الرئيسيةأخباراسرائيليةأضواء على الصحافة الاسرائيلية 21 -22 يونيو/تموز 2017

أضواء على الصحافة الاسرائيلية 21 -22 يونيو/تموز 2017

في يوم الاقصى: ثلاثة شهداء في القدس بنيران الاحتلال، وثلاثة قتلى في مستوطنة ردا على عنف الاحتلال في القدس

كان يوم الجمعة 21 تموز مشحونا بالتوتر منذ ساعات الصباح، في ظل قرار حكومة بنيامين نتنياهو الابقاء على البوابات الالكترونية على مداخل الحرم الشريف، وعدم الاصغاء الى تحذيرات الجهات الأمنية التي نصحته بإزالة البوابات، تجنبا لسفك الدماء. لكن نتنياهو وحكومته، أصروا على موقفهم المتعنت، وتركوا للشرطة ان تقرر كيف تتعامل مع الموضوع. وفي ظل وجود وزير للشرطة، مثل غلعاد اردان، الذي يتطلع الى تحقيق مكاسب في مركز حزب الليكود، اولا، وفي ضوء مواقفه المعادية للفلسطينيين وممارساته العنصرية، والى جانب قائد للشرطة لا يقل عنه عنصرية ووحشية، تقرر تحدي عشرات الاف الفلسطينيين الذين كان يتوقع وصولهم الى الحرم في يوم الجمعة الثانية بعد الاغلاق، ولم يأبه للتحذيرات وما يمكن أن يؤول اليه هذا السلوك الخطير. وكما كان متوقعا، فقد انتهى اليوم بسقوط ثلاثة شهداء فلسطينيين على أرض القدس، واصابة المئات بجراح متفاوتة جراء عنف الاحتلال. الا ان الأمر لم ينته بالاعتداء الوحشي على المصلين فور انتهاء صلاة الجمعة، بل دفعت اسرائيل ايضا ثمن تعنتها وعنفها، في عملية استهدفت عائلة في مستوطنة حلميش، حيث قتل شاب فلسطيني ثلاثة من ابناء احدى العائلات في المستوطنة، ردا على احداث القدس.
وكتب موقع “هآرتس” الالكتروني، حول هذه العملية ان فلسطينيا تسلل مساء الجمعة الى بيت في مستوطنة حلميش وقتل ثلاثة افراد من عائلة واحدة: الاب (حوالي 60 عاما)، وابنه وابنته (في جيل الاربعينيات). كما اصيبت سيدة في الستينيات من عمرها بجراح بين متوسطة وصعبة.، وتم نقلها الى المستشفى. ووصل جندي الى بيت العائلة واطلق النار على الشاب واصابه بجراح بالغة. كما تم ارسال قوات كبيرة من الجيش الى المكان وقامت بأعمال تمشيط.
وتم التعرف على هوية الشاب، وهو عمر العبد، 20 عاما، من سكان قرية كابور المجاورة لمستوطنة حلميش، والذي تمكن، كما يبدو، من القفز من فوق السياج والدخول الى بيت العائلة خلال تناولها لوجبة السبت. وتمكنت احدى النساء المتواجدات في المنزل من ادخال الاطفال الى احدى الغرف واغلاق الباب، واستدعاء قوات الامن من هناك.
وتبين ان عمر العبد نشر على صفحته في الفيسبوك قبل ساعات وجيزة من تنفيذ العملية، نصا جاء فيه: “عمري 20 عاما، لدي الكثير من الأحلام، لكنه لا توجد حياة بعد ما نشاهده في الاقصى”. وحسب الشاباك فقد شخصه على انه متماثل مع حماس، لكنه لم يعتبر ناشطا في التنظيم. وخلال تحقيق اولي تم معه قال انه اشترى السكين التي استخدمها للعملية في الأيام الأخيرة، واقدم على فعلته بسبب ما يحدث في الاقصى.
وقال ضابط رفيع في الجيش، ليلة الجمعة/السبت، ان الجيش يلاحظ يقظة منذ ساعات الصباح، وهذه هي العملية الثالثة التي تحدث في الأيام الاخيرة بالهام من احداث الاقصى.
وحول الاحداث في القدس، كتب موقع “هآرتس” ان ثلاثة شبان فلسطينيين قتلوا خلال مواجهات مع قوات الامن في اعقاب التوتر في موضوع الحرم، فيما قال الهلال الأحمر الفلسطيني ان اكثر من 390 فلسطينيا اصيبوا خلال المواجهات. ومن جهتها قالت الشرطة انها اعتقلت 29 فلسطينيا في القدس والضفة.
وكانت صلاة الجمعة في القدس قد انتهت بوقوع مواجهات بين المصلين وقوات الشرطة وحرس الحدود، تم خلالها رشق المصلين بقنابل الغاز والصدمات واستخدام وسائل تفريق المظاهرات، ما اسفر عن اصابة اربعة مصلين. لكن الاحداث تتابعت ليتم الاعلان لاحقا عن مقتل ثلاثة شبان هم محمد شرف (18 عاما) من حي راس العامود، الذي قال الفلسطينيون بأن مستوطنا مسلحا اطلق النار على رقبته. ومن ثم قتلت الشرطة محمد حسن غانم (19 عاما) من حي الثوري، ومحمد لافي من بلدة ابو ديس المجاورة، حيث استخدمت الشرطة بنادق روغر.
وقالت الشرطة ان عشرات المصلين دخلوا الى الحرم القدسي، بينما تجمع عشرات الاف المسلمين على مداخل البلدة القديمة في شوارع صلاح الدين وروكفلر وفي باب العامود وأدوا الصلاة. وحسب ادعاء الشرطة فان عدة فلسطينيين بدأوا بعد الصلاة برشق الحجارة على قوات الامن فتم استخدام وسائل تفريق المظاهرات، وتم تنفيذ اعتقالات.
وكانت مساجد القدس كلها قد صمتت ولم يسمع الآذان الا من المسجد الأقصى، بهدف تشجيع الناس على الوصول الى الحرم، لكن الشرطة اقامت حواجز ومنعت الناس من الوصول الى البلدة القديمة والمسجد الأقصى. ومنعت الشرطة دخول من يقل عمره عن 50 عاما الى البلدة القديمة، ما ادى الى اكتظاظ جمهور كبير من الشبان عند الحواجز، وبالتالي وقوع مواجهات مع قوات الشرطة وحرس الحدود فور انتهاء الصلاة.
وخلال ساعات النهار اقامت الشرطة حواجز على شارع رقم 1 بين تل ابيب والقدس لمنع وصول حافلات الركاب التي خرجت من البلدات العربية الى القدس، وقامت بتفتيش ركابها واعاقة حركة المرور.
وعقد نواب من القائمة المشتركة اجتماعا مع قادة الوقف ومفتي القدس محمد حسين وقادة الفصائل الفلسطينية في فندق ليغاسي، صباح الجمعة، لمناقشة الأزمة في الاقصى. وتقرر الخروج بشكل جماعي باتجاه الحرم القدسي للصلاة فيه. وقال مسؤولون في دائرة الأوقاف ان الهدف هو اداء الصلاة كالمعتاد من دون مواجهة مع اسرائيل التي تتحمل المسؤولية عن أي تصعيد يمكن ان يحصل، بسبب القيود التي تفرضها على الدخول الى الحرم الشريف.
وقال مفتي القدس محمد حسين لصحيفة “هآرتس”: “سنواصل النضال ضد الابواب الالكترونية حتى تخرجها اسرائيل من هناك. اطالب العالم الاسلامي بالانضمام الى معركة حماية الحرم الشريف كمكان يخص المسلمين فقط”.
وادعت الشرطة ان وصول الشخصيات التمثيلية ادى الى تأجيج المصلين الذين حاولوا اختراق حواجز الشرطة ورشقوها بالحجارة. وقامت الشرطة بتفريق المتظاهرين و”اعادت فرض النظام” حسب بيان الشرطة.
وقال مسؤول اسرائيلي ان المجلس الوزاري قرر خلال جلسة المشاورات التي عقدها ليلة الخميس/الجمعة، قبول اقتراح الشرطة بالإبقاء على البوابات الالكترونية واستخدامها لتفتيش المشبوهين او مجموعات معينة من الناس حسب ما يقرره القادة في الميدان.
وخلال الجلسة صوت الوزيران يوآب غلانط ويوفال شطاينتس ضد قرار الابقاء على البوابات الالكترونية بسبب التخوف من التصعيد، لكن نتنياهو وليبرمان وبينت وشكيد وكحلون والكين ودرعي قرروا الابقاء على البوابات.

تعليق الاتصالات مع اسرائيل

وكتب موقع “هآرتس” الالكتروني ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس اعلن مساء الجمعة بأنه سيجمد الاتصالات مع اسرائيل حتى تلغي كل الخطوات التي قامت بها في المسجد الاقصى. وقال ان “اسرائيل اقدمت على خطوات سياسية مغلفة بغلاف امني بهدف تغيير الوضع الراهن وفرض حقائق على الأرض في باحات المساجد”.
واضاف عباس بأن الخطوات التي اقدمت عليها اسرائيل، تقود الى مواجهات دينية وتهرب من العملية السياسية. نحن نعارض البوابات الالكترونية، وسنخصص 25 مليون دولار لدعم الفلسطينيين في القدس”. ودعا كل الموظفين الفلسطينيين الى التبرع بيوم عمل لدعم القدس.
وقال عباس انه تحدث مع قادة دول، من بينها الاردن ومصر والسعودية والمغرب، وطلب تدخلها. وقال ان السلطة الفلسطينية ستتحمل تكاليف معالجة كل جرحى مواجهات الجمعة، ودعا حماس الى استغلال الفرصة لتحقيق المصالحة الوطنية.
وقالت وسائل الاعلام الفلسطينية ان عباس، تحدث ليلة الجمعة مع مستشار الرئيس الامريكي جارد كوشنر، حول التوتر المتزايد في الحرم. وطلب عباس من كوشنر التوجه الى اسرائيل ومطالبتها بإزالة البوابات الالكترونية عن مداخل الحرم.
وحسب التقارير فان كوشنر هو الذي اتصل بعباس في اعقاب توجه من قبل السلطة الفلسطينية الى القنصلية الأمريكية في القدس والبيت الأبيض. وطلب عباس من كوشنر اقحام الرئيس ترامب في الموضوع والضغط على اسرائيل لإنهاء الأزمة.
واكد عباس ان الوضع خطير جدا، ويمكن ان يخرج عن السيطرة اذا ابقت اسرائيل على القيود المفروضة على الدخول الى الحرم، خاصة البوابات الالكترونية.
وكانت الشرطة قد عززت قواتها في القدس بآلاف افراد الشرطة الذين احضرتهم من مختلف المناطق، في اعقاب قرار المجلس الوزاري الابقاء على البوابات الالكترونية وتقييد دخول المصلين الى الحرم.
وعلم ان الشرطة اقتحمت ليلة الجمعة مكاتب الوقف الاسلامي في وادي الجوز وصادرت وثائق واعتقلت شخصيات فلسطينية للتحقيق، بينهم حاتم عبد القادر مسؤول ملف القدس في حركة فتح.
ونشرت الشرطة صباح الجمعة بيانا جاء فيه انه “بناء على توجيهات القيادة السياسية التي تم اتخاذها في ختام جلسة تقييم للأوضاع، وفي ختام جلسة عقدتها الشرطة برئاسة قائد لواء القدس، يورام هليفي، وفي ضوء معلومات حول نية جهات متطرفة خرق النظام بشكل عنيف، وتشكيل خطر على سلامة الجمهور، تقرر الاستعداد في عدة محاور في شرقي القدس وغربها، والتركيز عل غلاف القدس وازقة البلدة القديمة ومسارات المصلين اليهود في حائط المبكى وتقييد الدخول الى البلدة القديمة والحرم لمن هم فوق جيل 50 عاما للرجال، ولكل الأجيال للنساء.
وكان المجلس الوزاري قد قرر بعد نقاش استغرق اربع ساعات، ليلة الخميس الجمعة، عدم ازالة البوابات الإلكترونية عن مداخل الحرم، واصدر ديوان رئيس الحكومة بيانا كتب فيه ان “اسرائيل ملتزمة بالحفاظ على الوضع الراهن في الحرم الشريف وحرية الوصول الى الاماكن المقدسة. وقرر المجلس تكليف الشرطة صلاحية اتخاذ القرار من اجل ضمان الوصول الحر الى الاماكن المقدسة من خلال الحفاظ على الامن والنظام العام”.
ووقعت مساء الخميس مواجهات عنيفة بين المصلين والشرطة قرب باب الأسباط، وقامت الشرطة برشق عشرات قنابل الصدمات وتفريق مئات الفلسطينيين الذي وصلوا الى المكان. وقال الهلال الأحمر الفلسطيني ان 22 فلسطينيا اصيبوا، من بينهم مصابان بجراح بالغة. كما اندلعت مواجهات في العيسوية .

لجنة اسرائيلية اردنية تتجاهل الفلسطينيين!

وتكتب “يسرائيل هيوم” انه تم تشكيل لجنة اسرائيلية – اردنية مشتركة، تضم ممثلين عن دائرة الاوقاف الاسلامية في القدس، لمناقشة ترتيبات أمنية متفق عليها في الحرم الشريف. واكدت جهات اردنية رفيعة هذا النبأ، وقالت انه سيتم الاعلان عن اللجنة في ضوء التطورات التي سترافق صلاة الجمعة.
واذا ما تم تشكيل هذه اللجنة فإنها لن تعالج فقط مسالة البوابات الالكترونية التي تم وضعها على مداخل الحرم، وانما، ايضا، تطبيق الاتفاق الذي توصلت اليه اسرائيل والأردن بشأن تركيب كاميرات حراسة تبث في دائرة مغلقة من الحرم. لكن دائرة الاوقاف لم تقم بتطبيق هذا الاتفاق كما تقرر في حينه.
وعلمت “يسرائيل هيوم” ان كل الاتصالات المكثفة التي جرت خلال الاسبوع بين اسرائيل والأردن، بمشاركة الولايات المتحدة والسعودية ومصر، من وراء الكواليس، سببت خلافات بين الاردن والفلسطينيين وتوترا بين الملك عبدالله ورئيس السلطة ابو مازن، في ضوء غضب الفلسطينيين على عدم اطلاعهم من قبل الاردن على اتصالاته مع اسرائيل في مسألة البوابات، بل وتعاون الاردن مع اسرائيل التي اشترطت عدم وجود ممثل للفلسطينيين في اللجنة في حال تشكيلها.
وقال مصدر فلسطيني رفيع انه ردا على تجاهل الاردن للفلسطينيين، توجه ابو مازن الى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وطلب منه التدخل في الاتصالات لحل الازمة في الحرم، وهي خطوة اثارت غضب الملك ورجاله، كونهم يعتبرون العائلة المالكة في الاردن هي المسؤولة عن حماية القدس والاماكن المقدسة للإسلام في المدينة. وقالت مصادر في الأردن والسلطة الفلسطينية لصحيفة “يسرائيل هيوم” انه تم توجيه رجال الوقف والقيادات الدينية في القدس والضفة للامتناع عن تصريحات يمكن ان تفسر كتحريض على الكفاح المسلح وتنفيذ عمليات.

ريفيلن يطالب اردوغان بشجب عملية الاقصى

في السياق نفسه، تكتب “يسرائيل هيوم” ان الرئيس الاسرائيلي رؤوبين ريفلين، اجرى يوم الخمس، محادثة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، في موضوع التوتر في الحرم القدسي، فيما علم بأن القيادة السياسية عارضت المحادثة واتهمت تركيا بتأجيج العرب في اسرائيل في موضوع الحرم.
وجرت المحادثة بناء على طلب اردوغان من ريفلين التحدث عن الوضع الاقليمي. وخلال المحادثة قال ريفلين للرئيس التركي ان “الهجوم الارهابي الذي وقع يوم الجمعة في الحرم، المكان المقدس لنا جميعا، يتجاوز الخط الاحمر وغير مقبول ويهدد قدرتنا على التعايش معا”. وذكر ريفلين نظيره التركي بأنه بعد الهجمات الارهابية التي وقعت في تركيا سارعت اسرائيل الى شجبها بشدة وقال له: “نتوقع سماع شجب مماثل من تركيا، لأن الارهاب هو ارهاب في كل مكان يحدث فيه، في القدس، اسطنبول او باريس”.
كما قال ريفلين لأردوغان ان اسرائيل تحافظ وستواصل الحفاظ على الوضع الراهن في الأماكن المقدسة، وان الخطوات التي تم اتخاذها في الحرم تهدف لضمان عدم تكرار مثل هذا العمل الارهابي، وان من واجبنا الحفاظ على حياة الداخلين الى الحرم.

الشرطة تشنر شريطا حول “وصول منفذي العملية الى الاقصى”

وتكتب “يسرائيل هيوم” في نبأ آخر، ان المحكمة سمحت، بناء على طلب الشرطة والشاباك، بتقليص امر منع النشر حول التحقيق في العملية التي وقعت يوم الجمعة الماضية في الحرم، وطلبت السماح بنشر شريط “يوثق للمخربين الثلاثة” قبل قيامهم بقتل الشرطيين.
ويتبين من التوثيق الذي التقطته كاميرات الحراسة، ان الثلاثة وصلوا فجر يوم الجمعة الى القدس سوية مع مساعد لهم على متن حافلة ركاب وصلت من الشمال، ونزلوا في البلدة القديمة، ثم ساروا على انفراد، باتجاه البلدة القديمة عبر باب الساهرة، فيما كان مساعدهم يسير من خلفهم وهو يحمل على ظهره حقيبة وضع فيها رشاشات كارل غوستاف. ودخل الثلاثة، كل على حدة الى الحرم، عبر باب حطة، ومن هناك الى المسجد الاقصى.
وخلال تواجدهم في الحرم تم تسليمهم حقيبة الأسلحة من قبل المساعد، وبعد انتهاء الصلاة، خرج اثنان منهم، ثم خرج الثالث وهو يحمل الحقيبة، فيما يشاهد المساعد وهو يخرج من الحرم ومن البلدة القديمة من دون الحقيبة. وبعد خروجهم من المسجد توجه الثلاثة الى المراحيض واستبدلوا ملابسهم وخرجوا وهم يحملون الاسلحة، وتوجهوا نحو باب حطة، حيث اطلق اثنان منهم النار على الشرطي كميل شنان وقتلوه، ومن ثم عادوا باتجاه الحرم، وفي هذه الاثناء سمع افراد الشرطة الذين تواجدوا في باحة الحرم دوي النيران، وكان بينهم الشرطي هايل سيتاوي، الذي فتح النار على المخربين فقتلوه.
“وتم قتل اثنين من المخربين، فيما هرب الثالث وهو مصاب حتى سقط في باحة الحرم، وخلال فحصه حاول استلال سكين فتم اطلاق النار عليه وقتله.”

استغلال بشع للعمال الفلسطينيين

تكتب “هآرتس” انه يستدل من فحص اجرته وزارة المالية مؤخرا، ان العمال الفلسطينيين الذين يطلبون الحصول على تصاريح للعمل في اسرائيل، يخضعون لاستغلال بشع من قبل المقاولين الاسرائيليين، ويضطرون احيانا الى دفع حوالي 15 الف شيكل لوسطاء يهتمون باحضار التصاريح. وحسب التقديرات فان المبلغ يتراوح بين 1500 و 2500 شيكل شهريا، أي ما يشكل ربع او ثلث الراتب الشهري، وان هذه الظاهرة منتشرة وتشمل تقييد العمال بالعمل مع مقاول واحد، فيما يمكن للمقاول نفسه المتاجرة بهم مع مقاولين آخرين. ويعترف الفحص الرسمي الذي اجرته وزارة حكومية، ولأول مرة، وبشكل واضح، باستغلال العمال الفلسطينيين.
وجاء في الوثيقة الداخلية التي اعدتها الوزارة، والتي وصلت نسخة منها الى صحيفة “هآرتس” ان “طريقة التشغيل لم تفرض حتى اليوم شروط عمل مناسبة للعمال. والاخطر من ذلك انها سمحت بأوضاع كثيرة لم يحصل العمال خلالها على اجورهم”. وحسب الوثيقة فان حجم الدعاوى التي قدمها عمال فلسطينيون ضد مقاولين اسرائيليين لم يدفعوا لهم رواتبهم وصل الى حوالي ستة مليارات شيكل، ما يعكس بالتالي مشكلة بنيوية.
وتلخص الوثيقة الداخلية عمل طاقم من المكاتب الحكومية، تم تشكيله بهدف تطبيق القرار الذي اتخذته الحكومة في 2016 “لتحسين تنظيم العمال وتغيير تخصيص العمال لفرع البناء”. ويستتر من وراء اللهجة البيروقراطية تغيير دراماتيكي في شكل تشغيل العمال الفلسطينيين في اسرائيل، الذين وصل عددهم في اواخر 2017 الى حوالي 87 الف عامل، أي ثلاثة اضعاف عدد العمال في 2011.
ويستدل من معطيات جمعتها منظمة “خط للعامل” ان المقاولين الاسرائيليين يستغلون تصاريح العمل التي يحصلون عليها للمتاجرة بالعمال الفلسطينيين. فاذا حصل مقاول على عدد معين من التصاريح ولم يكن بحاجة الى العدد كله يقوم “ببيع” العمال الذين تم تخصيصهم له لمقاول اخر، ويدفع المقاول الذي تسلم العمال للمقاول الأول الثمن، لكنه يجبيه من اجور العمال. ويضطر العمال الى الاستسلام لذلك بسبب الحاجة والبطالة المتفشية في السلطة. وقال العامل ايمن، وهو من منطقة جنين انه “يصعب الحصول على تصريح عمل ولذلك فإننا ندفع مبالغ كبيرة. الاسرائيلي يبيعني لمقاول اخر او لمشغل اخر، ومنذ سنوات وانا اعمل لدى مقاول لست مسجلا لديه. والجميع يعرفون كيف تتم الطريقة. 2400 شيكل ادفع، وهي تساوي عشرة ايام عمل، هذا يعني اننا نحصل على اجرة اسبوعي عمل فقط، واذا تم فرض الاغلاق او كانت هناك اعياد فنحن في مشكلة، يجب علينا دفع الوساطة حتى ان لم نعمل خلال هذه الايام”.

رئيس الأركان ايزنكوت، يدلي بإفادته في قضية الغواصات

تكتب “هآرتس” ان رئيس الأركان غادي ايزنكوت، ادلى يوم الخميس، بإفادته في قضية الغواصات، فيما علم ان الشرطة تستعد لتوسيع التحقيق في القضية في اعقاب المعلومات التي حصلت عليها من الوسيط ميكي غانور، الذي وقع، يوم الجمعة، اتفاقا مع النيابة العمل، يصبح بموجبه شاهدا ملكيا.
وكما سبق ونشرت “هآرتس” فقد سلم غانور للمحققين معلومات ترتبط بصفقات اسلحة اخرى تم توقيعها خلال السنوات الاخيرة. ومن المتوقع ان يتم استدعاء ضباط يخدمون في الجيش وآخرين انهوا الخدمة من اجل الادلاء بإفاداتهم وربما اجراء تحقيق معهم.
وتعتقد الشرطة والنيابة ان المعلومات المتوفرة لدى غانور ترسخ الشبهات ضد المشبوهين بقضية الغواصات. وحسب مصدر رفيع في الشرطة، فقد سلم غانور معلومات كثيرة حول اناس آخرين وصفقات اخرى في مجال السلاح والعقارات. وحسب القناة العاشرة، من المتوقع ان يدلي غانور بافادة حول طريقة عمله مع المحامي دافيد شمرون لصالح شركة تيسنكروب الالمانية في قضية مجمع الامونيا في حيفا ايضا.
وتكتب “يديعوت أحرونوت” في هذا الموضوع انه في الوقت الذي تم فيه تجميد صفقة الغواصات، تواصل احواض بناء السفن الالمانية تيسنكروب العمل وتوقيع عقود جديدة مع دول مختلفة في العالم، الأمر الذي من شأنه التأثير على موعد تسليم الغواصات الى اسرائيل، اذا تم تجديد الصفقة. ومن بين الدول التي تم توقيع عقود معها النرويج وهولندا. كما قالت تقارير واردة من مدينة كيل، حيث تقوم احواض تيسنكروب، ان مصر بدأت بإجراء مفاوضات اولية لشراء غواصتين اخريين لاستكمال اسطولها الذي سيضم ثماني غواصات. وقالوا في ادارة تيسنكروب ان الشركة تستطيع ملائمة نفسها للتغيير في الجدول الزمني، ولم تؤكد ما اذا كان تأخير توقيع العقد مع اسرائيل سيجر تأخيرا كبيرا في موعد تسليم الغواصات.
الى ذلك، غادر المدير العام لوزارة الامن الاسرائيلية اودي آدم، احواض بناء السفن في كيل بعد زيارة قصيرة، هدفت الى تعقب التقدم في بناء الغواصة الاسرائيلية التي يفترض وصولها الى اسرائيل في السنة القادمة. ويوم امس حولت تيسنكروب الى اسرائيل نتائج التحقيق الداخلي الذي اجرته في الصفقة، لكنه تحقيق محدود، اذ انه لم يتم التحقيق مع المستخدمين الاسرائيليين، وفي مقدمتهم مندوب الشركة لدى اسرائيل ميكي غانور، لكي لا يتم تشويش التحقيق في اسرائيل. وقالت الشركة انها لم تعثر على خروقات في النظم لديها.

نتنياهو اجتمع بوزير خارجية الامارات المتحدة، سرا في نيويورك

تكشف “هآرتس” ان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التقى سرا، في نهاية شهر ايلول 2012، في نيويورك مع وزير خارجية الامارات المتحدة، الشيخ عبدالله بن زايد. وهذا هو احد اللقاءات النادرة التي اجراها نتنياهو مع مسؤول من دول الخليج، منذ تسلمه لهذا المنصب في 2009. وقال دبلوماسيان غربيان كبيران ان نتنياهو وبن زايد ينظران بالمنظار نفسه الى مسألة النووي الايراني، لكن الأخير اوضح ان بلاده لن تستطيع تسخين علاقات مع اسرائيل، طالما لا تظهر تقدما في عملية السلام مع الفلسطينيين.
وقال الدبلوماسيان ان اللقاء جرى في 28 ايلول 2012، على هامش اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وقبل يوم من ذلك القى نتنياهو خطاب “الخط الأحمر” الشهير امام الجمعية العامة، والذي ادعى فيه ان على المجتمع الدولي وضع “خط احمر” امام خطة تخصيب اليورانيوم الايراني ومنع طهران من الحصول على كمية الاورانيوم المخصب بالنسبة العالية، المطلوبة لإنتاج قنبلة نووية.
وكانت نتنياهو هو الذي بادر الى اللقاء، في اطار محاولاته التي يبذلها منذ 2009 لتنظيم لقاء مع مسؤولين من دول الخليج التي لا ترتبط اسرائيل بعلاقات دبلوماسية رسمية معها، كالسعودية واتحاد الامارات والبحرين. وقد ادى اغتيال المسؤول في الجناح العسكري لحركة حماس محمود المبحوح، في دبي، في 2010، والتي نسبتها شرطة دبي للموساد الاسرائيلي، الى حدوث توتر كبير في العلاقات بين اسرائيل واتحاد الامارات وبالتالي جعل تنظيم لقاءات مع مسؤولين من الخليج شبه مستحيل على مدار عامين.
وقال الدبلوماسيون الغربيون انه بعد فترة طويلة حول نتنياهو عن طريق وسطاء رسائل الى مسؤولين في حكومة الامارات المتحدة، فوافق بن زايد على التقائه. وجرى اللقاء في فندق ريجانسي، في شارع 61، في زاوية بارك نيويورك، حيث كان ينزل نتنياهو خلال تواجده في المدينة. وحسب الدبلوماسيين الغربيين، فقد وصل بن زايد الى اللقاء مع سفير بلاده لدى واشنطن، يوسف العتيبة، وتم ادخاله الى الفندق بسرية كبيرة عبر موقف السيارات الارضي، ومن هناك وصل بواسطة مصعد الخدمات الى الجناح الذي اقام فيه نتنياهو في احد الطوابق العليا للفندق.
وحضر اللقاء مستشار الامن القومي في حينه، الجنرال (احتياط) يعقوب عميدرور، والسكرتير العسكري لرئيس الحكومة يوحنان لوكر. وقال الدبلوماسيون الذين اطلعوا على تفاصيل اللقاء ان اللقاء جرى في اجواء ودية وتناول المسألة الايرانية بشكل خاص، وكذلك المسألة الفلسطينية. واعرب بن زايد عن تقديره لخطاب نتنياهو في الجمعية العامة، وساد بينهما التفاهم الكبير في الموضوع.
في المقابل، حث بن زايد نتنياهو على التقدم في العملية السلمية مع الفلسطينيين، واوضح بأن بلاده تدعم مبادرة السلام العربية. واشار الدبلوماسيان الى ان احدى الرسائل الرئيسية التي اكدها وزير الخارجية امام نتنياهو هي ان بلاده معنية بتحسين العلاقات مع اسرائيل، لكنه لا يمكنها عمل ذلك، خاصة بشكل علني، طالما تواصل الجمود السياسي بين اسرائيل والفلسطينيين.
وسمع مسؤول اسرائيلي رسالة مشابهة قبل عدة اشهر. ففي ايلول 2016 شاركت وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني في وجبة غذاء مقلصة في نيويورك، كان الضيف الرئيسي فيها بن زايد. وخلال اللقاء اكد بن زايد ان بلاده ودول اخرى في الخليج معنية بدفع علاقاتها مع اسرائيل، ولكنها لن تقوم بخطوات تطبيع طالما لم تظهر اسرائيل رغبة حقيقية في التقدم السياسي نحو حل الدولتين.
وقال الدبلوماسيون الغربيون ان موقف الامارات المتحدة بشأن العلاقات مع اسرائيل والموضوع الفلسطيني لا يزال ساريا اليوم، ايضا، حيث يتحدث الرئيس الأمريكي ترامب ونتنياهو عن رغبتهما بدفع مبادرة سلام اقليمية بالتعاون مع دول عربية.
وقال دبلوماسيون غربيون ان نتنياهو حاول خلال السنوات الخمس الاخيرة تنظيم لقاء مع حاكم الامارات الشيخ محمد بن زايد، بمساعدة رئيس الحكومة البريطانية الأسبق توني بلير، المقرب من ولي العهد في الامارات، بل ويقدم له المشورة خلال العامين الاخيرين بمقابل مادي. ورغم محاولات الاقناع من قبل بلير الا انه لم يتم ترتيب اللقاء.
كما كان بلير ضالعا في دفع مبادرة السلام الإقليمية في اعقاب القمة السرية التي عقدت في شباط 2016 وتم الكشف عنها في “هآرتس”. فبلير المقرب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان ضالعا في الاتصالات بين نتنياهو وهرتسوغ من اجل تشكيل حكومة وحدة. والمح لهما انه اذا تم تشكيل حكومة كهذه، واطلاق العملية السياسية الاقليمية، فان ولي العهد الاماراتي سيوافق على المشاركة بشكل شخصي او ارسال مندوب رفيع عنه الى القمة.
وحسب ما نشرته وسائل اعلام أمريكية فان نتنياهو يواصل الحفاظ على قناة اتصال مع قيادة الامارات المتحدة بواسطة السفير الاسرائيلي لدى واشنطن رون دريمر. وقبل عامين نشرت “افينغتون بوست” ان دريمر يقيم علاقات وثيقة مع سفير الامارات في واشنطن، العتيبة، وانهما متفقان في وجهة نظريهما في الموضوع الفلسطيني. وحسب الصحيفة فقد دعا دريمر العتيبة لسماع خطاب نتنياهو المختلف عليه في الكونغرس الأمريكي في آذار 2015، لكن السفير الاماراتي اعتذر بأدب.

استشهاد فلسطيني قرب تقوع

تكتب هآرتس” ان فلسطينيا حاول، يوم الخميس، طعن جندية اسرائيلية على الحاجز في قرية تقوع بالقرب من بيت لحم، فتم قتله، حسب ما نشره الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي. ولم يسفر الحادث عن وقوع اصابات اخرى. وحسب مصادر طبية فلسطينية فان القتيل في الحادث هو محمد حسين تنوح، 26 عاما، من تقوع. وفي اعقاب الحادث وقعت في المكان مواجهة بين الجنود وحوالي 200 فلسطيني.

محكمة اسرائيلية تتبنى دعاوى تعويض قدمها العملاء ضد السلطة الفلسطينية!

تكتب “يسرائيل هيوم” انه في قرار يعتبر سابقة، صدر عن المحكمة المركزية في القدس، تم التحديد بأن السلطة الفلسطينية عذبت واعتقلت وقتلت عشرات المتعاونين مع اسرائيل، وسيكون عليها تعويضهم كما يجب. وسمح هذا الأسبوع بنشر قرار المحكمة الذي يمتد على اكثر من 2000 صفحة.
ويشمل القرار عشرات الدعاوى التي تم تقديمها ضد السلطة خلال العقدين الاخيرين من قبل عرب هربوا من مناطق السلطة الفلسطينية وتم استيعابهم في اسرائيل. وتم خلال السنوات توحيد كل شكاواهم في ملف واحد. وتم تقديم اولى هذه الشكاوى قبل 14 سنة، بعد عملية السور الواقي. وادعى كافة المدعين بأنه بعد الاشتباه بتعاونهم مع اسرائيل تم اعتقالهم في اقبية سجون السلطة الفلسطينية وتعذيبهم. وتم وصف اعمال ضرب فتاكة وتحطيم اسنان واعتداءات جنسية وفرض عقوبات بالإعدام، وفي بعض الحالات تنفيذ هذه العقوبة.
وقد نفت السلطة الفلسطينية هذه الاعتقالات في البداية، ولكن مع الوقت اعترفت خلال جلسات المحكمة بأنها نفذت اعتقالات لكنها كانت حسب القانون وتمت من خلال اجراءات منظمة امام المحاكم.
ونفت السلطة الفلسطينية الادعاءات لكن القاضي موشيه دروري الذي سمع الافادات حدد بأن السلطة تكذب! كما حدد بأن “غالبية المدعين وصفوا اعمال تعذيب متشابهة شملت الشبح وتعريض المعتقلين للبرد او الحرارة الشديدة ومنع الشراب او اجبارهم على الشرب من المراحيض، والضرب والجلوس على فوهات زجاجات محطمة وغير ذلك. وينتظر المدعون الان صدور قرار عن المحكمة بشأن التعويضات التي سيفرض على السلطة دفعها.

بلجيكا تطبق قانون وسم منتجات المستوطنات

تكتب “يديعوت احرونوت” ان بلجيكا بدأت ولأول مرة بتطبيق قانون وسم منتجات المستوطنات الاسرائيلية. فقد قال مستورد للنبيذ الاسرائيلي الذي يتم تصنيعه في هضبة الجولان، انه تلقى طلبا من وزارة الاقتصاد الفدرالية في بلجيكا، تطالبه فيه بتغيير الوسم على النبيذ الذي يصنع وراء الخط الاخضر، وبدلا من وسم “انتاج اسرائيل” يجب ان يكتب “انتاج هضبة الجولان – مستوطنة اسرائيلية”. وتم تحذير المستورد من ان استمرار ترويج النبيذ بالوسم الحالي سيعرضه لغرامات مالية، بل ومصادرة النبيذ ايضا.
وعندما توجه المستورد لفحص معنى الطلب تم تبليغه بأن قرار تطبيق القانون وارسال مراقب الى مستودعاته، ينبع من شكوى قدمها تنظيم بلجيكي مناصر للفلسطينيين يحمل اسم 11.11.11، والذي يحصل على تمويل من الحكومة البلجيكية.
يشار الى ان هذه هي الحالة الأولى التي يتم فيها تطبيق قانون وسم منتجات المستوطنات في بلجيكا، بناء على النظم التي اصدرها الاتحاد الاوروبي في تشرين اول 2015، والذي اوصى الدول الأعضاء بوسم منتجات المستوطنات من اجل منع تضليل المستهلك الاوروبي. وكانت غالبية دول الاتحاد قد تجاهلت هذه النظم، ايضا بفعل الضغط الاسرائيلي.

مقالات

رسالة نتنياهو الى العالم: تقبلوا اسرائيل كما هي، محتلة ومستوطنة

يكتب ألوف بن، في “هآرتس” ان “خطاب بودابست” الذي دعا من خلاله الأوروبيين الى التوقف عن دعم الفلسطينيين، هو اوضح تعبير حتى اليوم لمفهوم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو. لقد حضر الى مدينة الدانوب كنجم روك عالمي ومقرب من الرئيس الامريكي دونالد ترامب، وطار قادة بولندا والتشيك وسلوفاكيا للقائه مع المضيف الهنغاري. وخلال الاجتماع شبه المغلق، تحرر نتنياهو من الموانع والبلاغة التي تلف خطاباته الرسمية، وتخلى عن الصواب السياسي واطلق العنان للسانه. وعلى الأقل، في المقطع الذي تم بثه الى الصحفيين (كما يبدو نتيجة خطأ)، لم يتحدث نتنياهو عن “السلام” او عن “رؤية حل الدولتين” وانما عن القوة المتزايدة لإسرائيل كرافعة للتحالفات مع دول اخرى، وهي رسالة يكررها في كل ظهور له خلال السنة الأخيرة.
في الطريق الى بودابست، فاجأ نتنياهو، خلال زيارته لباريس، بتوجيه انتقاد علني بالغ لإدارة ترامب. فقد اتهم نتنياهو صديقه في البيت الابيض، بتهديد المصالح الأمنية الاسرائيلية، في الاتفاق الأمريكي – الروسي لوقف اطلاق النار في سورية. لقد دأب نتنياهو على التحدث بهذه اللهجة ضد الرئيس الأمريكي السابق براك اوباما والاتفاق النووي مع ايران، ولكن هل هكذا يجري الحديث عن الصديق ترامب؟ بعد ثماني سنوات من الخلافات والاحتكاكات في أيام اوباما، كان يمكن التوقع بأن يحل نتنياهو وترامب الخلافات بينهما عبر قنوات هادئة ولا يبحثان عن الشرخ في العلاقات. لكن رئيس الحكومة لا يرتدع، واضاف الى ادعاءاته ضد صفقة ترامب السورية، استهتارا ظاهرا بمبادرة السلام التي يعرضها الرئيس الامريكي.
ما الذي يحدث هنا؟ لقد شعر نتنياهو، كما يبدو، بأن ترامب ضعيف ومعزول، يواجه صعوبة في ادارة الأمور، والأهم من هذا كله – انه لا يسيطر على الكونغرس، الحصن الداعم لرئيس حكومة اسرائيل. مجموعة من “المتمردين” الجمهوريين في مجلس الشيوخ افشلت هذا الأسبوع قانون التأمين الصحي الذي طرحه ترامب، وابقت على اصلاحات “اوباما – كير”. نتنياهو يفهم في السياسة، وهو يعرف انه في هذا الوضع، ليس هناك ما يجعله يخاف من الادارة الجديدة، كما لم يخف من المواجهات مع سابقتها. انه يفترض بأن الغالبية الجمهورية في الكونغرس ومجلس الشيوخ ستحبط أي محاولة يقوم بها ترامب لفرض “الصفقة النهائية” مع الفلسطينيين، على اسرائيل. عدة محادثات واهية اخرى مع المبعوثين جارد كوشنر وجيسون غرينبلات، عرض عدد آخر من الأفلام عن التحريض الفلسطيني، وتنضم مبادرة ترامب السلمية الى كوم الخردة الذي يضم سابقاتها.
يقف في أساس نشاط نتنياهو الدبلوماسي تقديره بأن الولايات المتحدة تضعف وتطوي ببطء اعلامها في الشرق الأوسط. زيارة حاملة الطائرات “جورج دبليو بوش” الى ميناء حيفا، بعد توقف كبير عن هذه الزيارات، منذ ايام الانتفاضة الثانية، لا يموه الاتجاه العام. لقد تم تخفيض سعر النفط، ولم تعد امريكا تعتمد على استيراده من الشرق الاوسط. الرأي العام انعزالي، متحفظ من الحروب البعيدة عن البيت. الشرخ الداخلي في الولايات المتحدة عميق ومتسع، ونتنياهو ينحاز فيه الى الجانب المحافظ، لا بل لا يحاول عرض موقف “ثنائي الاحزاب”. ربما لم يعد بالإمكان الاستمتاع بالدعم من كل المعسكرات في وقت تواجه فيه الامة الأمريكية الانقسام في كل قضية. من المفضل الاستمتاع بدعم الجمهوريين الذين يبدو ان سيطرتهم على الكونغرس لا تهتز.
نتنياهو يرى في الجمهور المسيحي قاعدة للدعم الهام لإسرائيل في الولايات المتحدة، والى جانبه اليهود الارثوذكس. قراراته الأخيرة ضد الاصلاحيين والمحافظين – الغاء مخطط حائط المبكى وتحريك قانون التهود – تعكس انقطاعا استراتيجيا عن اليهود الليبراليين في امريكا. هذه ليست نزوة بسبب ضغط آني من قبل الاحزاب الدينية في اسرائيل، وانما قرار مدروس، حظي بدعم شبه كامل في الحكومة. في محيط نتنياهو القريب يفترضون بأن اليهود الليبراليين هم ظاهرة عابرة ستختفي بحد ذاتها في الجيل القادم، بسبب الزواج من غير اليهود وفقدان الاهتمام بالتقاليد اليهودية او بإسرائيل. لقد هدد اليهود الليبراليين طوال سنوات بالانفصال عن اسرائيل اذا واصلت التمييز ضد تياراتهم الدينية، وبعضهم عارضوا بصوت مرتفع استمرار الاحتلال في المناطق. لكنهم لم يتوقعوا ان تقوم الحكومة الاسرائيلية بالانفصال عنهم اولا.
هذه هي رسالة نتنياهو: من يريد دعم اسرائيل، يجب ان يتقبلها كما هي، مع الاحتلال والمستوطنات. من يتقبل اسرائيل فقط داخل الخط الأخضر، كالاتحاد الاوروبي، هو “مجنون” وغير مرغوب فيه هنا. يمكن للإصلاحيين مواصلة الصلاة في الجادة الخامسة، ومشاهدة حائط المبكى عبر الصور. اوروبا الليبرالية، المناصرة لحقوق الانسان والمواعظ الاخلاقية، تغيب وتتراجع تحت ضغط امواج اللاجئين من الشرق الاوسط. نتنياهو لا يحتاج اليها؛ وحسب رأيه فانه يجد بدائل في روسيا والصين والهند، وبشكل اقل علني، في السعودية ومصر والامارات المتحدة.
في هذه الأماكن يقدرون القوة فقط وليس العدالة. المهم ان تواصل المانيا تزويد الغواصات لإسرائيل والتي ستمنح الدعم لتهديدات نتنياهو المتكررة ضد ايران (من يهددنا يعرض نفسه لخطر الوجود”، “التهديد بإبادة من يهدد بإبادتنا”). يمكن دائما الامساك بالدعم الالماني بواسطة المزيد من مراسم ذكرى الكارثة، كما فعل نتنياهو هذا الأسبوع في فرنسا وهنغاريا. الان يجب فقط العثور على رد مشابه، يزيل عن الجدول الأسئلة المزعجة التي يطرحها محققو لاهف 433.

الولايات المتحدة سلمت، رسميا، سورية لروسيا وايران

يكتب تسفي برئيل، في “هآرتس” انه لا يمكن مواصلة اتهام دونالد ترامب بعدم التماسك، على الأقل في الموضوع السوري. في شهر كانون الأول الماضي، قبل تسلمه لمنصبه، صرح بأن الولايات المتحدة يجب ان تتوقف عن السباق لإسقاط انظمة. في حينه قصد الرئيس الأسد، الذي تحول اسقاطه الى احد اسس السياسة الخارجية لإدارة اوباما في الشرق الاوسط. قبل حوالي شهر، اتخذ ترامب القرار الكبير، وربما اكبر قرار له حتى الان: التوقف عن مساعدة الميليشيات السورية التي تحارب الاسد. ويوم امس، نشرت واشنطن بوست القرار الذي، وبشكل اكبر من مفاجأته للميليشيات، زود روسيا بالمصادقة النهائية على انها صاحبة البيت في سورية. وليس هي فقط، وانما يمكن لإيران ان تشعر بالرضا، ايضا، من قرار ترامب سحب البساط من تحت أقدام عشرات الميليشيات التي تحارب حتى الان ضد استمرار سلطة الأسد.
الميليشيات نفسها تعرف منذ اشهر طويلة، الموقف الأمريكي الذي لا يعتبرها قوة ملموسة تستحق الرعاية، خاصة بعد احتلال قوات الاسد لمدينة حلب في العام الماضي. ذلك الاحتلال الذي تحول، كالمتوقع، الى نقطة تحول استراتيجي في ساحة الحرب نفسها، وفي المعركة الدبلوماسية التي تسعى لتحقيق اتفاق لإنهاء الحرب. بعض الميليشيات، كالجيش السوري الحر الذي يحارب في شمال سورية “في خدمة” تركيا، والوحدات التابعة لها، فقدت “رسالتها” القومية وتحولت الى مرتزقة ينحصر دورها في تحقيق مصالح دول اخرى وليس العمل ضد الأسد.
وهناك قسم آخر من الميليشيات، كتلك التي تعمل في جنوب سورية، في المناطق المجاورة للأردن واسرائيل، يتم تفعيلها من قبل ما يسمى “قيادة العمليات العسكرية”. وتعمل هذه القيادة من الأردن ومنها يتم تنسيق نشاطات التدريب والعمليات العسكرية، وهي التي تمول الميليشيات في جنوب سورية. ولكن لا تخضع كل الميليشيات للقيادة في الأردن، وحتى تلك التي تنسق نشاطاتها معها، لا تتمسك، بالضرورة، بالمهام التي اعدت لها.
أَضف الى ذلك انه اتضح بأن الميليشيات التي تملك اكبر قوة هي بالذات التي لا يمكن للإدارة الامريكية ولا ترغب بمساعدتها لأسباب مفهومة. احداها جبهة النصرة، او باسمها الجديد “هيئة تحرير الشام”، التابعة للقاعدة، وميليشيا “احرار الشام” التي تضم مجموعات راديكالية كثيرة السلاح. وتواصل هذه الميليشيات ادارة المعارك في الأساس في منطقة ادلب، خاصة بينها وبين نفسها.
الفهم بأن دعم الميليشيات المعادية للأسد لا يحقق نتائج ملموسة على الأرض، قاد في حينه الرئيس اوباما الى الاستنتاج بأن عرض التضامن مع معارضي النظام يمكن ان ينحصر في تقديم المال والسلاح للمتمردين ولكنه لن يلزمه بأي شكل من الأشكال، على ارسال الجنود الى سورية. ترامب، الذي قام وبشكل استثنائي، بإطلاق 60 صاروخا على هدف محدود في سورية، الى القاعدة التي ربما يكون الجيش السوري قد استخدم منها السلاح الكيميائي، لخص بذلك تدخله العسكري في النضال ضد الأسد. القوات الأمريكية ستواصل العمل ضد داعش، بمساعدة مكثفة من القوات السورية الديموقراطية التي تضم غالبية كردية واقلية عربية. لكن معالجة الترتيبات الأمنية داخل سورية، وترسيخ وقف إطلاق النار في جنوب سورية، وانشاء المناطق الأمنية، وبشكل خاص، توجيه الخطوات السياسية، ستنتقل الى ايدي روسيا وايران.
هذا القرار الامريكي يلغي الان الدعم السياسي (والذي لم تكن له اهمية عملية)، الذي خلق الانطباع بأن الميليشيات تتمتع في المعركة على مستقبل سورية، بشريك في الغرب سيصد السيطرة الايرانية والروسية على سورية. ولكن هذا، ايضا، لا ينطوي على تحول ثوري، لأن تركيا، التي تعتبر اشد المعارضين لاستمرار سلطة الأسد، اوضحت قبل اشهر طويلة بأنها لن تعارض استمرار سلطة الأسد “خلال فترة انتقالية”، أي غير محدودة. اضف الى ذلك ان الرئيس الفرنسي عمانوئيل مكرون، اعلن هذا الاسبوع بأن اقالة الأسد ليست شرطا مسبقا للمفاوضات على مستقبل سورية، وعمليا لم تتبق أي قوة، باستثناء السعودية، تتبنى موقف الميليشيات وتطالب بإقالة الأسد قبل أي خطوة سياسية.
وهنا يكمن التساؤل حول كيفية رد دول مثل تركيا والسعودية وقطر والامارات المتحدة على القرار الامريكي، كونها الدول التي تحملت تمويل الميليشيات (لكل دولة منها ميليشياتها) اكثر من الادارة الأمريكية. يمكن التكهن بأن هذه الدول ستواصل رعاية وتمويل وتسليح الميليشيات الموالية لها، كما فعلت حتى الان من دون علاقة بالمساعدة الامريكية. وبذلك فإنها ستطيل من دون أي جوهر، الصراع العنيف في سورية، من خلال الحفاظ على مصالحها العينية.

المساعدات المتنازع عليها
ينعكس المثال البارز للانشقاق الخطير في مصالح القوى الكبيرة، في التوتر العالي الذي يتراكم بين تركيا والادارة الامريكية. وقد وصل هذا الاسبوع الى ذروة غير مسبوقة عندما نشرت وكالة الأنباء التركية “الأناضول”، خارطة القواعد العسكرية الامريكية في شمال سورية، وعدد الجنود الذين يخدمون فيها. هذه سابقة اثارت غضبا كبيرا ليس في واشنطن فحسب، وانما لدى كل الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، لأنه لم يحدث حتى الان ان قامت دولة عضو في الحلف، بكشف الاسرار العسكرية لدولة اخرى. والاخطر من ذلك ان نشر الخارطة والتفصيل العسكري يهدد حياة الجنود الامريكيين والقواعد التي يرابطون فيها.
احد المراسلين الامريكيين الذي طلب تعقيب الادارة، طولب من قبل البنتاغون بعدم نشر الخارطة رغم انها نشرت في الموقع التركي. صحيح انه تم نشر مواقع بعض القواعد قبل عدة اشهر، وهي معروفة على الاقل للميليشيات الناشطة في شمال سورية، لكنه لم يتم ابدا نشر الامور بشكل دقيق هكذا، وبالذات من قبل حليف.
وترجع الذريعة لهذا النشر الى الخلاف العميق حول المساعدات الامريكية للقوات السورية الديموقراطية التي يشتبه محاربوها الاكراد بالتعاون مع حزب العمل الكردي الذي تعتبره تركيا تنظيما ارهابيا. وتدعي انقرة ان السلاح الأمريكي الذي يخدم قوات هذه الميليشيات في الحرب ضد داعش في منطقة الرقة، ينتقل قسم منه، او سينتقل مستقبلا، الى التنظيمات الكردية التي تمارس نضالا عنيفا ضد تركيا.
الوعد الأمريكي بأنه سيتم جمع هذه الأسلحة من أيدي الأكراد بعد انتهاء الحرب، لا يطمئن تركيا، وبحق. فلقد انتقلت الكثير من الاسلحة الأمريكية الى التنظيمات الارهابية بعد الحرب في افغانستان والعراق. ومن جانبها تعتبر واشنطن الاكراد قوة حيوية وناجعة في الحرب ضد داعش، ولا تنوي، حاليا على الأقل، التوقف عن مساعدة هذه الوحدات والتعاون معها.
من شأن التمييز الأمريكي بين الميليشيات الكردية التي تحارب ضد داعش وتستحق المساعدة، والميليشيات التي لن تحصل على المساعدة في حربها ضد الأسد، ان توسع الصراع الداخلي بين الميليشيات الكردية ومحاربي الجيش السوري الحر الذين يحاربون الى جانب الجيش التركي، من اجل توسيع منطقة السيطرة التركية في سورية.
السفير التركي لدى واشنطن، سردار كيليتش/ وصف سياسة دعم الأكراد بأنها “خطأ استراتيجي” وقال ان احتلال الرقة يمكن ان يتم من قبل قوات امريكية وتركية. ويذكر المتحدثون الأتراك بأن تركيا اقترحت ارسال عشرات الاف الجنود الى هذه الحرب، لكن الخلاف كان على عددهم. الولايات المتحدة طالبت بارسال 80 الف، بينما اعتقدت تركيا ان هذا الرقم مبالغ فيه وان الولايات المتحدة لا تملك فعلا خطة عمل منظمة. التخوف السائد الان هو من توسيع التدخل التركي في منطقة ادلب والمواجهات المتوقعة بين قواتها وبين الميليشيات المحلية، وهو ما قد يجعل الولايات المتحدة، التي تريد الانسحاب من الحلبة السورية بعد احتلال الرقة، تضطر الى ترك قوات لها هناك من اجل منع الحرب بين تركيا والقوات المحلية.
اذا كانت تركيا راضية جدا الان من الانسحاب الامريكي فان على الأكراد بالذات الذين يحظون بالدعم من قبل واشنطن الشعور بالقلق. صحيح ان مساعدتهم مضمونة طالما تواصلت الحرب ضد داعش، لكنه يحق لهم الاستنتاج بأن هذا الدعم محدود في الوقت والظروف، لأن تركيا، رغم المواجهة مع واشنطن ستبقى حليفا هاما اكثر من الأكراد الذين سينتهي دورهم مع داعش. يمكن للأكراد السوريين البحث عن حليف لهم اكثر استقرارا من الولايات المتحدة في حربهم ضد السيطرة التركية، ولن يكون من المبالغ فيه التكهن بأن ايران بالذات، التي ظهرت كشريك مخلص للميليشيات الشيعية في العراق وسورية، قد تصبح الحليف الجديد.

هناك حاجة الى تغيير الاستراتيجية
ايران باتت تدير علاقات وثيقة مع القطاع الكردي في العراق، وخاصة مع الجناح الشرقي لرجال جلال طالباني، ولا خلاف بينها وبين الاكراد السوريين في مسألة استمرار ولاية الأسد، ويمكن للأكراد بمساعدة ايران وروسيا الحصول على مقعد في النقاشات السياسية حول مستقبل سورية، والتي تم اقصاؤهم منها حتى الان، بضغط من تركيا وبموافقة الولايات المتحدة. قرار ترامب يذكر بالشيعة الذي “دعتهم” الولايات المتحدة بعد حرب الخليج الاولى الى التمرد ضد صدام حسين واسقاطه. المساعدة التي تم وعد الشيعة بها لم تصل وتم قتل الاف الشيعة. في حينه تخوف الرئيس بوش الاب من اسهام دعم الشيعة بتضخم قوة ايران وفضل الابقاء على صدام في السلطة كقوة رادعة لإيران. والان يلجأ ترامب الى سياسة مشابهة ستزيل العقبات الأخيرة امام ترسخ ايران في سورية، فيما يعتمد على بوتين في وقف الانجراف الايراني.
حاليا، ليس مطروحا بين الاوراق، سيناريو متفائل حول امكانية قيام الدول العربية باستغلال القرار الأمريكي من اجل دعوة الاسد للعودة الى الحضن العربي وتلقي مساعدات لإعادة بناء الدولة مقابل اصلاحات سياسية ملموسة، تشمل اشراك كل خصومه السياسيين في السلطة.
وستبقى العيون ترنو الى روسيا وايران. قوات “الدوريات” الروسية التي دخلت هذا الأسبوع الى محافظة درعا من اجل مراقبة وقف إطلاق النار، واعادة انتشار قوات حزب الله، وفقا للخارطة المخططة للمنطقة الأمنية، وخاصة الهدوء النسبي الذي تم الحفاظ عليه في منطقة وقف اطلاق النار، هي دلائل ايجابية على ان سورية وايران تفهمان مصالح احداهما للأخرى. الخطوة القادمة هي تحقيق الاستقرار في المنطقة الأمنية وابعادها عن الحدود مع اسرائيل والأردن. وفي المقابل، تناقش تركيا وروسيا وايران الان، انشاء منطقة امنية في ادلب. وهذه ستكون الان هي الاختبارات الحقيقة لقدرة روسيا على ادارة سورية.
بعد انصراف الولايات المتحدة من الملعب (باستثناء محاربة داعش) تتعزز مكانة ايران وتركيا في العملية السياسية. في ظروف اخرى كان يمكن لإسرائيل الاستعانة بتركيا كشريك استراتيجي للحفاظ على مصالحها. لكن في الظروف الحالية، لا تزال تركيا تعتبر دولة مشبوهة تقلق اسرائيل بسبب تقربها من روسيا وايران. والاهم من ذلك، ان اسرائيل تحتاج الى تغيير النموذج الاستراتيجي امام الظروف التي تحولت فيها روسيا الى عامل فاعل في سورية بشكل خاص، وفي الشرق الاوسط عامة، في الوقت الذي تحمل فيه الولايات المتحدة نفسها باتجاه الخروج من المنطقة.

الجهاز الامني توقع من نتنياهو القيام بخطوة صحيحة وازالة البوابات الالكترونية

يكتب عاموس هرئيل، في “هآرتس” ان الأمر كان يحتاج الى وزير واحد وحجر واحد تم القاؤه في البئر، من اجل شغل عشرات المهنيين في محاولة اخراجه طوال اسبوع. ومن دون توفير حل للأزمة المصطنعة التي قام الجانب الفلسطيني بتضخيمها حول قرار اسرائيل انشاء بوابات الكترونية على مداخل الحرم القدسي، تقف اسرائيل أمام اخطر وضع واجهته خلال السنوات الأخيرة. عشرات الاف المصلين سيصلون الى البلدة القديمة، والشرطة تستعد لصدامات عنيفة على الحواجز.
تقريبا، يتحول كل خلاف حول ما يحدث في الحرم الى مسألة رمزية، ان لم تكن مقدسة، الى حد بات الناس على استعداد حتى للموت من اجله. هكذا حدث هذا الأسبوع، بسبب البوابات الإلكترونية التي احضرتها الشرطة الى الحرم في أعقاب العملية التي قتل خلالها الشرطيين الاسرائيليين. شرطة لواء القدس هي التي اوصت بإقامة هذه البوابات، بعد ان اتضح بأن المخربين الثلاثة من ام الفحم نجحوا بتهريب اسلحة الى المسجد الأقصى واستخدامها في العملية. لقد تبنى وزير الأمن الداخلي هذه التوصية وصودق عليها من قبل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ويوم امس (الخميس) قال اردان لإذاعة الجيش ان القرار لم يواجه في البداية أي اعتراض من قبل الجهاز الأمني.
ومنذ ذلك الوقت، وكلما تصاعدت الأزمة، هكذا اقتنعت الأذرع الأمنية الاسرائيلية بأن المواجهة مع الفلسطينيين في مسألة البوابات زائدة وخطرها كبير. وقد قاد الصراع من اجل ازالة البوابات مسؤولون كبار في الوقف الاسلامي، بينما ساعدت حماس والجناح الشمالي في الحركة الإسلامية على تأجيج النار. كما ان اعمال الاستفزاز التي قام بها يهود، نشطاء اليمين المتطرف، حين غاب المسلمون من الحرم طوال أيام الأسبوع، اضافت الى التوتر.
في الجيش والشاباك ودائرة منسق اعمال الحكومة في المناطق، لا يستأنفون على حق اسرائيل بوضع البوابات، بهدف تقليص خطر العمليات، ولكن حسب رأي غالبية خبراء الحراسة، فانه يمكن تجاوز هذه البوابات، ايضا، بشكل سهل نسبيا. اضف الى ذلك ان الشرطة ستواجه صعوبة في اجراء الفحص الأمني لعشرات آلاف المصلين الذين يصلون الى الحرم في أيام الجمعة من دون ان يؤدي ذلك الى اكتظاظ غير محتمل، ناهيك عن التوتر المرتبط بفحص النساء. من هنا فان التوصية التي سمعها نتنياهو، من كل قادة الأذرع الأمنية، باستثناء القائد العام للشرطة، خلال المشاورات التي اجراها هاتفيا يوم الاربعاء، خلال تواجده في هنغاريا، دعت الى العثور على طريقة للتغلب على الخلاف حتى نهاية الاسبوع. فالقيمة التي يمكن ان تحققها البوابات لا تساوي الدم المسفوك.
احد ضباط الجيش قال بحذر: “نحن لا نعتقد ان هذا سيكون سببا للحرب”، بينما كان رفاقه في الاجهزة الأمنية الاخرى اكثر فظاظة. “هذا جنون، بكل بساطة هذا جنون” قال احدهم. وادعى البعض الآخر بأن اجواء البرايمرز في حزب الليكود يمكن ان تعيد اشعال الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني. لقد سمع نتنياهو تحذيرات شديدة، ومن بينها التخوف من مظاهرات كبيرة تتحدى سلطة القصر الملكي في الأردن. وامس الاول، عرض الاردن اقتراحا بأن يتم اجراء تفتيش رمزي على المداخل، وازالة البوابات الالكترونية. وهذا هو الحل الذي تردد نتنياهو في تبنيه. وليلة الخميس الجمعة، في ساعة متأخرة، عقد نتنياهو اجتماعا للمجلس الوزاري لمناقشة الموضوع، فتقرر الابقاء على البوابات وترك القرار للشرطة.
سواء كان اردان قد عمل من خلال الاقتناع الأيديولوجي العميق، او انه يريد فقط مراكمة التأييد في صفوف النواة القاسية من اعضاء الليكود، فان من حقة اظهار خط متصلب. لقد سبق وعرض اردان موقفا متشددا في مسألة رفض اعادة جثث المخربين (رغم موقف المهنيين بأن هذا لن يفيد)، واوقف مؤخرا، زيارة عائلات اسرى غزة المعتقلين في اسرائيل، رغم معارضة الشاباك وسلطة السجون. وفي قضية الحرم، ناور رئيس الحكومة ودفعه الى الزاوية التي واجه نتنياهو صعوبة في الخروج منها، في وقت يحاصر فيه من جانب نفتالي بينت. الاصرار على البوابات تحول فجأة الى اختبار وطني سامي.
لقد افترض قادة الأجهزة الأمنية بأن نتنياهو يعرف ما الذي يجب عمله. والسؤال كان حول مدى استعداده لدفع الثمن السياسي الداخلي المنوط بذلك. ويجب ان نذكر بأن نتنياهو واجه صدمة مشابهة في موضوع الحرم في بداية سلطته، مع الاضطرابات القاسية التي اندلعت في اعقاب فتح نفق المبكى في ايلول 1996. لقد احترق رئيس الحكومة مرتين في حينه. وحسب ادعائه فقد ضلله قادة الاجهزة الأمنية، بينما اجبرته الاضطرابات نفسها (التي قتل خلالها 17 اسرائيليا وحوالي 100 فلسطيني) على تقديم التنازل لياسر عرفات وتوقيع اتفاق الخليل. لقد ازعجت هذه القضية نتنياهو بما يكفي لكي يرجع الى الحديث عنها مرارا خلال اللقاءات التي عقدها مع الصحفيين في الصيف الماضي.
كما بحثت القيادة الفلسطينية خلال الاسبوع المنصرم عن مخرج من الأزمة. الرئيس محمود عباس كان الزعيم العربي الوحيد الذي شجب العملية، خلال محادثة مع نتنياهو نشرت اسرائيل نصها. الجانبان يحتاجان الى وساطة خارجية، لكنه يبدو ان ادارة ترامب ترد ببطء.
عندما اتضح طابع العملية قبل اسبوع، ثار القلق في القيادة العامة. وبدت التفاصيل كما لو انها مستمدة من احد السيناريوهات المتطرفة التي يتدرب عليها الجيش بين الحين والآخر. ثلاثة مواطنين عرب ينفذون عملية في الحرم ويقتلون شرطيين درزيين؟ هذا الأمر بدا كوصفة مضمونة لاندلاع اعمال عنف واسعة ستجر الوسط العربي داخل الخط الأخضر. لكن الميدان لم يندلع على الفور، ايضا بفضل الرد الموزون نسبيا من قبل الحكومة. الان عادت محفزات الضرر مجددا. ويوم امس قررت القيادة العامة الابقاء على خمس كتائب عسكرية قيد حالة التأهب، خشية حدوث تصعيد في الضفة وعلى حدود غزة.

ارهاب مرخص

يكتب امنون لورد، في “يسرائيل هيوم” انه كان هناك ذات مرة تعبير ساخر هو “العريف الاستراتيجي”. انا لا اعرف ماذا كانت رتب الجنود الذين قتلوا المخربين الثلاثة من ام الفحم يوم الجمعة الماضية في جبل الهيكل (الحرم الشريف)، لكنهم كانوا يحملون رتب صغيرة. الطريقة التي تمسكوا من خلالها بالهدف خلال ملاحقتهم للمخربين الذين اطلقوا النار على الشرطيين، جنبت دولة اسرائيل حدثا استراتيجيا ضخما كان يمكن ان يتحول الى ازمة عالمية.
والان يتم حصر ازمة جبل الهيكل (الحرم) في مسألة البوابات الالكترونية – نعم ام لا. هذا جيد. اذا كانت القيادة الفلسطينية مستعدة لتعريف الصراع كسياسي وليس كديني. الشرطة تريد الابقاء على البوابات الالكترونية. وحسب الخبراء في الشؤون العربية، فان البيئة الاسلامية ستعتاد عليها بعد اسبوع او اسبوعين، وسيصبح بالإمكان السيطرة على مستوى اللهيب. الشاباك يدعم ازالة هذه البوابات، وهذا ما سيحدث كما يبدو. النقاش يتمحور اذن، حول ما اذا كان ذلك سيعني الاستسلام. لكن اسرائيل سبق واظهرت سيادتها في كون جنودها قتلوا المخربين في باحة المسجد الاقصى. لا شك ان الثلاثة كانوا ينوون العثور على ملاذ داخل المسجد. لقد اعتقدوا بأن الاسرائيليين سيترددون بإطلاق النار قرب المسجد او داخله. لكنهم اخطؤوا الحساب. لكنه لو كان الجنود قد ارتدعوا عن السير حتى النهاية، لكان يمكن ان يتكرر حدث يشبه ما حدث في كنيسة المهد قبل اكثر من 15 سنة.
حالة يتم فيها فرض الحصار على المسجد الاقصى وطلب اسرائيلي بتسليمها المخربين المختبئين في الداخل، كانت ستتحول الى انفجار. لكن الجنود لم يتوقفوا لطلب تصريح. وبعد ذلك لم ترتدع الشرطة عن تفتيش المساجد، حيث تم العثور على بندقية ام 16 مرتجلة وانواع ذخيرة وقنابل. العريف الاستراتيجي ارتقى الى درجة جنرال.

تنظيم ارهابي مرخص
المخربون من ام الفحم يجعلوننا نصل الى الاعتراف بالواقع، وهو ان وسائل الاعلام ومعها الكثير من السياسيين يحاولون التوجيه من خلال الالهاء والشجب، نحو الجهات غير الصحيحة. والحقيقة هي التالية: الصدامات القاسية على الجبهة الاسرائيلية – الفلسطينية كانت خلال السنة والنصف الاخيرة مع العرب في اسرائيل وليس مع الفلسطينيين في يهودا والسامرة. المواجهة القاسية خلال السنة الاخيرة تجري مع عرب احمد الطيبي وايمن عودة وليس مع عرب ابو مازن. مع عرب كفار شمارياهو، وليس مع عرب اسماعيل هنية، ويجدر بنا استيعاب ذلك.
العملية الأخيرة هي دليل واضح. لكن يجب وضعها بشكل متواصل مع المواجهتين القاسيتين بين قوات الشرطة وحرس الحدود، وسكان ام الحيران بقيادة ايمن عودة نفسه، وبعد ذلك في المواجهات التي اندلعت في كفر قاسم بعد اعتقال مشبوه بالقتل. في هاتين الحالتين برزت حقيقة ان الاعلام الاسرائيلي لم يدعم الشرطة.
في كانون الثاني 2016، نفذ نشأت ملحم من قرية عارة، عملية اطلاق للنار في شارع ديزنغوف. عارة هي قرية كمال الخطيب، احد قادة الجناح الشمالي للحركة الإسلامية (كمال الخطيب من كفر كنا وليس من عارة – المترجم) لقد تحولت الحركة الإسلامية في اسرائيل الى جزء من الجهاد الفلسطيني. وقبل ثلاثة اشهر من ملحم، كان محمد العقبي من قرية حورة في النقب الذي نفذ عملية اطلاق النار في بئر السبع. والده من قادة الحركة الإسلامية.
الجناح الشمالي للحركة الذي تم اخراجه عن القانون، يتحول تدريجيا الى تنظيم ارهابي. لا حاجة لتقديم نصائح للشاباك والشرطة حول كيفية محاربة هذا التنظيم. لكن الظاهرة المهمة في نظري هي ان القائمة المشتركة بقيادة ايمن عودة وجمال زحالقة واحمد الطيبي ورفاقهم تمنح غلاف الدفاع العام والشرعية للصراع الفلسطيني الذي تحول عرب اسرائيل الى العامل الذي يقوده. غلاف الدفاع هذا يحصل على الدعم السياسي العام الذي يصل حتى الى افتتاحيات صحيفة “هآرتس”.

منطق حماس غير العقلاني

يكتب الجنرال (احتياط) يعقوب عميدرور، في “يسرائيل هيوم” انه تم الاسبوع نشر عناوين كبيرة تقول ان اللحظة التي ستفتح فيها حماس النار تقترب بسبب الوضع الصعب الذي يعيشه سكان غزة. حسب رأيي تنطوي هذه العناوين على مبالغة كبيرة في وصف الامور، وفي ادعاء مسؤولية اسرائيل عن هذا الوضع الصعب، وكذلك بشأن تسريع قرار حماس بالخروج الى الحرب بسبب هذا الوضع. لا خلاف على أن حياة المواطن المتوسط في غزة صعبة، اذا لم يكن ينتمي لأجهزة حماس، وليس مقربا منها. لكن حماس لم تتخذ ولا تتخذ القرارات بناء على وضع السكان الذين يعيشون في غزة، وانما بسبب معايير تختلف تماما، وتتعلق بالمنظمة نفسها، جاهزيتها للحرب والضغط على استمرارية نشاطاتها.
رغم أهمية الوضع الاقتصادي في غزة، إلا أن الحرب الاخيرة اندلعت عندما كانت حماس في مرحلة متقدمة من الاعداد لعملية كبيرة (حسب ما نشرته وسائل الاعلام، اعتقد الشباك أن العملية باتت خلف الزاوية تماما) بعد قيام الجيش الاسرائيلي باعتقال الكثير من قادتها في الضفة الغربية، بالتزامن مع قيام الجيش الاسرائيلي بتصفية عدد من نشطاء حماس في غزة. صحيح أن التنظيم شعر بالضغط لأسباب اقتصادية، ايضا، لكن ليس الوضع الصعب للسكان هو الذي حرك قرار الحركة بدفع التدهور الذي قاد الى العملية. يجب علينا التخلي عن السذاجة في هذا الامر.
وبنفس القدر يجب علينا التحرر من مفهومين متفائلين يتعلقان ايضا بغزة ومصيرها: لا توجد أي فرصة، حتى لو أصبح الوضع اشد سوء بالنسبة للسكان، بأن يتحلوا بالقوة وبدء نوع من الربيع العربي في غزة لاستبدال حماس. فحماس راسخة جيدا في القطاع وقسوتها معروفة للسكان، وهم يعرفون أنه ليس هناك بديل أفضل ينتظر الفرصة لفرض سلطته.
ونظرا لهذه الاسباب كلها، يجب علينا التعود على فكرة أن حماس لن تتنازل عن مكانتها الفاعلة في القطاع (ولا حتى لعباس)، والسكان لن يطردوها حتى حين يصبح وضعهم أسوأ. صحيح أنه مثل كل تنظيم، تريد حماس ايضا الحصول على الشرعية، لكنها لن تتنازل من اجلها لا عن سلطتها، ولا عن قوتها العسكرية ولا عن وسائلها القمعية. وبنفس القدر، لا أساس للاعتقاد بأنه اذا حدث نمو اقتصادي فان حماس لن تبادر الى القتال “لأنه سيكون لديها ما تخسره”. هذا الخطأ يستند الى الافتراض بأن ما يوجه حماس هو الرغبة بزعيم عقلاني يهتم اولا برفاهية مواطنيه. هذا الامر لا يسري على حماس.

حماس هي العنوان الوحيد
رغم ما قيل، إلا أنه من مصلحة اسرائيل الحقيقية أن يعيش جيرانها بشكل افضل، وأن يتقلص اليأس ويستطيع المواطن البسيط القول لنفسه بشكل واضح إن وضعه أفضل بكثير من وضع اخوانه في الشرق الاوسط. هذه هي مصلحة اسرائيلية في يهودا والسامرة بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكم السلطة الفلسطينية، وبشكل مبدئي توجد لدى اسرائيل مصلحة مشابهة بالنسبة للفلسطينيين في غزة، وذلك بفعل الالتزام الانساني، من جهة، ومن اجل منع الفوضى التي قد تنبع من اليأس، من جهة اخرى.
لكن من يسيطر على غزة هي حماس، وكما اوردنا فان اهتمامها الأساسي ينصب ليس على المواطنين في غزة، وانما على تضخيم قوتها العسكرية وتعزيز سيطرتها في غزة، ولذلك فانه لا يوجد أي امل بأن يصل الى المدنيين فعلا، كل ما تدخله اسرائيل الى غزة من اجل ضمان حياة طبيعية لهم. فحماس ستهتم أولا بتخصيص كل ما تحتاجه لبناء الانفاق وانتاج السلاح.
في الدرجة الثانية من الأولوية، ستهتم حماس باستمتاع أتباعها بما يتم ادخاله لصالح اعادة بناء القطاع، وبعد ذلك فقط، يتم تحويل ما يتبقى من فتات لإعادة الاعمار لصالح المواطنين. ولذلك، فان ادعاء بأن اسرائيل هي المسؤولة عن عدم الاعمار هو ادعاء لا أساس له من الصحة. حماس هي التي تحدد الأولويات في توزيع الموارد في القطاع، وكلما دخلت مواد أكثر الى غزة هكذا سيسهل عليها اكثر القيام اولا ببناء قدراتها العسكرية. هل يجب على اسرائيل أن تضحي بأمنها على مذبح شروط حياة الفلسطينيين في القطاع؟ لا يبدو لي ذلك. صحيح أن اسرائيل هي المسؤولة عن الحصار المفروض على القطاع، لكن لا مناص من الاستمرار به من اجل منع دخول أسلحة اكثر تطورا الى القطاع. منذ الان تنتج حماس معظم اسلحتها في غزة، فهل من الصواب السماح لها باستيراد القدرات التي تُمكنها من جعل صواريخها أبعد مدى وأكثر دقة، عن طريق الجو أو البحر؟ يبدو لي ان الجواب المنطقي على ذلك هو لا.
ما هو المفهوم المناسب بالنسبة للقطاع؟ يجب أن تكون الاستراتيجية واضحة حتى لو كانت معقدة وصعبة التنفيذ. يبدو أنه في المستقبل المنظور يجب على اسرائيل ان تكون العنوان في القطاع، ان يكون هناك من يتحمل المسؤولية امامها ويمكنه وقف أي محاولة لإطلاق النار أو ارتكاب عمليات ارهابية من قبل منظمات صغيرة أو متطرفين ليس هناك من يتحمل أي مسؤولية عنهم، ويصعب بشكل اكبر استهداف بنيتهم التحتية. العنوان الوحيد هي حماس، ولذلك ليس من الصواب التخلي عنها.
في الوقت نفسه، يجب التأكد من أن عدم ازدياد قوة حماس الى درجة طرح تحديات أمام اسرائيل، لا يملك الجيش ردا كافيا عليها. من المهم أن لا تفقد اسرائيل القدرة على خلق ما يكفي من الخوف في صفوف قيادة حماس بشأن مستقبلها اذا قامت بفتح النار. اسرائيل بحاجة الى حماس ليست قوية بماي كفي لكي تهاجمها – ولكن في الوقت نفسه، تملك القدرة ولا تتخوف من مواجهة التنظيمات المتطرفة في منطقة نفوذها. هذا خط غامض جدا، لكنه ينطوي على منطق واضح، والتحدي يكمن في التنفيذ، وفي السير على الخط الغامض.

احتلال أم اعمار؟
هل يمكن التسبب بضرر بالغ لحماس، يصل حد تهديد وجودها؟ الجواب حسب رأيي هو نعم بشكل مطلق. وهذا الامر يتطلب احتلال اجزاء كبيرة من المناطق المأهولة في القطاع، وتفجير كيلومترات كبيرة من الانفاق، والعثور على القادة وقتلهم، والعثور على مقرات القيادة ومراكز انتاج السلاح واطلاق الصواريخ وتدميرها، رغم أن غالبيتها قائمة في مناطق مكتظة. النتيجة لن يكون من السهل هضمها – في البلاد وفي الأساس في الخارج. سيكون هناك الكثير من المصابين في صفوف الجيش والكثير من المصابين في القطاع، من اعضاء التنظيمات الارهابية والمدنيين على حد سواء. وسيبدو القطاع رهيبا، وفي الكثير من المناطق المدمرة، سواء بسبب العثور على اهداف هناك وقصفها، او بيوت تم تفخيخها من قبل المدافعين. من الصعب معرفة ما الذي سيتم تدميره بعد تفجير الانفاق، لكن ذلك لن يكون قليلا.
عندما ستنتهي الحرب، سيتم طرح السؤال الأبدي: وماذا بعد؟ هل سيخرج الجيش الاسرائيلي من غزة ويترك التنظيمات المختلفة تواجه جهنم، بدون منظمة قوية تستطيع كبح الآخرين؟ أم أن الجيش الاسرائيلي سيبقى، وتكون اسرائيل هي المسؤولة عن اعمار القطاع، بما في ذلك العبء الاقتصادي المترتب على ذلك، والمسؤولية الدولية التي يتحملها كل محتل؟ هذه اسئلة صعبة توضح بأن الوضع الحالي، رغم صعوبة تحديد ما الذي يجب عمله يوميا، قد لا يكون اسوأ من البديل، في الوقت الحالي على الأقل.

وقعنا في الفخ

يكتب اليكس فيشمان، في “يديعوت احرونوت” اننا نعيش في فقاعة ولا نفهم ما الذي يحدث من حولنا. حكاية البوابة الالكترونية لكشف المعادن على ابواب الحرم، لم تعد منذ زمن حكاية بيننا وبين الوقف، الفلسطينيين او النواب العرب. كل العالم العربي – السني، تجند ضد اسرائيل، وليس فقط على مستوى القيادات.
مستوى التحريض على الشبكات الاجتماعية في العام العربي يحطم كل الأرقام القياسية، وهذا لا يجري على مواقع حماس فحسب. فالأصوات تخرج من شوارع عمان والبحرين وقطر، مرورا بالسعودية والاردن ومصر . والشرطة في حالة تأهب عالية. كما ان قام الجيش بتخصيص لواءين من اجل صد تسلل الاضطرابات الى الضفة. وحسب جهات الامن فان مستوى اللهيب، وصل امس الى درجة 5 من بين 10، واذا لم يطرأ تغيير – فستصل الى بداية صلاة الجمعة الى 8، ويمكن ان تكون البداية فقط. لقد امسك المجلس الوزاري ليلة الخميس/ الجمعة، بسدادة القمقم الذي يحشر فيه شيطان الاضطرابات الدينية.
القتلة من ام الفحم نفذوا عملية استراتيجية بهدف اشعال الصراع العنيف مجددا. هذه بالضبط هي مصلحة حماس التي تعتبر الحركة الاسلامية في اسرائيل احد فروعها. فإشعال الحرم سيحرف الأنظار عن الازمة في القطاع.
لقد وقعت اسرائيل في الفخ. وبدلا من معالجة الاعشاب الضارة في اوساط عرب اسرائيل، قررت معالجة الاوقاف والسلطة الفلسطينية ونصبت بوابات لكشف المعادن. وتم امتشاق هذا القرار السياسي من البطن لكنه أخطأ الهدف.
اعمال التفتيش التي اجرتها الشرطة في الحرم كشفت عن عدة سلاسل، عصي، اعلام وبندقية وهمية. ويتبين بأن السلاح الذي استخدمه المخربون لم يأت بمساعدة من دائرة الاوقاف. يجب الافتراض بان تلك الفصائل المتطرفة في الحركة الاسلامية الاسرائيلية، التي تنبش في الحرم، تفرك اياديها. فنجاحهم في دفع اسرائيل نحو قرارات متهورة سيجلب المزيد من المقلدين الذين سيكونون مستعدين للتضحية بأنفسهم كي تتفجر حرب دينية. ما كان يفترض بالخطوات الامنية ان تركز على الحرم بل على المتطرفين الاسلاميين عندنا في البيت.
لقد فهم الامريكيون بان القصة خرجت عن السيطرة، وبالتعاون مع الاردنيين يتم اعداد سلم. من ناحية اسرائيل هذا سلم سيء، لكنه افضل من الاشتعال. الاردنيون يقولون: ازيلوا البوابات الالكترونية وسنبحث معا في وسائل امنية لا تمس بالوضع الراهن. والمقصود هو ان تملك اسرائيل قدرة على نصب كاميرات وغيرها من المنظومات، ويسمح لها بإجراء تفتيش جسدي عشوائي. ويمكن لإسرائيل دوما القول بانها استجابت لدعوات اصدقائها في العالم العربي وحليفتها الامريكية. وسيحتفل الشارع الفلسطيني ليومين او ثلاثة ايام وتعود الحياة الى مجراها. فلقد سبق ولعقنا جراح الكرامة بعد اخطاء أمنية اكثر خطورة. أبو مازن يسعى الى تحقيق مكسب والظهور كمن جلب الحل. الا ان اسرائيل تفضل منح هذا الشرف للملك الاردني. والسؤال هو اذا كان سيقوم ليدنا الرجل الشجاع الذي يتخذ القرار بالنزول عن الشجرة، وما اذا سينفذه.

لقد خدعنا

يكتب ناحوم برنياع، في “يديعوت أحرونوت” ان اسرائيل بار كان شخصا محبوبا على بن غوريون، شريكا في السر، وابن بيت في مكتب وزير الأمن. وعندما تبين في العام 1961 أن بار هو جاسوس سوفييتي، أصيب بن غوريون بالغليان والغضب. “لقد خذعنا”. هذه الجملة المأخوذة من التوراة (سفر يشوع) عبرت جيدا عن الشعور بالخيانة والاهانة، وأزالت معها ثقل المسؤولية عن أكتاف بن غوريون. فهو ضحية للخيانة وليس المتهم بها.
نتنياهو ليس بن غوريون، ليس بعد. كما ان صورته الشعبية في اوساط مؤيديه المتحمسين، هي صورة داهية، شخص يعرف تدوير الآخرين بالخداع، وليس بالشخص الذي يسمح للآخرين بتدويره بالخداع. انه يعرف كيف يصور نفسه كضحية لقوى متوحشة، اوباما، اوروبا، وسائل الاعلام واليسار. ويصعب عليه تصوير نفسه كضحية لقريب جشع او مقرب ذهب بالولاء لسيده بعيدا. في عالمه لا يوجد لصوص صغار، فقط مؤامرات كبيرة، وجميعها ضده.
هل القضايا التي يجري التحقيق فيها في ملف السفن وملف بيزك تورط نتنياهو جنائيا؟ التفاصيل التي كشفت حتى الآن تقود الى جواب سلبي. لا أحد يشتبه، ربما باستثناء بوغي يعلون، بأن نتنياهو أخذ مالا الى بيته. ولكن لا شك أن هذين الملفين ينضمان الى الملفات الشخصية – ملف الهدايا، ملف منزل رئيس الحكومة الرسمي، وملف بيبي – نوني- لتولد معا كتلة حرجة. وزراء واعضاء الكنيست من الليكود يحكون عن شعور بالخيبة. ليس لديهم – فهم لا يزالون يقفون من ورائه، بل من الناخبين.
رئيس الائتلاف الحكومي دافيد بيتان يكثر من التصريحات. وقد قال هذا الاسبوع إنه غير منفعل من امكانية أن يتحول ميكي غانور، ممثل شركة السفن الالمانية، الى شاهد ملكي. وحدد انهم “اذا أخذوا شاهدا ملكيا فهذا يعني أنه لا توجد لديهم أدلة”. انه لم يفهم بأن العكس هو الصحيح: فقط عند وجود أدلة جنائية، يجري الاهتمام بمكانة شاهد الدولة. لقد سمعت عن شهود ملكيين من كل الانواع، قتلة وتجار مخدرات ولصوص ومحتالين ومخربين، ولم أسمع عن شاهد ملكي بريء.

الخلاص من المانيا
سأحاول هنا اجراء ترتيب في سلسلة الاحداث التي قادتنا الى الهاوية. ويعتمد الوصف على محادثات مع المطلعين على تفاصيل الامور.
منذ بداية التسعينيات يضغط سلاح البحرية من اجل شراء جيل جديد، ثالث، من الغواصات، كي تقوم بدور في ردع ايران. الخطة الاصلية تم تقديمها من قبل الجنرال زئيف ألموغ، عندما كان قائدا لسلاح البحرية. وتحدثت الخطة عن ست غواصات من نوع “دولفين” وعن ثماني سفن ميدانية من نوع “ساعر 5″. لكنه تم الغاء الخطة لأسباب مالية.
وقد جاء الخلاص من المانيا. فقد كشفت حرب الخليج الاولى عن العلاقات المحظورة بين المانيا وصدام حسين. وكانت المانيا على استعداد لتعويض اسرائيل ووافقت على اعطائها غواصتين بالمجان. وأثناء ولاية عامي أيلون كرئيس لسلاح البحرية تم التوقيع على تعاقد لبناء الغواصة الثالثة. ومن ثم تم طلب الغواصة الرابعة والخامسة والسادسة (وقد حظيت الغواصة الخامسة باسم “دكار”. والطرفة التي يجري همسها على مسامع الآذان في وزارة الامن، عي ان دكار الاولى غرقت، ودكار الثانية ستُغرق).
لقد طالب سلاح البحرية طوال الوقت بست غواصات وليس أكثر. واعتقد نتنياهو أن حكومة ميركل ودية لاسرائيل أكثر من الحكومات التي ستأتي بعدها. ولذلك رغب بالتوقيع على مذكرة تفاهم تضمن توفير الغواصات بعد عشرين سنة، عندما يخرج الجيل الحالي من دائرة الخدمة. وهناك من يختلفون معه في الرأي، لكن هذا قرارا مشروعا.
هناك ثلاثة أحداث تحتم التحقيق فيها. الاول، هو تدخل قائد سلاح البحرية، اليعزر (شيني) ماروم، في اقالة مندوب شركة بناء السفن الالمانية، شايكه بركات، وتعيين ميكي غانور بدلا منه. هذان الضابطان (غانور أنهى خدمته في الجيش برتبة عقيد) يرافقهما سيل من القضايا. في حينه كان رئيس الاركان دان حالوتس ينوي تعيين شيني قائدا لسلاح البحرية، لكن تم تحذيره من ذلك فقام بتعيين دافيد بن بعشاط. وعند اندلاع حرب لبنان الثانية أصيب قارب الصواريخ “حنيت” أمام شواطئ لبنان. فتم ارسال بن بعشاط الى البيت. ولم يكن أمام رئيس الاركان اشكنازي أي خيار سوى تعيين ماروم.
المدير العام لشركة بناء السفن، فريتغ، قال لمسؤول اسرائيلي رفيع، خلال لقاء عقد في برلين، إن شيني مروم قال له: إما أن تقوم بتعيين غانور وإما ستفقد الصفقة. والآن يحاول المحققون في الشرطة التأكد من أن شيني حصل على مقابل مالي من غانور ومتى وكيف. والآثار تشير الى حسابات بنكية في قبرص. أما مروم فينفي هذا الامر.
الحدث الثاني هو شراء السفن الميدانية التي يفترض أن تدافع عن حقول الغاز. عمري داغول الذي شغل منصبا رفيعا في شركة الاسرائيلي رامي اونغر، يقترح على سلاح البحرية شراء السفن من “يونداي”، في كوريا الجنوبية. وكانت التكلفة 400 مليون دولار ثمنا لاربع سفن- وهذا ثمن مغر جدا. السفن الكورية رخيصة التكلفة، لكنها سريعة وناجعة. وفي احواض يونداي، يتم انتاج سفينة جديدة كل يومين.
لقد اهتم مدير عام وزارة الأمن، اودي شيني، بهذا الامر. والكوريين غضبوا من اسرائيل بسبب الغاء صفقة شراء طائرات التدريب لسلاح الجو بشكل غير مبرر. واعتقد أودي أن الكوريين سيجدون العزاء في السفن.
لقد سمعت شركات سفن كورية اخرى عن الصفقة. ورغبت هي ايضا بالمنافسة. كما رغبت بذلك شركة سفن هولندية وشركات من دول اخرى. وبدأت الفوضى، فقرر دان هرئيل، الذي استبدل اودي شني في المنصب، نشر مناقصة دولية. لكن قائد سلاح البحرية رام روتبرغ عارض ذلك: فالمناقصات، وما يرافقها من استئناف قانوني على النتائج، يستغرق سنوات، وغي النهاية لن يتم الحصول على مطلبنا. يجب اختيار مسار توقيع اتفاقيات بين الحكومات.
وخلال نقاش مركب مع وزير الأمن يعلون ومدير عام الوزارة هرئيل، تقرر الغاء المناقصة. لم يكن نتنياهو هو الذي الغاها.
وعندها قفز الالمان وعرضوا سفينتهم “ماكو”. وهي سفينة أثقل من المطلوب (2000 طن بدلا من 1200 طن)، وسعرها باهظ، لكن دعم حكومة المانيا التي تهتم بتوفير العمل في كيل، سيؤدي الى خصم 30% من الكلفة.
الا ان هذه المنحة ترافقت بمشاكل. أولا، شركة تيسنكروب مرتبطة مع “HDW”، وهي شركة بملكية احمد درويش المرار من أبو ظبي، ويديرها اسكندر صفا اللبناني. وليس واضحا من ينتج ماذا. ثانيا، صيانة السفن تهم الشركة الالمانية. وفي هذه القصة توجد علاقة لدان شمرون، محامي وابن عم نتنياهو. وثالثا، كما كشف عضو الكنيست اريئيل مرغليت فان “تيسنكروب” تعاني من تاريخ غير بسيط في دفع الرشوة بواسطة مندوبيها المحليين.
رابعا، دور مجلس الأمن القومي. لقد أخرج نتنياهو، عمليا، موضوع معالجة السفن من مسؤولية وزارة الأمن وحوله الى مجلس الامن القومي. وخلال الفترة الحاسمة كان هناك يجلس هناك المُسَرح من سلاح البحرية ابرئيل بار يوسف في منصب القائم بأعمال رئيس مجلس الامن القومي والمرشح لرئاسة المجلس في المستقبل و(خصمه) رام روتبرغ. ولم يتم اشراك هيئة الرقابة في وزارة الأمن. ويقف ما فعله بار يوسف من خلال اتصاله مع غانور ومع المانيا، في مركز التحقيق. والشبهات خطيرة. ففي افضل الحالات ارتكب خطأ الشعور بنشوة القوة، وفي اسوأ الحالات تورط بمخالفات جنائية.
ومن هنا الى الحدث الثالث: حقيقة أن اسرائيل لم تستخدم الفيتو ضد بيع اربع غواصات المانية من نوع “214” وسفينتين مضادتين للغواصات لمصر. وجميعها من انتاج “تيسنكروب”. وعندما قام الرئيس ريفلين بزيارة رسمية الى برلين سأل المستشارة الالمانية ميركل لماذا صادقت على الصفقة. فاستوضحت الأمر وأجابت: اسرائيل وافقت. ولا أحد يشك طبعا في استقامتها.
لا شك أن اسرائيل كان يجب أن تتطرق الى الموضوع. صحيح أنه في عهد مبارك قدم نتنياهو وبراك الضوء الاخضر الذي اتاح بيع غواصتين لمصر، لكنهما كانتا من طراز “209”. طراز “214” يسمح بالتواجد لفترة أطول تحت الماء. الطراز المتقدم والسفن المضادة للغواصات أثارت القلق المبرر في الجهاز الأمني.
من الذي أصدر الامر ولماذا؟ ليس يعلون (الجنرال عاموس جلعاد الذي تم ارساله من قبل يعلون للتحقيق في هذا الامر في المانيا ادلى بافادته عن ذلك في الشرطة)، ونتنياهو ينفي ان يكون له دور. ان من كان يستطيع المصادقة هو رئيس مجلس الامن القومي أو الموساد أو المحامي اسحق مولخو، مبعوث نتنياهو الخاص وشريك شمرون. ولكن هذه الجهات لم يكن باستطاعتها المصادقة بدون موافقة نتنياهو. او ربما سلاح البحرية. من خلال الرغبة بتسريع الصفقة مع الألمان والفوز بالدعم. لكن سلاح البحرية، أيضا لا يستطيع عمل ذلك بدون ضوء اخضر من مكتب رئيس الحكومة. إلا اذا كان هناك أحد من الالمان يكذب على ميركل.
كتبت ذات مرة عن نتنياهو بأنه أول من يلاحظ وآخر من يعرف. عدم المعرفة في المجال الأمني لا يقل خطورة عن المعرفة والاخفاق. في الجهاز الأمني يطرحون الان، كفرضية عمل، انه اذا انتهت عملية ما بالفشل، فان نتنياهو لن يتحمل المسؤولية. فهو يهتم ببقائه، وهم يهتمون ببقائهم، وهذا ليس جنائيا، بالطبع، لكنه مدمر. ليس هكذا تدار الدولة.

داس على القلب
في الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر استعد الرجال للصلاة. احضر كل واحد منهم من البيت سجادة صلاة ملونة. حملوا السجاجيد على الأكتاف كالرتب، كالعلم. الساحة خارج باب الاسباط كانت تعج بقوات حرس الحدود. سيارة شرطة مغلقة أحضرت المزيد من قنابل الغاز وساندويتشات طرية. رجال الشرطة أكلوا، بسبب الجوع أو الملل، اجتمعوا في المكان الذي رتبوه لانفسهم، مسيج ومفصول. الاجواء كانت هادئة، شبه هادئة. كل طرف قام بعمله وكأن الطرف الثاني غير قائم. واصطف حوالي عشرين مصورا في الظل الآخذ في التقلص، بانتظار الفريسة. في هذه الأثناء تقاسموا شرائح البطيخ فيما بينهم. مراسل للتلفزيون الايطالي لبس الواقي باللون الخاكي، وهو لباس الزامي في مناطق القتال. الجو كان حارا والايطالي تعرق. تحت الواقي أطلت ربطة العنق الثمينة، المحافظة، التي غيرت الانطباع.
في هذه الساحة، في صباح 7 حزيران 1967، قال موطي غور لسائق مدرعته “سافر يا بنتسور، سافر”، فدخل بنتسور وتوجه يسارا، فأصبح الحرم في أيدينا. قبل خمسين سنة تحولت هذه الكلمات الى نداء حرب قومية. الاطفال رددوها في رياض الأطفال، والسياسيون في الكنيست. لم يكن بنتسور هو وحده الذي سافر، الدولة كلها سافرت من خلفه في مسيرة انتصار كبيرة، نحو مستقبل زاهر، نحو الأفق. أول أمس كان هناك كشك صغير للسياح، باع البوظة بسعر مطار بن غوريون.
المدخل الشمالي-الشرقي للحرم، بالقرب من باب الأسباط، يسمى باب الاسباط. وقبل البوابة وضعت الشرطة عدة بوابات الكترونية. لكنه لم يدخل منها أحد. أما باقي الابواب فكانت مغلقة. خلايا من رجال الشرطة وشرطة حرس الحدود والوحدات الخاصة المسلحين بالبنادق اغلقوا الأزقة التي تؤدي الى كل واحد من الأبواب. الشباب استلقوا على البلاط، مغمى عليهم بسبب الحر. والسياح زحفوا في اعقاب المظلة الملونة التي ترشدهم. الجميع كانوا بانتظار الانفجار الكبير، الدراما. في هذه الأثناء جلسوا طلبا للراحة.
في ظل الكشك جلس محمد (أنا احتفظ باسم عائلته) الذي يبلغ من العمر 60 سنة، شعره ابيض، شاربه ابيض، انيق، يضع نظارة على عينيه، يلبس قميصا ابيض قصير الكمين، مكوي ومرتب. في حياته العادية يدير مقهى في منطقة باب العامود.
عرّفته على نفسي. فسأل: هل أنت متأكد أنك لست من “الشاباك”؟ أجبته بأنني كنت ارغب بأن اكون كذلك، لكنهم لم يقبلوا بي. فاقتنع، ولكن بصعوبة. سألته: هل جئت للصلاة؟ فأجاب: “أنا هنا منذ يوم الجمعة”. وسألته: هل كنت تصلي قبل ذلك في المسجد الاقصى؟ فأجاب “نعم”. “كنت أحضر كل يوم وأصلي وأذهب”.
ما هو الرهيب في البوابات الالكترونية؟ سألته.
فقال: “يمكن وضع البوابات الالكترونية في كل مكان، لكن ليس على ابواب المسجد الاقصى”.
سألته: لماذا؟
“إذا دخلت الى المسجد الاقصى عبر البوابات الالكترونية الخاصة بكم فهذا يعني أنني اقول للعالم كله، بأن الاقصى يخضع للسيطرة الاسرائيلية. وأنا لست على استعداد لفعل ذلك”.
مد محمد يده اليمنى وقبض بقوة على صدري في منطقة القلب. “نتنياهو داس على قلب كل واحد منا”، قال، “ليس هناك أي فلسطيني، متدين أو غير متدين، سيوافق على أمر كهذا. لقد فتح نتنياهو الحرب الدينية. أمس جاء الى هنا شيوعي للصلاة معنا. تخيل ذلك، شيوعي”.
خفض محمد صوته وقال: “لو كنتم قد منحتمونا منذ 67، فور الاحتلال حريتنا وحياتنا لكانت الامور مختلفة. أنا أقول لك: اذا سألوا الفلسطينيين أين يريدون العيش، في دولة فلسطينية أو في اسرائيل، لكانت الاغلبية ستقول في اسرائيل. لكنكم تريدون الاحتلال. القدس هي مدينة محتلة”.
ورغم ذلك فقد وقعت عملية ارهابية. قلت له.
فغضب محمد وسأل بتحدي: “من أين يأتي الارهاب؟ من القدس؟ من الضفة الغربية؟ من غزة؟ هل كنت أنا من فعل ذلك؟ أنت قل لي من أين جاء الذين فعلوا ذلك؟”.
أجبته: من أم الفحم.
فقال: “لقد جاءوا من اسرائيل. هذه مشكلتكم وليست مشكلتي”.
في هذه الأثناء وصل الى الساحة حوالي 150 رجل، من المسنين وحتى الأولاد. ودعا مكبر الصوت في الحرم الى الصلاة، فوقف الجميع في صفوف مستقيمة ووجوههم نحو الاقصى. لقد فرشوا السجاجيد امامهم وركعوا عليها. وانضم محمد اليهم. كما انضمت اليهم عشر نساء، في الخلف، وصلين بدون صوت، وبدون تحريك الشفاه، وسجدن مع الجميع. وصرخ شخص: “من اجل الاقصى” وبدأت الصلاة. صلوا لمدة 12 دقيقة. وعندما انهوا، قال شخص باللغتين العربية والعبرية، لغة الاحتلال: “يلّا، يا شباب”. واستجاب الجميع وتفرقوا.

عندما ستكبر ستفهم
حائط المبكى الصغير هو جزء من حائط المبكى الغربي. انه ينتمي الى الجزء المخفي، شمال الساحة. عندما كان جلعاد اردان وزيرا للبيئة جاء اليه أحد المسؤولين في عطيرت كوهنيم، وهي الجمعية التي تقوم بتوطين اليهود في الحي الاسلامي. وقال له إن الفئران والجرذان تتجول في ساحة المبكى الصغير، وهذا خطير من ناحية جودة البيئة. الجرذان تأتي من منطقة مغلقة تتصل بحائط المبكى. يجب علينا اقتحامها.
وطلب اردان الالتقاء بقائد شرطة القدس، نيتسو شاحم، في حينه، ووافق المفتش العام للشرطة، دانينو. هذا الأسبوع اخبرني شاحم بروايته عن ذلك اللقاء. “قلت لأردان بأنني لن أقوم بفتح هذا الحائط. ربما يتواجد خلفه مدخل الى الحرم. واذا قمنا بفتحه فستحدث اضطرابات كبيرة”.
لكن اردان أصر وقال: “بل ستفتحه، وأنا سأقوم بإصدار الأمر، هذا من صلاحياتي”.
“أنت لا تريد بالفعل اصدار أمر”، قال له شاحم، واضاف: “اذا أصدرت الامر فلن أقوم بتنفيذه. لأن هذا يتعلق بأمن الجمهور”.
“ماذا يعني ذلك؟ ألن تقوم بتنفيذ أمر وزير؟”، قال اردان محتجا. “أنا لا أفهم”.
“عندما تكبر ستفهم”، قال له شاحم، وأضاف: “لا تسمح للآخرين بجرك الى اماكن تندم على الذهاب اليها”.
وحسب اقوال شاحم، فقد شعر اردان بالإهانة، لكنه لم يصدر الأمر. “لقد انقذته”، قال ملخصا.
حاليا يتولى أردان منصب وزير الامن الداخلي. لقد بحث عن رد بوليسي مناسب على العملية التي وقعت يوم الجمعة الماضي، رد يتم النظر اليه جيدا في مركز الحزب وفي اوساط الجمهور. وهكذا وصلنا الى البوابات الالكترونية.
شاحم يعتقد ان هذه فكرة متدنية، وهو ليس وحده: المهنيون في الشرطة والجيش والشاباك يتفقون معه. في الجيش يسألون لماذا جاء هذا القرار من دون التشاور معهم. لقد كتبت رأيي في ذلك في مطلع الأسبوع، ولن اكرر نفسي، باستثناء القول ان الابواب الالكترونية جيدة لليهود (فقط)، والأصح، ليهود معينين. انها لن تمنع تسلل السلاح الى الحرم القدسي، لكنها ستخرب العلاقات مع الأردن والسعودية ودول اسلامية اخرى تسعى تنظر اليها اسرائيل، وستغوي الفلسطينيين على الدخول الى دائرة الارهاب. ربما لا يوجد مفر من اجراء تغيير في الوضع الراهن، لكن ليس هذا هو التغيير وليس كذلك.

هناك شعور وهناك أمن
عوديد رفيفي هو رئيس مجلس افرات، اكبر مستوطنة في غوش عصيون. وقال لي إن جهاز كشف المعادن هو “مجرد اسعاف اولي، من يريد تنفيذ عملية سيفعل ذلك، بوجود الجهاز أو بدونه. هناك شعور بالأمن وهناك أمن. الجهاز يعطي الشعور وليس الأمن. أنت تضع الجهاز على مدخل السوبرماركت، فيدخل المخرب ويتوجه الى قسم الأدوات المنزلية ويأخذ السكين من هناك. فما الذي فعلته اذن؟.
“بعد العملية في الحرم كان يجب دعوة الجهات المعنية بالأمر والتحدث معها. لا توجد اختصارات للطريق. الأمن الحقيقي يبنى فقط بالتفاهم والاتفاقات التي توازن بين مصالح الطرفين”.
في افرات، مستوطنة رفيفي، لا يوجد جدار. انه يعارض الجدران. سألته كيف يتعايش السكان هناك مع هذا الامر، على خلفية سلسلة العمليات الصعبة التي تعرضت لها منطقة غوش عصيون منذ بداية موجة العنف الحالية.
“في شهري ايلول وكانون الاول حدثت عمليتا اقتحام لافرات”، قال، “العمليتان فشلتا، وطالب بعض السكان بإقامة جدار. قمت باستدعاء قائد اللواء، وعرضنا منظومتنا الدفاعية، فاقتنعوا. الجدار يشبه جهاز كشف المعادن: يعطي الشعور بالأمن لكنه لا يعطي الأمن”.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا