فلتان إعلامي

رشا حرز الله – قبل أكثر من عام استفاق رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض المواقع الاخبارية، على صور الشهيد محمد الطريفي بينما كان ممددا على سطح إحدى البنايات وسط رام الله، مضرجا بدمائه.

لغاية اليوم، لم تفلح وفاء شقيقة محمد، الذي استشهد إثر مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، في منع والدتها من مشاهدة صور نجلها، التي تناقلتها وسائل الإعلام ونشرت بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، دون مراعاة لشعور عائلة الشهيد.

وفاء تلقت صور شقيقها واحدة تلو الأخرى، على صفحتها من قبل أصدقائها الذين قدموا لها التعازي مرفقة بتلك الصور، وتعدى الأمر ذلك إلى إعادة نشرها في الذكرى السنوية لاستشهاده لتبادر هي بحذفها كونها لا تريد أن تكون صورة الدماء آخر ما تتذكره من شقيقها.

وقالت: ‘اضطر لإيجاد الحجج والمبررات مرة بعد مرة، لمنع والدتي من مشاهدة صور شقيقي الشهيد، لأنها في كل مرة تشاهدها عن طريق الصدفة أو بشكل متعمد، تعود إلى حالة الحزن الشديد، وتشعر أن محمد استشهد لتوّه’.

ما حصل مع عائلة الشهيد الطريفي أصبح حالةً تتكرر مع كل حدث يسقط فيه ضحايا، فلم يعد هناك ‘مُحَرَّمات’ لدى بعض وسائل الإعلام، ومستخدمي صفحات التواصل الاجتماعي، وأن ما نشر أمس من صور لضحايا حادث السير المروع الذي أدى إلى وفاة أربعة مواطنين على طريق عقابا الواقعة جنوب شرق جنين، دليل واضح على أن أخلاقيات الإعلام باتت ‘نصا في كتاب’.

وقال رئيس لجنة أخلاقيات المهنة في نقابة الصحفيين حسام عز الدين، إن ‘مسألة نشر صور الضحايا تندرج في إطار إهمال وسائل الإعلام لمشاعر وأحاسيس ذوي هؤلاء الضحايا، بذريعة ‘التنافس الإعلامي’، مؤكدا أن نشر صور من هذا القبيل، بعيد كل البعد عن هذا الغرض، هو بمثابة قتل للضحية مرة اخرى’.

وأضاف: ‘الصحفي الذي درس أخلاقيات الإعلام يعي تماما ما يجب نشره وما لا يجب، ويستطيع التفريق بين الخطأ والصواب، ومع التركيز على حادث السير، فإن العديد من المواقع الإخبارية، صبت اهتمامها على نشر صور الضحايا، وتجاهلت الحديث في تفاصيل الحادث وكيف جرى، ومن المسؤول، وكيفية الحد من هذه الحوادث القاتلة’.

وفيما يتعلق بنشر صور الشهداء، قال عز الدين: ‘في كل مرة يرتقي بها شهيد، تتناقل وسائل الإعلام أسماء وصور مغلوطة، دون التفكير بردة فعل عائلته، هناك أيضا عائلات علمت أن ابنها استشهد عن طريق الفيس بوك، وهذا انتهاك واضح لحق العائلة بالمعرفة بالطريقة الأنسب، كذلك نشاهد بعض الصحفيين يطلبون فتح ثلاجات الموتى للتصوير وهذا انتهاك لحرمة الميت’.

وأضاف: لسنا بحاجة لصور الدم والقتل لنثبت للعالم أن الاحتلال مجرم بحقنا، رغم أهميتها في توثيق جرائم الاحتلال، لذلك يجب الخروج من محتوى الدم إلى محتوى أنسنة القصص، والتركيز على الجانب الإنساني في هذه الأحداث.

وحول دور نقابة الصحفيين، أوضح أن النقابة تصدر بيانات وتخاطب رؤساء التحرير في حال وجود خلل ما سواء في نشر الأخبار أو الصور.

ورأت وزارة الإعلام أن نشر وكالات أنباء ومواقع الكترونية لصور أشلاء ضحايا حوادث السير، مس بأخلاقيات المهنة، وانتهاك يهمل مشاعر ذوي الضحايا.

وأكدت أن أخلاقيات الصحافة لا تتنافس على نقل مشاهد فظيعة للموتى بعيداً عن احترام كرامتهم الإنسانية، ودعت وسائل الإعلام إلى توجيه جهودها وطاقاتها للتوعية المرورية، وحث السائقين وتذكيرهم بقواعد السلامة على الطرق، واستحضار النتائج المميتة لحوادث السير، التي ارتفع عدد ضحاياها في الأسابيع الثلاثة الماضية بشكل غير معهود.

المحاضر في كلية الإعلام في جامعة النجاح الوطنية د. فريد أبو ضهير، قال إن عدم مراعاة الأخلاقيات الإعلامية ونشر صور أشلاء الضحايا وانتهاك حرماتهم تتعلق بمسألتين، الأولى: إما عن جهل وعدم معرفة أو بسبب تأثير الواقع، حيث يرى العديد منهم أن زملائهم نشروا خبرا معينا حتى وإن لم يكن صحيحا، فإن ذلك يدفعهم لنشره.

وأضاف: المسألة الأخرى تكمن في ‘الفيسبوك’، حيث سرعة انتشار الصور والأخبار تجعل بعض الصحفيين ينساقون إلى نشرها على اعتبار أن ‘الجميع نشر، وإذا لم تنشر أنت غيرك نشر’ وبالتالي فإنه يخضع بذلك لضغوطات تجعله يرتكب أخطاء قاتلة.

وأكد أبو ضهير أهمية الجانب الأكاديمي، ودوره في تأسيس طالب الإعلام، وحثه على ضرورة الاحتكاك والمشاركة في ورشات العمل والمؤتمرات والندوات والتدريب على أخلاقيات المهنة، وممارستها على أرض الواقع، لتجنب الوقوع في الخطأ مستقبلا.

وأشار إلى أن تلقي المواطن لصور الأشلاء والدم بشكل متكرر، يؤدي إلى نفوره والمس بمشاعره سلبا، لأنه قد يألف هذه المشاعر ويعتاد عليها، وبالتالي تقل نسبة التعاطف معها.

ويرى أن الحل يكمن في ترسيخ الوعي لدى المواطنين، خاصة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، كذلك على المؤسسات الإعلامية أن تكون قدوة لهم وتمنع تداول مثل هذه الصور، كما أن على نقابة الصحفيين إعطاء إنذار لكل مؤسسة تخالف ذلك.

يعتزم عدد من الصحفيين التوقيع على عريضة بعنوان: ‘مشاعر الناس أقدس من خبطة صحفية’، موجهة إلى وزارة الاعلام ونقابة الصحفيين، ومؤسسات حقوقية، تطالبهم باتخاذ إجراءات بحق المؤسسات الاعلامية المرئية والمسموعة والالكترونية التي قامت ولا تزال بنشر صور لضحايا حوادث وكوارث، على اعتبار أنها انتهاك لمشاعر عائلاتهم.

واعتبر المصور الصحفي فادي العاروري، نشر هذه الصور تعدٍ على حرية الآخرين، وانتهاك لحرمتهم، وانتهاك لأخلاقيات مهنة الصحافة. وقال: ‘من ينشر هذه الصور يفضل الحصول على أعلى نسبة من المشاهدات، على مشاعر أهالي الضحايا’.

وتمنى أن تكون هناك مسؤولية أكبر من وسائل الإعلام، ورقابة صارمة من نقابة الصحفيين، كذلك أن تقوم العائلات المتضررة بملاحقة كل صحفي ووسيلة إعلام قانونيا، تقوم بنشر هذا النوع من الصور.

لو عدنا بذاكرتنا إلى الوراء قليلا، لوجدنا أن صورة الطفل الشهيد محمد الدرة الذي قتله الاحتلال في حصن والده إبان اندلاع انتفاضة الأقصى، حفرت في أذهان العالم، رغم أنها لم تحتو على مشاهد أشلاء ودماء، كذلك لازال العالم يذكر صورة وصوت الطفلة هدى غالية التي قتل الاحتلال عائلتها على شاطئ غزة، ناهيك عن وجود نماذج عديدة استطاع من خلالها الصحفيون إيصال رسالتهم، وإثارة الرأي العام حولها.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا