الرئيسيةمختاراتمقالاتالمقاومة الشعبية الفلسطينية : تلميع مواقعي أم استنهاض شعبي؟؟

المقاومة الشعبية الفلسطينية : تلميع مواقعي أم استنهاض شعبي؟؟

بقلم: أيمن يوسف

ازداد الحديث عن مصطلح ” المقاومة الشعبية” في السياق الفلسطيني خاصة في الدوائر السياسية والحزبية ، وحتى في الدوائر الأكاديمية والبحثية ، ليس لأن المصطلح ذو محتوى ديكوري مغر من الناحية السياسية ، ولكن لكونه مرتباطاً بالمرحلة الحالية التي تمر بها القضية الفلسطينية ، والحالة الوطنية الفلسطينية على وجه العموم.وإذا كانت المقاومة الشعبية تعني بحرفية الكلمات والعبارات النسق النضالي السلمي، ولاعنفية المشروع التحرري الانعتاقي من سطوة الاحتلال وقيود المحتل ، فان المقاومة الشعبية الفلسطينية موغلة في التاريخ الفلسطيني ، ولها جذور عميقة في مسيرة الفلسطينيين في منذ بداية القرن الماضي على الأقل، لأنها مرت بمراحل مختلفة كان أهمها إضراب عام 1936، ومختلف الثورات والهبات الشعبية العفوية خلال فترة الانتداب البريطاني ، مروراً بانتفاضة عام 1987 ، وانتهاء بانتفاضة عام 2000 ، وما تبعها من نماذج مختلفة من المقاومة الشعبية.

تتداخل مفاهيم ” المقاومة الشعبية” ، و”المقاومة المدنية ” ، و”المقاومة السلمية” ، و”المقاومة اللاعنفية ” ببعضها البعض في المحتوى والمضمون ، وحتى في أساليب المقاومة ، بالرغم من بعض الاختلافات في طرق تطبيقها، بناء على السياقات الثقافية والاجتماعية والوطنية من بلد إلىآخر. والتداخل هنا يحدث بسبب عدة عوامل هامة ، أولها ، طبيعة الخصم أو العدو الذي تواجهه في ثورة شعبية كأن يكون العدو أو الخصم نظاماً دكتاتورياً وطنياً ، أم عدواً خارجياً أو محتلاً استيطانياً ، أما العامل الثاني فيتوقف على التعريف العام للمقاومة في ظل بيئة ثقافية/ اجتماعية/ دينية/ فلسفية لها نظرتها وتصوراتها ومفاهيمها العامة تجاه العنف واللاعنف.أما ثالث هذه العوامل، فينصب حول التجارب العالمية المتعددة في التحرر والاستقلال الوطني وآفاق التغيير الاجتماعي / السياسي في مناطق مختلفة من العالم خاصة في دول العالم الثالث وشرق أوروبا ، والوسائل والأدوات التي استخدمت لإحداث هذا التغيير البنيوي.

تم حصر بعض الانجازات لهذا النمط من المقاومة الشعبية في بعض المواقع مثل بلعين وبلعين وكفر قدوم بفعل مأسسة العمل المقاوم على الأرض، عبر تشكيل اللجان المحلية التي تضم فعاليات هذه التجمعات المحلية . وهذا ما أكده عبد الله أبو رحمة منسق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار في قرية بلعين ، إذ يقول في اليوم الأول لبدء الجرافات الإسرائيلية في قضم أراضي القرية وتجريفها ، اجتمع الشباب وعملنا على تشكيل لجنة شعبية تشمل كل القوى والفصائل والمؤسسات في القرية ، وبدأنا بتنظيم مسيرات ومظاهرات شبه يومية أو أسبوعية على مواقع الجرف والتهويد. ويسترسل منوها إلى الإبداعات والوسائل الخلاقة التي استخدمها نشطاء المقاومة الشعبية في مواجهة الجدار ومواجهة الجنود والمستوطنين إذ امتاز عملهم بالجماعية وتقسيم العمل بشكل واضح بين المسؤوليات الإعلامية والميدانية ومهمات الحراسة. كل يوم وفي كل مظاهرة أو مسيرة هناك تفكير بإبداع وسيلة جديدة للعمل الميداني من اجل لفت أنظار الرأي العام العالمي وجذب نظر وسائل الإعلام إلى ما يدور في القرية وفي نواحيها القريبة والبعيدة، وفي عموم الوطن الفلسطيني الذي يلتهمه الجدار بنهم وبلا رحمة. تم ابتداع أشكال نضال شعبية سلمية جديدة جربها النشطاء الفلسطينيين والدوليين في مقاومة بناء الجدار مثل ربط المتضامين أنفسهم بأشجار الزيتون حتى تكون أجسادهم نقاط الدفاع الأولى عن هذه الأشجار التي تحاول الجرافات الإسرائيلية اقتلاعها من الجذور ، فضلاً عن ربط مشانق على الأشجار وتعليق النشطاء والمتضامنين الدوليين أنفسهم عليها ومسيرات الشموع والحفلات الموسيقية والمباريات الرياضية وحفلات الزواج وما إلى ذلك من نشاطات مختلفة.

من هنا قامت إستراتيجية المقاومة الشعبية في بلعين على عقد عدة نشاطات وفعاليات وقف على رأسها المظاهرات والمسيرات واللجوء إلى الإعلام والقضاء والمحاكم الإسرائيلية، والاستفادة قدر الإمكان من وفود التضامن الدولية ومجموعات السلام الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك أبدع نشطاء المقاومة الشعبية في بلعين تبني العديد من الاستراتيجيات الأخرى بما فيها الاشتباك المباشر ومواصلة الاشتباك وفرض الوقائع والتنوع والتغيير ورفض التهديد والابتزاز وتحدي منع التجول وفضح التزوير والتضليل من جانب الاحتلال. وامتازت تجربة بلعين بتشكيل لجان محلية بهدف تفعيل مشاركة المجتمع المحلي في القرية بكل فئاته وأطيافه وشرائحه الاجتماعية في نشاطات المقاومة الشعبية ، ومن هنا تم تشكيل لجان الطلبة في المدارس والجامعات ولجان العمل الشبابي واللجان النسوية ، ولجان متابعة شؤون الإعلام والفضائيات وإصدار البيانات وعمل المؤتمرات الصحفية ، إضافة إلى اللجان القانونية المؤلفة من محامين محليين وفلسطينيين وإسرائيليين لمتابعة بعض القضايا الحقوقية والقانونية أمام المحاكم الإسرائيلية.

الحاج سامي صادق ، ناشط سياسي وحقوقي وميداني ، ورئيس مجلس محلي قرية العقبة الصغيرة الواقعة إلى الشرق من طوباس في الأغوار الشمالية ، اعتبر أن التحدي الأكبر الذي يواجه الفلسطينيين في إدارة المقاومة الشعبية هو الأداء الإعلامي الضعيف في إيصال رسالة المقاومة وأهدافها ومراميها إلى العالم من أجل خلق رأي عام دولي مؤيد للقضية الفلسطينية لا سيما أن اسم الفلسطيني ارتبط مع العمل العسكري والمقاومة ” الإرهابية” ، وأن القنوات الإعلامية الرسمية والشعبية على الصعيد الفلسطيني ما زالت غير فاعلة في متابعة الفعاليات المختلفة التي تنظم في أكثر من موقع في الأراضي الفلسطينية. من الإشكاليات الأخرى غياب الخطة الفاعلة والمنظمة لعمل المجموعات اللاعنفية وغياب البرامج المطلوب السير وفقها ، ووجود فجوة كبيرة بين القيادة الميدانية والقيادة السياسية العليا خاصة فيما يتعلق بالإستراتيجية والتكتيك والربط مع الأهداف الوطنية العليا. فضلا عن عدم التوثيق بشكل جيد وأرشفة انتهاكات الاحتلال في كل مناطق التماس والجدار والاستيطان ضمن مشروع وطني شامل للأرشفة والتوثيق والمتابعات القانونية والحقوقية.

بالمجمل يمكن القول، أن موضوع المقاومة الشعبية بحاجة إلى نقاش أوسع شمن رؤية إستراتيجية شاملة تشترك فيها النخبة السياسية والنشطاء الميدانيين والباحثين ورموز المجتمع المدني، بحيث يكون التركيز على وضع أهداف عملية واقعية قابلة للتطبيق ضمن سقف زمني محدد، وعلى أن تلتحم هذه الرؤية الفلسطينية مع اطر ومسارات عالمية قانونية وحقوقية، لرفد ومساندة الموقف الفلسطيني الحالي القائم على أساس استنطاق الدعم الدولي لمعاقبة الاحتلال.

المادة السابقة
المقالة القادمة
أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا