ما الذي يجب أن يدرسه أبناؤنا في الجامعات وما جدوى التعلم بالخارج؟ كتب صبري صيدم

لم يكن هذا عنوان مقالي لليوم لكنني وأمام السيل الجارف من الأسئلة التي يسألني إياها العديد من الأصدقاء بخصوص أبنائهم خاصة بعد إعلان نتائج التوجيهي الأخير وماهية الاختصاصات الجامعية المناسبة، ارتأيت تغيير العنوان والتركيز على ضرورة إرشاد وتوجيه الآباء والأبناء نحو بعض الملاحظات خاصة أولئك المصرين على البحث عن منح مالية والتوجه نحو التعليم بالخارج.

لهؤلاء الأصدقاء الطيبين وغيرهم من المعارف الكرام العديد من الأجوبة التي شجعني تكرارها على تلخيصها في مقالي الأسبوعي هذا نتيجة تشابهها وتعددها.

أول الإجابات هي المباركة بنجاح الأبناء بعد حرب التوجيهي الضروس والدعوة للمولى بأن تصبح فلسطين عما قريب بلدا خاليا من التوجيهي وبؤسه وبطشه.

ثاني الإجابات هو ضرورة ترك الأبناء لاختيار الاختصاص الجامعي الأنسب بالنسبة لهم خاصة ما يتقاطع واهتماماتهم الذاتية وعدم اللجوء للإكراه في تحديد الاختصاصات لاعتبارات معنوية واجتماعية وحتى طبقية. فميولات الأبناء الحياتية وهواياتهم قد تشكل منصات سانحة لإبداعهم فيما يحبون وتألقهم فيه وانعكاس ذلك على إمكانيات تحقيق نهضة معنوية وفكرية وفنية ورياضية واقتصادية شاملة.

فإذا ما عشق أبناؤكم الإخراج السينمائي أو الرسم التحريكي أو لعب كرة القدم أو الإرشاد النفسي أو تعليم الرياضيات فهذا ليس عيبا ولا أمرا محرما خاصة وأننا نريد لاعبين دوليين في كرة القدم تماما كما نحتاج شعراء مبدعين وخبراء فنيين وجراحين اختصاصيين. فالمجتمع خليط فسيفسائي مهم ترتبط فيه الاختصاصات الجامعية مع احتياجات السوق.

ففلسطين لا تحتاج لآلاف العاطلين عن العمل في اختصاصات معرفية يعتبرها البعض مرموقة، بقدر ما تحتاج لمن يلبي احتياجات السوق بصورة تساهم في تعزيز النسيج المهني والحاجات التنموية.

ثالث الإجابات هي في عدم التصويت بسحب الثقة من جامعاتنا الوطنية عبر الركض وراء المنح الخارجية وابتعاث الأبناء للخارج. فمعظم الذين توجهوا لي بالسؤال عن النصيحة لتعليم أبنائهم في الخارج طرحت عليهم الأسئلة التالية:

1- ما هي ميولات أبنائكم وما هواياتهم؟

2- هل شاورتموهم بالرأي؟

3- هل بعد أن حددتم الاختصاصات استفسرتم عن توفر الاختصاص المطلوب في فلسطين؟ 4

– وفي حال توفر الاختصاص المطلوب هل دققتم بمدى كفاءة الاختصاص محليا؟

الأبناء اليوم ليسوا كأبناء الأمس وهم أكثر قدرة على تحديد توجهاتهم وميولاتهم يسندهم في ذلك اتساع اطلاعهم على العالم من حولهم بفعل الانتشار الضخم للانترنت واحتكاكهم ولو افتراضيا بثقافات أخرى ومدارس وأفكار وتصورات. الجامعات الفلسطينية ليست منزلا للفقراء فقط وليست مأوى لمن لا حظ له في الدراسة بالخارج بل هي أيضا وبالإضافة لكلتا الحالتين الغاليتين واحات متصاعدة للفخار والنضال قاتلت حتى وصلت إلى ما وصلت إليه رغم إقرارنا جميعا بالعديد من التحديات التي تواجه تلك الجامعات والعديد من مواطن الاهتمام التي تحتاج للمتابعة والإسناد.

لا بد لنا من مساعدة الأهل في تبني طرق جديدة للتعامل مع الشهادة الجامعية ولا بد لنا من تعزيز التشخيص الفردي لواقع الاختصاصات الجامعية المتاحة أمام الطلبة الجدد قبل القفز إلى استنتاجات صعبة.

لقد تغير عالم التعليم خلال السنوات الماضية خاصة في ظل عصر المعلومات الحالي وبصورة نقلت المشهد من التعليم التلقيني إلى التعليم التحليلي التشاركي الذي يساهم في صقل شخصيات المستفيدين وتكوين كفاياتهم العلمية والذاتية وتوسيع مداركهم وإنضاجهم معرفيا في مراحل عمرية مبكرة بحيث لا يكون الطالب مساقا وإنما هو/هي من يستشار ويخير ويوجه.

لذلك أؤكد لمن سألني ولمن ما زال يريد أن يسألني عن الاختصاصات والمنح للتعليم على ضرورة تبني وجهة نظر الأبناء وإعطاء جامعاتنا الفلسطينية فرصة ودراسة الاختصاصات الجامعية المرجوة قبل الحكم عليها بالإعدام بصورة تتيح تعزيز تطور مجتمع ينتج معرفة لا مجتمع من العاطلين قسرا عن العمل والأمل!

s.saidam@gmail.com

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا