المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

حرب الإبادة والانتخابات الرئاسية

كتب: عمر حلمي الغول

الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عمومًا تتأثر بمجموعة من العوامل المحلية والخارجية وفقًا لانعكاسات ذلك على المزاج الشعبي العام، وأن عادة ما تكون العوامل الذاتية ذات طابع مقرر في مجرى العملية الديمقراطية. ولكن أحيانًا يكون للعوامل الموضوعية تدخل حاسم فيها. ومن الانتخابات الهامة في العالم تحتل الانتخابات الرئاسية الأميركية مكانة محورية بالنسبة للرأي العام الأميركي والعالمي. رغم أنها محصورة بين ممثلي حزبين مركزيين في الولايات المتحدة، الفوارق بينها ضيئلة ونسبية. لا سيما وانهما يمثلان أباطرة رأس المال المالي وكارتلات السلاح وشركات الهاي تيك والتكنولوجيا عمومًا، ويخضع صانع القرار أي كان اسمه ولونه وحزبه وعرقه الإثني لأجندة الدولة العميقة.

ورغم أنها لا تمثل انقلابًا سياسيًا أو اجتماعيًا اقتصاديًا أو عسكريًا أو ثقافيًا، إلا أنها تستحوذ على الاهتمام العالمي، وتستقطب الاهتمام والانتباه على المستويات المختلفة، وتخطف الأنظار حتى في شكل مناظرات المتنافسين، التي تبدو أحيانًا كثيرة تافهة وشوارعية، وتسقط في دوامة التهافت، وتبتعد عن جوهر القضايا التي تهم الشارع الأميركي. وبغض النظر عن تفاصيل ومرفقات الحملات الانتخابية للمرشحين، إن كان من الحزب الواحد، أو الحزبين.

لأن باقي المرشحين من المستقلين أو الخضر أو غيرهم لا يمثلون مكانة محورية في الانتخابات، ووجودهم شكلي وديكوري، لا أكثر ولا أقل.
واستعدادًا للانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر 2024، التي بدأت التحضيرات لها من شهور مضت، فإن دوائر ومراكز استطلاعات الرأي الأميركية شرعت بالتشمير عن سواعدها للوقوف على نبض الشارع الأميركي من الان، واستشراف ملامح تطوره، ومن بين استطلاعات الرأي الملفتة للنظر، والتي جرت في ال20 من ديسمبر 2023، أي عشية دخول العام الجديد، الذي شهد مطلعه نشر نتائج استطلاعين لكل من صحيفة “نيويورك تايمز” بالتعاون مع كلية سينا، والثاني لصحيفة USA Today، و Suffolk University اللذين عكسًا المزاج العام الأميركي تجاه أبرز المرشحين وخاصة الرئيس الديمقراطي الحالي، جو بايدن، والرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يتفوق على أقرانه من مرشحي الحزب الجمهوري من حيث العلاقة مع الفئات العمرية أو شرائح وأثنيات المجتمع الأميركي، وتأثير الحرب الإسرائيلية الأميركية على الشعب العربي الفلسطيني.

وكان من أبرز النقاط الإيجابية للشارع الأميركي، أن فئة الشباب الأقل من 30 عامًا صوتت ضد بايدن بنسبة 72% على عدم موافقتهم على سياسة الرئيس الحالي تجاه حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني بعد انفضاح سياسة الكيل بمكيالين، وكشف الستار عن همجية ودونية حرب الإبادة على الأطفال والنساء الفلسطينيين في قطاع غزة، والدعم اللا مشروط وغير المحدود من قبل الإدارة الديمقراطية لحكومة الحرب الإسرائيلية، التي تعرت، كما لم تتعرى من قبل، كدولة نازية. واظهر الاستطلاعان ان نسبة 20% من الصوت الأسود واللاتيني إلى جانب الشباب لن يصوتوا لصالح أي من المرشحين الديمقراطي والجمهوري. مع العلم أن بايدن في انتخابات 2020 حصل على دعم 65% من أصوات اللاتينيين، لكنه في الاستطلاعين الجديدين لم يحصل إلا على 34% من أصواتهم، مقابل 39% لصالح ترامب.

ومن المفارقات الجديرة بالاهتمام، أن الصوت الافريقي عادة يكون داعمًا للمرشح الديمقراطي منذ نيل حقوقهم الانتخابية في العام 1965، بيد أنه آخذ في التراجع نسبيا، ففي الانتخابات السابقة كانت نسبة التصويت لبايدن 87%، في حين انها لم تتجاوز نسبة 63% في الاستطلاع الأخير. أضف إلى أن رصيد ترامب بين فئة الشباب اعلى من منافسه الديمقراطي حيث حصل على ثقة 37% من أصواتهم، وبايدن على نسبة 33% فقط.

مع ذلك من السابق لا وأنه الافتراض، إن ترامب سيتمكن من المنافسة. لأن الضرورة تملي انتظار قرار المحكمة العليا، التي ستنظر في قضيتين مهمتين لترامب الأولى أهليته للترشح بسبب التفسير الجديد للبند 3 من التعديل للمادة 14، التي تقول أنه لا يجوز ترشح شخص ساهم في التمرد على نفس الموقع الذي ينوي الترشح له. والثانية متعلقة بحصانة الرئيس، وهل هي حصانة دائمة او تنتهي بنهاية مهامه الرئاسية. ولهاتين القضيتين تأثير مباشر على مستقبل المرشح الجمهوري.

وبعيدًا عن ترشح ترامب من عدمه، فإن المؤشر العام لمكانة المرشح الديمقراطي، بايدن تتجه نحو التراجع والانخفاض الكبير، لا سيما وأنه نجح في الدورة الأولى بشق الانفس، كما أن السبب المؤثر على حملته الانتخابية الحالية هو حرب الإبادة الصهيو أميركية على الشعب العربي الفلسطيني، وهذه كما ذكرت هنا أكثر من مرة، إنها من المرات القليلة التي تلقي بظلالها على الحملة الانتخابية. وبالنتيجة أي كان المرشح المنافس من الجمهوريين سيتفوق عليه، إلا إذا غاب عن المشهد لعوامل أخرى، وبرز مرشح ديمقراطي جديد فإن معادلة التنافس ستختلف بين أبرز المرشحين في نوفمبر القادم.

ملاحظة: أشكر ابني نادر، الذي قدم لي معطيات هامة عن استطلاعي الرأي.

Exit mobile version