوى انتظارات قادة حركة حماس. ويرى محللون أن حزب الله حافظ على قواعد الاشتباك مع إسرائيل في رده الخجول الذي يصفه محللون برفع العتب.

أشرك حزب الله اللبناني بعض الأجنحة العسكرية السنية في إطلاق صواريخ من الجنوب نحو مواقع إسرائيلية، قاصدًا توزيع الهزيمة المرتقبة على طيف الإسلام السياسي السني والشيعي كي لا تُلصق تبعات العملية التي قام بها الجناح العسكري لحركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي بمحور المقاومة وحده.

وأراد الحزب الشيعي الموالي لإيران الذي ليس بحاجة إلى قوة مضافة تسنده مثل قوات “فجر”، وهي الذراع العسكرية للجماعة الإسلامية اللبنانية (فرع الإخوان في لبنان)، أن يورط المسلمين السنة، ولا يحتكر المسؤولية عن الحرب التي دمرت قطاع غزة ويمكن أن تمتد تداعياتها السلبية إلى لبنان ودول أخرى في المنطقة.

ومضت حركة حماس على المنوال نفسه، حيث ناشدت التنظيم الدولي للإخوان نجدتها ومساندتها في مأزق لم تحسبه جيدا أو تتوقع حجم الخسائر والمدى التدميري الذي يمكن أن تصل إليه ردة الفعل الإسرائيلية.

وعقد بعض قادة الإخوان لقاءات غير معلنة مع قادة في حماس هدفها الظاهر مناقشة ما يمكن أن يقدم من دعم لما يُفترض أنه فرعها السابق في غزة، غير الدعم الدعائي والمناصرة الإعلامية.

والتقى حلمي الجزار مسؤول المكتب السياسي للإخوان (جبهة لندن) مع هشام قاسم عضو قيادة حماس بالخارج في إسطنبول أخيرا لمناقشة تطورات الحرب في غزة وسبل الخروج من المأزق ومقدار الدعم المادي الذي تستطيع الجماعة تقديمه خلال المرحلة الراهنة.

تباين الأهداف
اختلفت أهداف حماس عن حزب الله في ما يخص اللجوء إلى شركاء بتيار الإسلام السياسي السني، حيث توخى الحزب ببراغماتيته الحصول على غطاء سني يسوّق للبنانيين عدم انفراده بقرار وفعل المواجهة مع إسرائيل.

وبينما يشير تحرك حماس صوب حليفها السابق ومرجعيتها الأصلية (جماعة الإخوان) إلى خيبة أمل كبيرة في حليفها الشيعي الذي قذف بها في قلب المواجهة وعلى خطوط الجبهة وتركها تواجه مصيرها بمفردها.

ويبدو الفارق شاسعا بين حجم ومدى استجابة الولايات المتحدة لحليفتها الإستراتيجية إسرائيل واستجابة إيران وحزب الله لحماس، بالنظر إلى حجم الأموال والسلاح الهائل الذي جرى إمداد تل أبيب به في وقت قياسي.

وقامت الولايات المتحدة بتحرك عسكري نوعي في المنطقة بهدف ترجيح كفة إسرائيل على المستوى التقني وحجم القوات وتطور التسليح، ولمنع توسع الحرب عبر دخول أطراف إقليمية بها وإعاقة فتح جبهات من شأنها تشتيت قوات الجيش الإسرائيلي وشغلها عن هدفها الرئيسي وهو إنزال العقاب الجماعي القاسي بغزة والقضاء على الجزء الأكبر من بنية حماس العسكرية وقتل قادتها وعناصرها.

ولم تتحصل حماس على ما كانت تتوقعه من دعم ومساندة من شركائها الجدد داخل محور المقاومة، ولم يرق ما جرى من مناوشات على الحدود إلى مستوى ما تواجهه حماس من أهوال، ولم تهب فصائل المقاومة على محاور مختلفة لنجدتها سريعا عبر فتح جبهات تشتت جهد إسرائيل وتخفف الضغوط الكبيرة على حماس ومقاتليها، إلا ضربات دعائية من قبل الحوثيين في اليمن لم تصب إسرائيل بأذى.

تحالف إستراتيجي
حظيت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بإشادة واسعة من كل من الحكومة والشعب في إسرائيل جراء الدعم الهائل على مختلف المستويات الذي قدمته في مرحلة مصيرية وحرجة، وقُوبل موقف حزب الله الغامض باستهجان واسع ما دفع قادة من حماس إلى انتقاده علانية.

وأبدى قادة بحركة حماس، بينهم عضو مكتبها السياسي موسى أبومرزوق، اندهاشهم وخيبة أملهم من خذلان حزب الله لحماس، في ظل حرب كان من المخطط أن يخوضاها سويا على طريقة الاستلهام من تنويع الجبهات في حرب أكتوبر 1973 التي خاضتها مصر وسوريا ضد إسرائيل.

وقلّص الحزب الدعم إلى الحد الأدنى في الحرب، ما يُعد أحد الأسباب الرئيسية التي تخوّل لإسرائيل القضاء شبه الكامل على قوة وعناصر حماس بعد أن تهيأت الأوضاع أمامها للانفراد بها.

وأراد واضعو خطة عملية طوفان الأقصى استلهام التكتيكات التي انتصرت بها مصر في حرب أكتوبر ليحرز تيار الإسلام السياسي نصرًا يحصل به على شرعية القيادة لاحقا، وتخويله تمثيل الأمتين العربية والإسلامية.

ويلفت كثيرون إلى رمزية اختيار التوقيت (السابع من أكتوبر) عقب يوم واحد من النصر المصري الذي مر عليه نصف قرن، واعتماد فكرة اجتياز حاجز إسرائيلي حصين (السياج الآن، وخط بارليف في السابق)، فضلا عن استلهام فكرة تنويع الجبهات بين غزة والجنوب اللبناني، في ضوء الإدراك الذي ترسخ لدى دارسي تكتيكات الحرب بشأن دور القتال على الجبهتين السورية (الجولان) والمصرية (سيناء) الحيوي والمؤثر في إحراز الانتصار.

وتكاد تنقلب آمال محور المقاومة التي كشفتها خطة عملية “طوفان الأقصى” إلى ما يشبه نكسة يونيو 1967 بدلا من إحراز إنجاز أكتوبر 1973، فلم يحدث عبور وتحرير لأرض محتلة، بل غزة نفسها مهددة بالاحتلال.

ولم يحدث تنويع للجبهات، ليس لإحراز انتصار بات مستحيلا، إنما فقط لتخفيف الضغط على غزة وإنقاذ ما تبقى من قدرات فصائل المقاومة.

وبعد أن لاحت في الأفق نذر الهزيمة نتيجة الضراوة والشراسة اللتين تنفذ بهما إسرائيل عمليتها (السيوف الحديدية) بدت أركان محور المقاومة كما لو كانت تتنصل من المسؤولية عنها مبكرا، في محاولة لإشراك فصائل الإسلامي السياسي السني فيها.

وتزداد خيبة حماس ويتضاعف شعورها بالخذلان من الشريك الشيعي الذي يقف شبه متفرج على حرب غير مسبوقة في ضخامة أحداثها في القطاع، مع إدراكها أنها تورطت في مواجهة غرضها تحقيق أهداف إيرانية.

وكي تُنهي إيران التوجه المتسارع باتجاه توقيع اتفاقيات سلام بين إسرائيل وجيرانها العرب وتجبر تل أبيب على الكف عن استهداف منشآتها النووية وترد على التصعيد الإسرائيلي ضد قواتها في سوريا، شكّلت طهران حالة عسكرية تربط بين لبنان وغزة عُرفت بتوحيد الساحات.

وكان من شأن تحريك أدوات عسكرية بين الجنوب اللبناني وغزة أن يعوض عجز إيران عن الرد على هجمات إسرائيل النوعية على قواتها في سوريا ويرفع عنها بعض الحرج.

تصورات متغيرة
اختلف تصور قادة حماس لسياق توحيد الساحات وتنويع الجبهات عما يخطط له قادة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، حيث ظنوا أنها وسيلة ناجعة لتهديد إسرائيل من جبهتين قويتين كاملي الفعالية في وقت واحد.

وانخرطت حماس في التحالف الجديد مع حزب الله منذ العام 2017 لتحقيق هدف رئيسي وهو تخفيف الضغط على غزة وتعويض فقدان الحليف التركي الذي توجه نحو إسرائيل مقلصا دعمه لفصائل الإسلام السني.

وتأسست الشراكة بين حزب الله الشيعي وحماس السنية التي كانت إحدى أذرع التنظيم الدولي للإخوان الإقليمية، على فكرة إنشاء منصات لإطلاق الصواريخ في لبنان لجر إسرائيل إلى مواجهة على جبهتي لبنان وغزة معا، وهو ما أكدته بعثة إسرائيل لدى الأمم المتحدة في العام 2018.

واعتقدت حماس أن تنويع الجبهات وتوحيد الساحات يعني إشراك الجنوب اللبناني بكامل قوته لتخفيف الضغط على غزة عبر استخدام لبنان كمنصة صاروخية، وهو ما وضح في التحليلات الأمنية الإسرائيلية التي رجحت مواجهة على جبهتين خلال أي جولة صراع مستقبلية.

وجرى التخطيط لتوسيع نطاق الصراع، كما قال قادة حماس وحزب الله معا، والتمركز في جبهات عديدة بهدف تشتيت الجيش الإسرائيلي وعدم تمكينه من الاستفراد بغزة، أو بأي ساحة أخرى من ساحات المقاومة.

وبدأت حماس (فرع لبنان) تجريب إطلاق الصواريخ في مايو من العام الماضي من جنوب لبنان وليس من غزة، ولذلك هددت تل أبيب وقتها باجتياح بيروت على غرار ما حصل صيف العام 1982.

وتحدث خبراء إسرائيليون وقتها عن رغبة حماس في أن تظهر قدرتها على تشغيل كل الجبهات بما فيها الجبهة اللبنانية، وتوسيع معادلة غزة لتشمل الضفة الغربية المحتلة ومدن الداخل، وجبهة لبنان.

ولم يتحقق أي من الأهداف لحماس، والتي دفعتها منذ البداية إلى الانضواء في مسار توحيد الساحات وتشبيك الجبهات داخل محور المقاومة وبالشراكة مع حزب الله، حيث تم الاستفراد بغزة تماما، على الرغم من أن تجنب هذا المصير كان أولوية بالنسبة للحركة الفلسطينية.

وبعد أن خيّبت إيران وذراعها حزب الله آمال حماس، من المرجح أن تراجع الحركة، أو ما تبقى منها، مواقفها وتحالفاتها عقب الانخراط في العديد من المغامرات غير المحسوبة في المنطقة.

ورغم ما تطلبه حلف “تركيا – التنظيم الدولي للإخوان” من إمعان حماس في السابق في العداء للدول العربية وخروجها خاسرة لرهانات التوسع تحت مظلة العثمانية الجديدة وتسلم أفرع الإخوان للسلطة، إلا أنها لم تخسر كامل نفوذها وحضورها وظلت استثناء عن أفرع التنظيم الدولي للإخوان الأخرى، محتفظة بسلطتها في غزة.

ومن المستبعد أن تخرج حماس من مغامرة حلف إيران – حزب الله محتفظة ولو ببعض حضورها وقوتها السابقة، علاوة على أن قبولها كواجهة سياسية وطرف مفاوض في أي تسويات مستقبلية محل شك.

*كاتب مصري

Exit mobile version