نتنياهو يهرب للأمام

كتب: عمر حلمي الغول

الغرور والغطرسة تعمي أصحابها، أشخاصًا أو أحزابًا أو دولاً، وعندما تتملك تلك السمات أي ممن ذكروا أو غيرهم، فلا يمكن لإنسان مراقب بغض النظر عن موقعه قريبًا أو بعيدًا أن يتفاجأ بأي حماقة أو تصرف أرعن بعيدًا كليًا عن اية مسؤولية، لأنه/ا يفترض امتلاك القوة والمكانة والحق في تقرير ما يراه من وجهة نظره/ا يخدم مصالحه/ا وما يمثل، مما ينعكس سلبًا ووبالاً عليه/ا. وبالتراكم الكمي لسلسلة الأخطاء والخطايا تتحول في لحظة ما لفاجعة تحطم الإنسان أو المؤسسة أو الدولة.

ولنا مثال صاخب في سياسات وانتهاكات بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية، الذي أعمته الهزيمة من جانب، والمشاركة المباشرة من قبل الإدارة الأميركية والغرب الرأسمالي عمومًا لحرب الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني حيثما تواجد على أرض فلسطين التاريخية عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا، بالتلازم مع الضوء الأخضر الممنوح له بذريعة “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها” من جانب آخر. فلم يعد يرى شيئا يعيقه عن ارتكاب المزيد من عمليات الإبادة الجماعية للفلسطينيين، أو التصريح والتفوه بالمواقف البلطجية والعنترية، التي سترتد عليه وعلى أسياده في الداخل الإسرائيلي وعلى المستويين الإقليمي والدولي.

أول أمس مساء السبت 13 يناير الحالي أدلى بمواقف فاجرة في المؤتمر الصحفي الذي عقده ضد محكمة العدل الدولية ودولة جنوب إفريقيا متحديًا العالم وقبل إصدار قضاة المحكمة الأهم والأعلى أمميًا قرارًا بشأن الدعوى القضائية، التي رفعتها دولة نيلسون مانديلا وسيريل رامافوزا على دولته اللقيطة في نهاية ديسمبر 2023، ومما جاء على لسانه تأكيدًا على مواصلة حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني “سنواصل الحرب على غزة حتى النصر.. العدل الدولية لن توقفنا”، وأضاف بعنجهية وفوقية نرجسية “أن إسرائيل ستواصل حربها على قطاع غزة “حتى النهاية”، غير آبه بالدعوى القضائية، وتابع “لن توقف الحرب” المتواصلة منذ 99 يومًا.

ووصف ما جرى في لاهاي بأنه “عار أخلاقي، ولن يمنعنا أحد من القتال حتى النصر في غزة”، وأمعن في هروبه للأمام بقلبه للحقائق رأسًا على عقب معتبرًا أن “الهجوم على دولة اليهود هو نفاق، وانحطاط في التاريخ الانساني ضد شعب قام من رماد المحرقة.” متجاهلاً انه لا يمثل اتباع الديانة اليهودية، وأن دولته قامت على أنقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني عام 1948، وتأسست كأداة وظيفية لخدمة اهداف الغرب الرأسمالي الاستعمارية في الوطن العربي لا صلة لها باليهود، الذين تعرضوا للمحرقة النازية الهتلرية.

رغم انه اعترف بوقاحة في استباحة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، أن النازحين الفلسطينيين من شمالي قطاع غزة “لن يتمكنوا من العودة إلى منازلهم قريبًا”، ولن توقفنا محكمة العدل الدولية في لاهاي عن مواصلة الحرب عليهم حتى نحقق اهدافنا، ولن يوقفنا “محور الشر” في إشارة إلى اذرع المقاومة الفلسطينية والعربية. وتابع متبجحًا ردًا على القوى الإسرائيلية المشككة بقدرة إسرائيل وجيشها على تحقيق أهدافها المعلنة “سمعت في الاستوديوهات يقولون إن الانتصار غير ممكن”، وأضاف بغرور “طبعًا هو ممكن، كما أنه ضروري وسنفعل ذلك… أعلم أن هناك من يشكك في ذلك. لكني أسمع نداءات مواطني إسرائيل، سنمضي معًا حتى النهاية”.
وفي الحقيقة هو لم يسمع صوت الشارع الإسرائيلي، الذي يخرج يوميا في مظاهرات ضد الحرب، وسمع فقط صوت أقرانه من غلاة الفاشية الصهيونية، وتنكر للأصوات المنادية بوقف الحرب، والعمل على الإفراج عن أسرى الحرب الإسرائيليين عبر المفاوضات مع الوسطاء، والذهاب للحل السياسي ومنح الشعب الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقهم الوطنية.

رئيس وزراء الحرب الإسرائيلي في مؤتمره الصحفي أعطى محكمة العدل الدولية قرائن جديدة ودامغة عن إدارة الظهر لمكانتها ودورها في حماية الشعوب المضطهدة والمظلومة بنيران حرب الإبادة، ومنها الشعب العربي الفلسطيني، الذي دفع حتى اليوم 101 ما يزيد عن 24 ألف شهيد ويفوق ال61 ألف جريح بالإضافة لعمليات التدمير الهائلة، التي تفوق ما جرى في الحرب العالمية الثانية. وأكد للقاصي والداني، أنه ماض في حرب الأرض المحروقة على محافظات غزة، غير منتظر لقرار المحكمة الأممية، ومتهمًا إياها باقذئع الاتهامات، وواصفًا إياها بعبارات نابية. لأنه يعلم أن واشنطن ولندن ومن لف لفهم يقفون خلفه، وهذا اتهام إضافي له ولحكومته النازية ولدولته الخارجة على القانون.

هروب نتنياهو للأمام يحمل في طياته إضافة لمواصلة حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، تعميق التناقضات الداخلية في إسرائيل، وتحديًا للرأي العام الإسرائيلي والإقليمي والدولي، واستهتارًا غير مسبوق بالقانون الدولي والمعاهدات الأممية وحقوق الإنسان، وضاربًا بعرض الحائط باية مخرجات لمحكمة لاهاي. والنتائج الافتراضية ستكون مزيد من الهدم لأركان الدولة الإسرائيلية. لكنه لا يفكر الا بنفسه وببقائه على رأس الحكم حتى لو دمرت إسرائيل.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version