الرئيسيةمختاراتاخترنا لكمصبرا وشاتيلا قلعة صمود وكبرياء

صبرا وشاتيلا قلعة صمود وكبرياء

بقلم: الحاج رفعت شناعة

إنَّ مجزرة صبرا وشاتيلا التي نُفِّذت ليل 1982/9/16، وتواصلت على مدار ثلاثة أيام، لم تكن حدثاً عابراً يمكن أن تنساهُ الأجيال، أو أن تمحوه السنون، فالمجزرة حدثٌ متفاعلٌ يمتلك حيثيات وطاقات الانفجار بوجه المؤسسات الدولية كافّةً، ومحكمة الجنايات الدولية، ومجالس حقوق الإنسان، كما أنَّ أرواح الشهداء الأبرياء ستبقى تقضُّ مضاجع القتلة المجرمين ابتداء من وزير الحرب الإسرائيلي أرئيل شارون، ورئيس أركان جيش العدوان، مروراً بإيلي حبيقة الذي ارتضى أن يكون أداةً من أدوات القتل، والذبح، والتنكيل بأبناء الشعبَين الفلسطيني واللبناني.

ورغم الجهود التي بُذِلَت على الصعيد القيادي، أو على صعيد المؤسسات والهيئات القانونية، وحتى على صعيد الضحايا أنفسهم، فإنَّ القتَلة ما زالوا فارين يبحثون عن متعهِّد جديد لارتكاب مجزرة جديدة طالما أنَّ هناك مَن يحميهم ويحتضنهم من القادة الصهاينة الذين يضعون على لائحة التصفيات الجسدية أبناء الشعب الفلسطيني، ومعهم أبناء الشعب اللبناني.

كثيرون هُم الذين تناولوا هذه الجريمة بالوصف، والتدقيق، وتفحُّص التفاصيل، وكشف الأهداف والأبعاد، وأخصُّ بالذكر السيدة بيان نويهض الحوت زوجة القائد الوطني شفيق الحوت، وقد قدَّمت مادة مهمة لكل من يريد المحاسبة، والمحاكمة، وكشف الأسرار، وفضح الجرائم.
ولا بد من تناول بعض القضايا ذات العلاقة بهذا الحدث الذي يفوق وصفه الخيال:

أولاً: إنَّ المجزرة تمت بقرار إسرائيلي عسكري على أعلى مستوى، وفي إطار تخطيط مُحكم، وتنفيذ مُغلق بعيداً عن الاعلام، وهذا الاستهداف لنسائنا وأطفالنا وشيوخنا يجب أن تدفع القيادةُ الاسرائيليةُ ثمنه غالياً وفاء منا لأرواح ودماء شهدائنا.

ثانياً: الجريمة ارتكبت بعد مغادرة القوات الفلسطينية لبيروت، بناء على المفاوضات التي أجراها فيليب حبيب مع القيادة الفلسطينية واللبنانية. وقبل أن يغادر ياسر عرفات رحمه الله بيروت، فرض في الاتفاق ضرورةَ انتشار قوات أوروبية في محيط مخيمات بيروت لحماية المدنيين من المجرمين الصهاينة وأعوانهم، وهذا ما تعهدت به جميع الأطراف. ولكن للأسف فإنَّ التعهدات الدولية داس عليها شارون، وتجاهل القوات الدولية التي كانت تراقب ولا تعرف حقيقة ما يجري داخل المخيمات.

ثالثاً: إنَّ الحقد الصهيوني، والسادية الاسرائيلية كانتا خلف ارتكاب هذه الجريمة، وشارون الذي عجز خلال ثلاثة شهور من الحرب على بيروت العاصمة العربية الأصيلة أن يدخل ولو شارعاً أو حياً واحداً، في ظل الصمود الوطني اللبناني الفلسطيني، حيث كانت القيادة المشتركة للثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ومن غرفة العمليات التي يرأسها القائد العسكري المخضرم الشهيد سعد صايل. بعد أن سُحِقَ شارون تحت أقدام مقاتلينا، ذهب لينتقم من أطفالنا ونسائنا وأبناء شعبنا الفلسطيني واللبناني، في دلالة واضحة أنَّ هذا الكيان الصهيوني يقوم في تفكيره وممارساته وقناعاته على الإجرام، وإشعال الأحقاد، والافتقار إلى أية قيم إنسانية أو بشرية، وتدمير المجتمعات من أجل الهيمنة والسيطرة، والتحكم بالمقدرات والطاقات لقيادة العالم نحو خدمة أهدافه الشريرة.

رابعاً: إنَّ الاحتلال لم يقم بعمليات اعتقال، أو سجن، أو توقيف كما يحصل عادة، وإنما كان الإصرار الصهيوني على التعبير الواضح عن حقيقة هذا الكيان الغاصب، والقاتل، والحاقد على الانسانية، وذلك من خلال الاستفراد بالعائلات والأهالي وهم نائمون بعد منتصف الليل، ودخول المنازل وهم يحملون السواطير، والحبال، والبلطات، والفؤوس، والقنابل، والرشاشات. وهذا هو عمل العصابات، ولا ننسى عمليات الانقضاض على المدنيين الذين حاولوا الهرب، ثم خَطْفُهم، وإلقاؤهم في الشاحنات، ونقلهم إلى المقابر الجماعية، وذلك بعد إعدامهم، وإخفاء جثثهم.

خامساً: إنَّ الإقدام على تجريف البيوت، ودفن أصحابها تحت الأنقاض سواء أكانوا أمواتاً أم احياءً أو جرحى، وذلك من أجل إخفاء تفاصيل الجريمة التي تعبِّر عن الايديولوجيا الصهيونية. هذا السلوك الوحشي كفيل بطرد هذا الكيان الملطّخ تاريخه بالمجازر من كل الهيئات الدولية، ومن كل المؤسسات والجمعيات الإنسانية والحقوقية.

سادساً: إنَّ الشهادات التي أدلى بها بعض الناجين من المجزرة تستحقُّ التفعيل، والتأريخ، والتدقيق، والمتابعة، والإنصاف، وتشكيل لجنة خاصة، أو مؤسسة قانونية تمتلك الإمكانيات المالية، والمعلومات الموثَّقة، والتسهيلات، والقدرات والخبرات القانونية لاستكمال ما بدأنا فيه، وإنصاف الشهداء، والناجين. إنَّ المتابعة الدقيقة والموضوعية للمجزرة بكل أبعادها السياسية، والقانونية، والتوثيقية، والإعلامية هي واجب وطني من مهمات القيادة الفلسطينية، والهيئات التابعة لها. خاصة العناية بالناجين من المجزرة مثل الأخت المناضلة سعاد سرور التي كافحت، وعملت على إبراز حقيقة ما تعرَّضت له من اعتداءات، والأمر يحتاج حقيقة إلى مؤسسة ترعى هذا الموضوع رغم المحاذير الكثيرة. لكننا هنا نتحدث عن قضية وطنية سياسية.

سابعاً: لا بد من استخدام هذه الجريمة كعصا غليظة على رقبة الاحتلال الصهيوني، وهذا الكيان الإرهابي، والدلائل بين أيدينا كثيرة وواضحة للرد إعلامياً وسياسياً على نتنياهو وفريقه الذي يتطاول اليوم على شهدائنا وأسرانا ويتهمهم بالارهاب، ويطالب بوقف المخصصات والرواتب عن أُسرهم. إنَّ عدواً بهذه الوقاحة، وهذه القذارة السياسية والأخلاقية يستحق منا وقفةً جريئة من أجل تقزيمه أمام العالم، وكشفه أمام شعوب الأرض على حقيقته لفضح حلفائه، وشركائه، والساعين إلى تطبيع العلاقة مع جزار صبرا وشاتيلا، ودير ياسين، وقبية، وكفر قاسم، والطنطورة، ومخيم جنين، ورفح، وقطاع غزة، وقاتل أُسرة دوابشة حرقاً، وهو الذي حرق محمد حسين أبو خضير في القدس، ومسلسل القتل يطول.

في هذه المناسبة الأليمة لا يسعنا إلاَّ أن نُبجِّل ونُكبر أهلنا في صبرا وشاتيلا، شهداء وأحياء، رجالاً ونساء، على صبرهم، وصلابتهم، وانتمائهم الوطني الصادق. لهم علينا دينٌ كبير، وحتى نفي بجزء من هذا الدين لا بد أن تدخل القيادة في صلب الاشكاليات، والتعقيدات، والتحديات التي يعيشها المخيم سواء أكانت الأمنية، أم المعيشية والحياتية، أم البنية التحتية حتى نخفف عنهم جزءاً من معاناتهم، وقساوة واقعهم. فكل زائر يزور مخيم شاتيلا يخرج منه، وعينه تدمع، والحزن يتغلغلُ في أعماقه، أما قلبُه فيبقى مع أهل المخيم، وأما عقله فيجول في زواريب المخيم بكل ما فيه من عيون محدِّقة، ومن أطفالٍ تقرأ في وجوههم مئات الأسئلة التي لا يجد لها جواباً، وانما دائماً هو مشدود بذاكرته إلى ضريح الشهيد علي أبو طوق، وإلى النصب التذكاري لشهداء صبرا وشاتيلا، يحدوهُ الأمل.

عضو المجلس الثوري لحركة “فتح”

الحاج رفعت شناعة

17/9/2017

 

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا