النضال الفلسطيني ..محطات تاريخية كتب غازي السعدي

في جردة حساب، ومحطات تاريخية، عن مسيرة الشعب الفلسطيني النضالية، الطويلة والشاقة، والمعاناة، والدماء الغزيرة التي قدمها الفلسطينيون، وإخوانهم العرب، منذ أكثر من مئة عام، لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه، ولإقامة دولته المستقلة، وصراعه مع الحركة الصهيونية العالمية، ومساندة الغرب لمشروعها، لابد من مراجعة شاملة، لنعرف أين أخطأنا وأين أصبنا، فلا بد من جردة الحساب هذه، لتذكير الأجيال الجديدة، والشابة من أبناء شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية بنضال وثورات وانتفاضات شعبنا في ماضيه القريب والبعيد.

ففي عام 1913 طالب المؤتمر القومي العربي الذي عقد في باريس، من الدولة العثمانية التي كانت مهيمنة على فلسطين، بإقامة حكم ذاتي عربي إقليمي لفلسطين والأراضي العربية، لكن هذا الطلب لم يتحقق، وجاءت الحرب العالمية الأولى، وبينما دخل اليهود هذه الحرب إلى جانب الحلفاء بشرطين، الأول: من خلال تشكيل فرقة يهودية عسكرية، تستفيد خبرة عسكرية في حروبها المبيتة، أما الثاني والأهم الحصول على وعد بإقامة وطن قومي يهودي في فلسطين، فكان لهم ما أرادوا، بحصولهم عام 1917 على وعد بلفور سيئ الذكر، بيمنا شارك وتطوع الكثيرون من العرب والفلسطينيون في الحرب إلى جانب الحلفاء، كأفراد دون المطالبة بأي اشتراطات، كما ذهب إليه اليهود، مكتفين برواتبهم، وبهزيمة الدولة العثمانية، وفي عام 1918 حل مكانها الانتداب البريطاني على فلسطين والذي كان منحازاً لليهود، وفي عام 1919 طالبت القيادة الفلسطينية في حينه باستقلال فلسطين عن البريطانيين، دون الاستجابة لطلبها، فوقع الإضراب العام في فلسطين ضد السياسة البريطانية في عام 1933، ضد الهجرة اليهودية لفلسطين، وبين عامي 1936-1939، تسارعت وتيرة الهجرة لفلسطين، الأمر الذي أدى إلى توسيع دوامة العنف، وثار الفلسطينيون بما عرف بثورة فلسطين الكبرى عام 1936، التي حققت بعض المكاسب، لكن البريطانيين، ومن خلال قيادات عربية وفلسطينية، أخمدوا هذه الثورة، دون تحقيق أهدافها، والاكتفاء بالوعود التي لم يلتزم الاستعمار البريطاني بها.

في عام 1937، جاء تقرير لجنة “بيل” الملكية البريطانية، بتقديمها مشروع التقسيم الأول، لتأسيس دولة عربية موحدة، مع إبقاء القدس تحت الحكم البريطاني، وفي عام 1939، وبعد إخماد الثورة الفلسطينية تراجعت بريطانيا عن مشروعها السابق، بإصدارها ما عرف بالكتاب الأبيض، واعتمدت “عبد الله” الأول، أميراً لشرق الأردن، وفي عام 1947، جاءت خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين إلى دولتين: واحدة لليهود، والثانية للفلسطينيين، مع إبقاء القدس تحت الوصاية الدولية، ومع أن عدد العرب في فلسطين كان 1.363.387 مليون نسمة، يشكلون أغلبية سكان فلسطين، كان نسبتهم 69%، مقابل 614239 عدد اليهود، الذين شكلوا 31%، بينما كانت نسبة العرب عام 1914 92%، مقابل 8% يهود، وحسب إحصائيات 1945، كانت أملاك العرب في فلسطين من الأرض 12.766.524 مليون دونم تشكل 48.5% من أراضي فلسطين، مقابل 1.491.699 دونم لليهود تشكل 5.67%، وذلك من أصل (27) كيلومتراً مساحة فلسطين، فقد رفضت الدول العربية قبول قرار التقسيم المنحاز للحركة الصهيونية، الذي أعطى لليهود 54% من أرض فلسطين خاصة الساحلية، مقابل 46% منها للفلسطينيين، مع أن عدد المواطنين الفلسطينيين، وحجم ملكيتهم من الأراضي أكثر بأضعاف مضاعفة من أعداد اليهود، وربما يكون هذا الإجحاف من أسباب معارضة العرب لقرار التقسيم، كما أن القيادة العربية كانت تعرف النوايا الصهيونية، ومشاريعها التوسعية بتهجير يهود العالم لفلسطين، فإن الصهاينة لم يكتفوا بما منحهم إياه قرار التقسيم، ففي مذكرات “دافيد بن غوريون” أكد أنه قاد انتزاع قرار التقسيم، عن طريق الغش والخداع والضغوط، وشراء ذمم بعض أعضاء الأمم المتحدة، الذين صوتوا إلى جانب القرار، حتى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية نشرت مؤخراً واعترفت بشراء ذمم بعض الأعضاء في الأمم المتحدة، لتمرير قرار التقسيم، فإن المنظمات الصهيونية اليمينية عارضت قرار التقسيم، إذ أنهم يطالبون بتحقيق “وعد بلفور” بالكامل، لاستيلائهم على جميع الأراضي الفلسطينية، أن لم يكن أكثر، وجاءت مقولة “بن غوريون”عندها:”لنقبل بما حصلنا عليه، والبقية تأتي”، وبتاريخ 14-5-1948، أعلن “بن غوريون” في الاحتفال الذي أقيم بمناسبة الإعلان عن إقامة الدولة في تل-أبيب، قبل ثماني ساعات من انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، قوطع هذا الاحتفال من قبل عصابات اليمين الإسرائيلي، الذين أحضروا سفينة مسلحة ومليئة بالمهاجرين اليهود من دول أوروبا الشرقية، تدعى “التلينا” للانقلاب على حكومة “بن غوريون”، ورست على شاطئ تل-أبيب، فأمر “بن غوريون” بنزول المهاجرين من السفينة، وإبقاء أسلحتهم فيها، ولما لم ينصاعوا، أمر “بن غوريون” قائد المنطقة العسكري، الذي كان “اسحق رابين” بقصف السفينة، فقتل وجرح منها العشرات، مما اضطر هؤلاء المهاجرين الخروج منها دون أسلحتهم، وهكذا بدأ الصراع بين الحركة العمالية التي كان يقودها “بن غوريون” وبين اليمين الإسرائيلي الذي كان يقوده “مناحيم بيغن”، وعندها أعلن “بن غوريون” عن حظر إشراك حزبين في حكومته، هما حزب حيروت بقيادة “بيغن”، والحزب الشيوعي الإسرائيلي بقيادة “ميكونس”، لكن للزمن متغيرات، ففي تاريخ 17-5-1977، فاز تحالف اليمين في انتخابات الكنيست بالأغلبية، ليصبح”مناحيم بيغن” أول رئيس للحكومة .

وتسلسلت الأحداث والمتغيرات، ففي عام 1948، أعلنت الجامعة العربية عن تأسيس حكومة فلسطين في غزة، وفي عام 1949 وضع قطاع غزة تحت سيطرة مصر، حسب اتفاقية الهدنة، والضفة الغربية ضمت إلى الأردن، وفي عام 1959 أقام “ياسر عرفات” حركة فتح، وفي عام 1964 أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية، وفقاً لقرار قمة عربية، وفي عام 1967، وقعت حرب الأيام الستة، التي أحدثت نكسة للعرب والفلسطينيين، باستيلاء إسرائيل على الضفة الغربية، وقطاع غزة، إضافة إلى سيناء والجولان، فكان هذا العدوان ذريعة إسرائيلية لاحتلال القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، ففي محاضر اجتماعات الحكومة الإسرائيلية من عام 1948، وفقاً لما نشرته جريدة “هآرتس 3-3-1995″، فقد طلب رئيس الحكومة “بن غوريون” من وزرائه احتلال الضفة الغربية قبل حرب عام 1967 بكثير، وبعد أن ترددوا لخوفهم من هذه المغامرة، طلب منهم الاكتفاء باحتلال القدس الشرقية، ومنطقة بيت لحم والخليل، وتهجير (100) ألف فلسطيني منهما، ومع أن “بن غوريون” أبدى استعداده للاكتفاء بحدود التقسيم مؤقتاً، لكن محاضر جلسات الحكومة تقول غير ذلك، بأن التمدد الإسرائيلي على الأراضي التي كانت مخصصة، للدولة الفلسطينية حسب قرار التقسيم، تجاوز القرار، وفي حرب عام 1967، احتلت إسرائيل القدس والضفة الغربية، وقطاع غزة، بالكامل، وهجرت نحو (200) ألف فلسطيني.

ووفقاً لتسلسل الأحداث، ففي عام 1969 تم انتخاب “ياسر عرفات”، رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي عام 1974، اعترفت الأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، وفي عام 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان، وأجبرت المسلحين الفلسطينيين على مغادرتها وفي عام 1987، انطلقت انتفاضة الفلسطينيين الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي عام 1991 عقد مؤتمر مدريد للسلام، وبعد إصرار إسرائيل استبعاد منظمة التحرير من المشاركة، اندمج الوفد الفلسطيني مع الوفد الأردني، وفي عام 1993، وقع اتفاق “أوسلو” بين إسرائيل والمنظمة وجرى الاعتراف المتبادل بين الجانبين إلا أن إسرائيل أفشلته، وفي عام 1996 جرت أول انتخابات فلسطينية، انتخب فيها “ياسر عرفات” رئيساً للسلطة الفلسطينية، وفي عام 1999، عقد مؤتمر شرم الشيخ للسلام، فاتفق الجانبان على إنهاء المحادثات بشأن الوضع النهائي بحلول عام 2000، وفي هذا العام عقدت قمة كامب ديفيد برئاسة الرئيس الأميركي “بيل كلينتون” ومشاركة الرئيس “عرفات”، ورئيس الحكومة الإسرائيلية “ايهود باراك”، وفشلت هذه القمة في التوصل إلى تسوية نهائية، ومن أهم أسباب الفشل كان موضوع المسجد الأقصى، فكان الطرح الأميركي بأن تكون السيادة الفوقية على الأقصى للفلسطينيين، والتحتية لإسرائيل، ووجه هذا الطرح بالرفض من “عرفات” الذي سأل وزيرة الخارجية الأميركية المشاركة في القمة “أولبرايت”:”ماذا إذا انفجرت المجاري وطالت ما تحت الأرض ما العمل؟ ففهمت “أولبرايت” أن “عرفات” “يهزر”، وقالت: إننا نعين رؤساء، ونقصي رؤساء، وانسحبت من الجلسة، وفي عام 2000 اجتاح زعيم المعارضة “أرئيل شارون” مع حاشيته المسجد الأقصى والذي أشعل الانتفاضة الثانية، وفي عام 2001 فاز شارون في انتخابات الكنيست، ليصبح رئيساً للحكومة، وفي عام 2002 قامت إسرائيل ببناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، مدعية أن إقامته لأسباب أمنية، وتبين فيما بعد أنه لأسباب توسعية-استيطانية، وفي عام 2003 أطلقت اللجنة الرباعية خارطة الطريق للسلام، التي لم تحترمها إسرائيل، وفي عام 2004 توفي الرئيس “ياسر عرفات” وخلفه محمود عباس، وفي عام 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة، ضمن خطة شارون للسيطرة على الضفة الغربية، وفي عام 2006، فازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية، وشكلت حكومة فلسطينية، وفي عام 2007، وقع الانشقاق في قطاع غزة، لتنتهي سيطرة فتح لصالح حماس في غزة، وبين أعوام 2009 و2011 و2014، قامت إسرائيل بهجومها على القطاع، وفي عام 2012، أعلن “نتنياهو” عن حل الدولتين، ولم يكن إعلانه جدياً بل لامتصاص الغضب العالمي، وفي عام 2014 حصلت فلسطين على عضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعد ذلك انضمت إلى اتفاق روما، وتوجهت لمحكمة جرائم الحرب ضد إسرائيل، بعد استمرار إسرائيل بالاستيطان، وإغلاق الطريق أمام حل الدولتين.

إن صمود الشعب الفلسطيني، وتضحياته في مقاومة الاحتلال، وتقديمه التضحيات العظام، تتناقل جيلاً بعد جيل، فشراسة الاحتلال والأطماع الإسرائيلية، والخلافات الفلسطينية-الفلسطينية، وتردي الأوضاع العربية، وصراعاتها الداخلية، والفشل الفلسطيني والعربي بإدارة الصراع، أدى إلى تراجع المشروع الوطني الفلسطيني لإنهاء الاحتلال، لكن الفلسطينيين نجحوا في تثبيت الهوية الفلسطينية، حيث كانت إسرائيل تنكر مجرد وجود شعب فلسطيني، كما نجحوا بتأييد معظم دول العالم لمشروعهم، الأمر الذي أدى إلى عزلة عالمية لإسرائيل، التي لم تنجح بتحقيق الأمن والاستقرار لمواطنيها، وهذا ليس نهاية المطاف، فالبقية آتية، لكنها تحتاج إلى معطيات وعوامل عدة، من قوة ووحدة الصف الفلسطيني، وأن ما أوردناه غيض من فيض.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا