الرئيسيةمختاراتمقالاتحول احتمالات تسوية القضية الفلسطينية

حول احتمالات تسوية القضية الفلسطينية

بقلم: محمد بدر الدين زايد

اعتبر كثيرون في العالم العربي أن هناك بارقة أمل في تحريك القضية الفلسطينية في ضوء زيارة ترامب الأخيرة للمنطقة، والتي شملت إضافة إلى السعودية كلاً من إسرائيل وبيت لحم، ومع الحديث عن طرح مبادرة سلام أميركية بعد شهر. في الواقع أنه من الضروري تناول هذه التطورات والآمال بمقدار كبير من الموضوعية والتأمل الهادئ. وفي تصوري أنه يمكن تصنيف الأبعاد المختلفة المحيطة بهذه التطورات في مجموعتين متناقضتين من الأبعاد الإيجابية والسلبية.

المجموعة الأولى التي يمكن وصفها بالإيجابية، تبدأ بوجود تحسن لا يمكن إنكاره عن المواقف التي عبَّر عنها دونالد ترامب خلال الحملة الانتخابية الرئاسية ما بين دعم مطلق لإسرائيل بل حتى لسياستها الاستيطانية، ومن حديث معتاد عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهنا مثله مثل سابقيه الذين لم يفعلوا هذا بعد انتخابهم ولكن شدة سلبية مواقفه جعلت هذا الاحتمال وارداً – فضلاً عن المضمون السلبي غير المسبوق تجاه العرب والمسلمين خلال هذه الحملة. الشاهد أن لغة ترامب تغيرت كثيراً، والتقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرتين في هذه الفترة الوجيزة، وتحدث عن ضرورة تحقيق السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، كما أنه انتقل إلى خطب ود العرب والمسلمين. أما السبب الثاني والذي قد يكون الأكثر أهمية، فهو ما يتضح بخاصة عند تحليل أوضاع إدارته الداخلية أن ترامب يعاني تحديات واخفاقات داخلية حادة. وهنا سبق لنا أن أشرنا قبل نحو شهرين، إلى أن السيناريو المتوقع هو أن ترامب سيسعى إلى تحرك خارجي يعوض به النكسات الشديدة لسياساته ووعوده الداخلية، بخاصة تلك الوعود ذات الطبيعة الاستراتيجية، ومنها إفشال القضاء لسياساته المتعلقة بتأشيرات دخول بعض جنسيات عدد من الدول العربية والإسلامية، والتعسر حتى الآن في الحصول على دعم مجلس الشيوخ لإلغاء قانون أوباما للتأمين الصحي بعد جولة فاشلة في المجلسين، ثم تمريره بصعوبة في مجلس النواب. والأهم من كل ذلك، تصاعد التقارير والتحليلات التي تتحدث عن احتمالات مواجهة إدارته لأزمة قانونية ودستورية مرتبطة بقصة التورط الروسي في الانتخابات الرئاسية، وما حدث أخيراً من إقالة مدير الشرطة الفيديرالية، حتى أن البعض بدأ في مقارنتها بفضيحة «ووترغيت»، ويدللون على ذلك بأن هذا النوع من الأزمات يستغرق وقتاً طويلاً حتى تنضج تفاعلاته. والمعنى هنا هو أن ترامب سيحتاج إلى تحرك خارجي صاخب ومتواصل، وليس أبرز من تحقيق إنجاز خارجي في أزمة مزمنة تاريخياً، خصوصاً إذا كانت تحقق وعوده بدعم مكانة بلاده عالمياً.

يضاف إلى هذه الأسباب، أنه وفقاً لقواعد التفكير الرشيد، فإنه من الصعب تحقيق نجاح حقيقي واختراق في حشد الأطراف الإقليمية ضد إيران، في ظل استمرار السياسات والمواقف الإسرائيلية المتعنتة. وهنا لا يبدو أن المتعجلين الإسرائيليين في التحالف مع العالم العربي يدركون مدى عمق ومحورية مسألة القدس لدى العرب والمسلمين جميعاً، وأن الأمور أعقد كثيراً مما تبدو عليه.

أما المجموعة الثانية من العوامل والتي يمكن وصفها بالسلبية أو تعمل في الاتجاه المعاصر، فأهمها أن ترامب لم يقل شيئاً محدداً حتى الآن، ودليل ذلك كلماته سواء في القمة العربية الإسلامية الأميركية أو في المؤتمر الصحافي في بيت لحم، ولم يشر ولا مرة واحدة إلى حل الدولتين، كما لم يشر قط أيضاً إلى مبادرة السلام العربية وكان أولى أن يفعل ذلك في العاصمة التي أطلقتها. وحديثه عن تنازلات الجانبين لا يعني شيئاً. والإشكال الآخر أن الرجل عموماً في خطابه الشعبوي قبل الانتخابات وبعدها هو بلا رؤية حقيقية، وحتى في حديثه عن إعادة دور بلاده فإنه يختزل هذا في دفع الآخرين فاتورة حمايتهم. يضاف إلى ذلك أن ترامب ليس أيضاً رجل تفاصيل، ولم يقدم مؤشرات على أنه سيتمكن من متابعة دقيقة وجادة لعملية معقدة كالمفاوضات الفلسطينية، وسيكون مدهشاً لو أن له دأب جيمي كارتر أو بيل كلينتون، ومع ذلك لم يوضع الأول في تفاصيل كالحالة الفلسطينية ولم ينجح الثاني في وايت ريفرز، وقد يشير البعض هنا إلى أن هذه مهمة كبار المسؤولين أو حتى الوزراء- وهذا صحيح إلى مستوى معين في تعقد المفاوضات وبخاصة في مثل هذا النوع من المفاوضات المصيرية المعقدة التي تتداخل فيها الاعتبارات والضغوط. فهنا لا بد أن تأتي فيها مراحل تقتضي تدخل الوسيط الأميركي الأعلى لكي تتحرك الأمور- وبخاصة في ظل وجود طرف متمرس شديد المراوغة وهو الطرف الإسرائيلي ولنتذكر هنا موقف أوباما السلبي من جهود وزير خارجيته جون كيري.

من ناحية أخرى، فإن الحالة الإسرائيلية بدورها لا تقدم أفضل الفرص التاريخية مع سيطرة اليمين المتطرف، وبمهارة وصعوبة بنيامين نتانياهو، وما يتمتع به من رؤية استراتيجية واضحة لترسيخ أمر واقع في ما يتعلق بالاستيطان وبالقدس، وبعدها يمكن التفكير في تسوية ما هزيلة، كما أن نتانياهو يراهن على البعد الإيراني لإفشال أي تسوية. وفي الأحوال كافة فإن الحديث عن البعد الإسرائيلي يتضمن الكثير من التفاصيل والجوانب التي يصعب حصرها في هذا الموضع. ويضاعف التعقد شيوع التشدد والتعصب في أوساط اللوبي الصهيوني الأميركي مقارنة بمراحل زمنية سابقة ما يشجع على مزيد من التشدد الإسرائيلي. ولا يمكن هنا أيضاً إغفال أن ضعف الموقف العربي وانشغاله بكثير من القضايا والأزمات الأخرى يضعف كثيراً من الموقف الفلسطيني الذي ما زال منقسماً.

أخلص مما سبق إلى أن الاعتبارات التي تحكم فرص التسوية عديدة ومعقدة ومتضاربة وأن السلبي منها ربما يفوق الإيجابي، على أن الكثير سيتوقف على مسار الضغوط الداخلية الأميركية، فقد تؤدي إلى عرقلة شديدة لجهود السلام، كما أنها قد تؤدي في بعض المراحل إلى الهروب إلى الأمام في شكل تحرك خارجي، بأن يضع ترامب مستقبله في يد نتانياهو، وهو احتمال يثير من القلق أكثر من الاطمئنان، وهنا لأن أحداً لا يريد أن يتحمل الجانب الفلسطيني ظلماً مشابهاً لوايت ريفرز، وما ترتب على ذلك من تبعات ونتائج ما زال الجانب الفلسطيني يعاني منها كثيراً، فإن التخطيط الفلسطيني الدقيق لكل هذه الاحتمالات هو أمر ضروري الآن، فالضغوط الصعبة التي قد يتعرض لها الجانب الفلسطيني تقتضي الإعداد الجيد، ليس فقط لملفات التفاوض، وإنما لكيفية التعاطي الذكي مع سبل مقاومة التنازلات غير الممكنة، وأول سبل الاستعداد تدعيم جسور الاعتماد على اللاعبين الرئيسيين العرب المعروفين تقليدياً بهذا الشأن.

نقلاً عن جريدة الحياة اللندنية

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا