غزة بلا عِزةّ كتب الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد أبو نحل

أكثر من ثمانية سنوات خداعات وعجاف ونحسات مضت على الانقسام البغيض الملعُون، وها نحن في السنة التاسعة نسير ولا يلوحُ في الأفُق أي بصيص أمل لإنهاء تلك الحقبة الزمنية السوداء حالكة السواد والظلمة والعتّمة من تاريخ شعبنا الفلسطيني المجاهد المناضل؛ هذا الشعب الذي يتجرع كأس مرارة الانقسام ويدفع ضريبة الحُرية والكرامة والتحرير، دمًا بدل الدموع والمال؛ وصمد على مدار سنوات طويلة وتحمل ثلاث حروب من خلال العدوان الصهيوني المتواصل، وبعد مرور تلك السنوات العجاف وصلنا للعام التاسع منقسمين وشعبنا المسكين وخاصةً في قطاع غزة وبعد سيطرة حركة حماس بقوة السلاح عليهِ، لازال يعاني من ويلات ونكبات تفوق نكبة التشريد واللجوء عام 1948م، حيث لو أردنا أن نتكلم عن المُعاناة اليومية للشعب الغزي في ظل استمرار الانقسام فّحِدث ولا حرج؛ فكل عدة شهور تخرج علينا شركة الكهرباء بغزة لتقول لا وقود يكفي للمحطة، وسنعود لجدول 6 ساعات وصل و6 ساعات قطع للتيار الكهربائي، و يا ليثهُم صدقوا!! وفي فصل الصيف وحرارة الجو مرتفعة والشمس زمهريرًا مُحرقة تستمر مُعاناة انقطاع الكهرباء لساعاتٍ طويلة، ولا رحمة ولا رأفة في هذا الشعب المكلوم المظلوم، من القائمين على شركة الكذابين (الكهرباء) والقائمين عليها معروفين أمام الناس ومنهُم المنتفعون؛ ومن وراء الكواليس وجوهٌ وشخوصٌ أُخرى وبيوتهم بها مولدات الكهرباء الكبيرة فلا يعرفون قطعًا للتيار الكهربائي أو لديهم خطين للكهرباء؛ وتري عامة الناس مقابل ما سبق تأتيهم الكهرباء فجأة فتبهتهُم فرحين بها ومتهللين، وبدلاً من أن تأتي 6 ساعات وصل؛ سرعان ما تجدها تأتي الكهرباء ساعة وبالكثير ساعتين متقطعتين؛ لتجعل من أبناء قطاع غزة كالشمع يسيحون من نار وحرارة الجو في الصيف وأشعته المُحرقة وبالطبع إن قُطعت الكهرباء فلا ماء، ولا ضلٍ ضليلا، ولا نومًا ولا مقيلاً، بل عرقًا وحرًا محرقًا وثقيلاً وهمًا كبيرًا وعبوسًا ونفيرًا.
إن أولئك القائمين على أوضاع الناس في قطاع غزة ومن يحكمونها تشمعت ضمائرهم، وتيبست قلوبهم فهي كالحجارةِ أو أشدُ قسوةً من الحجارة؛ أم إنهُم على قُلوبٍ أقفالُها، فإنها لا تعمى الأبصار، ولكنها تعمى القلُوب التي في الصدور؛ ويظنون أن الناس سيستمر بهم السكوت والصمت على هذا الحال المأساوي؛ والأدهى والأّمر من ذلك يفرضون ضرائب على كُل شيء وكل السلع من الفواكه واللحوم والملابس وما أسموها قبل فترة وأقرها المجلس التشريعي الحمساوي المنهية ولايتهُ وصلاحياتهُ بالكماليات؛ ناهيكم عن التجار الذين يدفعون زكاة أموالهم بغزة ليتم إعفائهم من جزء من الضرائب المفروض عليهم؛ ناهيك عن المساعدات التي وصلت ولازالت تصل غزة من كل حدبٍ وصوب، وتذهب لحال سبيلها، وكذلك الضرائب المفروضة على كل شيء على المواطن الغزاوي المسكين المظلوم المقهور المغلوب على أمره؛ وكذلك حال الموظفين العسكريين والمدنيين التابعين لحكومة حماس المقالة سابقًا وما زالوا لا يتقاضوا إلا الفُتات من رواتبهم من على موائد اللئام؛ الذين يتدرعون بأنه بسبب الحصار لا مال ولا يستطيعون توفير رواتب لأكثر من 45 الف موظف في غزة؛؛ وإن إفترضنا صدق هذا الكلام جدلاً!! فأين تذهب الأموال التي تُجبي ليل نهار من ذقن المواطن الغلبان و من التجار وغيرهم؟؟ وغزة اقترب عدد سُكانها من 2 مليون نسمة ويوميًا بحاجة لمئات الأطنان من الدقيق الأبيض والسكر والأرز، والبضائع الأخرى التي تدُخل غزة عبر معبر كرم أبو سالم بشكلٍ يومي وهي أكثر من 600 شاحنة وكل شاحنة تدفع ضريبة لحركة حماس والتي لازالت مسيطرة تمامًا على زمام الأمور في قطاع غزة؛ فأين تذهب هذه الأموال؟؟
وهنا في غزة أصبح لدينا الناس طبقات وصار هنا العديد من المليونيرات زمن الأنفاق قبل فترة قصيرة من الزمن، وإلى الأن هؤلاء أصحاب رؤوس الأموال بالمئات يركبون السيارات الفارهة ويعلبون بالأموال لعبًا والذين كانوا قبل سنوات فقراء وعالة يتكففون الناس، ويرجون مساعدتهم؛ وأصبح الناس صنفان: ناس فوق الأرض وناس تحت الأرض كالأموات؛ ولم تشهد قضيتنا الوطنية الفلسطينية تراجعًا في تاريخ الاحتلال الطويل أكثر مما شهدتهُ في ظل الانقسام الأسود بين شطري الوطن؛ فلقد وصل الحال في الناس بالقطاع بأن يكون همُهم الوحيد هو توفير الكهرباء والماء ولقمة العيش؛ وأصبح جيش من العاطلين عن العمل منهم أكثر من 80 ألف خريج جامعي؛ وأصبحنا نسمع ونري العجب العُجاب؛ فلم ينتحر أي فلسطيني طوال سنين الاحتلال المُجرم لفلسطين؛ ولكن بعد سيطرة حماس على قطاع غزة وفي هذا الزمن والحصار الخانق أصبحنا نسمعُ ونري الشباب ينتحرون؛ ومن لم يشنق نفسهُ بالحبل! سافر وهاجر وركب سُفن الموت إلى أوروبا هربًا من الموت جوعًا وقهرًا وفقرًا وصمتًا وضغطًا وسجنًا وكبدًا وغمًا ونكدًا وهمًا في قطاع غزة، فكان نصيبهُ أن يموت غريقًا في عرض البحر ويكون سمك القرش قبرهُ الأخير في الدُنيا إلى يوم يبعثون؛ ومازال البعض يتكلم عن البطولات والانتصارات في الحروب مع العدو، ونحن إذن نقدرهُا ونُجل تلك البطولات ولا ننتقص من الأبطال والمقاومين ومن الشهداء الأكرم منا جميعًا ولكن!! لما لا تكون لنا انتصارات بين أبناء شعبنا في تعمير ما دمره العدوان وفي البناء والاصلاح وتوفير الحياة الكريمة للناس الذين لولاهم لما صمدت المقاومة ولما نجحت، أو لم يعلم أولئك الحاكمين لقطاع غزة أن الجهاد الأكبر هو توفير الحياة الكريمة الأمنة السعيدة للمواطنين ولقمة العيش الشريفة والتي ليست مُغمسة بالدم والفقر والذُل؛ ولو عرجنا قليلاً في قطاع غزة على بعض القطاعات منهم قطاع البيئة والتعليم والصحة والأمن، والاقتصاد، لوجدت عجائب الدنيا السبعة بل العشرة؛ فحدثّ ولا حرج فغزة بلا تعليم حقيقي بمعني الجودة ويحاكي حاجة السوق للخريجين ولا بيئة نظيفة ولا أمن ولا أمان ولا اطمئنان ومستقبل مُظلم مجهول؛ وغزة اصبحت بها جماعات تتبني الفكر التكفيري البعض التشيعُ ليس قناعة بل كما يقول المثل 🙁 ما لزك على المُرّ إلا الذي أمرّ منهُ) وممكن هُنا من قائل يقول أنني تجنيت في مقالي هذا كثيرًا على حركة وحكومة حماس السابقة التي كانت ولا زالت تحكم غزة؛ وأين رام الله والرئيس وحكومة الوفاق من ذلك؟! أقول لكم وما أُبريء نفسي إن النفس لأمارةُ بالسوء إلا من رحم ربي؛ فكلكم راعٍ وكُلُكم مسؤول عن رعيته؛ وسيسأل أمام الله عز وجل يوم القيامة عما استرعاهُ الله لهُ: أحفظ؟ أم ضيع؟ فليعُد كل واحدٍ منا جوابًا لذلك اليوم العظيم الذي يجعل الوالدان شيبًا، في يومٍ يهرب الإنسانُ من أخيه بل ويهربُ من أُمه وأبيه، ومن زوجته وأولاده ويهرب من عائلتهِ التي كان يفتخر بها وتحميه ومن حزبه ومن تنظيمه ومن كل شيء يقول نفسي نفسي؛ لُكلِ إمرءٍ منهُم يومئذٍ شأنٌ يغنيه، لأن جهنم يومئذ سُعرت للظالمين حقوق العباد وللمجرمين وللقتلة وللسارقين وللكافرين والمنافقين والكذابين باسم الدين.
أيها الحاكمون لقطاع غزة إن العادات التي جرت وعُرفت بين العباد وفي الدين أن الانسان حينما يتزوج امرأةً وتُصبح زوجًا لهُ، يُصبح مسئولاً عنها أمام الله في كل شيء من كسوتها وطعامها وشرابها وقمحها وخبزها وماؤها وكهرباؤها وأمنها؛ فإن عجز عن توفير كل ما سبق هذا الزوج لزوجه فيكون الحل بالافتراق والطلاق ليغُني الله كُلاً من سعتهِ؛؛؛ وعلى حركة حماس أن لا تتذرع كل فترة بالحصار وخلص سولار المحطة الخ…. فالمواطن ضاق بهِ هذا الحال درعًا؛ فو الله ضاقت علينا الدُنيا بما رحُبت ولا ملجأ من الله إلا إليه؛ فإما أن تحققوا المصالحة ويتنازل كل طرف للأخر وغما أن تتكروا هذا الشعب يعيش بحرية وكرامة؛ وإما سيكون القادم لا سمح الله أسودًا مظلمًا وفتنة لا تُبقي ولا تذر لواحةٌ للبشر؛ فاتقوا الله قبل فوات الأوان فالظلم عاقبتهُ إلى الندم؛ ولقد بلغت أرواحُنا الحلقوم والتراقي؛ فإرحموا من في الأرض حتي يرحمُكم من في السماء.

الكاتب المفكر والمحلل السياسي
نائب رئيس المركز القومي للبحوث
عضو مؤسس في اتحاد المُدربين العرب

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version