«ولاية سيناء».. الفكرة مسجلة في استراتيجية (إسرائيل) كتب عاطف الغمري

حين نطق الإرهابيون في سيناء بلفظ إقامة ولاية إسلامية في سيناء، هدفاً لهم، منشقة عن الدولة المصرية، ومنتزعة من جسدها، فإن ما نطقوا به، كان مجرد صدى لمنطوق مسجل في وثائق الاستراتيجية الرسمية لدولة إسرائيل، حتى وإن غلفت عبارات الإرهابيين، بما يوحي بأن ما يقولونه يعبر عن ذواتهم. وهو ما تنفيه نصوص الوثائق.
وفكرة تقسيم أو فصل أجزاء من مصر لتقام فيها ولايات منفصلة، ليست قاصرة على مصر، في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، لكنها تمد نظر أطماعها إلى المنطقة العربية، حتى تتحول المنطقة إلى كيان هش، يهيئ لإسرائيل الفرصة، لتحقيق حلم الحركة الصهيونية، بأن تصبح القوة الكبرى في الشرق الأوسط، أو حسب الوصف الإسرائيلي ذاته، بأن تكون القوة الإمبريالية Imperial Power .
وفكرة إسرائيل الكبرى لا تزال تمثل حجر الأساس لسياسات حكومة نتانياهو، ولفكر الليكود، والمؤسستين العسكرية، والمخابراتية.
لنتأمل قول المحلل العسكري لصحيفة ها آرتس زئيف تشيف، والذي يوصف بأنه من أكثر الخبراء اطلاعا على الاستراتيجية الإسرائيلية، فهو كتب عن مشروع تفتيت جميع الدول العربية إلى وحدات صغيرة، وقال إن تلك خطة قديمة. وإن ما جرى في العراق هو جانب منها، وأن أفضل ما كان يخدم مصالح إسرائيل، أن يقسم العراق إلى ثلاث دويلات – شيعية، وسنية، وكردية.
أيضاً يقول مايكل شوسودفسكي – رئيس مركز الدراسات الدولية الكندي – إن ما جرى في ليبيا، وسوريا، وما حاولوه في مصر، يجب أن نفهمه على ضوء علاقته بالمشروع الصهيوني للشرق الأوسط، والذي تسعى إسرائيل من خلاله، إلى ايجاد عدد من الدويلات التي تعمل بالوكالة عنها، في أجزاء من دول عربية، بما فيها سيناء.
لقد جاء بالنص في الوثيقة التي تحمل عنوان «استراتيجية إسرائيل للثمانينات»، وهي وثيقة رسمية؛ إن الأمة العربية عبارة عن قوقعة هشة، تنتظر من يكسرها، ويفتتها إلى شظايا متعددة. وإن إسرائيل لا بد أن تتبع نفس النهج الذي اتبعته منذ قيام الحركة الصهيونية، لشراء عملاء محليين ليعملوا كعملاء، أو ليؤدوا دورا بالوكالة عنها، من بين الجماعات المحلية. وكذلك العمل على خلق أزمات داخلية، لتكون بمثابة تدمير ذاتي لهذه الدول، مثلما نرى الآن في سوريا، وبحيث يتراجع أي تهديد لإسرائيل على المدى الطويل.
الكاتب السياسي الإسرائيلي، إسرائيل شاحاك، تحدث عن استراتيجية إسرائيل للثمانينات، ووصفها بأنها تقوم على تقسيم كل المنطقة إلى دويلات صغيرة، وتفكيك الدول الموجودة الآن.
وهذا القول ليس بعيداً عن الخريطة التي نشرها الكولونيل بالجيش الأمريكي رالف بيترز في صحيفة القوات المسلحة الأمريكية The Armed Forces Journal عام 2006، وهي الخريطة التي تتصور إعادة رسم حدود الشرق الأوسط، على أسس عرقية، وطائفية، وقبلية.
وبعده مباشرة كتب روبن رايت في صحيفة نيويورك تايمز تعليقاً على خريطة بيترز، وقال: إن العراق – كما هو واضح الآن – على وشك تقسيمه على أسس دينية وطائفية. وإن تلك الخطة في حقيقتها، سبق أن كانت في تفكير حكومة جورج بوش، وأقطابها من المحافظين الجدد، عندما قدموا إلى نتانياهو فور فوزه في انتخابات 1996، خطة مدروسة ليطبقها كبرنامج لحكومته، وتبدأ بالتغيير في العراق ليكون بداية هزات تتتابع في المنطقة كلها.
من الواضح أن تحركات المنظمات الإرهابية – من واقع الوثائق الرسمية الإسرائيلية – لا تدور بعيداً عن عجلة الإستراتيجية الإسرائيلية . وسواء كانت بعض قيادات هذه الجماعات مخترقة من مخابرات أجنبية، وهي حقيقة كشفت عنها كتابات أمريكية وإسرائيلية – أو ان بعضها يتخيل واهماً أنه يعبر عن أفكار تخصه، فإنها جميعاً في خدمة إستراتيجية إسرائيل، تدعمها المخابرات المركزية. يؤكد ذلك التطابق بين ما تدعوه إليه هذه الجماعات، وما هو وارد في وثائق الإستراتيجية الإسرائيلية.

عاطف الغمري – نائب رئيس تحرير الأهرام –

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا