إيران كرست دورها كتب عمر حلمي الغول

أخيرا نجحت مجموعة الـ(5+1) مع ايران بابرام الاتفاق حول الملف النووي الايراني. وبغض النظر عن التفاصيل، التي تضمنها، وأيا كان الطرف، الذي حقق مكاسب على حساب الطرف الثاني، رغم اهمية ذلك بالحسابات التكتيكية والاستراتيجية لكل من الجمهورية الاسلامية والدول دائمة العضوية في مجلس الامن بالاضافة لالمانيا.

لكن اهمية الاتفاق، الذي وقع يوم الثلاثاء الماضي، الموافق الرابع عشر من تموز الحالي تكمن في الاتي: اولا اسقط خيار الحرب بين المجموعة الدولية وخاصة الغرب وإيران؛ ثانيا أكد على اهمية الجمهورية الاسلامية الايرانية، كدولة اقليمية مقررة في شؤون الاقليم؛ ثالثا قطع الطريق على دولة الارهاب المنظم الاسرائيلية وخيارها التفجيري؛ رابعا ترك الباب مواربا امام إيران لانتاج القنبلة النووية لاحقا.

الصراخ الاسرائيلي ضد الاتفاق، لم يفلح في وقف المفاوضات بين الـ(5+1) وايران، لا بل زادها إصرارا على مواصلة المفاوضات حتى بلوغ الهدف المشترك. ومحاولات بنيامين نتنياهو في اللجوء للكونغرس الاميركي في ايلول المقبل، لن تعيد عجلة التاريخ للوراء، لأن صلاحيات الرئيس الاميركي تسمح له بتجاوز ردود الفعل في اوساط الجمهوريين والديمقراطيين المؤيدين للخيار الاسرائيلي، وتغليب مصالح الولايات المتحدة العليا على حساباتهم. لأن خيار إسرائيل ودعاة الحرب على إيران، يفاقم من عمق الازمات المالية والاقتصادية والعسكرية في اميركا. كما ان اوروبا مثخنة الجراح بازماتها البنيوية على صعيد كل دولة على انفراد وبشكل جمعي كاتحاد. ولعل النموذج اليوناني، ما زال ماثلا في الاذهان. اضف إلى ان حسابات كل من روسيا والصين مختلفة نسبيا عن باقي المجموعة الغربية.

كما ان المواقف العربية الرسمية خاصة الخليجية غير المرحبة بالاتفاق، لم تجد نفعا، وكل ما حصلت عليه تطمينات واهية من الولايات المتحدة، لا تقدم بل تؤخر في موقعها ودورها على الصعيدين العربي والاقليمي. لاكثر من سبب وعامل، منها: اولا الازمات التي تعاني كل دولة على انفراد؛ ثانيا دخولها في معارك، لا تخدم مصالحها الوطنية او القومية؛ ثالثا عدم التوافق على استراتيجية موحدة لمواجهة الاخطار المحدقة، ليس هذا فحسب، بل ما يزيد الطين بلة، تربص بعضها بالبعض الآخر؛ رابعا رهانها على اميركا، وعدم إيجاد مسافة بين سياساتها الوطنية ومخططات بلاد العم سام؛ خامسا اعتقاد البعض منها، ان القيادة الاسرائيلية، قادرة على التأثير في صانع القرار الاميركي أكثر ما يجب؛ سادسا وافتراض البعض منها، ان التشبيك مع بعض الدول الاوروبية، فرنسا نموذجا، يمكن ان يشكل عامل تعطيل للمفاوضات.

وأيا كانت حسابات الربح والخسارة العربية الآن من التوقيع على الاتفاق بين إيران و”المجموعة”، فإن المصلحة الوطنية والقومية، تملي على الدول العربية عقد اجتماع على المستويات المختلفة لتدرس الموقف بعقلية واقعية وناضجة، والابتعاد عن سياسة الصراخ والرفض السلبية للاتفاق، بل العمل على الآتي: اولا استخلاص العبر والدروس من الاتفاق على المستويات المختلفة؛ ثانيا فتح صفحة جديدة من العلاقات مع الجمهورية الاسلامية لدرء التداعيات السلبية للاتفاق على الامن الوطني والقومي، ولنسج علاقة ترتكز على المصالح بينها وبين ايران؛ ثالثا وضع رؤية استراتيجية لحماية الامن القومي؛ رابعا إسقاط خيار الحروب وتصفية الحسابات بين الدول الشقيقة، وشق سياسة جديدة تجسر الهوة بين الاشقاء؛ خامسا إعادة الاعتبار للقضية القومية المركزية، قضية فلسطين، لأنها قضية جامعة، ومعززة لمكانة القيادات العربية، وتعزيز دور مصر، من خلال دعمها في مواجهة الجماعات التكفيرية، ومساندة الجمهورية التونسية في ترسيخ نظامها الديمقراطي، وانهاء الازمة اللبنانية بالتعجيل بانتخاب رئيس جديد، والحؤول دون تعميق ازمته.

ايا كانت مواقف الدول العربية ودول الاقليم، فإن إيران نجحت في تكريس دورها ومكانتها الاقليمية، وعلى الجميع التعامل بروح المسؤولية مع الحقيقة الماثلة، والبحث عن سبل الاستفادة من ذلك، والحد من اية نزعات فارسية خاطئة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version