ما بعد الاتفاق كتب عدلي صادق

لم يعد خافياً أن خيار الولايات المتحدة، على الأقل في عهد إدارة أوباما؛ هو التفاهم مع إيران والتعاون معها. بالمقابل، بدا واضحاً أن الإيرانيين يرون في مهادنة الأميركيين، عنصراً مهماً لتعزيز نفوذ دولتهم في محيطها وفي جوارها، بعد تجاوز وضعية العزلة التي جلبها خطاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد!

ومثلما إن الاقتصاد، والمصالح القومية الحيوية، هي التي حثت الأميركيين على اعتماد هذا المنحى؛ فإن ايران رأت في هذه الوجهة، طريقاً وحيداً لاستعادة السيطرة على مواردها والاستفادة من ثرواتها، وهي لم تدفع ثمن هذا الربح سوى بعض الوقت، أي تأخير انتاج سلاح نووي، لكي تتمكن من النهوض بمشروعها الإقليمي!

بؤس العرب ومشكلتهم حيال هذه المعادلة؛ بدأتا مع ظنهم أن الأميركيين سيراعون وضعهم الجيو سياسي، وكذلك ظنهم الخاطئ أن واشنطن تناهض أيديولوجية الإيرانيين وتناوئهم في العمق. ذلك على الرغم من المساحات المسبقة، للتعاون غير المعلن، بين الإيرانيين ومؤيديهم في العراق من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى. وبدخول “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” أضيف عامل محفّز للأميركيين على التعاون مع إيران عدوة السلفية الجهادية السُنية. ورؤية الأميركيين، التحليلية، على هذا الصعيد، أن المجتمعات العربية أفلتت من يد بعض الأنظمة، وإلا كيف انتجت هؤلاء الإرهابيين العُتاة، الذين تقشعر من أفاعيلهم الأبدان. وليس لدى الأميركيين أية هواجس أو تخوفات من التمدد الإيراني، طالما أن سياسة الإحتواء التي اعتمدتها واشنطن في الثمانينيات، ما زالت صالحة كأجندة عمل.

أمام عودة إيران قوية، ليس أمام العرب، إلا أن يفتشوا عن سبيل لتخليق عناصر القوة والتكامل والانسجام، بما يكفي للشروع في حوار عربي ــ إيراني لحسم مسائل تتعلق بدور إيران في المنطقة، وتعزيز هيبة الدولة الوطنية، وإضعاف الجموح الطائفي، وإعلاء شأن القيم اللازمة في هذا السياق، كحقوق المواطنة المتساوية للبشر في الأقطار العربية وإيران، وضمانات عدم الإقصاء وتكريس الاستقرار الذي هو شرط فاعلية الدول والشعوب، ورفع مستوى المناصرة العربية ـــ الإسلامية لقضايا الحرية ولقضية فلسطين. فالاتفاق النووي له ما بعده على صعيد كل السياقات. وإذا تُركت الحال العربية على ما هي عليه، سنكون بصدد دولتين إقليميتين قويتين، وسط هذا الهشيم في الإقليم.

ربما لن يُجدي، منذ الآن، الحديث عن سلوك طائفي للإيرانيين، لا سيما وأن ما يطفو على السطح في الجهة المقابلة، هو سلوك أعتى منه، أظهرته الجماعات المتطرفة. الفارق الآن، أن هذه الجماعات الأخيرة، استحثت عداء أمم العالم، بينما إيران تفاهمت مع الولايات المتحدة. أما العرب، في وضعهم المهلهل، فلا شيء عندهم يقدمونه للولايات المتحدة أو يكبحون به المشروع الإيراني حينما يُترك طليقاً. وهم في وضعهم الراهن، ليسوا في نظر الولايات المتحدة، إلا جغرافيا منتجة للبترول، في منطقة توجد فيها إسرائيل، فإن ضمنت واشنطن، وضعاً آمناً للاستمرار في استخراج البترول وضخه، وفي تأمين خطوط مواصلاته، وفي ضمان أمن إسرائيل؛ يصبح كل شيء بالنسبة لها تفاصيل لا قيمة لها، مهما كان نزيف الدم كثيفاً، وكان الموت متفشياً!

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version