بطاريات ترامب

بقلم: نبيل عمرو

بطارية ترامب آخذة بالنفاذ داخل الولايات المتحدة، فإن لم تفرغ قبل نهاية ولايته فإنها حتما ستواصل الضعف.
في الأشهر الأربعة الأولى بدت حصيلته الرئاسية شديدة التواضع في الإيجاب، وغزيرة العلامات في السلب، ولم يحدث من قبل أن بدأ الحديث في أوساط مهمة عن الإقالة والاستقالة، ولم يحدث كذلك ان انخفضت شعبية رئيس بالقدر الذي انخفضت اليه شعبية ترامب، ولم يحدث من قبل أن اشتبك الرجل الأول في أمريكا مع الصحافة والقضاء الى الحد الذي أدمن فيه الرجل على الشكوى والتظلم واستدرار الشفقة، كما لم يحدث في تاريخ الرئاسات الامريكية استقالات وإقالات، أظهرت كما لو ان الذي يجلس في البيت الأبيض، هو جنرال ينتمي الى عالم الانقلابات والفتك بالخصوم، ولم يحدث أن حرّك رئيس الولايات المتحدة حاملة طائرات استراتيجية لإخافة رئيس دولة تراها أمريكا مارقة، وحين تحداه رئيس تلك الدولة اصدر تصريحا يقول فيه انني اتشرف لو أتيحت لي فرصة لقاء هذا الرئيس والتفاهم معه.
بطاريات آخذة بالنفاذ، ومتاعب تسقط على رأسه كما البرد، وآفاق ملبدة بغيوم سوداء لا يعرف أحد ما تخفي وراءها من مصائب، هذا هو حال الرئيس الأمريكي في بلاده، لذا كان بديهيا ومتوقعا أن ييمم وجهه شطر الشرق الأوسط، حيث الشاحن الدائم لكل البطاريات الآخذة بالنفاذ، والاستثمار في الشرق الأوسط محبب تماما لرجال الاعمال الذين يصبحون بين عشية وضحاها رؤساء دول، فهو إن لم يربح فلا يخسر، وفي حال صاحبنا ترامب، فقد شحن بطارياته أولا في السعودية، حيث يستطيع المباهاة بأنه حصل على استثمارات لم يحصل على مثلها غيره من الاسلاف البعيدين والقريبين، وحصل من العالم العربي على شحنة مهمة تؤهله للقول “إنني رممت علاقات أمريكا مع الحلفاء بعد ان قوضها سلفي ببيع العرب الى إيران وإدارة الظهر لهم ولقضاياهم وهمومهم”، ويستطيع القول كذلك أنه حاصر “الإرهاب الإسلامي باحتشاد غير مسبوق وراء ترمب الذي نصب نفسه قائدا للجبهة العالمية في الحرب على الإرهاب، وحصل على شحنة إسرائيلية يعرف كيف يستثمرها في أزماته الداخلية، فإسرائيل ليست نقطة على حافة المتوسط ولا حيا صغيرا من أحياء الشرق الأوسط، بل هي موجودة هناك في واشنطن وفي البيت الأبيض والكونغرس وفي كل زوايا التأثير على وضع الرئيس وسياساته.
وعندنا ونحن أصحاب الشاحن الأضعف في عالم الأغنياء والأقوياء، فباستطاعته القول إنني حصلت على الحصوة التي تسند الزير، وتمنحني نكهة العدالة والقيم وعناية بالمظلومين.
وبعدنا حيث ساعة تكفي وربما تزيد، عاد إلى الشاحن الإسرائيلي من جديد، ليكمل ما بعد المبكى في وقفة خشوع في رحاب “الكارثة والبطولة” وبعد ذلك إلى قداسة البابا، وكأنه يلوذ بالديانات لحماية القيم، اذ باستطاعته بعد ذلك أن يقول لم يبقَ غير الشيعة لم أزرهم.
السؤال… هل ينفع ذلك كله في تأمين الطاقة اللازمة للاستمرار أولا وتحقيق الأهداف تاليا؟
في أمريكا قد يتحسن الوضع قليلا ولكن لا ضمانة بأن تروض المشاكل والمتاعب لتصبح تحت السيطرة، اما في وعوده للحفاء فقد وضع الرجل نفسه في حالة اختبار للقدرات قبل المواقف والتوجهات.
علامة النجاح الأساسية في الشرق الأوسط يحددها ما يستطيع او لا يستطيع في أمر حل القضية الفلسطينية، هو ورّط نفسه بوعد اقرب الى اليقين، لم يطلب منه احد ان يعد بصفقة تاريخية ينهي فيها الصراع، ويغلق ملفاته التي أعيت الكون على مدى ثلاثة أرباع قرن، ولم يطلب منه أحد ان يستخدم عصاً سحرية يمررها على الحريق المشتعل على السطح والكامن في الأعماق، لتصير بردا وسلاما بفعل قدراته المشهود لها في عالم العقارات، وها هي تختبر في عالم الاستراتيجيات.
كل الذين استقبلوه واحتفوا به وضعوا في جيبه قائمة طلبات حين يفتحها ويقرأها ويتأملها وهو في المكتب البيضاوي، سيجد نفسه حاملا كل مصائب الكون على كتفيه، ومصيبة ترامب ان أصحاب الطلبات متعجلون على الوفاء بها، فلا شيء مجاني في هذا الزمن ولا ديون تحتمل المسامحة، واذا كان شاحن البطاريات الشرق اوسطي قد فعل فعله وأمن طاقة تعمل لأيام او أسابيع أو شهور، فالشاحن الأمريكي المضطرب والذي أضاء إشارة برتقالية، إن لم يعد إلى كفاءته المعتادة ويؤمن للرئيس دعما متصلا حتى نهاية ولايته، فكل ما عدا ذلك ربما يصير عبئاً وعبئا مستحيلا.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا