المواطن العربي يتساءل كتب د.مازن صافي

من ينظر إلى عمق التشتت العربي، وتشرذم القوى، وتفتت القرار، يشعر بالإحباط الشديد وربما بالهروب من واقع وطننا العربي، الذي لم يعد يُذكر إلا بأسماء جديدة ومنها “الشرق الأوسط”، هذه المأساة التي يعيشها المواطن العربي، بحاجة إلى من يقرؤها ويعمل على إعادة فك رموزها، لماذا، وكيف، ومتى، وكثير من الضمائر المتصلة والمنفصلة، لكي نفسر ما يحدث ونتوقع ما سيحدث ونعمل على لملمة ما تبقى، والحفاظ على المجزأ والمقسم والمتهالك والمتصارع، ورسم خطوط الأمل الكبير فوق جغرافيا تعيش الاستقرار، ويمكن أن يبدأ منها إعادة البناء، ومن المحزن جدا أن هذه المنطقة التي حباها الله بالطقس الجميل والثروات والتراث والحضارة ومهبط الديانات، يراد أن تتحول إلى مناطق تدور فيها الحروب الأهلية، واستنزاف خيراتها المادية والمقومات البشرية على حد سواء، أبحث عن إجابة عن سؤال يبدو خياليا في فوضى الواقع، والسؤال هو: هل يمكن أن يُعاد الوطن العربي أكثر قوة ومنعة، وكيف، وما هو الوقت اللازم قبل فوات الأوان، وقبل أن تتغول أنياب الاستعمار القديم والجديد في هذا الجسد العربي الواحد.؟!

نحن بحاجة إلى “ثورة عقلية” للمفكرين وأصحاب الرأي والقرار، بحاجة إلى رسم الصورة الأدق لما نحن فيه، وأن يتم فصل العاطفة عن الواقع، وأن يتم وضع الحقائق والظواهر من التاريخ القريب والبعيد، لنصنع حقائق قابلة للتطبيق، وتبعدنا عن العشوائية والتخبط، والنقد المؤلم تشخيصا دون علاج، العالم العربي اليوم بحاجة إلى العقول العظيمة التي يمكنها قراءة التطورات المتلاحقة، وبالتالي رسم “سياسة استيراتيجية” وأهداف نوعية زمانية ومكانية، ليُعاد للمواطن العربي قدرته على التفكير ويُبعد عنه الإحباط أو الاستسلام لما يحدث، فما يحدث ويتراكم من منطقة جغرافية لأخرى، يعمل على بروز أنواع متعددة من القضايا سواء اقتصادية و سياسية و اجتماعية.

باختصار المطلوب هو إبداع فكري وقرار استراتيجي ووطن يعاد إلى أهله، وجيوش يُحافظ عليها ومقدرات وثروات هي كنز للأجيال، لكي لا نجدهم خارج جغرافيا الوطن عبر رحلات الهجرة الغير شرعية المميتة أو الهجرات القانونية التي يذهب من خلالها المواطن ولا يعود ويتحول الأبناء والأحفاد على مدار السنوات القادمة إلى “غرباء” أبعد ما يكونوا عن ثقافة الوطن والانتماء للدفاع عنه، وأقرب ما يكونوا للانخراط في منظومة اجتماعية تهدد روابط الحضارة التي يمكن الارتكاز عليها لكي لا تضييع باقي المنظومة العربية ويتحول الوطن العربي الى “مجموعات صغيرة”.

على الجميع أن يبتعد اليوم عن “الانغلاق” أو “التقوقع” أو “التفاؤل المفرط”، وعليهم أنفسهم الاقتراب أكثر للانفتاح الواقعي لواقعنا ورفض الهيمنة والاستعمار الجديد ونهب الثروات، ويجب أن يعاد للقضية الفلسطينية مركزيتها كونها نواة أي قوى عربية، ولا نذكر أنه منذ احتلال الأرض الفلسطينية، قد نجح أي نظام في إقناع شعبه بالتخلي عن هذه القضية وعن أولى القبلتين ومهد الديانات السماوية، في المقابل نجح الاستعمار القديم في رسم وتنفيذ استيراتيجية لاحتلال الأرض وتزييف التاريخ، والعمل على تفتيت كل ما هو حول الكيان الاستعماري الإسرائيلي لتتحول المنطقة إلى أقليات متناثرة ومتناحرة، ونحن على أعتاب الذكرى الـ67 للنكبة بحاجة أيضا لقراءة عميقة ودقيقة لواقعنا الفلسطيني ومعالجته، لكي نبقى أقوياء وقادرين على الصمود.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا