وعاء الرسول ووعاء الآلهة:نظرات في فكر الاسلامويين ح5 (البنا والسندي) كتب بكر أبوبكر

نكمل السلسلة في هذه الحلقة الخامسة من دراسة “وعاء الرسول ووعاء الآلهة:نظرات في فكر الاسلامويين” بعد أن تكلمنا سابقا، عن العقل القطعي اليقيني ومواصفاته الثلاثة، والاختلاف بين الخلاف الموقفي واليقيني، الى أن تحدثنا في الحلقة الثالثة عن إيماني أنا وما لهم هم، وبداية التعرض لنظرية الوهم المقدس، وأوضحنا كيف يصبح الاول المقدس هو الخامس وفق المعادلة النفسية

1. (الإسلام = مقدس).

2. (فهم الإسلام) وهو فهم محدد

3. وبالتالي (حزب فهم الإسلام)

4. ثم (أصحاب حزب فهم الإسلام)

5. ثم (أفعال أصحاب حزب فهم الإسلام).

وذلك رغم أن الفهم للإسلام غير قابل للاحتواء، في [فهم] أو تفسير أو مسار واحد، واليوم نكمل اليوم بعرض نموذج في الاخوان المسلمين

النموذج الإخواني و”تنظيم العشرات”

ولنضع بعض الوقائع في إطار ما نتحدث عنه فنموذج الإخوان المسلمين كتنظيم فكراني عقدي (أيديولوجي) نموذج قابل للتعاطي معه حيث حوى تيارات منها التقليدي الدعوي ومنها القطبي المتشدد (مدرسة العشرات) ومنها المجدد الذي خرج بغالبه إذ لم يستقم للمتخشبين بالتنظيم أن يفهموا التجدد ولم يستطيعوا أن يقرأوا تاريخية الدعوة

إن مدرسة الثالوث في الإخوان “مدرسة العشرات-نسبة لسجنهم عشر سنوات من الأعوام 1965-1975” مدرسة القطبيين، هي مدرسة تستند إلى مقومات “الايهام” للآخر المتلقي من الناس أنه هو وحده الحق=وحده الإسلام، ما يوقع الروع والخوف من مخالفته، لأنه الإسلام بعينه (نحن أهل الحق/أهل الصدق/التنظيم الرباني/هذا الأمر كله=الدعوة الاخوانية من القرآن…الفسطاطين بلسان خالد مشعل رئيس المكتب السياسي ل”حماس” الفلسطينية مرارا) ما عبر عنه بإخلاص شديد وإيمان د.محمود الزهّار، فهو لا يقول إلا ما يمثله التيار الحاكم والمسيطر بالإخوان منذ 1996 ، استكمالا لتأثير سيد قطب فيما سبق.

وكما هو الحال في فكر د.محمود الزهار الصريح إخوانيا ووطنيا، إذ لا وطن مع فكرة الدولة الاسلامية=الخلافة=استعادة مجد الإسلام من خلال “فهم” الإخوان كما أكد عليه البنا مرارا فيما أسمى وصاياه العشرين، لاحظ كلمة “فهم” الإخوان للإسلام.

“بفهم” الاخوان يتم تنزيه الذات المكتملة (القرآن=الدعوة=البنا=الزهارأو أي منهم) ما يُسقِط أوهام “فكرة-فهم” حزبه على الناس كما فعل د.محمود الزهار في المسجد الجمعة الفائتة من شهر ابريل 2015 في غزة، فضلل المسلمين ضلالا شديدا ، حيث استخدم الآيات الكريمة المختلفة (قاتلوهم حيث ثقفتموهم/من يتولهم فهو منهم/…) بشكل إسقاطي مختل، من رجل يظن نفسه يمثل الإسلام وحزبه حيث اجتزأ وأوهم وأسقط وعكس على ذاته المطلق والصلاح والحق والآخرين ضمن تشبيهاته للإخوان أنهم المسلمين وحدهم! ولمن يخالفه هم: كفار قريش حسب تطويعه للآيات بشكل لافت، عدا عن تفسيراته للآيات ما لا يتفق فيها معه كثير من المفسرين أصلا.

البنّا وهدى الإسلام الحنيف

الزهار[1]وطنيا-وتياره المتشدد في “حماس”- وكذا “الاخوان” عامة عندهم “التمكين” مرحلة ثالثة، ولا يجوز بعد أن حصلت (في غزة كما بالسودان اليوم) لا يجوز التخلي عنها مطلقا، ومن الممكن استخدام كافة الأسلحة حينها -حين التمكين- ضد المخالفين، ما قاله ونظّر له حسن البنا الذي هدد بالانقلاب على الحكومة المصرية في المؤتمر الخامس للإخوان عام 1938 (ص43 نصا: ان الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولا….)؟

لماذا ؟ يرد بالقول لأن (الإخوان المسلمين يسيرون في جميع _لاحظ التنزيه في جميع خطواتهم وأعمالهم على هدى الإسلام الحنيف كما “فهموه”…..وهذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمين يجعل الحكومة ركنا من أركانه ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد وقديما قال الخليفة الثالث رضي الله عنه إن الله ليزع بالسلطان ما لا بالقرآن،[2] وقد جعل الرسول الحكم عروة من عرى الإسلام والحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول لا من الفقهيات والفروع ….فإن القعود عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف ص 45)

ناهيك عن الخلط الفقهي فيما قاله حسن البنا الساعاتي أن الحكومة أوالدولة أو الخلافة ركنا أو من العقائد ما هو غير صحيح البتة، بل العكس هو من أمور الاجتهاد لا من العقائد، وعدا عن خلطه أنه من الأصول وقد أخطا ثانية فهو في كتب الفقه عدا الشيعة من الفروع ضمن السياسة الشرعية، ثم أخطا ثالثا في نقل قول عثمان المتناقض مع القرآن كمطلق قول، وحتى لو صح عن عثمان رضي الله عنه فقصد به وقتها المحاربين له في فترة الفتنة عليه، والقول الأصدق عامة هو أن قوة القرآن (يزع) أشد من السلطان في نفوس المؤمنين الأتقياء والعكس يشمل فقط المؤمنين الضعاف.

إذن د.محمود الزهار في نموذجنا الفلسطيني ينهل من هنا فهو يريد إعادة حكم الإسلام جبرا واستبدادا بفهمه هو، وقسرا لأنه هو الإسلام أي هو ودعوته وفهمه أو فهمهم الأوحد للإسلام كما قال البنا ثم أصّله قطب ثم مصطفى مشهور الذي طالب بالتوقف للمسلمين عند فهم واحد فقط، تصور رغم تعدد اجتهادات المسلمين ما هو نعمة كما يقول الرسول.

عبدالرحمان السندي والطاعة العمياء

أنظر لمنطق الجبر والاستبداد في أسلوب عبدالرحمان السندي رئيس النظام الخاص أي التنظيم السري في الإخوان منذ البنا، الذي حله المرشد الثاني حسن الهضيبي، وهذا الرجل الذي قابله عمر التلمساني “المرشد ما بعد الهضيبي”، الذي قابل السندي فترة الأول ليحاول فهم سبب موقف العداء بينه والمرشد الهضيبي فقال له التلمساني كما يروي: أهذا رأي جماعتك؟ قال السندي: أنا لم أعتد أن آخذ رأي أحد؟؟ هكذا كان انعكاس الطغيان والاستبداد الناشيء عن مفاهيم السمع والطاعة المطلقة العمياء في داخل التنظيم السري الذي وصل لدرجة العبودية للسندي في مقابل طغيانه، ما تجده في التنظيمات السرية القتالية عامة منذ الحشاشين حتى مليشيات “حماس” اليوم.

إن فكر التيار القطبي بعملية “تسويق الوهم” وتغليفه بورق حرير أو”سوليفان” القداسة، على أنه حقيقة ينطلق من اكتفائه بذاته، وبما فهمه سابقا دون أن يتبحر ويتفقه وينظر مجددا بالمتغيرات بالاتجاهات الأربعة، وبأفكار البنا من أكثر من 80 عاما التي جاءت في ظرف تاريخي مختلف كليا عن الوجه الحديث الذي ليس فيه القطيعة والمفاصلة ومنطق المعسكرين والفسطاطين بين المسلمين، عدا عن التطور الكبير الحادث في فهم معنى الدولة كوسيلة تؤطر كافة القوى والأفهام والجماعات ثم معنى المدنية ثم معنى الديمقراطية…الخ وهي أفهام حاربها البنا ثم توقف عندها يتأمل ما هو فضيلة تُحترم، إلا أن التيار القطبي أصّل رفضها.

نقول إن هناك خطورة عظمى لانتشار الفهم الضيق مقابل الفهم الرحب، ولانتشار عقلية الانسحاق والإذعان دون تفكير، لأن الفهم الضيق هو الفهم القطعي الاحتكاري الحصري للإسلام (وفي أي فكرانية=أيديولوجية) هو تضييق وهو الذي أصّله الثلاثة (البنا في فترة بحثه عن الخلاص وعسكريا عبر السندي-قطب-مشهور….) وما زال يمثل فكر الإخوان الرسميين اليوم إن استثنينا نموذج تونس والمغرب وتركيا التعددي المستنير.

[1] برر د.محمود الزهار انقلاب “حماس” على غزة عام 2006 بأنه كي لا تروا لحمنا ممزقا على الحائط، أي أن الحسم العسكري (اسم الدلع للانقلاب) كان واجبا (نتغدى بهم قبل أن يتعشوا بنا) لذا لا يمكن انطباق آية (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما…) كما قال خالد مشعل في مقابلة فضائية له بعد الانقلاب في قناة الفجرالفضائية.

[2]العكس هو الصحيح أي (إن الله لا يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) أو (إن الله يزع بالقرآن ما لا يزع بالسلطان) لأن قوة القرآن أعظم مهما كان الجبروت والاستبداد الأرضي، والعبارة باللفظ المذكور المنسوبة لعثمان بن عفان رضي الله عنه ، فإن كان النقل صحيحا فهو يقصد كما نعتقد الفتنة التي حصلت ضده ولم يقاوم الأشرار محدثي الفتنة بالسلطة والقوة مفترضا قوة منطقه وأمانة البيعة كافيا لحفظ السلطة ما لا ينطبق على فئة من الناس هم أصحاب الفتن.

وعاء الرسول ووعاء الآلهة:نظرات في فكر الاسلامويين ح4 (فهمي) كتب بكر أبو بكر

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا