من أين ينفق الإخوان؟ كتب ضياء رشوان

عندما كانت جماعة الإخوان تمارس نشاطها فى مصر حتى ثورة 25 يناير 2011 ثم بعدها وحتى سقوط حكمها فى 30 يونيو 2013، كان متابعو الجماعة من الباحثين والصحفيين متأكدين من أنها تستخدم فى تمويل هذا النشاط أحد طريقين:
إما ما لديها من ميزانية للتنظيم تعتمد على الاشتراكات والتبرعات، وإما ما يقدمه رجال الأعمال من قادتها وأعضائها داخل مصر لهذا التمويل. ولم تكن أنشطة الجماعة حتى التاريخ الأخير تتطلب مصادر للتمويل لتغطيتها أكثر من هذين المصدرين السابقين بالرغم من اتساعها لتشمل الجمعيات الخدمية والمستوصفات والمستشفيات والقوافل مختلفة الأنواع والتحركات الميدانية والإعاشة فى المعسكرات المتعددة وغيرها، ولم تكن المبالغ المطلوبة لهذه الأنشطة فى تقدير المتخصصين قليلة، فقد كانت تعد بمئات الملايين من الجنيهات، يضاف إليها عشرات أخرى فى المواسم الانتخابية وبخاصة البرلمانية.

ولم يكن هناك من اهتمام كبير لهذا المحور فى تكوين الجماعة ونشاطها لدى المتابعين والمتخصصين، وإن كان هناك على الأرجح اهتمام به من الأجهزة الأمنية المختصة. كذلك، فعدا هذه الأجهزة الأمنية، لم يكن أحد من المتابعين والمهتمين بدراسة الجماعة من يرى سوءا فى أن تعتمد الجماعة على أعضائها سواء باشتراكاتهم أو تبرعاتهم لتمويل أنشطتها، فهى فى النهاية جماعة معارضة تسعى »سلميا« كما كان المشهد الخارجى يدل للوصول إلى الحكم. ولم يكن غالبية هؤلاء المتابعين والمهتمين بدراسة الجماعة يرون أثرا لتمويل خارجى من دول أو أنظمة فى أنشطة الجماعة بمختلف أنواعها، وإن كانوا متأكدين من وجود مساهمات من بعض قياداتها وأعضائها من المصريين الأغنياء ورجال الأعمال المقيمين بالخارج.

كل ما سبق كان جزءا من تاريخ انقضى وتغيرت ملامحه بصورة شبه كاملة بعد 30 يونيو 2013. فبعد هذا التاريخ خضعت أصول وأموال الجماعة بعد حلها قضائياً ثم تصنيفها كجماعة إرهابية للمصادرة القضائية ومعها أصول وأموال حزبها الحرية والعدالة وأعضائها عبر لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان، التى يرأسها مساعد أول وزير العدل. وقبل نحو شهرين أعلنت اللجنة الحصيلة الأولية لعشرين شهرا من عملها منذ بدئه فى نوفمبر 2013، لتصل لحصر نحو 95% من أموال الجماعة وأعضائها سواء كانت سائلة أو أصولا عقارية أو منقولة أو أسهم وسندات، وقدرتها بنحو 30 مليار جنيه تم التحفظ عليها. وقد شمل هذا حسب اللجنة التحفظ على ممتلكات أكثر من 1200 قيادة إخوانية، و1148 جمعية أهلية، و42 مستشفى ومستوصفا طبيا، و85 مدرسة،و460 سيارة، و415 فدانا، و520 مقرا لحزب الحرية والعدالة، و54 من مقار الجماعة، و558 شركة قامت اللجنة بإدارة 130 شركة منها.

وكانت الملاحظة والمفارقة التى تستحق التوقف عندها بعد كل هذا، هى أن الجماعة واصلت إنفاقاً أكبر على أنشطتها الجديدة سواء داخل مصر أو خارجها دون أن يعلم أحد مصادر تمويله الجديدة. ففى الداخل لم يعد خافيا الإنفاق العالى والمتزايد على أعمال التفجير والاغتيالات التى تتم داخل وادى النيل، ولا يدخل هنا ما تنفقه جماعات الإرهاب بسيناء فله حديث مستقل قادم، سواء على المواد والأسلحة والمعدات المستخدمة فيها أو سواء على المجموعات التى تقوم بها وتفرغ أعضاءها لهذا. ويضاف إلى هذا ما أعلنته الجماعة وقياداتها فى أكثر من مناسبة أخيرا عن وجود لجان خاصة بدعم وإعاشة أسر المحبوسين من قياداتها وأعضائها تقوم بتوفير الموارد المالية لهذا الغرض، دون أن يعرف أحد مصادرها بعد كل تلك المصادرات والتحفظ على أموال الجماعة وأفرادها.

أما فى الخارج فيبدو الأمر أكثر فداحة وخطورة، فالأنشطة التى تقوم بها الجماعة تبدو عالية التكلفة بصورة تلفت انتباه أى عاقل. ويمكن بصورة أولية رصد عدة أوجه لهذه الأنشطة وبالتالى الإنفاق عليها. فهناك أولاً مئات، وربما آلاف من قيادات وأعضاء الجماعة الفارين فى عديد من دول العالم وأبرزها تركيا وقطر، ولكن أيضا فى دول أوروبية وإفريقية وبالطبع فى الولايات المتحدة الأمريكية. وبالقطع يمكن لأى متابع لتكلفة الإقامة والحياة فى هذه الدول لكل هؤلاء دون عمل أو مصدر لكسب الرزق، أن يقدر حجم المبالغ التى تنفق عليهم. وهناك ثانياً التحركات السياسية التى تقوم بها الجماعة فى الدول التى يوجد بها قياداتها وأعضاؤها والتى تبدأ بتنظيم التظاهرات بها أو بنقلهم لدول أخري، كما حدث فى أثناء زيارتى الرئيس السيسى الأخيرتين لفرنسا وألمانيا، وتمر بنشر الإعلانات المدفوعة ضد نظام الحكم بمصر فى وسائل إعلام تلك الدول، وتنتهى بتكلفة التنقل والإعداد لعقد ندوات وفعاليات مع سياسيين ورسميين وبرلمانيين ومراكز دراسات وجمعيات حقوقية غربية. كذلك فهناك التكاليف شديدة الارتفاع التى تدفعها الجماعة لعشرات المحامين والقانونيين الذين تكلفهم بملاحقة الحكم المصرى فى مختلف المحافل الدولية قانونية وسياسية.

أما الأكثر لفتا للنظر والأعلى إنفاقاً فى الخارج من أنشطة الجماعة دون أى معلومات عن مصادر التمويل، فهو إنشاء وتأسيس المنابر الإعلامية التابعة لها والتى توجه نيرانها المرئية على مدى الساعة للدولة المصرية. وإذا كانت قنوات الجزيرة تعد بمنزلة «هدية» مجانية من الحكومة القطرية للجماعة، فإن وجود أكثر من خمس قنوات فضائية تابعين مباشرة وناطقين رسميا باسمها فى تركيا وحدها يستحق التوقف وإعادة الحساب المالي. فلا شك أن تكلفة إنشاء هذه القنوات، التى تعمل جميعها على مدى 24 ساعة يوميا، والانفاق على مستلزمات استمرار عملها سواء البشرية أو الفنية من مقراتها، أو استئجار مساحات على الأقمار الصناعية المخصصة للقنوات الفضائية سواء لمنحها حيزا ثابتا لبثها أو لنقل اللقاءات مع ضيوفها ومراسليها على الهواء مباشرة، يتجاوز سنويا مئات الملايين من الدولارات. ولن ندخل فى حسابنا المالى هنا نفقات القنوات الفضائية الأخرى التابعة لفروع وتابعى الجماعة فى عديد من الدول العربية والأوروبية، فسنعتبرها متبرعة ولا تحصل على أى دعم من أى جهة غير إخوانية.

وبالإضافة للقنوات الفضائية، فقد أنشأت الجماعة خلال العامين السابقين عددا من الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية الضخمة التى تتكلف أيضا مبالغ طائلة سواء للقوى البشرية أو المستلزمات الفنية والتكنولوجية، بالإضافة لمقار بعضها التى تقع فى العاصمة البريطانية لندن والتى وضعها آخر التقارير الدولية المتخصصة فى المركز الثالث بين أغلى 10 مدن لأسعار العقارات على مستوى العالم خلال عام 2015.

بعد كل هذا، هل يظل هناك شك فى أن مصادر تمويل كل تلك الأنشطة للجماعة داخل مصر وخارجها خلال العامين السابقين تعتمد بصورة رئيسية مباشرة على أنظمة حكم توفر كل تلك الإمكانات لإسقاط الحكم فى مصر وإعادة الجماعة إليه؟ وهل بعد كل هذا، يظل هناك شك فى طبيعة التحدى والخطر اللذين تواجهما دولتنا، فى تماسكها بل ووجودها؟

عن الاهرام

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا