الرئيسيةمختاراتاخترنا لكمعربة المصالحة الفلسطينية تتقدم خطوة نظرية وعملية نحو آفاق جديدة

عربة المصالحة الفلسطينية تتقدم خطوة نظرية وعملية نحو آفاق جديدة

بقلم: عمر حلمي الغول

فجر الأحد الموافق الـ17 من أيلول/سبتمبر الحالي أعلنت حركة حماس في بيان رسمي موقفا إيجابيا من المصالحة الوطنية، حيث أكدت فيه موافقتها المباشرة على حل اللجنة الإدارية، دون ربط ذلك بأي شرط، وأرفقت ذلك بالسماح لحكومة الوفاق الوطني بتسلم مهامها كاملة في محافظات قطاع غزة. وهو ما يعني الإستجابة لمبادرة الرئيس محمود عباس، وفتح الباب أمام عربة المصالحة لتتقدم خطوة نظرية وعملية نحو آفاق جديدة.

وأهمية البيان الحمساوي، انه صدر والوفد القيادي الرفيع برئاسة إسماعيل هنية، رئيس الحركة في القاهرة. وهو ما يشير إلى أهمية الدور المصري في الحدث المذكور. أعقب ذلك دعوة القيادة المصرية لوفد قيادي من حركة فتح لزيارة القاهرة، وهو ما تم برئاسة عزام الأحمد، مفوض العلاقات الوطنية في الحركة. والذي استجاب للخطوة المصرية والحمساوية، لاسيما وان ما حمله البيان جاء متوافقا مع رؤية الرئيس عبـــاس وقـــيــادة فتح، الذي بــــارك أيضا الموقــف الجديد لحماس.
مما لا شك فيه، أن خطوة حركة حماس الهامة جاءت إستجابة للإرادة الفلسطينية؛ وتكريسا للدور المصري في المصالحة الوطنية، وبالإستناد لورقة المصالحة المصرية التي تم التوقيع عليها من قبل حماس في أيار/مايو 2011؛ تكون القاهرة استعادت دورها المركزي في هذا الشأن.
ولتعميق الدور المصري على هذا الصعيد أرسلت القيادة المصرية وفدا أمنيا لقطاع غزة لمتابعة التنفيذ. وهو ما يعطي العملية زخما وقوة. بالإضافة لفتح أبواب القاهرة للحوارات الثنائية بين وفدي حركتي فتح وحماس في الأيام القليلة المقبلة، وأيضا لإستقبال وفود فصائل العمل السياسي الفلسطينية للمشاركة اللاحقة بالحوار لإضفاء الصبغة الجمعية للكل الفلسطيني في عملية المصالحة، لأنها مصلحة وطنية استراتيجية، تهم قطاعات الشعب بمختلف نخبها السياسية وتلاوينها ومشاربها وقطاعاتها.

أسباب حماس ودوافع القاهرة

من المؤكد هناك أسباب لحركة حماس دفعتها للموافقة والتناغم مع رؤية الرئيس ابو مازن وفصائل منظمة التحرير والرغبة المصرية، الأمر الذي يدفع المراقب السياسي لولوج جادة السؤال، ما هي أسباب حماس الداخلية والفلسطينية والعربية والإقليمية للموافقة على هذة الخطوة؟ وهل هذا يعني تخليها عن التنظيم الدولي للإخوان وحلفائها العرب والإقليميين؟ وهل يعني ذلك التنازل عن مشروعها السياسي؟ وما هي خلفيات القيادة المصرية وراء التحرك الجديد؟ هل دوافعها أمنية وسياسية ام تقتصر على جانب دون الآخر؟ وهل للحراك المصري علاقة بالحل الإقليمي؟ وهل تمت الخطوة المصرية بعيدا عن موافقة أمريكا وإسرائيل، أم بالتوافق معهما؟ وماذا عن الشركاء العرب؟ هل تم التشاور معهم، وأخذ موافقتهم ومباركتهم أم لا؟ وهل للخطوة المصرية علاقة بما سيشهده الإقليم من تطورات سياسية؟
المؤكد ان التحرك المصري جاء في لحظة سياسية مناسبة، حيث التقطت القيادة المصرية الفرصة المناسبة لتحركها مع تعمق أزمة حركة حماس السياسية والمالية والإدارية، وبعد تسلم قيادة جديدة للحركة في أيار/مايو الماضي لديها الاستعداد للتقدم خطوة للإمام باتجاه المصالحة، ولاستشعارها إن مواصلتها السيطرة على القطاع باتت تصطدم بعقبات عديدة، ولقناعة لديها ان مشروع الإخوان المسلمين تراجع على الأقل مرحليا، لكن هذا لا يعني التخلي عن العلاقة مع الجماعة. كما لا يعكس البيان التخلي عن برنامجها وخيارها في السيطرة على القطاع. وهذا ما عكسه تصريح د.أحمد يوسف، جاء فيه، ان الجانب الأمني سيبقى في يد حركة حماس، ولن تتخلى عنه، أضف إلى أنها في الوقت الذي تسلم فيه المعابر وخاصة معبر رفح لحرس الرئاسة، ستضع قواتها الأمنية على مداخل المعبر، كما هو الآن حاجز اربعة اربعة على حاجز بيت حانون «إيرز». ولقناعة عند قيادة حماس، انها ستلقي بملف الأزمات الإدارية والوظيفية على كاهل حكومة الوفاق الوطني والسلطة الوطنية، ما يعفيها من تحمل التبعات الناجمة عن ذلك، ويعطيها فرصة لالتقاط أنفاسها نسبيا، والاستعداد للانتخابات المقبلة، هذا ان أتيح لها ان تجري. والأهم لإدراكها أن هناك قرارا دوليا وأقليميا بضرورة طي صفحة سيطرتها الكاملة على القطاع، لاسيما وأن انقلابها جاء بمباركة عربية وإقليمية ودولية على الشرعية الوطنية أواسط العام 2007.
إذا إستدارة حركة حماس لم تأت من فراغ، ونتيجة قناعة لديها بالتخلي عن مشروعها السياسي، إنما أملته شروط ذاتية وموضوعية، وهي فرصة للالتفاف على الواقع البائس، ولاستثمار الخطوة في ممارسة لعبة التسويف والمماطلة والاستفادة من الوقت والتطورات اللاحقة.
أما التحرك المصري فجاء لتحقيق أكثر من هدف لها، منها أولا حماية الخاصرة المصرية الضعيفة على حدودها الشمالية مع فلسطين (قطاع غزة)، حيث ما زالت تعاني من تسرب الجماعات التكفيرية لمحافظة شمال سيناء وكل الأراضي المصرية. وبإعلان حركة حماس عن خطوات أمنية وإجرائية للحؤول دون إنطلاق عناصر تلك الجماعات يساهم في التخفيف من ثقل تلك الجماعات عن الجيش والأجهزة الأمنية المصرية؛ غير ان مصر لا تستطيع الاطمئنان لاستمرار سيطرة حركة حماس الأمنية والسياسية على قطاع غزة، الأمر الذي يحتم عليها الدفع بعودة الأمور لما كانت عليه قبل الانقلاب، وسيطرة الشرعية الوطنية بقيادة محمود عباس على المحافظات الجنوبية. لان القيادة الفلسطينية حريصة ومعنية فعلا وبكل المعايير على أمن مصر. وبغض النظر عن أي تباينات بين القيادتين، إلا ان القواسم المشتركة بينهما أعمق من أي خلافات حتى الآن.
كما ان المصلحة السياسية المصرية كراعية للمصالحة الوطنية تفرض عليها لعب الدور المنوط بها في إحداث الاختراق على هذا الصعيد. لان ذلك يصب على أكثر من مستوى وصعيد في مصلحة مصر، وأيضا للتأكيد على دورها الرئيسي في الشأنين الفلسطيني والعربي، خاصة وان الورقة الفلسطينية تحتل أهمية غير عادية لتعزيز المكانة المصرية، لأن الإمساك بها يمنحها القدرة على استثمار ذلك في أي حلول سياسية مطروحة أو قد يتم تداولها لاحقا.
وكون مصر لاعب عربي وإقليمي أساسي، فلا يمكن لأي حلول سياسية دولية أو إقليمية تطرح بعيدا عنها. ورغم ان النظام المصري يدعم مبادرة السلام العربية، غير ان ذلك لا يمنعه من التعاطي مع أي مقترحات تخص القضية الفلسطينية. ووفق العديد من المصادر يجري الحديث الآن عن حل إقليمي يحقق خطوتين في آن، أولا التطبيع العربي الرسمي مع إسرائيل، وهو ما تسعى له بتلهف بعض الأنظمة العربية؛ وثانيا التعامل مع المسألة الفلسطينية دون بلوغ خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/يونيو عام 1967. أضف لما يشاع عن طرح الرئيس الأمريكي على الرئيس عباس عن الشروع بإقامة الكونفدرالية مع الأردن قبل الاستقلال، وبحيث تتم إقامة الدولة الفلسطينية القزمية في غزة مع توسيع لحدودها جنوبا في الأراضي المصرية، أي العودة لمشروع عميدرور الإسرائيلي، وهو ما رفضه رئيس منظمة التحرير. وبالتناغم مع ذلك جرى ويجري الحديث عن عقد قمة عربية إسرائيلية برعاية أمريكية في شرم الشيخ في كانون الأول/ديسمبر المقبل للتداول في الحل الإقليمي. وكان تم عرض لقاء في نيويورك على هامش الدورة الـ72 الحالية تضم عددا من القيادات العربية والرئيس المصري والملك السعودي أو ولي عهده والملك عبدالله الثاني والشيخ محمد بن زايد بحضور الرئيس ابو مازن (اقطاب الإعتدال العربي) للتباحث في شأن التطورات السياسية المقبلة في المنطقة، التي قد تكون عاصفة بتداعياتها، لكن وفق مصادر شبه موثوقة لم يستجب لها الرئيس عباس، واستبدلها باللقاءات الثنائية مع بعض الزعماء العرب. وبالتأكيد الحراك المصري لم يكن بعيدا عن التفاهمات مع الأشقاء العرب أقطاب الإعتدال، ولا هو خارج نطاق التوجهات الأمريكية والإسرائيلية. ولعل لقاء الرئيس السيسي مع نتنياهو على هامش أعمال الدورة 72 للأمم المتحدة، وهو الأول الذي يجمــعــهما ليس بعيدا عما يتم تداوله.
إذا الحراك المصري بثقل وقوة راهنا، جاء منسجما ومستجيبا للدور المصري المعول عليه. وبقدر ما تتناغم القيادة الفلسطينية معه باتجاه المصالحة الوطنية، بقدر ما سيرفض الفلسطينيون أي حلول سياسية أو أمنية تنتقص من أهداف الشعب الفلسطيني في بلوغ إقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران/يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق عودة اللاجئين على أساس القرار الدولي 194.

معيقات المصالحة وآفاقها

المصالحة الوطنية مصلحة استراتيجية فلسطينية، والقيادة الشرعية عموما والرئيس ابو مازن خصوصا مسكون بها، ويعمل من أجل تحقيقها بصدق ومسؤولية وطنية عالية، وكما جاء في خطابه يوم الأربعاء الماضي أمام منبر الجمعية العامة « لا دولة في غزة، ولا دولة فلسطينية دون غزة». لكن رغبة وإجراءات وسياسات رئيس منظمة التحرير ليست سوى عامل من المعادلة الوطنية، وإستجابة حركة حماس في بيانها المذكور سابقا، الذي وافقت فيه على حل اللجنة الإدارية، وفتح الباب لتسلم حكومة الوفاق مهامها، والحوار مع حركة فتح، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية لاحقا، على أهميته، غير انه لا يتضمن فتح الأبواب على مصاريعها أمام العودة الكاملة للقطاع لحاضنة الشرعية الوطنية. وكما أشير سابقا، فإن حركة حماس لن تسلم الأمن في قطاع غزة للحكومة الشرعية، وهذا عامل رئيسي في إفشال الوحدة؛ وعلى ما يبدو ان حركة حماس تريد استحضار تجربة حزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت والجنوب اللبناني والبقاع، حيث السيطرة الشكلية للدولة اللبنانية على هذه المناطق، لكن الحاكم الفعلي هو حزب الله. وهو ما لا يمكن ان تقبله القيادة الشرعية، فإما ان تكون وفق ورقة المصالحة، ومن خلال ما تؤصل له اللجنة الأمنية عبر عملية الدمج لعناصر أجهزة حركة حماس في المؤسسة الأمنية الوطنية، ووجود سلاح شرعي واحد، والعمل وفق رؤية وطنية واحدة، وأما عودة الأمور إلى دائرة المراوحة والمناورة في أحسن الأحوال.
كما ان ملف الموظفين قد يساهم في عملية تعطيل مسيرة المصالحة، خاصة إذا إصطدمت اللجنة الإدارية والفنية بإعادة بعض الكوادر الوظيفية العليا المنصبين في مواقعهم من قبل حماس إلى درجات أدنى، الأمر الذي سيدفع هؤلاء لاستغلال نفوذهم لخلط الأوراق. كما ان تأمين سلة رواتبهم الجارية، والرواتب التقاعدية عن سنواتهم السابقة واللاحقة، قد يشكل عقبة في طريق المصالحة، خاصة وان موازنة السلطة تعاني أساسا من العجز. وبالتالي الحديث عن اعتماد الرؤية السويسرية ليس مضمونا. والأهم من ذلك، هو المتنفذون من حركة حماس، هل سيتخلون عن امتيازاتهم ومصالحهم، التي تشكلت على مدار الأحد عشر عاما الماضية من الانقلاب؟ وما هي الحوافز التي ستجعلهم يسمحوا للمصالحة بالتجسيد في أرض الواقع؟ من الصعب التنبؤ بما يقبل به اولئك. وقبل ذلك الحواجز التي تنوي حركة حماس وضعها أمام المعابر، لتأكيد نفوذها ودورها في المشهد الأمني، ولتقول للمواطنين المغادرين والقادمين «انا مرجعيتكم، ولا أحد غيري». وكذلك الأمر بالنسبة لملف المصالحة المجتمعية، الذي لم يتحقق منه شيء يذكر. هل سيتم معالجته بما يتناسب وحقوق ومصالح المواطنين عموما وذوي الشهداء والجرحى، الذين باتوا من ذوي الحاجات الخاصة بسبب الإعاقات في أجسادهم؟ وهنا لا يقتصر الأمر على الجانب العشائري، ومن ينظر للمسألة من هذا البعد يكون قاصرا.

وماذا عن الصراعات الداخلية في حركة حماس وغيرها من الفصائل والقوى وخاصة حركة فتح، حيث يبرز هنا مرة أخرى دور جماعة محمد دحلان. هل ستقبل بتهميش مكانتها؟
هناك عوامل كثيرة ستبرز في المشهد الغزي، على صانع القرار الفلسطيني وضع كل السيناريوهات المحتملة وغير الواقعية، ومحاولة سبر أغوارها، وعمل مقاربة معها، ووضع حلول لها وفقا للتقديرات القائمة والمستقبلية.
الخلاصة الموضوعية في قراءة مشهد المصالحة، تشي أن آفاقها صعبة، ولن تكون سهلة المنال. دون ان يسقط ذلك الحق بالتفاؤل في بلوغها، والعمل على تقليص عوامل الكبح إلى أبعد حد. لأن المصالحة شرط أساسي لمواجهة التحديات الإسرائيلية والأمريكية ومن لف لفهم من دول المنطقة والإقليم، ولتعزيز مكانة الذات الوطنية وتقريبها من الأهداف الوطنية الجامعة.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا