مجزرة المسجد الابراهيمي.. جرح نازف في ذكراها الـ 21

صحيح أن التاريخ يمضي على عجل لكن التقادم فيه لا يسقط من رحمه محطات نقف على عتباتها وقفة النازف الذي انهكه الألم، ولاحقته الصور المنقوشة في لب الذاكرة لتخالط بالصوت أزيز الرصاص وأنات وصرخات الجرحى في مذبحة كتمت فيها أنفاس المصلين فجراً في محراب المسجد الابراهيمي الشريف في الخامس والعشرين من شهر شباط 1994 والتي توافق ذكراها الحادية والعشرين اليوم.

كانوا قائمين بين يدي الله سجدوا فكانت السجدة الاخيرة لكثير منهم والسجدة التي ما عادت تلامس الارض منذ ذاك الحين لبعضهم كسجدة كمال عابدين من الخليل أحد المصابين في المذبحة التي توقد في صلواته تفاصيل ذاك اليوم الأليم (من أصعب اللحظات التي تعصف بي كانسان هي اللحظة التي ما عدت بها قادراً على الوقوف، أقيم الآن صلواتي وأنا في حضرة كرسي متحرك أجسد في صلاتي فلا أعانق الأرض كحال المصليين العاديين ، أصلي وفي معظم الأوقات تكون المذبحة حاضرة في ذهني ، فاللحظات المؤلمة لن تنسى وما يزيدها مراراً وأسى تقسيم الحرم ومعاناة الجرحى وأهالي الشهداء ).

الشيخ عادل ادريس من الخليل إمام المسجد الابراهيمي يوم المذبحة ، وشاهد حي على تفاصيلها ، وشقيق لأحد الشهداء فيها تمر التفاصيل أمام ناظريه وكأنها تحدث الآن وما علق في ذاكرته مر وقاسٍ مبيناً ذلك قائلاً (لا زالت صور الجرحى والشهداء عالقة في ذاكرتي رغم مرور الوقت ، كثيراً ما تهاجمني اللحظات فأرى الأدمغة التي خرجت من رؤوس الشهداء ،وأسمع تكبيرات المصلين التي انطلقت في حينها ، لا زالت عيناي ترصدان بشاعة مرتكب المذبحة باروخ غولد شتاين وهو يصوب رشاشه نحونا بعد دخوله من باب الاسحاقية وتمركزه في الناحية الغربية بعد الحضرة الابراهيمية ليحصد أرواح 29 شهيداً وحوالي 200 جريح ).

لا تنصف الضحية في شريعة الغاب وما حدث للمسجد الابراهيمي الشريف ما بعد المذبحة دار في فلك هذه المعادلة القاتمة فقد اغلقت في حينها المدينة وكل الطرق المؤدية للمسجد الابراهيمي الشريف بالأسلاك الشائكة والحواجز العسكريه وقسم المسجد بعد سته شهور لقسمين احدهما للمسلمين والآخر لليهود وفق قرار ما يسمى «لجنة شمغار» التي شكلت بعد المذبحة للتحقيق في حيثياتها وليس فحسب وفق ما بينه رئيس قسم السدنة في الحرم الابراهيمي حجازي أبو سنينة (لقد كانت ممارسات الاحتلال الاسرائيلي ما بعد المذبحة تهدف لتهويد المسجد الابراهيمي الشريف ومنع وصول المصلين اليه وتمثل ذلك بوضع بوابات حديديه لولبية وأخرى الكترونية بالإضافة الى اغلاق المتاجر في البلدة القديمة واغلاق سوق الخضار المركزي (الحسبة ).

في النهايات لربما تكون البدايات وفي مقبرة الشهداء في حارة الشيخ من الخليل التاريخ والمقابر تنطق سويةً أبجدية الفراق وتعزف لحن الوداع لأسماء بعض شهداء المذبحة التي حملتها الشواهد وضمتها القبور وفق ما بينه مدير مؤسسة الحيلة وأحد القائمين والمؤسسين لمقبرة الشهداء ياقين الحيلة قائلاً (لقد دفن في مقبرة الشهداء العديد من شهداء مذبحة الحرم الابراهيمي الشريف ومنهم محمد كفاح مرقة ، ومحمد صادق أبو زعنونة ، ونور الدين المحتسب ، وسليم فلاح ادريس ، وعطية محمد السلايمة ،ورائد عبد المطلب النتشة ، لقد كانت المذبحة مؤلمة لأهالي الشهداء والجرحى ولأهالي المحافظة جمعاء ، ومن أكثر المواقف التي لا زلت أذكرها استشهاد عطية السلايمة في مواجهات وقعت ما بعد المذبحة في نفس اليوم الذي شارك فيه بحفر قبر الشهيد محمد كفاح مرقة ).

مضى وقت على المذبحة التي دونها التاريخ في أجندته التي إن طالها غبار الزهايمر يوماً سينطق بتفاصيلها المسجد الذي لا زالت آثار الرصاص محفورة في جدرانه ، وسيورث من عايشوا المذبحة تفاصيلها المؤلمة لجيل لن ينسى يوماً ما حدث وان تناسى فالبوابات الحديدية وتقسيمات المكان ستدفعه للسؤال عن السبب الذي يحمل في مضامينه الاجابة عنه في اشارة للمذبحة .

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا