أنا والأصدقاء وخلافنا السياسي

كتب: بكر أبوبكر

في ظل العدوان على فلسطين من بوابة إبادة قطاع غزة، ومن خلال مذبحة صبرا وشاتيلا متكررة يوميًا (2023-2024م)، وعبر الكارثة الانسانية العظمى بتاريخنا، وبأعادة القطاع الى العصر الحجري، مررنا خلال 8 شهور بعدد من الصراعات والخلافات والحوارات والجدالات مع بعض الأخوة والأخوات فيما يتعلق بفهم القضية الملتهبة، والعدوان ومنهم من استطعت المحافظة على علاقته معي، ومنهم مَن لم أستطع بشكل كلي

دعوني أعرض لبعض النماذج بدون أسماء، لأنني لم استأذن أي من الأخوة أو الأخوات الأصدقاء بذكر أسمائهم وسأستبدل ذلك بأسماء حسب الحروف الأبجدية

مع الأخ (أ)

كان حواري الأول على مدار الشهور مع الاخ (أ) وهو أخ كريم قريب مع وجهة نظري ولكن ليس كثيرًا، عوضًا عن أنه ينتمي لتنظيم سياسي آخر. في النقاشات حاولت أن أجذبه لمربعي وقد أكون نجحت أحيانًا وفشلت في أحيان أخرى. أراني الآن استثمرت الصداقة بالتعبير عن رأيي مقرونًا بغضبي وقلقي وأفرغت شحنات الغضب في مراحل معينة وبما يتعلق بالقضايا المختَلَف عليها بوجهه هو، ما يعني أنني أثرتُ الانفعالات المقابلة من الطرف الآخر، وذلك قد يكون أرسل رسالة للأخ المعني أنني لا أتفق بشدة معك لأن أس البلاء ورأس المشكلة والسبب لم نتفق عليه من حيث انعدام الوعي والزهو وسوء إدارة المعركة وعدم قبول النقد وتقديس الأشخاص والأفعال. لقد كان لتداخل الانفعال الشخصي مع الرأي حصاد سلبي إذ حصلت القطيعة الجزئية والتدريجية بمحبة ودون إنذار.

مع الأخ (ب)

مع الأخ (ب) وهو الرجل الوسطي ما بين طرفي النزاع السياسي الفلسطيني لم يرى الا ضرورة التقارب والتوحد باعتباره أحد أهم عوامل الانتصار. وكنت في مراحل محددة أتصلب معه بالطرح ضد مواقف الفصيل الذي جعل من قيمة الانسان صفرًا، وكأنه غير مسؤول عن نتائج قراراته وأفعاله أو كما قال بعضهم عن الناس”خسائر جانبية” وأحيانًا “ضرورية”؟!! وغير ذلك من تصريحات مخيبة للشعب وللإنسانية والمقاومة والكفاح فكان لشحنات الغضب أن أصابت الأخ (ب) لكنني تدراكت الوضع واتصلت به مرارًا واعتذرت له، ليس عن رأيي فهو رأيي وإنما عن الصراخ بحضرته (وإن كان ذلك تم هاتفيًا فهو بالبعيد عن فلسطين).

وتواصل الحوار واستمرت الصداقة العتيقة (كان لزامًا أن احتفظ بها فهو في عقلي وقلبي لم يفارقني أكثر من 30 عامًا) لكن بعد أن فهمت أنه لا يجوز لي أن استخدم صديقي منبرًا للتنفيس مطلقًا، ولا يجب عليّ أن أجعل رأيه مطابقًا، ورغم قربه السياسي فهو ذو رأي قد يختلف في زوايا يراها أساسية كان من المتوجب عليّ تفهمها وهذا ما حصل.

تواصلت صداقتنا ضمن حدود لم تمنعني من تسريب وجهة نظري المخالفة في نقاط محددة تسريبًا، أو بين السطور، وعبر ذكر الحقائق وكنت أقوم بذلك بمعنى العرض، وليس الرغبة الجبرية بأن يقتنع ما كان أملي.

لا تشخصن واستمع بصبر

دعني أخرج قليلًا واقتبس من علماء النفس-خاصة حين نقاش الأمور السياسية مع الأصدقاء- ما لربما استفدت منه ولو قليلًا..يقولون:

1-لا تشخصن الأمر فقد يتحول استخدام الهجوم الشخصي إلى مانع للاستيعاب

2-لا تهِن السياسيين الذين تختلفان في الرأي حولهم، فتهين صديقك بإهانتهم

3-اخترالتوقيت والمكان المناسب بعيدًا عن التعب أوالحزن والغضب

4-لا تبدأ النقاش حول السياسة مع أولئك الذين يؤمنون بأيديولوجيات معاكسة

5-يمكنك (يمكنكما) وضع بعض الحدود التي تساعدك في تقييم الأمر

6-لا تحاول تغيير ما يؤمن به، بل تفهمه حتى لو كنت لا توافق

7-ركّز على غالبية الأشياء الإيجابية، بدلا من إثارة الجدل حول القضايا الخلافية

8-مارس الصبر والاستماع، ولكن عندما تحتدم الأمور، تراجع وغيّر الموضوع.

مع الأخت (ج)

مع الأخت (ج): مع بداية العدوان على غزة وشلال الدم، كانت في قمة الثوران والهيجان العاطفي والعنف اللفظي ضد من تختلف معه بطريقة مفرطة، بل مفرطة جدًا!

اختلفنا بشدة، ولم استطع أن أتوافق معها، إلا بعد محاولات ومن خلال استراتيجية ترك الجدل والحقن بالآراء المختلفة ضمن الاحتضان والاستيعاب لحالة الغضب والثوران والتهييج التي لعبت فيها بالطبع قناة التهييج الأولى أي قناة الجزيرة دورًا قاتمًا، إذ حرفت ردة الفعل لمصلحة فصيل بعينه وليس لأجل الشعب الفلسطيني قط، وضد جهة أخرى غير إسرائيلية.

للمفاجأة فإن استراتيجية ترك الجدل والحقن (بحقائق وآراء لمحايدين أو أجانب) والاستيعاب وعرض الرأي الآخر عرضًا متمهلًا-ضد قسرًا- قد أثمرت وأتت أكُلها بعد 40 يومًا تقريبًا، لكن تم ذلك في ظل مثابرة وصبر وتحمل وتواصل يومي لا يهدأ.

وكأن العرب حين قالت: من عاشر أو جاور و(ربما حاور بحق الحوار مع المختلف هنا من الاستماع والاحتضان والاحترام وعدم القسر والحقن) 40 يومًا صار منهم. أنه مثلٌ في حالتي هذه مع الأحت الثائرة الكريمة قد أينع وأثمر حقًا.

مع الأخ (د)

في حواري مع الاخ (د) كان الوضوح أكبر، لأنه بعيد جدًا بالمسافة الجغرافية، وفكره اليساري كان واضحًا رغم توافقنا في الكثير فلست من اليسار بالمعنى الأيديولوجي.

وما أنا إلا مسلم مؤمن والحمد لله، وعربي فلسطيني وطني هكذا أنا، صاحب منهج عقلاني متفهم أوأظنني كذلك، وهو بالمقابل كان لديه لينين وماركس وفكرهما مرشدًا في نظرة مختلفة.

صديقي هذا كان عقلانيًا أيضًا، وكنا معًا نعرف الفوارق فكان الحذر بالنقاش هو الأساس حتى كان الاستدلال المتبادل على موضع الاتفاق وموضع الاختلاف، فأكثرنا من الأول وقلّصنا من الثاني.

لربما فهمنا دون كلام معنى قول الإمام الشافعي، وهي بعد البحث مقولة للشيخ رشيد رضا القائلة “نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه”.

مع الأخ (هـ)

في حوار مع الأخ (هـ) الذي كان يقترب كثيرًا من الطرف الآخر كما رآه بعض الأصدقاء فحاولوا تشويهه أو مقاطعته، والطعن به ولربما قاطعه بعضهم! وكنت أعلم في قرارة نفسي أنه يخوض صراعًا داخليًا عميقًا لربما اقترب من صراعي أنا الداخلي، بين الأفكار المتعارضة وضرورة تحمل المسؤوليات والمراجعات والنقد، لكنني استطعت أن أفرز وأحدد واستنتج وأضع الخطوط وهو تأخر كثيرًا وكأنه يبكي ماضٍ أحبّه حاضرًا، وأنا رأيت أن ما يمرّ به محاولة مفهومة بينما رآها الآخرون ارتدادًا عن الحقيقة والصواب وعن التنظيم.

في العموم تراسلنا وتحدثنا معًا بين أخذ ورد، وقراءات مختلفة نقرأها معًا كل في حيّزه، واستخدمت بالتالي نظرية الاستيعاب والصبر وعدم الشخصنة وتبيان مواضع الاختلاف دون إبداء حالات الغضب أوالانتصار للرأي، أوالقسوة نتيجة مخالفته لرأيي كصديق.

هذه نماذج خمسة وغيرها الكثير ممن عاشرته أوحاورته، واختلف معي واختلفت معه/معها، لكنه في جميع الأحوال يمكننا القول أن الصداقة وما تجرّه من محبة-خاصة إذا كانت قديمة معتّقة ومتواصلة أي من أيام الدراسة أو أيام القاعدة أو أيام المعتقل اوأيام العمل المشترك او أيام التنظيم السياسي- يجب الحفاظ على ديمومتها، ويعتبر هذا الحفاظ يستحق مني ويستحق منك إن تتواضع قليلًا فلا تفرض أو تهتاج أو تفرّج عن غضبك في وجهه، وعليّ كما عليك أن نتعلم معنى الحوار وفن الحديث والاختلاف عامة، ثم استراتيجية التعامل مع الأصدقاء خاصة بخماسية حُسن الاستماع والاحتضان والاحترام، والتدريج وعدم القسر، والحقن.

https://bakerabubaker.net/

https://www.facebook.com/baker.abubaker

https://www.youtube.com/channel/UC00J1t8kNoOIwhTRGi-VJvg

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version