الرئيسيةمختاراتمقالاتنظام «حكم الفرد» الفلسطيني! كتب رجب أبو سرية

نظام «حكم الفرد» الفلسطيني! كتب رجب أبو سرية

كان من الواضح أن تمنُّع قيادة المجلس الوطني الفلسطيني عن الاستجابة لدعوة الرئيس محمود عباس لعقد جلسة عادية أو استثنائية للمجلس الوطني، كانت بدافع من خشية قيادة المجلس الشائخة من أن يتضمن الاجتماع بنداً خاصاً بإعادة انتخاب قيادة المجلس وقيادة م ت ف، أي اللجنة التنفيذية للمنظمة، وأن هذا التمنّع يستقوي بمعارضة هي قائمة على كل حال، من قبل من يهمه أمر الاستمرار في ترهل وضعف، بل وعجز م.ت.ف عن القيام بدورها، بل بأي دور إيجابي من شأنه أن يدفع الشأن الفلسطيني العام إلى الأمام، على كافة المستويات، خاصة وأن المنظمة هي أم السلطة، وهي القيادة الوطنية الأولى والعليا للشعب الفلسطيني.

وكان واضحاً أيضاً أن لجوء الرئيس وعدد من أعضاء التنفيذية لتقديم استقالاتهم ما هو إلا أحد أدوات الضغط على رئاسة المجلس الوطني لعقد الجلسة المبتغاة، والتي يبدو أن القيادة التنفيذية الفلسطينية تحتاج إليها في هذه اللحظة الفارقة لمواجهة استحقاقات سياسية مستعصية، منها ما له علاقة بالصراع الداخلي ومنها ما له كل العلاقة بالصراع مع إسرائيل، لكن الحديث عن استقالة الرئيس شخصياً، هو الذي ما زال مدار الجدل، خاصة وأنه أصر في اجتماع مركزية فتح على موقفه.

معروف للجميع أن الرئيس محمود عباس، لم يكن طامعاً يوماً برئاسة الشعب الفلسطيني، وهو شارك في القيادة التاريخية دون أن يتصدر المشهد، لسمة لها علاقة بالتواضع الشخصي، ونكران الذات، ورغم أنه “هندس” أوسلو، وأنقذ م ت ف من الإهمال والتجاهل الدولي والإقليمي، بعد حرب الخليج الأولى، إلا انه لم يتحمل مسؤولية السلطة الناجمة عن أوسلو، إلا بعد رحيل ياسر عرفات، وحتى في تلك اللحظة، لم يتقدم بنفسه لموقع المسؤولية الأول، بل كان هناك من فعل ذلك من قيادة فتح.

في الحقيقة أبو مازن ينتمي إلى جيل من القيادات العربية، التي تمت بصلة للمشير عبد الرحمن سوار الذهب (لمن يتذكر الرجل)، جيل قليل العدد لكنه يقرأ المستقبل جيداً، أكثر مما هو أسير تفاصيل اللحظة، وهو مقتنع بأن عصر القائد الفرد، في عالمنا العربي قد انتهى وولى، ليس ارتباطاً بالتقدم في العمر، بل بالتغير الذي حدث في العالم، حيث لم تعد هناك دول أو مجتمعات تقاد من قبل الأفراد المستبدين إلا في المنطقة العربية، لذا فإنها تغلي وتمور بالعنف والاقتتال، الذي قد يستمر عقوداً، إلى أن تستوي البلاد والعباد على ما هو طبيعي، ومتطابق مع منطق ولغة العصر.

ورغم أن رأس النظام الفلسطيني الحالي ليس من طبيعة مستبدة، إلا أن كل مفردات النظام السياسي الفلسطيني، هي مفردات نظام حكم الفرد المستبد، الذي لا يختلف في شيء عن نظام حكم الفرد في الدول العربية، حيث لا اختلاف بين نظام حكم ملكي، جمهوري، أميري أو سلطاني، ولا يختلف الرئيس عن الملك عن السلطان، عن أمين عام الحزب أو مرشد الجماعة أو أمير الجماعة الأخرى، وليست فقط قيادة المجلس الوطني شائخة، بل كذلك قيادة التنظيمات كلها، دون أي استثناء، الجبهة الديمقراطية محكومة من قبل أمين عام ونائبه وممثلها في م.ت.ف منذ التأسيس (أي منذ 64) حتى الآن، الشعبية لا تختلف كثيراً، والجانب الآخر من الصورة، هو أن أمناء وأعضاء الهيئات القيادية، حتى لو كانوا شباباً (تحت الستين سنة!) فإنهم يجلسون على تلك المقاعد فترات غير محددة، مثال على ذلك حماس وحزب الشعب، فدا، والنضال الشعبي والجهاد الإسلامي، حتى يكاد المرء يظن بأن الفصائل والتنظيمات ما هي إلا ممتلكات خاصة لقادتها الأفراد!

كيف يمكن لشعب تحت الاحتلال أن يتحرر وهو مكبل ذاتياً، يستحيل عليه بالطبع ذلك، ولأن الحاكم المستبد لا يصنع نفسه بنفسه، بل يصنعه وعي عام وأناس لهم مصالح ضيقة وخاصة، فإنه لا يكفي أن يسقط رأس النظام أو يستقيل، بل لا بد من تحطيم أو تغيير كل أدوات ومظاهر وركائز هذا النظام، ولا بد من إحداث الثورة الداخلية، والبدء بـ”الربيع الفلسطيني الداخلي” بمظهره الصحيح، فالوضع القائم إنما هو مطلب للعدو قبل الزميل، وهدف للخصم قبل الأخ والرفيق!

كنا قد قلنا في مناسبات سابقة إن النظام البرلماني هو أنسب للدول والمجتمعات التي ليس لديها إرث ديمقراطي، وإنه لا يجب “تقليد النظام الأميركي” ولا حتى الفرنسي، وهذا ما تفعله دول شقيقة، من بنغلاديش، إلى تركيا، مرورا بباكستان، وحين يفكر أحد من مشاريع الأفراد المستبدين مثل رجب طيب أردوغان بتحويل النظام إلى نظام رئاسي، يقف الشعب في طريقه، كما حدث مع حزب الرفاه التركي في الانتخابات الأخيرة.

ولأننا مقتنعون بأن “الحياء” والمنطق الديمقراطي يدفع الرئيس أبو مازن للإصرار على استقالته أولاً من تنفيذية م.ت.ف، فهو قد بلغ الثمانين من العمر أولاً، ثم أخذ فرصته في “الحكم والقيادة” عشر سنوات كاملة، أي أكثر مما هو مسموح به للرئيس الأميركي، في حين أن قيادة فتح هي التي تضغط عليه للبقاء والاستمرار حفاظاً على مواقعها وامتيازاتها هي، ولأن خروجه يمكن أن يفتت الحركة وأن يضعف نظام الحكم الفلسطيني وأن يضعه في مأزق، فإننا نجدد اقتراحاً سابقاً، وهو الانتقال من هذه الحالة إلى نظام حكم المؤسسات، عبر مرحلة انتقالية، مضمونها أن “يرث” الرئيس “ترويكا” حكم، مثلثة الأضلاع، وأن تتم الاستعاضة عن استقالة الرئيس بانتخاب نواب له، واحد في تنفيذية م.ت.ف، الآخر في فتح والثالث في السلطة، على ألا يكونوا كلهم فتحاويين بالضرورة، بل نظن أن من شأن هكذا اقتراح أن يجد حلاً للانقسام، حيث يمكن لنظام الشراكة أن يقوم على أساس أن يكون نائب الرئيس في م ت ف من حماس، في حين يكون نائبه في السلطة، من فتح!.
Rajab22@hotmail.com

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا