الرئيسيةمتفرقاتثقافةضحايا الشمس كتبت ناريمان شقورة

ضحايا الشمس كتبت ناريمان شقورة

سلط الاعلام الضوء على القضايا المتنوعة السياسية والاقتصادية والدينية والتعليمية والاجتماعية والرياضية وقضايا الفساد والإهمال الطبي والرشاوى وخلافه، حيث تعتبر المسؤولية الاجتماعية ويُفترض أن تكون أولوية هامة في وسائل الإعلام، فلا تقتصر أهداف الوسائل الإعلامية على الترفيه والتسلية للمتلقي بل التثقيف والتنوير والتعليم والإخبار والإعلام هي أيضا أهداف وأغراض هامة يجب أن يؤديها الإعلام باختلاف وسائله المرئية والمسموعة والمطبوعة والاجتماعية حديثا

لأن الإعلام يحمل رسالة هادفة تجاه المجتمع والمواطنين، توجب عليه إعلاء صوت فئة هامة من المجتمع تُقتل ويُهدر دمها ظلماً تحت قناع “الشرف” ألا وهي فئة النساء، ففي المجتمعات الذكورية تكون النساء ضحايا وبالرغم من كونهن كذلك فأيضا يعاقبهن مرةً الجلادون الجناة ومرةً المجتمع الظالم بالقتل. ”

ضحايا الشمس” فيلم وثائقي فلسطيني نفذته الإعلامية جمان قنيص مع المخرج مراد نصار وطاقم العمل، يتناول عددا من قصص الضحايا النساء اللاتي قتلن على خلفية “الشرف” وأخريات ممن نجون من محاولات قتل رافقها التعذيب وسوء المعاملة، يطرح الفيلم تساؤلاً رئيسيا مفاده من هن ضحايا الشمس ولماذا؟؟ أما عن الإجابة فتقدمها الحالات الواقعية التي تناولها الوثائقي في أرجاء الوطن.

في بداية الفيلم مر المخرج مع الإعلامية مرور الكرام عن النساء ذوات الشأن والسلطة مثل وزيرة سابقة لشؤون المرأة وعضوة بارزة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحريرحول الأدوار التي يجب أن تقوم بها الحكومة تجاه تلك االقضايا، ومن ثَم تتالت بالظهور القصص الحقيقية المأخوذة من الواقع بأشخاصها الحقيقين، فعرض الفيلم قصة لإمرأة قتلها زوجها طعناً بالسكين أمام طفليها ووضعها في المرحاض ليتصفى دمها في مياه الصرف بحجة أنه يشك فيها، وهو ابن خالتها الذي تربى في بيت أهلها وهم من بحثوا له عن عمل،

في هذه القصة يطرح الفيلم سؤالاَ: أين هو الشرف في قتل أمٍ أمام أطفالها؟؟؟ يستمر العرض وتمر قصة أخرى هذه المرة في دير الغصون، حيث يبتباهى فيها أحد الآباء بقتل ابنته التي أحبها رجلٌ تقدم لخطبتها عدة سنوات وبعد المحاولات التي باءت بالرفض تهجم الشاب على البيت فضربوه أهل البيت، وبعد أيام قام الوالد بقتل ابنته لأنه وباعتقاده غسل عاره، بكل ثقة واعتزاز يروي الوالد قصة قتله لابنته التي لم يرها بوضع مشين أو غير أخلاقي والتي لم يثبت عليها أي شيء مستنداً إلى معرفته بأن القانون لا يعدم ولا يحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة على القاتل على خلفية الشرف.

يعرض الفيلم قصة امرأة اخرى نجت من القتل بعد محاولات متكررة بالإضافة إلى تعرضها للتعذيب بالكهرباء لمدة أسبوع كامل وتعذيب آخر والسبب هو اصرارها على الزواج ممن تحب ورفض الأهل ذلك كون الشاب فقيراً، فما كان إلا وهربت معه، وتعيش تلك المرأة في مركز محور في بيت ساحور، وهو بيت تلجأ له النساء المعنفات والمهددات بالقتل للعيش بأمان. لم ينتهِ الفيلم بعد واستمرت القصص، لكن القصة الأشد إيلاما هي قصة فتاة من قطاع غزة لم تتجاوز الرابعة عشر من عمرها، اغتصبها والدها فحملت منه وإذ بالإخوة يتآمرون على قتلها، إلى أن تم تهريبها إلى الضفة الغربية، فتنجب طفلها وتتخلى عنه وترفض التعامل معه فتقول” ماذا عساي أخبره عن والده؟؟ هل أقول له أن والده هو والدي وهو جده”. أثرّ الفيلم في الحضور وأثار جدلاً بعد انتهائه فكانت بعض الأصوات المتعالية والمختلفة فمنها من أثنى عليه بكل تفاصيله، ومنهم من اعترض على جزئية القتل على خلفية الشرف فأرادوا أن يكون الموضوع قتل النساء وفقط دون الالتفات إلى “خلفية الشرف” حتى لا يكون ذريعةَ للقتل في المجتمع الذكوري، ومنهم من اعترض على مشهد فيه دم الضحية وأداة القتل، أما الغالبية فأجمعت على نجاح العمل. اختلفت الآراء وهو ما أراه أنا شخصياً نجاحاً للعمل على اعتبار أن الاختلاف هو الأمر الصحي، لكن الأهم

من وجهة نظري أهذا الفيلم الوثائقي “ضحايا الشمس” أوصلَ أصواتاً ما كانت لتصل بسبب الخوف من القال والقيل ومن العادات الظالمة، أوصل رسالةً إلى القضاء وإلى صناع القرار وصياغ التشريعات بتشديد العقوبة على من رتكب جرائم القتل بمسمى “الشرف”، وأوصل رسالةً إلى الجناة أن المرأة التي أوصت عليها كل الأديان هي إنسان يجب أن نحترم حقه في الحياة، وألا ننتزع منها ذلك الحق بناءً غالباً على تكهنات غير صائبة أو خوفاً من الألسنة التي لا ترحم، كما يخاطب الفيلم ايضا الإنسانية جمعاء بأن للنساء حق اختيار الشريك وحق الحياة وحق الشكوى على من اغتصبها وحق نيل القصاص منه

. رسائل عديدة وجهها هذا العمل الإعلامي الوثائقي الذي يستحق منا الاحترام والتقدير للجهود المبذولة رغم ضعف الإمكانات المالية من جهة وصعوبة العمل بسبب حساسية الموضوع. أدعو الجهات المسؤولة والمختصة إلى توفير الحماية والأمان للنساء عبر القوانين الجادة ضد القتل على خلفية الشرف والذي غالباً يكون قتل بأسباب أخرى، لكن الشرف هو اللقب الذي يحول الجاني إلى ضحية في مجتمعاتنا يساندها القاضي قبل المواطن. الدعوة مفتوحة أمام الإعلاميين لتكثيف تلك الجهود مع كل الجهات الرسمية وغير الرسمية (القضائية والدينية والاجتماعية) المختصة لتسليط الضوء على القضايا الحساسة علّها تساهم في خفض نسبة الجرائم مع رفع نسبة الوعي المجتمعي لتخفيف حدة ذكورية المجتمع. كل الاحترام لطاقم العمل ومزيداً من النجاح وإعلاء صوت المكلومين.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا