الرئيسيةأخباراسرائيليةأضواء على الصحافة الاسرائيلية 23 يوليو/تموز 2017

أضواء على الصحافة الاسرائيلية 23 يوليو/تموز 2017

اتصالات مكثفة لمساعدة اسرائيل في النزول عن شجرة “البوابات الالكترونية”

تتحدث الصحف الاسرائيلية الصادرة اليوم، بالتقارير والتحليلات الكثيرة، عن احداث يوم الجمعة الأخير في الحرم القدسي الشريف، وفي مستوطنة حلميش، والتي اسفرت عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين بنيران قوات الاحتلال في القدس، ومقتل ثلاثة مستوطنين على ايدي شاب فلسطيني خرج لتنفيذ عملية طعن بسبب احداث القدس. وتشير الصحف الى المحاولات الدولية المكثفة التي تم بذلها خلال اليومين الأخيرين في محاولة لمساعدة اسرائيل في النزول عن شجرة البوابات الالكترونية، وسحبها، ومحاولة تحقيق انسحاب لها يجنبها “اهانة كرامتها” على حد تعبير عدد من المحللين، الذين يشيرون الى ان تخوف نتنياهو ووزراء اليمين من “سقوط هيبتهم” في نظر انصارهم في اليمين المتطرف، كان سببا في تعنتهم على ترك البوابات الالكترونية يوم الجمعة ومنع عشرات الاف المسلمين من اداء صلاة الجمعة في الحرم، رغم كل التحذيرات التي وصلت من الشاباك والجيش بشأن ابعاد قرار كهذا.
في هذا السياق، تكتب “هآرتس” ان البيت الأبيض يجري محادثات مع اسرائيل، الأردن والسلطة الفلسطينية وجهات أخرى في العالم العربي، في محاولة للتوصل الى حل ينهي الأزمة في الحرم الشريف ويمنع التصعيد، حسب ما قالته مصادر اسرائيلية ودبلوماسية عربية. وفي المقابل سيعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا خاصا، يوم غد الاثنين، لمناقشة ازمة الحرم في اعقاب طلب قدمته مصر وفرنسا والسويد.
ومن المتوقع عقد اجتماع للمجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر، اليوم الأحد، لمناقشة الأزمة واعادة فحص امكانية ازالة البوابات الالكترونية.
ويقوم بتركيز الاتصالات من جانب الادارة الامريكية، مستشار الرئيس ترامب ونسيبه، جارد كوشنر، والذي يعمل على حل الأزمة مع المبعوث الأمريكي لعملية السلام جيسون غرينبلات والسفير الأمريكي لدى تل ابيب ديفيد فريدمان، والقنصل الأمريكي العام في القدس دان بلوم.
وحاولت ادارة ترامب منع التصعيد طوال الأسبوع. وليلة الاربعاء/ الخميس، جرت محادثة مؤتمر بين كوشنر ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي تواجد في بودابست، وفريدمان وغرينبلات، حاولوا خلالها التوصل الى صيغة تقود الى تهدئة الأوضاع. وقال مصدر مطلع على فحوى المحادثة، التي استغرقت نصف ساعة، ان مسؤولي البيت الابيض لم يطالبوا نتنياهو بإزالة البوابات الالكترونية عن مداخل الحرم، وانما ناقشوا معه الحاجة الى ترتيبات امنية في الحرم وكيف يمكن تطبيقها بشكل انجح.
ويوم الخميس جرت محادثة مشابهة بين كوشنر والرئيس الفلسطيني محمود عباس. ودعا كوشنر الرئيس عباس الى تهدئة الاوضاع عشية صلاة الجمعة، وناقش معه سبل منع التصعيد. ومن جانبه قال عباس لكوشنر ان على الادارة الأمريكية التدخل ومطالبة اسرائيل بإزالة البوابات الالكترونية من على مداخل الحرم. وقال له ان “الوضع خطير جدا ويمكن ان يخرج عن السيطرة اذا لم تتراجع اسرائيل عن خطواتها في الحرم الشريف”.
ونشرت مجموعة الرباعي الدولي، الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، مساء امس، بيانا مشتركا اعربت فيه عن قلقها من التصعيد في القدس ودعت اسرائيل والأردن الى العمل معا من اجل الحفاظ على الوضع الراهن في الحرم القدسي. وشمل البيان شجبا للعملية في حلميش وابداء الأسف على مقتل الشبان الفلسطينيين الثلاثة، خلال صلاة الجمعة في القدس، امس الاول.
واكد ممثلو الأطراف الأربعة في بيانهم انهم يدعون كل الأطراف الى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس والامتناع عن خطوات استفزازية والعمل لتهدئة الوضع. كما جاء في البيان بأن اعضاء الرباعي يرحبون بالتزام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو باحترام الوضع الراهن في الأماكن المقدسة.
وجاء في البيان ان “اعضاء الرباعي الدولي يشجعون اسرائيل والأردن على العمل معا من اجل الحفاظ على الوضع الراهن في الأماكن المقدسة في القدس. نحن نؤكد بأن العنف يعمق عدم الثقة ولا يتفق مع تحقيق حل سلمي للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني”.
ومع وقوع احداث يوم الجمعة ومقتل ثلاثة مصلين في القدس وثلاثة مستوطنين في حلميش، اصبحت جهود التهدئة الأمريكية اكثر الحاحا، وجاء اعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن وقف الاتصالات مع اسرائيل ليزيد الأمر تعقيدا. وكان عباس قد اعلن، في خطاب القاه مساء الجمعة، عن “تعليق الاتصالات مع اسرائيل حتى تلغي كل الخطوات التي اتخذتها في المسجد الأقصى”.
ومع ذلك قال مصدر امني فلسطيني لصحيفة “هآرتس” ان التنسيق الامني مع الجانب العسكري الاسرائيلي سيتواصل. واكدت ذلك جهات امنية اسرائيلية. والى جانب جهود التهدئة الأمريكية جرت اتصالات مكثفة بين الاردن والسلطة الفلسطينية وبقية الدول العربية من اجل تنسيق المواقف في موضوع الحرم. واتصل عباس في نهاية الاسبوع بقادة مصر والاردن والسعودية والمغرب. كما اجرى وزير الخارجية الاردني ايمن صفدي، اتصالات مع نظرائه في مصر والسعودية والامارات المتحدة والكويت ولبنان وتونس والجزائر، وكذلك مع امين عام اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، وامين عام الجامعة العربية احمد ابو الغيط، بهدف عقد جلسة طارئة لوزراء خارجية دول الجامعة العربية في موضوع الحرم الشريف.
في المقابل نشرت العديد من الدول العربية والاسلامية بيانات شجب في نهاية الأسبوع. ودعت وزارة الخارجية المصرية اسرائيل الى احترام الاماكن المقدسة للمسلمين ووقف العنف والاستخدام المفرط للقوة ضد الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية. وطالبت وزارة الخارجية الأردنية اسرائيل بإزالة البوابات الالكترونية. كما صدرت بيانات مشابهة عن الكويت والجزائر واندونيسيا.
وكان بيان الشجب الذي اصدره الرئيس التركي رجب طيب اردوغان هو الأشد فظاظة. فقد شجب قرار اسرائيل عدم ازالة البوابات الالكترونية والتسبب، لأول مرة منذ عشرات السنين، بمنع اداء صلاة الجمعة في الحرم. وادعى ان اسرائيل استخدمت القوة المفرطة ضد المصلين المسلمين الذين وصلوا يوم الجمعة الى المكان المقدس. وطالب إسرائيل بإزالة البوابات الالكترونية واعادة الوضع الراهن الى سابق عهده.

تجدد المواجهات امس وسقوط شهيد رابع في العيزرية
في هذا السياق، وفي اطار تقرير اخر حول تطورات امس السبت، تكتب “هآرتس” ان المواجهات في القدس الشرقية والضفة الغربية تجددت، مساء السبت، وقتل في حي العيزرية في القدس شاب فلسطيني (23 عاما) بعد اطلاق النار على صدره من قبل قوات الامن. وجاء من وزارة الصحة الفلسطينية ان الشاب يوسف عباس كاشور من بلدة ابو ديس، نقل في حالة حرجة الى مستشفى رام الله وتوفي متأثرا بجراحه. اما الجيش الاسرائيلي فادعى ان كاشور اصيب يوم الجمعة جراء انفجار عبوة كان يعدها في ابو ديس، وتوفي امس متأثرا بجراحه.
وقال الهلال الاحمر الفلسطيني ان 57 فلسطينيا اصيبوا امس خلال المواجهات في القدس. ووقعت مواجهات بالقرب من باب الأسباط حيث تجمع عشرات الفلسطينيين في المنطقة، وتم صدهم من قبل قوات الشرطة التي رشقتهم بوسائل تفريق المظاهرات. ورشق الشبان الشرطة بالحجارة والزجاجات. كما رشق الشبان قوات الشرطة في العيسوية، وتم تفريق المتظاهرين. وفي قرية قدوم اصيب اربعة فلسطينيين جراء اصابتهم بعيارات الاسفنج، فيما اصيب ضابط اسرائيلي بحجر. وفي قرية كوبر، شمال رام الله، اصيب فلسطيني بجراح طفيفة جراء اطلاق عيارات المطاط. ووقعت مواجهات مساء امس، ايضا في منطقة حاجز قلنديا، واصيب شاب بجراح طفيفة جراء إطلاق عيارات المطاط على المتظاهرين.

الجيش: “الاحداث خلقت ديناميكية اشكالية”

وتكتب “هآرتس” ان وزير الامن افيغدور ليبرمان وقادة الجيش والشاباك، عقدوا امس، جلسة تقييم في اعقاب قتل ثلاثة مستوطنين في حلميش، وتم التكهن بأن العملية والأحداث الجارية في الحرم ستحث المزيد من “المخربين” على تنفيذ عمليات خلال الفترة القريبة. وقال الناطق العسكري الاسرائيلي رونين منليس، امس، ان احداث الايام الأخيرة خلقت، حسب تقدير الجيش، “ديناميكية اشكالية”.
وحسب اقواله فان الاستخبارات تشخص “يقظة واسعة ذات توجه سلبي وتتعزز يوميا في الشارع الفلسطيني”. وقال بأن رئيس اركان الجيش الاسرائيلي غادي ايزنكوت، حدد لقوات الجيش الحاجة الى مواجهة محاولات الارهاب “لمدة عدة اسابيع وربما اكثر”. واوضح بأن الجيش يستعد، ايضا لاحتمال حدوث تصعيد على حدود غزة. وقال منليس ان الجيش سيواصل التمييز بين منفذي العمليات والجمهور الفلسطيني بشكل عام، ولذلك فانه لن يفرض الاغلاق الكامل على المناطق.
وذكر منليس بأنه على خلفية الخلاف على البوابات الالكترونية، لم تجر يوم الجمعة صلاة في الحرم لأول مرة منذ 1967، وقال انه “يجب اخراج الخلاف على الصلاة من المعادلة”. وحسب رأيه فقد تبلورت “عوامل دينية” حول المواجهة بسبب وجود اجماع واسع في العالم العربي ضد اسرائيل، بسبب ما يحدث في الحرم. واشار كدليل على ذلك الى قول الشيخ يوسف قرضاوي بأن الصراع على الحرم هو “صراع عربي شامل وليس فلسطينيا”.
وقال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في بيان صدر عن مكتبه، مساء امس، تعقيبا على العملية في حلميش ان “هذه عملية ارهاب نفذها حيوان مشبع بالكراهية العمياء. قوات الامن تبذل قصارى جهودها من اجل الحفاظ على الامن، وسيتم اتخاذ كل الخطوات المطلوبة لذلك”.
وقام الجيش الاسرائيلي منذ صباح الجمعة، وبشكل خاص بعد عملية حلميش، بتعزيز قواته في الضفة الغربية وارسل الى هناك عدة الوية عسكرية. كما تقوم قوات الجيش بعمليات اعتقال في الضفة وتزيد من رصد الشبكات الاجتماعية الفلسطينية، في ضوء ازدياد التهديدات والتحذيرات من عمليات اخرى.
وقال مصدر امني رفيع لصحيفة “هآرتس” ان “هدفنا الاستراتيجي هو منع انتفاضة ثالثة. إذا عثرنا على طريق بديل لضمان عدم تهريب اسلحة الى الحرم، وتكون بارزة اقل من البوابات، فسنكون مستعدين لدراسة ذلك. نحن لا نقدس أي وسيلة”. وقال ان الشبكات الاجتماعية في المناطق والعالم العربي تغلي بسبب ما يحدث في الحرم. القادة العرب الذين نتحدث معهم يفهمون بأنه لم يتم هنا خرق الوضع الراهن من قبلنا، وانما هناك حاجة امنية. المشكلة هي ان الجمهور في الدول العربية والمناطق يعتقد غير ذلك. فهناك باتوا ينشرون اكاذيب وكأن المخربين من ام الفحم، الذين قتلوا الشرطيين هم متعاونون اسرائيليون”.

اصابة خمسة صحفيين فلسطينيين بنيران الاحتلال

في نبأ آخر حول الاحداث، تكتب “هآرتس” نقلا عن رابطة الصحفيين الفلسطينيين، ان خمسة صحفيين فلسطينيين اصيبوا بنيران الجيش الاسرائيلي خلال احداث يوم الجمعة في القدس وبيت لحم والخليل، فيما شعر صحفي آخر بالاختناق جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع. كما قالت الرابطة بأن الشرطة هاجمت طاقم البث المباشر في تلفزيون فلسطين، ومنعت الشرطة طاقما من مركز اتصالات القدس من تغطية اقتحام الشرطة لمستشفى المقاصد. كما منع الجنود طاقم تلفزيون فلسطين من الدخول الى حلميش لتغطية العملية.
واعلن الهلال الاحمر بأن 23 فلسطينيا اصيبوا بالنيران الحية في القدس يوم الجمعة، باستثناء الشهداء الثلاثة. كما اصيب 147 فلسطينيا بعيارات مطاط، و65 يعانون من كسور جراء اعتداء الشرطة عليهم، وعاني 2015 من الاختناق جراء الغاز المسيل للدموع. وتم في القدس تقديم العلاج ل 110 اشخاص، وفي الضفة وغزة لحوالي 340.

الشرطة اتخذت قرار البوابات الالكترونية من دون التشاور مع الجهات الأمنية الاخرى

وفي تقرير آخر حول الاحداث، تكتب “هآرتس” انه يتضح الان بأن قرار القيادة السياسية نشر البوابات الالكترونية على مداخل الحرم الشريف في القدس، تم بناء على توصية من الشرطة، من دون اجراء مشاورات مع بقية الاجهزة الأمنية. كما يتضح بأن جلسة المجلس الوزاري، التي عقدت يوم الخميس ليلا لمناقشة ما اذا سيتم ازالة هذه البوابات، والتي استغرقت نحو خمس ساعات، كانت مشحونة جدا.
وقد انضم الى موقف الجيش والشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية ومنسق اعمال الحكومة في مطلب ازالة البوابات، وزيران فقط هما يوفال شطاينتس ويوآب غلانط. وبرز خلال الجلسة الخلاف بين القائد العام للشرطة روني الشيخ ورئيس الشاباك نداف ارغمان ورئيس الأركان غادي ايزنكوت. وادعى الشيخ انه على خلفية مقتل شرطيين بأسلحة تم تهريبها الى الحرم، يجب على الدولة اتخاذ الوسائل الكفيلة بمنع تكرار عملية التهريب.
وذكّر ايزنكوت رئيس الحكومة والوزراء كيف ساهم دخول رئيس المعارضة، اريئيل شارون في ايلول 2000، الى الحرم باندلاع الانتفاضة الثانية في اليوم التالي. وكان ايزنكوت يعمل حينها سكرتيرا عسكريا لرئيس الحكومة ايهود براك. وقال للوزراء محذرا: “الأمر لن ينتهي بشكل جيد”. كما سمع الوزراء من مسؤولي الجيش والشاباك توقعات شديدة جدا بشأن التصعيد المتوقع، اذا لم يتم توفير حل للقضية.
لكن غالبية الوزراء الذين دعموا موقف الشرطة اكدوا بشكل خاص تخوفهم من ان تظهر اسرائيل كأنها استسلمت للضغط الفلسطيني اذا ازالت البوابات. وقال لهم الوزير غلانط، انه في نهاية الأمر، وتحت الضغط الدولي، ستضطر اسرائيل الى إخلاء البوابات. وحذر قائلا ان العالم العربي والمجتمع الدولي لن يسلما بوضع يتم فيه منع صلاة المسلمين في الاقصى لفترة طويلة، وهكذا سيتم النظر الى الازمة في العالم، اذا واصل المصلون رفضهم عبور البوابات. وحذر الوزير شطاينتس من تفاقم العلاقات مع مصر والأردن بسبب الازمة واقترح فحص وسائل امنية بديلة، من بينها كاميرات.

الجيش يواجه اسئلة صعبة بعد عملية حلميش

تكتب “يسرائيل هيوم” ان العملية في حلميش طرحت اسئلة صعبة، بدأ الجيش الاسرائيلي التحقيق فيها فورا، الى جانب القيام بعمليات رد مختلفة. ويستدل من التحقيق في العملية ان تحذيرا من تسلل المخرب الى المستوطن وصل الى مركز الامن في المستوطنة، لكنه لم يتم تحويله فورا الى الجيش. ويجري فحص هذا الموضوع، وكذلك قدرة السياج المحيط بالمستوطنة على توفير الرد الأمني للسكان.
وهناك سؤال صعب آخر سيضطر الجيش لتوفير رد عليه، وهو لماذا لم يكن هناك اي تحذير استخباري قبل العملية، وهل كان يمكن منعها بناء على المنشور الذي كتبه المخرب على الفيسبوك. وقال الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي رونين منليس، امس، ان “شكل رصدنا للشبكات الاجتماعية ما كان سيسمح لنا بالوصول الى المنشور قبل العملية. هناك فيض من المعلومات، الارض تغلي، وهذا ينعكس في الشبكة. لقد نشر المخرب منشوره قبل ساعة و40 دقيقة من العملية”.
وهناك سؤال آخر، لماذا لم يتم تحويل الانذار، الذي وفره السياج الاستقرائي الى قوات الجيش بشكل فوري. في حلميش ترابط قوة عسكرية بشكل دائم، لكن جهة مدنية هي التي تسلمت الانذار من السياج. والان سيضطر الجيش الى فحص سبب عدم تحويل الانذار في الوقت المناسب الى الجنود ولم يتم وقف المخرب الذي تسلل الى المستوطنة رغم الانذار، رغم وجود قوة طوارئ في المستوطنة ايضا.
وقال منليس انه “كما في كل مستوطنات يهودا والسامرة فان المنظومة مرتبطة بجهات الامن المدني في المستوطنة، ونحن نفحص جدول العمل الذي تم في اعقاب تلقي الانذار. باستثناء الانتشار الواسع للقوات والاستعداد لمواجهة عمليات اخرى، سندرس هذا الحدث ونحقق فيه”.
الى ذلك، وصل الى مكان العملية، صباح امس، وزير الامن افيغدور ليبرمان ورئيس الأركان غادي ايزنكوت ومنسق اعمال الحكومة في المناطق، يوآب مردخاي، وعدد آخر من الضباط. وقال ليبرمان امس: “اننا نطالب رئيس السلطة الفلسطينية ابو مازن بشجب واضح ومفصل للمذبحة، التي تم تنفيذها ضد عائلة بريئة لم تهدد احدا. لقد تم ارتكاب مذبحة رهيبة خلال وجبة عشاء السبت. نتوقع من الامين العام للأمم المتحدة، الذي سارع الى طلب التحقيق في موت الفلسطينيين الثلاثة خلال المواجهات مع قواتنا الأمنية، شجب العملية في حلميش”.
يشار الى ان قوات الامن قامت في الليلة التي تم فيها تنفيذ العملية بتطويق قرية كوبار التي خرج منها المخرب، وقامت بمسح بيت المخرب تمهيدا لهدمه. اضف الى ذلك ان قوات الامن اعتقلت شقيق المخرب بهدف فحص ما اذا كان يعرف عن العملية. وتبين بأن المخرب نفسه كان معروفا لقوات الامن الفلسطينية، حيث كان ناشطا في خلية طلاب حماس في الجامعة، وتم اعتقاله سابقا.
يشار الى ان المخرب قال خلال التحقيق معه بأنه نفذ العملية بسبب الأحداث الأخيرة في المسجد الاقصى. وقالت والده “بدون الاقصى لا توجد كرامة للمسلمين. عندما شاهد ابني ما يحدث في المجلس الاقصى وان اسرائيل تقتل الناس وتضربهم وتجرحهم، وهم يصلون في المكان المقدس، كان هذا هو دافعه لتنفيذ العملية”. وقالت والدة المخرب: “لم ارسله، لكنني افاخر بابني. فليحفظه الله ويرعاه”.

مقالات

اسرائيل فوتت فرصة لتليين موقفها

يكتب امير اورن، في “هآرتس” انه لو اجتاز وزراء حكومة اسرائيل، وفي مقدمتهم رئيسهم، البوابات الإلكترونية على مداخل الحرم، لما كنا سنسمع ولو صفيرا صغيرا. لم يكن سيتم العثور على أي قطعة معدن على اجسادهم، وبالتأكيد ليس فولاذ صناع القرارات. عندما يفكر اعضاء الحكومة بالمستقبل، فانهم يتعاملون في الأساس مع الانتخابات القادمة، وفي اوقات الأزمات، مع لجنة التحقيق التي ستقوم بعد الاخفاق القادم. لكنهم لا يتجرؤون على اتخاذ القرارات الصعبة، كما يتطلب الأمر منهم.
انهم ينظرون الى الجانب والى اسفل، ويبحثون عن متطوعين لتحمل المسؤولية، وفي غياب المتطوعين يميلون الى تطوير ميزات الكرة والارتداد عليهم.
كل شيء يبدأ في تعريف المشكلة وتحديد هوية المعرف، لأنه يمكن للمشكلة العينية ان تقود الى حل موضعي يثير مشكلة اوسع، ما يجعل الدواء اصعب من المرض. المشكلة الصغيرة: اندفاع جمهور الى ملعب كرة القدم، في اوروبا وفي البلاد، والهجوم على اللاعبين والحكام. الحل الصغير: الفصل بين المدرجات والملعب بسياج صلب. المشكلة الكبيرة: سحق العشرات حتى الموت او اصابتهم بجراح بالغة.
قبل اسبوع، عملت شرطة لواء القدس كما يتوقع منها، في ضوء الحاجة الى توفير رد على السيناريو الذي ظهر دائما في الكتب، ولكن ليس على ارض الواقع، حتى ذلك الوقت: اطلاق النيران الحية في الحرم الشريف. اذا كان يجب منع تهريب الأسلحة، يتم احضار آليات كشف المعادن. كما في المطار. هذا هو الرد المهني على المشكلة. على هذا سيرد مهنيون آخرون ويقولون ان آليات كشف المعادن ليست ضرورية وليست عملية. ليست ضرورية، لأنه ليس صدفة انه خلال 50 عاما من السلطة الاسرائيلية، امتنع الفلسطينيون، وبينهم سكان القدس الشرقية، عن تدنيس المكان المقدس بإطلاق النار (رغم انه تم اغتيال ملك الأردن عبدالله الأول هناك)، وان شبانا من اسرائيل بالذات، المسؤولين عن سلوك آخر، تجرؤوا على التخطيط وتنفيذ العملية في الحرم. ليست عملية، لأن الفحص الجدي سيسمح بمرور ثلاثة اشخاص خلال دقيقتين، او 30 شخصا خلال العشرين دقيقة الفاصلة بين رفع الآذان وبداية الصلاة، او حوالي 200 عبر كل البوابات الالكترونية – حوالي 1% من العشرين الفا الذين يتوقع احتشادهم هناك. وسيتم دوس وسحق المصلين، وسيموت المسنون نتيجة الحرارة ونوبات القلب، ولم يتحمل الفاحصون الضغط وسيغضون الأنظار.
على كل حال، هذا نقاش مهني، ولكن لا يمكن التوقع من شرطي بأن يفكر مثل جندي او سياسي. انه يحافظ على القانون والنظام العام في منطقته. وليس من مهامه اختراق مناطق اخرى او اداء دور رئيس الحكومة. وفي القدس، المنطقة الاسرائيلية حتى وان نجم ذلك عن ضم من جانب واحد، الشرطة هي التي تحدد، أي اللواء، وبالتحديد منطقة دافيد. هذه ليست منطقة الجيش ومنسق اعمال الحكومة في المناطق. الشاباك يتحمل المسؤولية الاستخبارية عن القدس وعن الضفة الغربية معا، لكنه مجرد مستشار. لن يتم تحميله المسؤولية عن فشل الاستعداد العملياتي؛ والشرطة جربت التحقيق في الحرم الشريف في 1990 (لجنة زمير التي تم في اعقابها اقامة اللواء واضيف الى وزير الشرطة سكرتير امني)، وفي الحرم الابراهيمي في 1994 (لجنة شمغار، محاولة الجيش تحميل المسؤولية للشرطة وللواء الجنوبي في منطقة يهودا، والتي تم في اعقابها اقامة لواء شاي في الشرطة)، ومرة اخرى في الحرم القدسي وفي الجليل ووادي عارة في ايلول – تشرين اول 2000 (لجنة اور التي تعكس مداولاتها الخلافات بين الأجهزة الأمنية والشخصيات).
ولذلك كان يجب الامتناع عن تحميل قائد اللواء يورام هليفي مصير الرد في الضفة على الرد في القدس على الرد على قتل الشرطيين قبل اسبوع. كان يجب على هليفي تقديم وجهة نظر مدروسة حسب رؤيته، بشأن كيفية تقليص خطر تكرار عملية كهذه وكيفية الاستعداد للاضطرابات المؤكدة، امس الاول. وهذا هو ما فعله، ليس اقل ولا اكثر.
وهنا، تماما، يفترض ان يأتي دور القيادة القومية. اذا تغير تعريف المشكلة، كما صرخ الجيش والشاباك ومنسق اعمال الحكومة، يجب طرح حلول للوضع الجديد وليس فقط لذلك الذي ابتلع في داخله، الطريقة المتبعة: اعادة تقييم الاوضاع. وضع آخر، حل آخر. هذا ليس مخجلا، ومن المفضل الخجل، ايضا، وعدم دفع ثمن دموي.
ولكن، بين الخوف من نفتالي بينت، الحيوي للحظة سيصدر فيها بيانا اخر عن الشرطة بشأن التوصية بتقديم نتنياهو الى المحاكمة؛ وبين حسابات لجنة التحقيق التي ستصلب الوزراء الذين تجاهلوا توصية الشرطة، اذا تكررت العملية في الحرم؛ وبين أهواء الرجولة التي ستتضرر اذا تم تسجيل تراجع عن موقف سابق، غابت القيادة وضاعت بصماتها.
ولذلك، جلس يوم الجمعة، في بيته القائم على جبل اخر في القدس، مفتش الشرطة المتقاعد نيسو شاحم، واصيب بالجنون. فشاحم، كضابط صغير نسبيا في شرطة القدس، كان الأبرز، بل كاد يكون الوحيد الذي حذر من اقتحام اريئيل شارون للحرم. لكن الشاباك استهتر؛ ومن بين الذين كانوا هناك في حينه، ومن بين الذين كانوا هناك في حينه، ولكن ليس بين سلسلة القيادة الكبيرة، روني الشيخ (القائد العام للشرطة حاليا)، كما كان يشغل منصب السكرتير العسكري لرئيس الحكومة ايهود براك، غادي ايزنكوت، رئيس الاركان الحالي، الذي اضطر امس الى التذكير بالنقاش الطارئ الذي اجراه حين كان يجلس على كرسي آخر، في قيادة كتيبة يهودا والسامرة، في بيت ايل.
لقد حذر نيسو شاحم، صباح يوم الجمعة، من الوهم القائل بأن الاختبار سيكمن في تفريق المصلين في الحرم الشريف. وتوقع بأسف: “حتى ساعات المساء سيسقط قتلى اسرائيليين، وهذا لن يكون في القدس، وانما في مكان ما في المنطقة”. وبينما كان يتحدث، اتصل به احد معارفه القدماء من عمل مشترك بين شرطة لواء القدس ولواء بنيامين في الجيش الاسرائيلي – قائد اللواء في حينه، قائد المنطقة الوسطى روني نوما. فشاحم يقدم له ايضا توصيات مستمدة من تجربته والدروس التي تعلمها. مثلا، خلافا للدعاية بأن قيادة الوقف معتدلة وليست متطرفة، اهمية لفتات الشرف، الصفح عن المتحاورين معك، الحضور اليهم، اظهار الاصغاء اليهم والاهتمام. هذا سيفيد في تحقيق صيغة تسوية وتسويقها للشوارع المتأججة.
هذه الأمور تبدو بسيطة، لكن قلة يتصرفون هكذا. ويوافق نوما بعجز: انه لا يسيطر على الانفجار الخاضع للرقابة. وانما يحني رأسه فقط لامتصاص امواج الصدمات.
في الليلة ذاتها، عندما تحققت نبوءة شاحم المتشائمة في حلميش، خرج مرة اخرى لواء بنيامين لتنفيذ عملية، كما في ذلك الوقت، مرة اخرى كما في ايام قائد اللواء روني امام قائد الفرقة غادي. وبين هذا وذلك، تم تفويت اللحظة العابرة، في مساء يوم من المظاهرات وقبل القتل في حلميش، والاعلان من موقع القوة عن ازالة البوابات الالكترونية، تمهيدا لتجربة وسائل جديدة بالتعاون مع الوقف.
مشكلة الحرم تظهر مدى العمل الصبياني والهاوي الكامن في طموح الرئيس دونالد ترامب الى انهاء صفقة اسرائيلية – فلسطينية متكاملة. من حظ ترامب ان الاضطرابات اندلعت على خلفية دينية وليس في اعقاب تطبيق وعده الذي لم يطبق بشأن نقل السفارة الى القدس.
قبل 20 سنة، عندما تسبب قرار متسرع اتخذه نتنياهو بأزمة مع الأردن، جراء محاولة اغتيال مشعل، استدعى على الفور من بروكسل، سفير اسرائيل في الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي، افرايم هليفي، لترميم العلاقات مع الملك حسين. الأزمة الحالية مع الأردنيين والفلسطينيين تستغيث تجنيد مبعوث يعرف انماط حياتهم واحتياجاتهم ويكون مقبولا عليهم – شخص مثل شاحم، الذي انتحب يوم امس لقتلى البوابات الالكترونية.

الأردن ومصر تحاولان مساعدة اسرائيل على النزول عن الشجرة

يكتب تسفي برئيل، في “هآرتس” انه عندما يفاخر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو باللقاءات التي يجريها مع قادة عرب – ومن بينها الكشف الاخير عن التقائه سرا، قبل خمس سنوات، بوزير خارجية الامارات المتحدة – فانه يتجاهل، كما يبدو، الستار الاسلامي الذي يراقب هذه الخطوات السياسية. لقد اوضحت الاحداث في الحرم القدسي، بأن كل خطوة على المستوى السياسي والامني يتم فحصها من الجانب الديني ايضا، ولو بسبب الاهمية الدينية للأماكن المقدسة.
المسجد الأقصى، كما الكعبة في مكة، والحرم الابراهيمي في الخليل، هي مواقع اسلامية تشكل جزء لا يتجزأ من قضايا الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. وباستثناء ذلك، فإنها مواقع يثير المس بها ردود فعل جماهيري عاصفة، يمكن ان تضع الأنظمة في الدول العربية والإسلامية على مسار الصدام مع الحركات الاسلامية في بلدانهم، ومع جمهور اسلامي حساس يمكنه سحب شرعية كل تقارب بين اسرائيل والدول العربية، ومع جمهور علماني عربي يرى في هذه الأحداث سيطرة سياسية متعمدة من جانب اسرائيل على موقع فلسطيني.
الاعتراف بقوة الجمهور والضغط الخطير للرأي العام العربي، هو احد النتائج الهامة لانقلابات الربيع العربي – خاصة عندما تتعلق الامور بتعامل اسرائيل مع الاماكن المقدسة، وهي القضايا التي يعتمد عليها العامل المشترك الهش، وربما الوحيد، بين تلك الجماهير.
حتى الآن لم يترجم الغضب العربي والاسلامي الى اعمال ظاهرة كالتظاهرات الحاشدة، والشعارات او المقالات الثاقبة. صحيح ان احداث الحرم احتلت العناوين الرئيسية في غالبية الدول العربية، ولكن لأول مرة لم تظهر حتى اليوم تظاهرات ضد اسرائيل في شوارع القاهرة، عمان والمغرب. واتهمت مواقع الاخوان المسلمين، كما هو متوقع، الرئيس المصري بالخنوع لإسرائيل، وكتب احدها ان “السيسي والصهاينة – يد واحدة”. وفي لقاء منحه عضو اللجنة الشعبية للدفاع عن سيناء، احمد سامح العداروسي، لموقع مصري، عبر عن أسفه، لأنه وفي مقابل ما كان يحدث في الماضي، “نحن الآن أمام صمت مصري، سياسي وثقافي، وصل لدرجة أن النخب غير قادرة على نشر مجرد بيان استنكار واحد مشترك”.
السيسي نفسه دعا إسرائيل للعمل فورا من اجل استعادة الهدوء في الحرم، لكن هذا تصريح ناعم جدا مقارنة بتصريحاته في أيلول 2015- التي اتهم فيها إسرائيل بتدنيس صارخ لقدسية المكان. ووفقا لتقارير من مصر، أمر وزير الأوقاف مختار جمعة الخطباء في المساجد بتجنب الحديث عن المسجد الأقصى في خطبة الجمعة والحديث فقط عن ضرورة التعامل بشكل جيد مع السياح الأجانب الذين يزورون مصر.
السعودية، التي حشد ملكها سلمان بن عبد العزيز الإدارة الأمريكية للضغط على إسرائيل لفتح باحات المساجد للصلاة، امتنعت هي الأخرى عن التصريحات- ليس فقط من قبل المسؤولين السعوديين، وانما أيضا لم يكن من الممكن أن نجد، أمس، في وسائل إعلامها خبرا مفصلا عن تسلسل الأحداث في الحرم القدسي. لقد حظى حدث إعلامي واحد بتداول واسع النطاق، عندما قام أحد المتابعين لبرنامج “الرأي الحر” الذي تبثه قناة “الحوار” اللندنية بالاتصال بالاستوديو وقال “انا اعارض انتصار الأقصى، لأن انتصار الاقصى هو انتصار لحماس وقطر”.
ربما يمثل هذا المشهد روحا جديدة، يعتبر أن الصراع بين السعودية وقطر، وكذلك حماس، هو ما سيحدد طبيعة الرد العربي. ومن هنا، فانه طالما بقيت قطر تعتبر داعمة للإخوان المسلمين وحماس، ولكون الأحداث في الحرم القدسي تنسب لحماس، فسوف يلعب الخلاف العربي الداخلي دورا مهما في السياسة العربية. ولكن حتى وان لم يكن بالإمكان تجاهل هذه الروح، فانها لا تضمن أن يكون بإمكانها وقف اندلاع احتجاجات جماهيرية إسلامية، ستجبر الأنظمة العربية على توحيد الصفوف والصراع على المكان المقدس، اذا تواصلت المواجهات العنيفة في الحرم.
إسرائيل، التي تتبادل الرسائل مع السعودية وتجري بشكل محموم مشاورات مع الملك الأردني عبد الله ومع الرئيس المصري، تبحث الآن عن حل مزدوج- سواء لتأمين الحرم أو ضياع الهيبة، المتوقعة لها، إذا ما قررت ازالة البوابات الإلكترونية. ووفقا لمصادر أردنية، فان الحلول التي نوقشت، حتى الآن، لم تسفر عن توافق. بما في ذلك طُرح اقتراح لتشغيل البوابات بواسطة رجال شرطة أردنيين بلباس مدني، واستخدام الماسحات اليدوية بدلا من البوابات الإلكترونية أو نقل تشغيل أجهزة الكشف المعدني لقوات شرطية مشتركة، فلسطينية وإسرائيلية وأردنية. المشكلة هي أن كل حل من هذه الحلول يضر بالموقف الإسرائيلي، الذي يسعى لسيادة كاملة على المداخل، أو الموقف الفلسطيني، الذي يرفض الآن كل تدخل أمني إسرائيلي فيما يحدث في الحرم وعلى أبوابه.
إعلان محمود عباس عن قطع الاتصالات مع إسرائيل لن يجدي نفعا، لكنه لا يمنع تبادل النقاشات مع عناصر أمنية فلسطينية كجزء من التعاون الأمني، وتبادل الأفكار بين إسرائيل والأردن وفلسطين. في حديث مع مسؤول أردني كبير قال لـ “هآرتس” إن الملك عبد الله يتفهم الحاجة لإجراء فحوصات أمنية، لكن “عندما يتم التعامل مع الأمر على أنه صراع على الهيبة بين إسرائيل والفلسطينيين، وليس أقل من ذلك كصراع سياسي داخلي في الحكومة الإسرائيلية، فلا يمكن للملك أن يطالب الفلسطينيين بالتنازل لصالح استقرار الحكومة في إسرائيل”.
هذه الأمور تشير إلى توقعات من قبل الأردن بالحصول على إيماءات إسرائيلية من شأنها تزويد الملك بالذخيرة لإقناع عباس بالموافقة على تدابير أمنية جديدة. وليس من المستبعد أن يكون نتنياهو قد تلقى رسائل مماثلة من الرئيس المصري أيضا، والسؤال الحاسم الآن هو، إلى أي مدى سيوافق ويستطيع نتنياهو إخراج البوابات الإلكترونية من مكانتها كرموز للهيبة، والموافقة على حلول يتم الاتفاق عليها من قبل الزعماء العرب وبالتالي تعزيز أسس العلاقات معهم.

تصعيد على خلفية دينية

يكتب عاموس هرئيل، في “هآرتس” ان عملية اطلاق النار التي اسفرت عن قتل شرطيين في الحرم الشريف في 14 تموز، ادخلت اسرائيل والفلسطينيين في دوامة وصلت ذروتها، المؤقتة كما يبدو، الى القتل البشع لثلاثة من ابناء عائلة واحدة تقيم في مستوطنة حلميش، ليلة السبت، على أيدي مخرب فلسطيني تسلح بسكين.
لقد وقعت في الماضي عمليات تسلل الى مستوطنات – ايضا خلال موجة الارهاب التي بدأت في تشرين اول 2015. ولكن على مدار السنة الاخيرة، يبدو ان قوات الامن نجحت، ومن خلال بذل جهود كبيرة الى ضمان الامن، لكن ما يحتاج الى سنة لبنائه بصعوبة، يمكن تدميره بسهولة كبيرة خلال اسبوع واحد، خاصة عندما يدخل العامل الديني الى الصورة.
قبل عامين طرح قسم الاستخبارات العسكرية تحذيرا استراتيجيا امام القيادة السياسية، حول امكانية الاشتعال الخطير في المناطق. وكاد هذا التحذير يتحقق خلال فترة المخربين الأفراد – الذين قتلوا اكثر من 40 اسرائيليا في عمليات الطعن والدهس واطلاق النار.
الوضع في الضفة الغربية لم يخرج عن السيطرة بتاتا، خاصة لأن اسرائيل ردت بشكل عام بوعي وبرباطة جأش، واجادت في نهاية الأمر تحشيد اجهزة السلطة، ايضا، للكفاح المشترك ضد ارهاب الافراد. لكن التحذير بقي على حاله، خاصة في موضع الحرم. كان من الواضح لأجهزة الاستخبارات كلها، منذ البداية، بأن كل تغيير للوضع الراهن والحساس في الحرم يمكن ان يقود الى ردود فعل متشددة في المناطق، بل حتى في الدول المجاورة.
يصعب التصديق بأن المخربين الثلاثة من ام الفحم خططوا طويلا الى الأمام، لكن قتل الشرطيين قاد الى قرار اسرائيل اقامة البوابات الالكترونية على مداخل الحرم، والتي سببت الاحتجاج الفلسطيني. وساهم الوقف الاسلامي، وحماس والحركة الاسلامية في اسرائيل وبعض اعضاء الكنيست العرب، بصب الزيت على النار.
الى جانب ذلك بدأ الشارع يغلي. ويستدل من التحقيق في محاولتي تنفيذ عمليات في تقوع والخليل، الأسبوع المنصرم، ان احد دوافع المخربين كان ما يحدث في الحرم الشريف. لقد تخوفوا في الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية، في نهاية الأسبوع، من وقوع “عملية مستلهمة”، مبادرة من قبل افراد او خلايا محلية صغيرة، يتم تنفيذها على خلفية اجواء التصعيد الديني.ولذلك، كان من المبكر التنبؤ بانتهاء حالة الطوارئ ظهر يوم الجمعة، مع انتهاء صلوات الحشود حول الحواجز، على مداخل الحرم وقرب اسوار البلدة القديمة.
لقد استعدت شرطة لواء القدس بشكل منظم ومدروس لوصول الاف المصلين، والصلاة الى جانب الحواجز والبوابات الالكترونية انتهت فعلا بدون احداث تقريبا، لكن البلدة القديمة هي منطقة صغيرة نسبيا، ويمكن السيطرة عليها من خلال نشر قوات كبيرة بشكل منظم. لكن المشاكل بدأت لاحقا، عندما تفرق المصلون في طريق العودة الى احياء القدس الشرقية، وبدأ مئات الشبان برشق الحجارة والزجاجات على قوات الامن وعلى المناطق التي يقيم فيها اليهود في الأحياء العربية. وقتل خلال هذه الأحداث ثلاثة شبان فلسطينيين جراء اطلاق النار عليهم من قبل اسرائيليين.
ردة الفعل في الضفة كانت مكبوحة نسبيا، اذا اخذنا في الاعتبار قوة المشاعر على الشبكة الاجتماعية. في المظاهرات التي جرت في المدن شارك مئات وليس الاف الفلسطينيين، وانتهت بدون قتلى. ويمكن لحجم المظاهرات ان يدل على انه في الضفة لم تتراكم حتى الان طاقات سلبية بكمية كافية للتنظيم والحفاظ على انتفاضة عنيفة وواسعة جديدة.
وفي هذه الأثناء، تسلل مساء الجمعة المخرب الى حلميش. ولولا الرد السريع من قبل جندي كان في اجازة ويقيم في بيت مجاور، ويقظة احدى نساء العائلة التي خبأت الأولاد في غرفة مجاورة، ربما كانت نتيجة القتل اكثر. ويستدل من البيان الأخير الذي تركه المخرب على الفيسبوك، قبل ساعة و40 دقيقة من العملية، ان العاصفة في الاقصى حثته على العمل.
بعد الاحداث العنيفة في القدس، اعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن تجميد كل قنوات الاتصال مع اسرائيل. لقد لجأت السلطة الى خطوات كهذه في الماضي، لكنها حافظت دائما على تنسيق امني منخفض. القنال الامني ضروري لها لأنه يضمن لها نوعا من الاستقرار ويساعد ابو مازن على الشعور آمنا امام محاولة انقلاب من قبل حماس.
وفي الجانب الاسرائيلي، سيحتاج رئيس الأركان غادي ايزنكوت الان الى كل بذل قدرات الاقناع لكي لا ترد الحكومة بفرض عقوبات جماعية واسعة ومتواصلة، من شأنها ان تشوش جهود الفصل بين الجمهور الفلسطيني والمخربين. هذا التحدي سيكون اكبر من المعتاد. لقد حذر الجيش والشاباك ومنسق اعمال الحكومة في المناطق، طوال الاسبوع، من ابعاد الابقاء على البوابات الالكترونية على مداخل الحرم. وادعوا ان الجانب الفلسطيني سيستغل الخلافات من اجل اشعال الارض، دون ان تحقق اجهزة الامن هذه أي فائدة ملموسة.
لقد تخبط رئيس الحكومة في مسألة طريقة التصرف، في الوقت الذي تجري فيه اتصالات مع الاردن والفلسطينيين في محاولة للتوصل الى تسوية تنهي الازمة المصطنعة. وخلال جلسة المجلس الوزاري يوم الخميس ليلا، تقرر الابقاء على البوابات. الوزراء يطلقون كلمات عالية جدا عن فرض السيادة والحفاظ على الردع، لكنه لا يمكن تجاهل عامل اخر هنا: التنافس الداخلي بين الشركاء في الائتلاف، في الوقت الذي يخشى فيه الليكود والبيت اليهودي، والى حد ما يسرائيل بيتنا، ايضا، من اتهامهم بإظهار الضعف امام الارهاب.
ظهر يوم امس، عندما بدا بأن الوضع في الحرم يخضع للسيطرة، حظي قادة الجيش والشاباك بلسعات وكأنهم اخافوا المجلس الوزاري اكثر من اللزوم. في المساء، بعد قتل العائلة في حلميش، كان رئيس الائتلاف النائب دافيد بيتان (ليكود) احد اول المعقبين. وقال في لقاء للتلفزيون ان الحادث وقع لأن قوات الأمن لم تظهر يقظة. لا شك ان بيتان استنتج ذلك بعد تحقيق مهني معمق. يصعب حسد رئيس الاركان ايزنكوت ورئيس الشاباك ارجمان. انهما يعملان في ظروف مستحيلة.

ابو مازن خارج اللعبة

يكتب البروفيسور ايال زيسر، في “يسرائيل هيوم” ان رئيس السلطة الفلسطينية اعلن عن تجميد الاتصالات السياسية مع اسرائيل، والتي لم تبدأ بتاتا. ومع ذلك يبدو ان التعاون الأمني، وبشكل اكبر من ذلك، العلاقات الاقتصادية، الحيوية للفلسطينيين بشكل لا يقل عن حيويتها لإسرائيل، ستتواصل، ولذلك فان اعلان ابو مازن لا ينطوي على أي اهمية عملية. هذا الاعلان موجه الى الرأي العام الفلسطيني في المناطق، الذي يتوقع من زعيمه تحديد موقف في ضوء التوتر المتصاعد في موضوع الحرم، خاصة حين تحاول حماس، خصم ابو مازن، وجهات اخرى في العالم العربي، املاء خط متطرف وتأجيج النفوس.
من المحتمل ان يكون خطاب ابو مازن موجها الى البيت الابيض، ايضا، لأن الاتصالات السياسية مع الاسرائيليين تجري حاليا بوساطة أمريكية وليست كمحادثات مباشرة. لقد اندلع التوتر في موضوع الحرم في الوقت الذي كان ابو مازن يستعد للمعركة على غزة، في محاولة لتركيع حماس على ركبها.
رئيس السلطة الفلسطينية يعزز الضغط على القطاع، يطفئ الكهرباء ويحجب الماء، وهي خطوات تعتبر هامة جدا في حياة الفلسطينيين في القطاع، اكثر من اقامة البوابات الالكترونية على مداخل الحرم. لكن المعركة ليست على غزة فقط، وانما على مستقبل قيادة ابو مازن ايضا، والذي اصبح هناك في داخل السلطة وخارجها من يستعدون لخلافته. (انظروا الى التقارب بين مصر ومحمد دحلان).
قيادة ابو مازن صغيرة. انه ليس رجل تصريحات دراماتيكية، ولا اعمال كبيرة ايضا. هذه هي عظمته وهذا هو ضعفه. انه ليس رجل عنف وتسخين المشاعر، لكنه لا يبدو ايضا، بأنه الشخص الذي سيقود الفلسطينيين الى سلام الشجعان. ان كل ما يريده هو العودة الى بيته بسلام.
المعنى العملي هو ان اسرائيل ستضطر الى حل الأزمة الحالية بقواها الذاتية، وربما بمساعدة دول عربية مجاورة وفي مقدمتها الاردن ومصر. ابو مازن لن يعارض أي تسوية سيتم التوصل اليها، بل سيسعى الى تحقيق الربح ومواصلة صراع البقاء الذي يقوده امام خصومه واعدائه دفاعا عن كرسيه.

الهدف: منع انتفاضة جديدة

يكتب يوآب ليمور، في “يسرائيل هيوم” ان مصدرا رفيعا، طلب عدم اقتباسه، تحدث امس ووصف لأول مرة، بشكل مفصل، السيناريو الذي تريد اسرائيل تجنبه: انتفاضة ثالثة. هاتان الكلمتان – انتفاضة ثالثة – تقفان في الأيام الأخيرة، في مركز تقييمات الأوضاع، لكن هذه هي المرة الأولى التي تقال فيها علانية. وهذا هو، أيضا، السيناريو الذي حذر منه الجيش والشاباك في الأيام الأخيرة، والذي تحوله جهات مختلفة الان، علنية وغير علنية، الى خيار واقعي.
من يريد مقارنة الاوضاع الحالية بموجة عمليات الافراد التي بدأت في تشرين الاول 2015، مخطئ ويضلل: الدوامة الان اشد خطرا، لأن القوة التي تدفعها دينية، بينما كانت موجات الارهاب المشابهة في السابق رشيدة. هكذا في بداية الانتفاضة الثانية، وهكذا في السنوات الأخيرة، خاصة محاولات اثارة الاضطرابات خلال الإضراب الاخير للأسرى. لقد تم قيادتها من قبل قوى سياسية، سعت الى تحقيق هدف قومي بواسطة وسائل عنيفة. وهذه المرة يتحرك الميدان بفعل المشاعر، البطن، ويساوره الشعور بأن “الاقصى في خطر”.
لن تساعد اسرائيل كل التوضيحات بأنها لا تنوي تغيير الوضع الراهن؛ فهذه الرسالة التي تتحدث الى المسلمين في كل انحاء العالم، تولد توجها سلبيا جدا، وانعكس في نهاية الاسبوع، بالكم الهائل من المنشورات على الشبكات الاجتماعية التي تنطوي كلها على رسائل متشابهة. ونجد الدليل على ذلك في ردود فعل الشارع الفلسطيني على العملية الفظيعة التي قتل خلالها ثلاثة من ابناء عائلة سلومون في حلميش، ليلة السبت.
التمجيد والدعم الذي يحظى به المخرب الذي نفذ العملية يعتبر استثنائيا حتى في مجتمع يقدس القتلة، ويثير التخوف من خروج مقلدين له. سهولة دخول المخرب الى المستوطنة – رغم السياج وجهاز الانذار، الذي يشير تحقيق اولي الى انه تم اطفاؤه ولم يتم معالجته من قبل الجهات الأمنية في المستوطنة، يمكن ان يحث آخرين على العمل، بما في ذلك اولئك الذين يكتبون بشكل علني على الشبكة؛ التحدي الفوري لقوات الامن هو منع حدوث ذلك.
قرار ارسال قوات تعزيز كبيرة الى المناطق يهدف الى عمل ذلك تماما: منع العمليات ومنح السكان الشعور بالأمان.
تجربة الماضي تعلمنا ان النجاح سيكون محدودا، وبطيئا بشكل خاص. سيستغرق الأمر الكثير من الوقت حتى تتم السيطرة على الارض، وسد الثغرات، واستخلاص الاستخبارات. في موجة الارهاب السابقة ساعدت في ذلك قوات الامن الفلسطينية، التي تخوفت من فقدان السيطرة. اما السياسة الحالية لأبو مازن، وهي صفر من التعاون مع اسرائيل، فإنها ستمس بالسلطة، لكنها قد تكلف حياة اسرائيليين.
الجهود الاسرائيلية المبذولة لصد التدهور ستتم الان بشكل متوازي في اربع مناطق: في القدس (من قبل الشرطة)، في الضفة وفي غزة (من قبل الجيش)، وفي الخارج (من قبل رجال الشاباك خشية تنفيذ عمليات ضد اهداف اسرائيلية ويهودية). نقطة الانطلاق هي ان هذا الواقع سيتواصل لفترة ليست قصيرة؛ في الجيش بدأوا فعلا بتنفيذ المطلوب من اجل اتاحة التأهب الاستثنائي لمدة شهر على الأقل، ويستعدون لإمكانية استمراره لفترة اطول بكثير.
لكن هذا الجهد العملي هو مجرد جزء من العمل الشامل، وفي جوهره سياسي. صحيح ان المجلس الوزاري قرر يوم الجمعة عدم تفكيك البوابات الالكترونية في الحرم، لكن اللقاء الذي منحه منسق اعمال الحكومة، الجنرال يوآب مردخاي، لقناة الجزيرة، امس، والذي هدف الى طمأنة الشارع العربي قليلا، يدل على فاتحة للهرب. فقد قال ان اسرائيل تبحث الان عن بدائل تسمح بالحفاظ على الامن ومنع العمليات من دون بوابات الكترونية.
ومقابل هذا البحث يجب على اسرائيل البحث عن طرق لطمأنة قادة الدول العربية. الاجماع المعادي لإسرائيل في الأيام الأخيرة – بالذات في الفترة التي تقربت خلالها اسرائيل من دول كثيرة في المنطقة، على خلفية الصراع المشترك ضد ايران وداعش – مقلق جدا، ويحتم تقديم رد فوري. ويجب ان يتم التركيز على الأردن، على خلفية مكانته الخاصة في الحرم القدسي، وتجنيده كلاعب فاعل في مقترحات التسوية التي تناقش في القدس الان.
في اسرائيل يقدرون بأنه اذا تم تحقيق تفاهمات على المستوى السياسي، سيتطلب الأمر “مسافة كابحة” حتى يتم الشعور بها على الأرض. ولذلك، فان الكلمة الأساسية التي سنسمعها خلال الايام القريبة، ستكون “التهدئة”: تهدئة الشارع والحوار ومحاولة ادارة الصراع ضد الارهاب من خلال المس بأقل ما يمكن بحياة المدنيين، في الجانبين. والحديث هنا عن عملية معقدة بشكل خاص – امنية وسياسية – مطلوبة لمحاولة تجنب الانزلاق غير المرغوب فيه نحو انتفاضة ثالثة.

كان يمكن منعها

يكتب ناحوم برنياع، في “يديعوت أحرونوت” ان القلب يتفجر امام الصور التي وصلت من البيت في حلميش؛ الارهاب هو ارهاب، والقتل هو قتل: لا توجد أي ظروف تبرره. ولا يمكن لأي سفسطة ان تغفل خطورته. عائلة رائعة؛ قتل لا صفح معه. من يتحمل القتل هو القاتل وكل من حرضه وساعده، من أبناء عائلته وحتى المحرضين على الشبكة. سهولة وقوع الشبان الفلسطينيين في اغواء ارتكاب اعمال رهيبة، بدون أي اساس، وباسم الدين، تلقي بظلال كثيفة على فرص المصالحة الحقيقية.
لكننا نحن السيادة ونحن الجار خلف الجدار، وراء المنعطف. ليس لدينا خيار تجاهل ذلك. لا حاجة لأن نحبهم؛ يجب التعامل معهم بإصرار، بتماسك وبالعقل.
لبالغ الأسف، غابت هذه المركبات عن الخطوات التي اتخذتها الحكومة منذ وقوع العملية قبل اسبوع في الحرم القدسي. لا يوجد اصرار، لا يوجد تماسك، ولا يوجد عقل – وبشكل خاص لا يوجد عقل.
بعد العملية اقترحت الشرطة اقامة بوابات الكترونية على مداخل الحرم. وسحر هذا الاقتراح وزراء الحكومة. لقد اعتقدوا بأن البوابة الإلكترونية هي ورقة رابحة – وسترفع اسهمهم في صفوف جمهور الناخبين اليميني دون ان يسببوا غضبا اكبر من اللزوم للحكومات العربية المعتدلة. الطوابير التي ستمتد امام هذه الآليات ستظهر جيدا في الصور. سنمضي مع ونشعر بدون.
لكن ما حدث هو العكس تماما. كما يعرف كل من يعرف شيئا على البوابات الالكترونية، وعن الأمن وعن الواقع في الحرم القدسي، فان البوابات الالكترونية لا تستطيع منع تهريب الأسلحة الى الحرم، وبشكل خاص ليس عندما يدخل مئة الف او مئتي الف مصلي الى الداخل مرة واحدة. وضع هذه البوابات لا يحق فائدة ملموسة للأمن.
لكن الشرطة لم تكلف نفسها تنسيق هذه الخطوة مع قادة الوقف. دائرة الاوقاف هي ليست بالذات صاحبة البيت في الحرم، لكن تصريحات قادتها تؤدي دورا بالغ الاهمية في صياغة الرأي العام في الخارج. لا يمكن تجاوزهم من دون دفع الثمن.
العنوان لم يكن مكتوبا على الحائط، بل كان مطروحا على الطاولة، خلال كل نقاش داخلي، وعلى ألسنة المهنيين، قدامى رجال الشاباك والشرطة. وكانت هنا، على صفحات الجريدة.
المشكلة تبدأ، كما يبدو، بقائد الشرطة يورام هليفي، قائد لواء القدس. لقد تصرف هذا الأسبوع وكأنه لا يعرف او لا يفهم مدى حساسية مسألة الحرم وكم هي مشحونة. لقد ناقش الموضوع مع القائد العام للشرطة روني الشيخ، ووزير الامن الداخلي غلعاد أردان. لكنه لم يتم اشراك الشاباك والجيش في القرار الاولي. وخلال النقاش الذي جرى بعد تركيب البوابات، حذر الشاباك والجيش من ان هذا القرار قد يسبب موجة عنف صعبة في إسرائيل والمناطق، ويقوض الأنظمة العربية المعتدلة. وعرضوا اثباتات – ارتفاع بمئات النسب المئوية، من عدة عشرات الى آلاف المنشورات على الشبكة الاجتماعية التي تدعم العمليات. عندما قتلت الشرطية هداس مالكا، رد الجمهور الفلسطيني بالاحتجاج: خربتم علينا شهر رمضان. لكنه هذه المرة رد بالإجماع على الدعوة الحاشدة الى ضرب اسرائيل.
لكن اردان رفض الاصغاء: بعد ان تسلق على الشجرة لم يعرف كيف ينزل عنها. وانضم الى الاضطراب نفتالي بينت، الذي شخص هنا فرصة ذهبية لحشر نتنياهو في الزاوية؛ وانضمت ايضا، ميري ريغف التي بحثت، كعادتها دائما، عن التأييد في مركز الحزب.
لكن اكثر سلوك مستهجن كان سلوك نتنياهو. هو الوحيد من بين الوزراء الذي جرب حدثا متدحرجا يبدأ في الحرم. في الاضطرابات التي اندلعت في اعقاب فتح نفق حائط المبكى، في ايلول 1996، قتل 17 جنديا اسرائيليا وحوالي 100 فلسطيني. نتنياهو يعرف مدى كون هذا المكان مشحونا ومتفجرا.
وكما في ذلك الوقت، هكذا أيضا هذه المرة، تم الأمر خلال تواجد نتنياهو في الخارج. وخلال مشاورات هاتفية، حاول قادة الشاباك والجيش اقناعه بالأمر بإزالة البوابات الالكترونية. لكنه رفض. فهو لم يرغب بمنح هدية سياسية لبينت في اوساط المؤيدين في اليمين. ويوم الخميس ليلا عقد اجتماعا للمجلس الوزاري، وانتهى الاجتماع بقرار عدم اتخاذ قرار – الشرطة تقرر. لهذا الحد يخاف نتنياهو من ظله.
وكانت النتيجة صلاة يوم الجمعة في الحرم من دون مصلين. ليس مهما كيف رأت اسرائيل الحرم الفارغ – فبالنسبة للمسلمين حدثت هنا اهانة يمنع تقبلها. واندلعت الاضطرابات، في البداية على شكل تجمعات صغيرة نسبيا، ما جعل المتحدثين اليمينيين يطلقون حملة تسخر من تحذيرات الجيش والشاباك. ومن ثم جاءت الاضطرابات القاسية التي انتهت بقتلى وجرحى، وفي يوم الجمعة مساء، جاء القتل الرهيب في حلميش.
الخوف من الناخبين في اليمين اخلى مكانا للخوف من انتفاضة ثالثة. الان، بعد تأخير رهيب، استعادوا جميعا العقل: سيتم ازالة البوابات الالكترونية، وسيتم فتح الحرم، وبينت يدعم رئيس الحكومة. ولم يتبق للحكومة الآن الا الصلاة لله وتأمل الهدوء.

يبحثون عن سلم

يكتب اليكس فيشمان في “يديعوت احرونوت” ان احمقا واحدا القى بحجر في البئر، والف حكيم يحاولون الان تصحيح الضرر. البوابات الالكترونية التي تحولت الى رمز للنضال الديني القومي الفلسطيني، ستختفي بالتدريج من الحرم القدسي. والأمر هو مجرد مسألة وقت. ما تفعله دولة اسرائيل اليوم، هو محاولة الخروج من هذه القصة مع أقل ما يمكن من المس بهيبتها القومية، وبدون انتفاضة ثالثة.
صباح يوم الجمعة نشر المجلس الوزاري بيانا جبانا، ترك للشرطة ولوزير الأمن الداخلي – الذين ارتكبوا الخطأ – “ملف” البوابات الالكترونية. لكي يواصلوا هم التورط والتوريط. في الواقع، جرى الحديث في المجلس الوزاري عن بدء نقاش مع الأردن للبحث عن حل. ولكننا نتحدث عن كرامتنا. وعندها اصدروا بيانا ملتويا يدافع عن القرار الخاطئ والمختلف عليه، والذي تتقزم فائدته مقابل الضرر الذي سببه.
يوم الجمعة فقط، خلال عشر ساعات من العنف، قتل على مذبح الكرامة هذا ثلاثة يهود وثلاثة عرب، وجرح 250، غالبيتهم فلسطينيين، واعتقل المئات – ومن بينهم عرب اسرائيليين من الجناح الشمالي للحركة الإسلامية.
في القدس والضفة تم تسجيل اكثر من 13 نقطة احتكاك، شارك خلالها حوالي 12 الف شخص في اعمال الشغب. ورغم ذلك، فان الجهات الأمنية التي اتخذت القرار الشعبوي – الهاوي بالإبقاء على البوابات الإلكترونية في الحرم، واصلت التسريب للجمهور بأن اعمال الشغب لا تساوي حجم التحذير منها. والحقيقة التي اعتمدوها انه لم تندلع انتفاضة ثالثة، ولم يقتل عشرات الناس في الجانبين. لكن طبيعة الانتفاضات هي انها تنمو كالتسونامي: تستغرق وقتا حتى تصل الى الشاطئ وتغمر كل شيء.
في غرفة القيادة المشتركة التي اقامتها اذرع الأمن، كجزء من الاستعداد لصد الانتفاضة الثالثة، تراكمت المعطيات، بما في ذلك تحذيرات عينية من عمليات تدل على ان الشارع الفلسطيني اصبح ناضجا للعنف اكثر مما كان عليه عشية موجة حملة السكاكين في 2015. وخلال ثلاثة تقييمات للأوضاع، عقدها وزير الامن خلال نهاية الاسبوع، تقرر بأن يركز الجيش الجهود على المفارق والمستوطنات اليهودية. ولهذا الغرض تم بالإضافة الى القوات الاعتيادية التابعة للمنطقة الوسطى، ارسال ست كتائب. وكان يفترض ان تشكل درعا بشريا يمنع العمليات على شاكلة ما حدث في حلميش، وعمليات اطلاق النار على مفارق الطرق. مثل هذه العمليات يمكن ان لا تبعد الحل الممكن فحسب، وانما تأجيج القطاع اليهودي المتطرف ليخرج الى عمليات انتقام.
حتى عندما سيتم العثور على حل لإنهاء الموجة الحالية، يستعد الجهاز الامني لـ”مجال التصدي”، اي الوقت الذي سيمضي حتى تهدأ الطاقة العنيفة المتصاعدة – سواء في نقاط الاحتكاك او على الشبكة الاجتماعية. وسيضطر الجيش والشرطة الى ترك قوات في الميدان حتى تهدأ الأمور.
لقد اعلنت السلطة الفلسطينية عن وقف الاتصالات مع اسرائيل. هذا خطأ، لأنه في اللحظة التي سيبدأ فيها ظهور حل ما للموجة الحالية، ستكون هناك حاجة الى تواجد الشرطة الفلسطينية في نقاط الاحتكاك خلال فترة “مجال التصدي”. الشاباك بدأ منذ الان بتنفيذ اعتقالات للفلسطينيين من دون تنسيق الخطوات مع اجهزة الامن المحلية. وهذا لا يخلق فقط محفزات الانفجار امام الشرطة الفلسطينية، وانما سينقل الانقطاع رسالة خطيرة الى الجمهور: يسمح ومن المرغوب فيه مواجهة الاسرائيليين.
بين المعتقلين نشطاء ومحرضين دائمين، ينتمون الى تنظيمات “شباب الاقصى” و”المرابطين” في الضفة، ونشطاء الحركة الإسلامية الشمالية في اسرائيل، وايضا عشرات المحرضين والمشاركين في التنظيم على الشبكة الاجتماعية – هنا وهناك.
كما تم العثور على القاتل من كوبار، الذي ذبح العائلة في حلميش، على الشبكة. فالوصية التي تركها عمر العبد على الفيسبوك، مساء يوم الجمعة، جعلت القيادة المشتركة للشرطة والشاباك وشعبة الاستخبارات تقفز، لكن ذلك كان متأخرا: فقد تم استنفار القوات بعد ان كان قد نفذ خطته.
العبرة لا تنتمي بالضرورة الى ملعب الرد السريع، وانما الى “عائلة” القيود التكنولوجية التي يجب العثور على حل لها. في القيادة المشتركة تراكمت معلومات تشير الى وجود مجموعة ليست صغيرة من المقلدين لمنفذ عملية القتل في حلميش، ويجري سباق مع الزمن للقبض عليهم قبل انطلاقهم للعمل.
في اللقاء الذي منحه منسق اعمال الحكومة في المناطق لقناة الجزيرة، امس، قال ان اسرائيل مستعدة لفحص بدائل تضمن عدم حدوث عمليات في الحرم، ودعا الدول العربية الى طرح مقترحات من جانبها. يوم الجمعة صباحا وصل مبعوث من قبل رئيس الحكومة الى الأردن، في محاولة للعثور على حل مشترك. وفي المقابل تجري اتصالات مع مصر. والهدف هو العثور على ادوات أقل ظاهرة للعيان، لكنها تتيح تعقب الناس والوسائل التي يتم ادخالها الى الحرم.
مع من لا يتم الاتصال؟ مع ابو مازن. اسرائيل لا تريد التوصل الى حل يكون فيه شريكا لكي لا تعزز قوته. ولكن، ايضا، وبشكل لا يقل اهمية: ترى اسرائيل في الاتصالات مع مصر والاردن – والتي تتم بتدخل امريكي – فرصة لصد الموجة المعادية لإسرائيل والتي تتصاعد في الدول السنية التي تربطها بإسرائيل علاقات رسمية وغير رسمية.
طالما لم يستطع الذراع السياسي الذي يبحث عن سلم للنزول عن الشجرة، والذراع العسكري الذي يحاول قمع العنف في الميدان، التوصل الى نتائج، ستتواصل موجة العنف الحالي. وتقييم الاوضاع يقول انه حتى لو ظهر بأنه تم تحقيق هدوء مؤقت، فإنه سيعود وينفجر.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا